سعد البازعي ، ناقد ومفكر سعودي حاصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة الملك سعود بالرياض 1974. حاصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بردو بولاية إنديانا في عام 1978 ، والدكتوراة في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو 1983 أيضاً وكانت أطروحته حول الاستشراق في الآداب الأوروبية. عمل أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984 وحتى انتقاله لعضوية مجلس الشورى عام 2009 ، رئيس النادي الادبي بالرياض.
يفترض أن عنوان الكتاب هكذا بإضافة "الفائزة" لأن هذا هو ما يناقشه البازعي في ورقته النقدية، وبذلك يكون للعنوان المكتمل دلالة على النص النقدي المترفع في برجه العاجي في مقارباته لمواضيع نخبوية حيث تتم قراءة نصوص متعالية أقلوية إما حازت أو كادت أن تحوز جوائز، رغم أن بعضها يعتورها الخلل الفني والدلالي بحسب ما ذكر الناقد لكن أصبح لها حظ وحظوة جعلها متسيدة المشهد، وبالتأكيد هناك نصوص روائية مكتملة وناجزة فنيا ودلاليا لم تأخذ حظها لدى لجان الجوائز وأهملت لأسباب إيديولوجية أو معرفية ربما بسبب عدم الاقتدار المعرفي في قرائتها أو فقد الشجاعة الأدبية المحايدة، وربما لو استشهد بمثل تلك النصوص لتحول هذا الاستشهاد إلى مأخذ للتشكيك فلذلك اكتفى الناقد بالنصوص الفائزة وعمم ثيماتها على ما لم يقرأ.
يقول الناقد سعد البازعي في آخر مقدمة كتابه ص18 واصفا إياه: "هو قراءة نقدية تبرز ثيمة أساسية في النص الروائي يراها القارئ مهمة على أكثر من مستوى والمؤمل هو أن القراءات تتضمن مايكفي لتبرير ماتبرز" فهل تضمنت مايكفي للتبرير؟ الكاتب متحيز مع / وضد، هذه هي الثيمة الرئيسة التي أراها في كتابه بخلاف ماذكره عن ثيمة العنف والأقلية! -متحيز مع روايات الجوائز سواء التي فازت أو كانت من ضمن قوائم الفوز أو قاربت الفوز -متحيز ضد الإسلام السني السلفي (الحنبلي) بالتأكيد لابد لأي كاتب / إنسان موقف سواء كان صريح أو متواري كما ذكر الناقد غير مرة في ثنايا كتابه، لكن أن يصبح التحيز صارخا ومتعاميا عن التطرف لدى الآخر، أن يزور التاريخ وأن يظلم البريء بذنب لم يقترفه ويحاكم بتهم ألصقت به بل هي في حكم المؤكد ولا تحتاج إلى جدل في إثباتها فهنا يكون موت الموضوعية وسقوط العدل النقدي وانتفاش الإيديولوجيا سقطة للمثقف الجاد الذي يفترض به البعد عن "التسييس والأدلجة الفاقعة" على حساب القيم الأخلاقية. لماذا روايات الجوائز دون غيرها؟ ربما بسبب مايلي: 1-البراغماتية في تأكيد الإيديولوجيا حيث لن يفوز إلا ماوافق هوى اللجان أو احتوى ثيمات معينة يتطلبها السوق الراهن ومن ثم تأكيد وترسيخ أن وجود هذه الثيمة هو مؤشر اجتماعي ودليل رواجها في المجتمع والفضاء الثقافي (مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية) 2-الإتكاء على الروايات الفائزة في تصدير الإيديولوجيا المناهضة للإسلام السني السلفي ولهذا شواهد في تحميل بعض الروايات ثيمة العنف رغم خلوها نسبيا من ذلك إلا أنه لأجل الاتساق النقدي حملت ما لا تحتمل (مغالطة الاحتكام إلى السلطة) 3-ضعف الإحاطة بما يطرح من روايات بالتوزاي الزمني مع الروايات الفائزة وقلة الاطلاع عليها وصعوبة ذلك على الناقد الأدبي الذي يفترض إلمامه بكل ما