قام الدكتور عبد الرحيم عبد اللاوي بنشر أول كتبه تحت عنوان المبادرة الاقتصادية أين يجيب على سؤالين أساسيين: لماذا نحن متخلفون اقتصاديا؟ و ما هي الآليات الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية في الجزائر؟
يعطي الدكتور في مقدمته مثالا عن سائح يزور الجزائر لأول مرة في حياته و يرى التناقض الكبير بين ثراء فاحش بالموارد الطبيعية و شباب بطال يعاني هواجس نفسية، بين موقع جغرافي جد مهم و شعب في براثن الفقر و قبضة الهم، بين غالبية مستعدة للعمل و فساد دمر البلاد و قتل الأمل.
و من هنا ينطلق التساؤل، أين الخلل بالضبط؟ هل هو غياب الاستراتيجيات أم أنها غير مجدية؟ هل هي أكاذيب السياسيين أو خطب غير مدروسة؟
كتاب خفيف و سهل، يشرح ببساطة ما قام به المركنتاليين طوال فترة حكمهم في الجزائر و السبل و الاليات التي ستقود الجزائر الى وضع اقتصادي أفضل، يصلح الكتاب لغير المتخصصين في الاقتصاد بسبب أسلوب الكاتب السهل و السلس.
لماذا نحن متخلفون إقتصادياً؟ بحثاً عن إجابة السؤال عاد الدكتور عبد اللاوي عبد الرحيم إلى زمن أول ظهور لمبادئ الإقتصاد الحديث على يديّ "أدم سميث" التي انتشلت أوروبا العصور الوسطى من براثن المركنتالية -وهي نفس حالة اللا عدل في توزيع الثورة، الفقر، البؤس التي عاشتها جزائر اليوم- وكيف نجح تطبيق تلك المبادئ في رفع الغبن عن الأوروبيين و تحريك عجلة النمو الإقتصادي. لكن هل ينجح نفس النموذج مع مجتمع غير أوروبي، بخصائص و عادات مختلفة؟
من هنا انتقل الكاتب إلى الفصل الثاني "فلنتعلم من غيرنا"، مستعرضاً فيه تجربة البيرو و البرازيل في النهوض من إنهيار الإقتصادي سببه سور عظيم يحيط بالإقتصاد الرسمي، إلى إقتصاد أكثر انفتاحاً، تنافسية وبمعدلات نمو محترمة.
الفصل الثالث -وأهم فصل- يأتي على شكل دراسة ميدانية وضعت الإصبع على الجرح، وأماطت اللثام عن حقيقة"مركانتليين الجزائر" و السور العظيم الذي بنوه والأبواب التي صدوها على عتبات الإقتصاد الرسمي. ولكن هٌنا أيضا يتبادر سؤال: هل المشكلة في نظام الحكم أم في الشعب؟
سؤال يُصبح جوابه بسيطاً، عندما تمر بين سطور الفصل الرابع، الذي يسرد "مهزلة القرن الـ21"، خبايا أسطورة الـ 1000 مليار دولار و يعرّي حقيقة الدعم الإجتماعي...
و أختم بحديث ورد في الكتاب، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: غَلَا السِّعْرُ فِي المَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»
يقول المنظر الاقتصادي الكبير آدم سميث في محاضرة ألقاها سنة 1755 م : " إذا أردنا وصول الدولة إلى أعلى درجات الثراء انطلاقا من أدنى درجات البربرية، فلا نحتاج إلى الكثير من المتطلبات، وذلك إذا توفر السلام والضرائب السهلة وقدر مقبول من تطبيق العدل. أما العوامل الأخرى فيتكفل بها المسار الطبيعي للأمور ". هل هذا حقا ما تحتاجه الجزائر للنهوض باقتصادها ؟ لماذا تمكنت دول كانت عن قريب مثلنا أو أسوء منا من النهوض باقتصادها ومنافسة الكبار في العالم ؟ ما الذي يعيق تقدمنا ؟ هل هو الشعب في حد ذاته ؟ أم النظام الاقتصادي ؟ أم الطبقة الحاكمة ؟ ما الذي علينا فعله لنلحق بركب الأمم ؟ كتاب ممتع سلس يبين فيه لنا الدكتور عبد الرحيم عبد اللاوي بعض أسباب تأخرنا الاقتصادي ويعرض لنا تجارب دول وحكومات أخرى علنا نستفيد منها وتجعلنا ننهض من كبوتنا. كتاب صغير مهم أنصح كل مهتم بالاقتصاد بقراءته ومتابعة كاتبه على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
حسب رايي قام الباحث في مجمل كتابه بشرح الظاهرة المعبر عنها (الإقتصاد الغير منظم ) وأسبابها (التي جعل اغلبها مرتبط بنظام الحكم)، لكن لم يفرد الدقة الأكثر لشرح مبادرته التي يأخذ الكتاب إسمها؟؟؟؟ هل باتخاذ النموذج البيروفي أم البرازيلي أم الجمع بينهما؟؟؟
طوال مدة قرائتي للكتاب خاب املي لقلة الشرح الخاصة بمبادرته
أتمنى الشرح والإفراد والتدقيق في قادم البحوث بالتوفيق
كتاب صغير، رائع، سهل ممتنع، به خيبات لما حدث و ما ضيّعته الجزائر بسبب المركنتاليين و أرباب المال و الفساد، و آمال لما "قد" يأتي لو يُطبّق جزء مما جاء فيه من اقتراحات و حلول و تجارب ناجحة لدول أخرى (كانت في نفس وضع الجزائر لكنّها) قررت الخروج من عتمة الفساد إلى نور السوق الحر و الانفتاح الاقتصادي!