يتناول الكاتب عدداً من المسائل التي تثيرها قضية الديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العربي اليوم. وفيه أيضاً مقارنات متعمقة بين القضايا التي تهم المواطن العربي في كل مكان، كالمقارنة بين الديمقراطية والشورى، والمقارنة بين عالمية حقوق الانسان في المرجعية الأوروبية وعالمية حقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية، والمقارنة بين مفهوم الإنسان في الفكر المعاصر ومفهوم الانسان في القرآن.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”.
الكتاب يتطرق لموضوعين كما هو واضح من العنوان، فقسم الكتاب إلى أربعة فصول جعل لكل موضوع فصلين من هذه الأربعة فصول. القسم الأول: الديموقراطية تناول الجابري هذا الموضوع من منطلق الواقع الذي عاشه هو في السابق، فكان طرحه له قديما نوعا ما لن يفيد بشكل كبير القارئ لحل قضايانا العصرية، فغالب القضايا التي تناولها الجابري في هذا القسم قد تم تجاوزها في الغالب، لذلك وجدت الموضوع مكررا.
القسم الثاني: حقوق الإنسان ولعله أجمل ما في الكتاب، وبالأخص القسم الثالث من الكتاب عندما تناول الجابري حقوق الإنسان من ناحية التأصيل الثقافي لها في الوعي العربي، فأبدع أيما إبداع في تحليل وتفسير هذا الموضوع كما عودنا الجابري في مؤلفاته، بل حتى أن الجابري قام بتناول موضوع (الشورى) في قسم الديمقراطية لكنه طرحه بشكل غريب وسطحي لمن رجع لتعليقي عليه كما ذكرته سابقا، لكنه عاد وبقوة ليطرح مثل هذه المرجعية الإسلامية بل وينتصر لها ويوضح أبعادها ويشرحها بشكل فني غير مسبوق.. هنا تجد روح الجابري فعلا في كتاباته.
شخصيا: أرشح قراءة القسم الثالث من الكتاب، فهو أجمل ما فيه، بالنسبة للقسم الأخير فمن قرأ في الفقه الإسلامي السياسي فهو ليس بحاجة لقراءته ففي القسم هذا يستعرض الجابري حقوق الإنسان في الإسلام، لكن الجميل فيه أنه يعرض ما قد يستشكل من بعض القضايا والشبهات التي قد يتوهم البعض أن فيها تناقضا أو تعارضا مع حقوق الإنسان كقضايا الردة والرق وحقوق المرأة وغيرها
" ونحن هنا نؤكد على الديمقراطية كضرورة تاريخية، فلأننا لا نري بديلا عنهافي ظل عملية التحول الكبير التي تحدثنا عنها، سوى الإحباط والفوضي المؤديين إلي الحرب الأهلية. والحروب الأهلية لا تفرز بديلاً، لا ينتصر فيها طرف على طرف انتصارا تاريخياً يقفز بالمجتمع خطوات إلي الأمام ، بل بالعكس، فالحرب الأهلية تنتهي دوما الي نتيجة واحدة وهى هزيمة جميع الأطراف وليس غير الديمقراطية بديلاً تاريخيا لمثل هذه الهزيمة".
بتحليل عميق للوضع العربي الراهن، وتشريح بديع لنخب المجتمع وسوقته، يقر الجابري أن نعم، الديمقراطية أمامها عوائق سياسية واقتصادية وثقافية لا يستهان بها، موانع داخلية وخارجية. على أنه يراهن على طليعة مثقفة يسميهم "الكتلة التاريخية" المتجاوزة لثنائية النخبة العصرية/النخبة التقليدية. تأخذ على عاتقها أمانة إصلاح اِعوجاج الأمة. يرى أن لا سبيل إلا بأخذ مفاهيم تفرضها المرحلة التاريخية علينا:الدمقرطة وحقوق الإنسان. الواجب على الكتلة التاريخية تبيئة المفاهيم لا أن تنقلها كذا على عواهنها. في النهاية لا يهم ما تسمي حقوق الإنسان وما هي الخصيصة الثقافية لكل قطر، فحاصل القول يكمن في المقصد:حفظ وصيانة الكرامة الآدمية.
كتاب من الطف ما قد يقرأ. يعتبر مقدمة حسنة لمفهومي الديموقراطية وحقوق الانسان. أرى أن الجابري ألف هذا الكتاب ليكون مقدما للعامة وعدم المتخصصين، وهو في ذلك وافٍ.