يخص الأدب بدعوى الهم الثقافي والتخصص الأدبي والتفرغ لذلك (ذكره ص193-194) ومن ثم يحصل انتقاء وانحياز تأكيدي لأجل توكيد النتيجة 4- الكتاب بكامله عبارة عن مقالات مجمعة، وكانت كل قراءة نقدية تتناول رواية فائزة أو مقتربة من الفوز في عامها ذاك، ثم طرأ على بال الناقد جمعها تحت موضوع جامع من أجل تصديرها في كتاب يبدو متماسكا بمنهجية وتنتظمه وحدة موضوعية، لكن ذلك لم يحدث بل ظهر التكرار لعدد من الموضوعات تجده في مقدمة القراءات فكل قراءة رواية تسبقها مقدمة تعريفية وهذا تكرر في غالب ما كتب، وأيضا ظهر اختلاف طريقة تناول النقد للروايات ما بين المقتضب والمسهب فليست على وتيرة واحدة أو سجية موضوعية مما أدى لنوع من الهشاشة والحشو الكتابي وتناقض في الطرح. 5-عمل الناقد في لجان تحكيم جائزة البوكر مما يجعل العمل أو المقالات أشبه بالتبرير لفوز عمل روائي ووصمه بالجدة والجدية والنضج من خلال النقد، وتعود هذه الفقرة على الفقرة السابقة رقم 3 وتترابط معها. بداية حاجج الناقد في ورقته عن التعمية والإضمار والإيحاء في الرواية وعدم التصريح و صعوبة ملامسة الموضوعات الحساسة ووجود خطوط حمراء تواجه الروائي مما يحتم عليه التكيف الروائي واستشهد بملاحظة مهمة وجديرة لأحد أهم روائي عصرنا (الكلام للبازعي) أورهان باموق تكررت كثيرا في الكتاب حول الفن الروائي: " أن الكتاب غير الغربيين اتكأوا على فكرة القص المتخيل المستعارة ليتحدثوا عن حقائق لم يكن بمقدورهم التعبير عنها صراحة" ويصرح الناقد سعد البازعي باتفاقه مع باموق في رأيه هذا الجدير بالتأمل ويسحبه على غالب الروائيين العرب. فهل هذا صحيح؟ أولا: الرواية من جانب فني إبداعي تحتاج أن تكون مرمزة وتبتعد عن السرد المباشر والجهوزية في الطرح وإلا اتضعت وضعفت فنيا وغشيتها الهشاشة وانزلقت إلى دركات الطرح المباشر وابتعدت عن أدبية الرواية. ثانيا: تناول الروائيون العرب شتى الموضوعات والثيمات قديما وحديثا واستباحوا كل (التابوهات) الاجتماعية والدينية والسياسية ولم يمنعهم شيء من ذلك وإن كان اضطر بعضهم للهجرة أو الكتابة بعد الابتعاد أو مواجهة المصير وهم جميعا قلة قليلة. ثالثا: "الرواية تظل الأداة الأمثل لكثير من المثقفين والمفكرين لتوصيل رؤى يصعب بدون المخيلة السردية وعوالم القص ايصالها بارتياح أو باطمئنان سواء أكان ذلك حول السياسة أم المجتمع أم الثقافة أم غير ذلك من شؤون تحوطها الحساسيات" هكذا يقول البازعي صفحة 60. رابعا: يقول الناقد ص62 في حديثه عن علاقة رواية زيارة سجى بغيرها "صلة الرواية برواية بدرية البشر أوثق من حيث أنها رواية سعودية وتشترك مثل روايات أخرى صدرت في المملكة العربية السعودية على مدى العشرين سنة الماضية على الأقل في التصدي لمسألة الكبت والتسلط الاجتماعي والديني بجرأة وصراحة" فإن كان الوضع كما قال هنا والملاحظة السابقة لها فلما الاستشهاد بملاحظة باموق وتكرارها والاعتذار بها للتكيف الروائي؟ أليس هذا تناقضا؟! برأيي هي محاولة للاستجداء والتوسل وممارسة خادعة للحصول على زخم إعلامي حول صعوبة الوضع في العالم العربي وخطورة موقف الروائي والمثقف في هذا العالم المتخلف الدوغمائي وأنه مجاهد في سبيل التنوير وتحرير الإنسان يستحق الثناء والإشادة والجوائز نظير خدماته، مثل ذلك من يذهب للغرب ويدعي الاضطهاد الديني أو السياسي وأن حياته في خطر محدق لأجل الحصول على الإقامة واللجوء السياسي ثم يتبين بعد ذلك أنه مجرد إنسان يبحث عن متع وانحلال لم يستطع ممارسته في مجتمعه الأم. ولا أدل على ذلك أيضا غير ما سبق نقله هو تقرير الناقد صفحة بقوله 204: " إن حضور شخصية المثقف في الرواية السعودية فيما يبدو لي ليس كثيفا إن وجد، وهو ما جعل من الصعب تناولها. والحق أنني لم أجد فيما أعرفه من الروايات السعودية شخصيات يمكن وصفها بالمثقفة على غرار ما مر بنا من أعمال" فهذا ربما دل بالأساس على عدم وجود المعاناة والاضطهاد لدى المثقف السعودي وأنه غير مهموم من هذه الناحية ولا يطارده خطر الموت أو شبح الاعتقال أو الإبعاد حتى يصبح ذلك موضوعا في الرواية السعودية كحال الروائيين العرب الذين فعلا أجبرتهم ظروف أوطانهم على الهجرة إما هربا للنجاة من واقع مرعب أو طلبا للحياة ومستقبلا مشرق، أو أن هذه الهموم لم تستورد حتى الآن كحال بعض الهموم العربية واستنباتها محليا من خلال إسقاطها عنوة على الواقع السعودي بواسطة الرواية، فهي إلى الآن غير ذات جدوى في صراع الإيديولوجيا ولا تمثل المثقف/ الروائي السعودي. يقترح الناقد الأدبي سعد البازعي أربع صور رئيسة للمثقف كما يتمثل في الرواية، صفحة 194: 1-المثقف المضطهد سياسيا أو اجتماعيا 2- المثقف المنفي 3-المثقف المتأمل في عزلة 4المثقف الانتهازي وسؤالي له أي المثقفين أنت في هذا التصنيف؟
حول ماهية الأقلية يقول الناقد سعد البازعي: " الأقلية ليست دائما بالعدد وإنما هي أيضا بالقوة والتأثير" في قراءاته المتعددة حول العنف والأقلية نجد أن الخيط الناظم لها والثيمة الرئيسة التي تتمحور حولها قراءاته النقدية أن الجميع معرضون للعنف والاضطهاد من عدوهم ومصدر الخطر عليهم الذي هو تقريبا (الإسلام السني "السلفي") وهو بالحقيقة أقلية مستضعفة يمارس عليها وضدها أبشع العدوان، أعتقد أن الروائيين العرب حالهم كحال العالم الغربي مع الهولوكوست وسب رموز الإسلام، فالهولوكوست حرام وخط أحمر لا يمكن تجاوزه أو مقاربته بينما حمى الإسلام مستباح للجميع، وكذا حال غالب حال الروايات التي مثّل بها استباحت المكون السني وشتمته وحطت من عقائده وأفكاره بشكل عام وألصق به ما ليس منه بحجة نقد التطرف والعنف والذي لا ننكر وجوده وأثره لكن وجب التفريق بين الإرهاب والعنف الصادر من جماعات التكفير والإسلام السياسي أو الشيعة أو الأنظمة الطائفية وبين الإسلام السني السلفي الوسطي، بل نجد تحيز الناقد ضده والأمثلة كثيرة منها ص48: "العنف الديني ذي البعد الاجتماعي وآثاره المدمرة على الحياة من وجوهها كافة" في وصف مجتمع السعودية وعلى طول الكتاب نجد الانتقاص والتهمة حاضرة في سبيل الدفاع عن إرادة المتع والغراميات والعلاقات الآثمة، الدفاع عن هموم طبقة مرفهة لأجل حياة هيبية عدمية وعيش باذخ بعيدا عن الهم اليومي المعاش. في ذات الصفحة 48 - والحديث عن رواية غراميات شارع الأعشى – ينقل الناقد سعد البازعي "أن لا شيء يحدث- من صدام مع المجتمع والتوتر الناشئ عن هذا الصدام - في بلاد مسلمة مجاورة مثل مصر التي تحلم عزيزة بأن تقلد ممثلاتها وراقصاتها اللاتي تراهن وتقرأ عنهن في الأفلام والمجلات" إذن هي رغبة في التحرر والانفلات