من مقتطفات الكتاب اما الدعوه القائلة بان الديمقراطية السياسية لا يستقيم أمرها الي في ظل الديمقراطية الاجتماعية فهي دعوه اثبتت التجربه بطلانها. إن الغاء الديمقراطيه السياسي باسم الرغبة في تحقيق الديمقراطية الاجتماعية، اولا، لم يسفر الا عن استفحال البيروقراطية واستشراء الاستبداد وتفشي الجمود الفكري والعقائدي واستشراء العجز عن الوفاء حتى باكثر حاجات العيش الحاحا كالمواد الغذائية. . . فعلا، تؤدي الديموقراطية الى قيام الصراعات، ولكنها صراعات أفقية، أي طبقة ضد طبقة أو ايديولوجيا ضد أخرى أو عقلية ضد عقلية، والنتيجة في مثل هذا الصراع هي ظهور الجديد من جوف القديم والوصول إلى نتائج جديدة، وبالتالي، تحقيق التقدم. أما غياب الديموقراطية فهو لا يؤدي إلى انتفاء الصراع وإنما يصرفه إلى القوالب العتيقة كالقبيلة والطائفة مما يجعل منه صراعا عموديا. . . غير أن الوجاهة العقلية، أعني معقولية الشيء هي دوما مسألة نسبية، فليست هناك معقولية واحدة للشيء ثابتة لا تتغير، بل من الممكن دوما بناء معقوليات مختلفة. وذلك هو سبب اختلاف المذاهب في الفلسفة والدين والسياسة وتباين النظريات في العلم حول موضوع واحد. فكل مذهب، وكل نظرية، إنما يهتلف عن المذاهب والنظريات الأخرى بنوع المعقولية التي يشيدها لتفسير الأشياء. والثورة العلمية المعاصرة إنما قامت، منذ أواخر القرن الماضي، على أساس القول بتعدد المعقوليات.
كثير من المفكرين والكتاب - وأعني من قرأت لهم - حاولوا تأصيل فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية أو الثقافة العربية والإسلامية لكن محاولاتهم لم تكن بهذا العمق والمكنةةالتي تميز بها الطالبي في هذا الكتاب .
وهنا يتضح فارق القدرات المعرفية والعقلية التي يمتلكها الجابري مما منح كتابه وحديثه عن الديمقراطية في مرجعيتنا لها من المصداقية والعمق ما لها .
لقد وجدته مدافعاً عن ثقافتنا وأسبقيتنا ومثالية ثقافتنا سيما الملتصقة بفهم صحيح للإسلام ، بخلاف الصورة الذهنية التي عرفتها عنه من شديد عدائه للدين واستخفافه بالثوابت كما حاول البعض ترويج هذا . وقد يكون في مؤلفات أخرى له شيء من هذا لكن الوقت ما زال أمامنا لمعرفة ذلك والوقوف عليه .
ص ١٦ يحاول الجابري أن يخفف من الصورة المشوهة لمنظومة حقوق الإنسان وأنها نتاج الفكر العلماني واثبت عبر مجموعة من الأمثلة والاستدلال ببعض منقولات ومقولات رموز التنوير الغربي التي تصور احترامهم للدين وهجومهم على التقاليد الكنسية وليس الدين ذاته .
وأقول إذا نفى الغرب ورموزه التنويريين الحاجة إلى الدين - وهذا جلي - فلا يحط هذا من قدر حقوق الإنسان إذ هي مجرد نظام حكمي يتقولب حسب المحتمع الذي تعيش فيه .
في ص ١٨ يحاول الجابري أن يوجد تبريرات عقلية وتاريخية لتبديل بعض الأحكام الثابتة بنصوص قطعية تخص المرأة مثل الميراث والشهادة والطلاق وغيرها ، وكان واضحاً التعنت الكبير واستجداء النصوص ليستقر في صدري أن لنا خصوصية فيما يخص حقوق الإنسان الذي يحاول الجابري نفيها وإقناعنا للانخراط في الحالة العالمية لهذه الحقوق .
ولا يضيرنا أن نختلف مع العالم في بعض جوانب حقوق الأنسان اذا كانت ثوابتنا تقول بذلك سيما إذا عملت حكوماتنا على احترام الحقوق الأصيلة وهذا أقل ما نطمح إليه في مجتمعاتنا العربية ثم لن يضرنا الاختلاف في بعض جزئيات الأحكام .
ص ٢٥ لقد وجدت الجابري مدافعاً عن دعوى المساواة التي رفعها القرآن أكثر من أعلام الغيرة على الدين وحياضه وقد تفوق الجابري بفضيلة النبوغ العلمي ولغته العميقة التي جعلته يتناول النصوص بطريقة مميزة ويثبت غير المعاني التي كرسها بعض المفسرين نصرة للعادات وليس للقرآن ولو كانوا على حسن نية .
قرأت نصف الكتاب في " الديرة " ثم أتممته في مدينة خميس مشيط في رحلة العيد الترفيهية برفقة مجموعة من أحباب القلب .
أرى بأن هذا الكتاب بداية تأصيلية ممتازة لمن يريد التعرف على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعجبني جدًا الأسلوب المنطقي وتسلسل الأفكار لدى الكاتب كما أنه يكتب بلغة واضحة وسهلة ولديه من قوة الحجة والإقناع الشيء الكثير، الأمر الذي لم يعجبني في الكتاب هو بداية حديثه عن عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية من ناحية العقل والفطرة فهو استدل بأدلة القرآن الكريم فيما قد يكون الشخص القائل بخصوصية حقوق الإنسان في الإسلام شخص غير مسلم فكيف يُستدل بدليل من القرآن في مواجهة فكرة قد يتمسك بها شخص غير مسلم؟