واجهت ضبطا مجتمعيا أخلاقيا نجد البازعي يصفه بالعنف المدمر للحياة من كافة وجوهها. حلم عزيزة المتحقق في مصر نجد الروائي المصري في رواية أقليات في غيمة يندب حظه وحظ مصر رغم ما في مصر من انفتاح وتحرر تتمناه عزيزة السعودية، إلا أنه يرى الخطر المحدق بسبب الأقلية السنية المتشددة التي جاءت بفكرها من السعودية وتزحف بفكرها المتشدد على المجتمع المصري، قدم البازعي نقدا على استحياء لفكرة استيراد الفكر المتشدد من السعودية، هذه الفكرة المتحاملة من الراوي والخاطئة تاريخيا، وللأسف قدم تعاطفه مع الرواية بشكلها العام التي يراها مميزة وعميقة ما يؤكد حالة التحيز ضد الإسلام السني السلفي الوسطي حقيقةً. صورة أخرى معبرة بلا شك عن تحيز الناقد البازعي -والصور المؤكدة كثيرة ممتدة على طول كتاب مصائر الرواية- هي ما أورده صفحة 46 في وصف الرواية لسعد حينما حطم الراديو: "رمى به على جدران المنزل بكل قوة فسمع الجهاز يتحطم ...وحين حطمه سكتت الأغنية ماعدا ... فركل بقدمه رأس الراديو من جديد فتكوم تحت قدميه مثل فأر يحتضر" يصف البازعي هذا المشهد بقوله:" صورة معبرة بلا شك." وهي كذلك معبرة عن التحيز والإيديولوجيا الصارخة في حياد النقد والمائلة به عن العدل الأدبي، وإلا هل ممن الممكن تخيل المشهد حقيقة أن يحدث وأن يتحطم الراديو لكن يبقى يبث حتى يحطمه مرة أخ��ى في استثارة مليودرامية تستدر العاطفة وتلهبها ضد العنف الرمزي في المجتمع الذي يكبت ولا يرحم. العنف مرة أخرى فملاحظات الناقد حول موضوع العنف في الرواية هو النظر في التناول السردي للعنف من خلال بعض أمثلة من الروايات وكيفية تمثلها للعنف وسيكون معنيا بتمثل العنف في العمل الذي يتناوله وليس في الرواية بشكل عام (صفحة 27-28) فهل تحققت قراءة الناقد النقدية حول العنف كما قال؟! في قراءته لراوية الطلياني لم أجد العنف في الرواية فأين العنف؟ الرواية يبدو أنها أقحمت فيها ثيمة العنف لأنها فازت بجائزة البوكر (ارجع فقرة 2 في جواب لماذا روايات الجوائز دون غيرها؟) سوى ماذكره صفحة 58 ووصفه بالإيجاز البليغ عندما ذكر عنف البيت الذي لا يعد عنفا حتى من سياق النص المقتبس، وعنف الشارع الذي فعلا هو عنف لكن الناقد لم يسهب في نقده رغم أنه منتشر في العالم أجمع بين مقل ومستكثر بل في بلاد عربية يصيبك التحرش العلني بالغثيان وأنت ترى حال انحطاط الذكور في تلك البلاد، وكنت أتمنى على الناقد البازعي أن يشبعه دراسة ومعالجة وينقد ظاهرة التحرش بالنساء في الشوارع خصوصا أنه كرر نقل الاقتباس مرة أخرى صفحة 203 ، إلا أنه رأى أن المرأة/ المثقفة التونسية مضطهدة مما أجبرها على الهجرة لفرنسا مع صديقها الفرنسي بحثا عن عيشا كريم في نهاية مأساوية!! ماهو العيش الكريم الذي ترتجيه بطلة الرواية؟ رغم توفر المتع الحسية من خمر وجنس وانفتاح اجتماعي (ص56) إلا أننا نجد هنا هموم متعالية وموضوعات ينافح عنها الناقد المؤدلج تخص الأثرياء والمتنفذين من طبقات مخملية نخبوية تتغيا حياة هيبية عبثية ماجنة لم يشقوا فيها بجلب رغيف خبز أو علاج حبيب لهم أو جُهلوا ورُحلوا عن بلادهم البائسة، نقد يتجاوز المعاش اليومي البائس لكثير من البشر. أيضا ينسحب سؤال: أين العنف؟ على قراءة الناقد لرواية زيارة سجى، التي يظهر أن تقاليد وأعراف المجتمع هي صورة العنف والكبت وعدم المسألة لتلك الأعراف (ص 62). بل نجد العنف المضاد من الناقد المؤدلج ومن الروايات تجاه المجتمع بفرض رؤاهم الخاصة والطبقية على مجتمع متدين محافظ يرتكز على أسس أخلاقية مبنية على عقيدة إسلامية سنية صحيحة، ومحاولة لتجريف أخلاق وقيم هذا المجتمع بوصمها بالعنف الرمزي الذي يمارسه المجتمع تجاه الأفراد الخارجين عن تقاليده والقادر على التحول إلى عنف فعلي وهذا الاستنتاج من الناقد اختاره هو أما الرواية فلا تصرح بحقيقة ذلك العنف، وهذا مما يدعونا إلى اتهامه بالتحيز ومضادة المجتمع. أيضا يعاب عليه عدم التأكيد والتقريب البؤري للعنف الممنهج من قبل الطوائف الأخرى في الروايات التي تحدثت عن العراق أو سوريا أسوة بنقد (الإسلام السني السلفي) حيث تسببت تلك الطوائف المتمكنة سياسيا وتحكم قبضتها على البلاد والعباد بكوارث أحدثت ندوبا وشروخا عميقة في بنية الحياة الاجتماعية في تلك الدول وتسببت بمآس لا يمكن تجاوزها وتجتمع كلها في أن عدوها هو الأغلبية (العددية) السنية، فهل كانت قراءاته متكيفة نقديا على غرار "التكيف الروائي" ؟!
من الممكن أن نتساءل أيضا أين الأقلوية في رواية تغريبة العبدي وبشكل أقل في رواية موت صغير والمتمهن.
هل الروايات مصدر للمعرفة التاريخية؟ بله أن تكون مصدرا موثوقا لتلك المعرفة؟ يبدو أن الناقد سعد البازعي يرى صحة ذلك وإمكانه، انظر صفحة 114 – 152 – 214 – 218، كما أنه وقع ضحية هذا القبول عمليا ووقع في سقطة علمية موضوعية وذلك في صفحة 168 في سياق المقابلة بين موقفين متقاربين تلتقي فيهما روايتا (موت صغير) (ومسرى الغرانيق في مدن العقيق) في مواجهة أيديولوجيا إسلامية سنية متشددة ممثلة في رواية علوان بدولة الموحدين وتتمثل في رواية أميمة الخميس ببعض الحكام والحنابلة الذين يطوفون الشوارع رافضين عقلانية الاعتزال. أما دولة الموحدين فإسلامية متشددة نعم، أما سنية فلا؛ فهي أشعرية قحة مع تطعيمات اعتزالية وشيعية نشرت معتقداتها بالقوة والسلاح وسفك الدماء وسفحها ، وهذا ما يحاول بعض الأشعرية نفيه والتملص منه من خلال عدم أشعرية ابن تومرت مؤسس الموحدين سعيا لإبعاد شناعة التكفير ونشر العقيدة الأشعرية بالسيف. أما عقلانية الاعتزال فالتاريخ يشهد على مذابح أهل السنة من قبل خلفاء الاعتزال المأمون ومن بعده وكيف أصبح الحنابلة وغيرهم من أهل السنة مضطهدين مطاردين بين مسجون ومقتول على يد الاعتزال العقلاني، ومحنة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره من العلماء شاهد على ذلك، فكيف يصبح الضحية هو الجلاد؟! هذا التزوير التاريخي والتحامل على الإسلام السني السلفي (الحنبلي) يقتل موضوعية النقد وينحر الصدق على مذبح الأيديولوجيا ويؤكد ضمن علامات وشواهد أخرى مر ذكرها تحيز الناقد وتجنيه على أهل السنة ووصمهم بالتشدد والتنطع ومعاداة التفكير العقلاني. وهنا ملحظ يجب ذكره وهو أن الفكر الاعتزالي العقلاني في مخيال عدد من المثقفين يتماهى ويتساوق مع الحرية الفكرية والليبرالية السياسية وهذا بلا شك خلل وخطأ منهجي تاريخي وتشهي بلا سند وإلا فالمعتزلة فرضوا فكرهم بالسيف والقوة حالهم حال دولة الموحدين الأشعرية بخلاف أهل السنة سواء لما كان لهم الأمر من قبل المحن التي مرت بهم أو من بعدها.
أخيرا هنا ملاحظات أولية كان الأولى اكتبها في بداية مراجعتي هذه لكتاب (مصائر الرواية الفائزة ) لكن لا بأس من ذكرها في النهاية: هذه القراءة مبنية على ماورد في الكتاب فقط من ورقات نقدية ولم أقرأ الروايات التي أوردها. النقد موجه للكتاب في بيان تحيزه الصارخ والأدلجة الفاقعة. وجود تناقضات وأخطاء معرفية استدعت قراءتي للكتاب مرة أخرى حتى لا أكون متجنيا أو اتْهِم جزافا بالأدلجة والخطأ. موت الموضوعية والانحياز المؤدلج لدى من كنت أظنه ناقد ومثقف وأكاديمي جاد جعلت قراءتي المستقبلية له ستكون من خلال مراجعتي الآنفة وهي النظارة التي سأرى أو اقرأ من خلالها البازعي في بقية أعماله.
في النهاية " أقول إن النصوص التي توصف بكونها ضعيفة الأدبية تصلح لأن تقرأ بأدب، ذلك أن وجودها بيننا يحفزنا لأن ننتبه إلى ما يعتور حركة الكتابة في وقتنا من وهن أو من قوة، وما يحكمها من انتظام أو من فوضى، بل هي علاج للقراءة ذاتها من مرض اطمئنانها الخادع إلى مفهوم الإبداع ووظيفة المبدع" (السلامي، النص المعنف، ص23).
هل كلمة "كُتابنا" تتسع لمفكرينا؟ أعتقد ذلك فالمفكر يكتب :) المفكر السعودي سعد البازعي في حديثه عن الرواية ، أوجد لها قالباً مدهشاً يوضح عما إن كانت الرواية هامة ومفيدة كنص أدبي .. " النص الأدبي يقارب العالم، يقترب من التجارب، ويقترب من الأفكار والعواطف والعلاقات الإنسانية، بقدر إقترابه من اللغة التي يتمكن حسب شروطها وحسب مواضعات الأدب ليصيب من ذلك نصيباً من النجاح يكبر أو يصغر" ..
الرائع بالكتاب - ماابحث عنه منذ فترة - تناوله لروايات عربيه وتحليله لها من منظور ناقد خبير .. فمعظم الكتب التحليلية هي عن أقلام أجنبيه .. فقط رواية لزيبالد تتوسط ٢١ رواية عربية برأيي أتت في موضعها ليشرح الأقلية الروائية .
الكتاب مقسم لأربعة ابواب متناولا العنف، الاقلية، الفلسفة والترجمة في الرواية موردا ومحللا لروايات كأمثلة، "سماء قريبة من بيتنا " لشهلا العجيلي صنفها تحت الأعمال التي يحضر فيها العنف .. "فهرس" لسنان انطون ذكرها مرتين ناعتا انطون بالروائي المثقف، ومدرجا إياها تحت الأعمال التي تقدم الأقليات بزوايا تتجاوز التعاطف ..
كتاب مهم للقارئ العربي ، نظرة متفحصة حيادية لعدد لابأس من الروايات وإن بدت معظمها من ترشيحات البوكر :) ربما استغربت تكرار أكثر من رواية بعينها لبيان أكثر من فكرة.
لغة سهلة وممتعة بذات الوقت، أظنني سأتتبع فكر الكاتب خاصة كتابيه "المكون اليهودي في الحضارة الغربية" و"سرد المدن" .
# مصير الرواية قراءتها ابتداء، ومصيرها قراءتها هدفاً ومستقراً #لا أدب بلا مسافة. لا إبداع دون أن يتباعد المبدع عما يبدع قبل انتهائه من عمله. التماهي مع التجربة شئ ومع النص أو العمل شئ آخر. # في الرواية العربية أعمال كثيرة إما تصدر عن وعي الكاتب بإنتمائه الأقلوي أو تفاعله حد التماهي أحياناً مع أقليات تحيط به وتشكل جزءاً من النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه. # الإختيار التراثي يحمل تبيئة للأحداث والشخصيات ضمن ٱطار محلي وٱن كان بالغ القدم يرسخ هوية ثقافية ويؤكد لوناً من الانتماء