في " النمر الذي يدّعي أنه بورخس " يأخذنا ضياء جبيلي مرة أخرى إلى عوالمه القصصية الأثيرة والمميزة، حيث لا يقبل جبيلي بالعادي والمألوف، ويمزج في سبيل ذلك بمهارة ودربة ما بين الإطلالة الواقعية على الأحداث وعوالم الفنتازيا الرحبة. في كل قصة من هذا الكتاب هناك تأكيد على أن ما في هذه الحياة أكثر بكثير مما نراه ونعتاده، يتداخل فيها المعاش مع المحلوم به، وأنّ " الكتابة ما هي إلا حلم موجه " على حد تعبير بورخس. هذا كتاب شيق، مدهش في القراءة.
ضياء جبيلي روائي وقاص عراقي تولد البصرة في 23 آيار 1977 الجوائز: جائزة مجلة دبي 2007 عن روايته لعنة ماركيز جائزة الطيب صالح 2017 عن مجموعته القصصية ماذا نفعل بدون كالفينو، جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت 2018 عن مجموعته القصصية لا طواحين هواء في البصرة القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، فرع أدب الأطفال و الناشئة، عن رواية فتى الشجرة. جائزة كتارا للرواية العربية، فرع الرواية التاريخية، عن رواية السرد الدري في ما لم يروهِ الطبري- ثورة الزنج 2024. صدر له : لعنة ماركيز، رواية، 2007 وجه فنسنت القبيح، رواية قصيرة، 2009 بوغيز العجيب، رواية، 2011 تذكار الجنرال مود، رواية، 2014 أسد البصرة، رواية، 2016 المشطور، ست طرائق غير شرعية لاجتياز الحدود نحو بغداد 2017 حديقة الأرامل، قصص، 2017 ماذا نفعل بدون كالفينو، قصص، 2017 الاسم على الأخمص، رواية، 2018 لا طواحين هواء في البصرة، قصص، 2018 2019، ساق الفرس، رواية 2020، النمر الذي يدّعي أنه بورخس، قصص 2021، البطريق الأسود، رواية الرائي-رحلة دامو السومري 2025
لو لم يكن اسم ضياء جبيلي على غلاف هذه المجموعة لقلت كتبها خوان خوسيه مياس، فلم تختلف مانيكات مياس وهي تتعرق على مانيكات ضياء! مرة اخرى يرحل بنا ضياء الى عوالمه الغرائبية العجيبة، بلغة سلسلة ساحرة، تنوعت القصص بمواضيعها، الحرب، الوطن، الأم، الفقد، السخرية، الحياة والموت ... إلخ. في هذه المجموعة امتاز ضياء بأسلوبه الخاص، حيث لا تجد الحشو في السرد ولا الحوارات التي لا معنى لها، كل شيء كتب هنا بإتقان. يقول ماركيز " إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الاولى فالأفضل عدم الاصرار على كتابتها" لا اعرف كم مزق ضياء من المسودات حتى اخرج لنا تلك المجموعة الساحرة. ضياء يسرد القصة القصيرة كما لو أنها مهنته الوحيدة في هذه الحياة. استمتعت بهذه المجموعة وانتظر المزيد منك. واقول لك ان سردك حلو حلو هواية حلو شكد حلو والله.
يقول ضياء جبيلي في مقدمة محموعته القصصية السابقة (لا طواحين هواء في البصرة): "لا توجد طواحين هواء في البصرة، أين أذهب بكل هذه الأوهام، أقاتل من؟"
استكمالا لهذه المقدمة/ الوهم، ومن خلال عوالم مبنية على أساسات من خيال واحداث فوق الواقعية بطابق واحد أو مئة، تنطوي قصص هذه المجموعة على شخصيات غريبة، خائفة، مهزوزة وغير حقيقة في الكثير من الأحيان، تحاولُ وهي تنتقل بين مناطق البصرة تارة وبين مناطق مجهولة الانتماء تارة أخرى، تحاولُ أن تعالج الكثير من المشاكل بطرقٍ خيالية لا تُصدق وساذجة غريبة، فتجد تارة الرجل الذي يختفي فجأة من المرآة ولا يشاهد نفسه، وتجد الجندي الذي يعيش تحت الماء منذ سنوات طويلة، وتجد المدينة التي تحولت إلى صرصار كبير باستعارة من مسخ كافكا وتفاصيل حياته، وتجد أيضاً همنغواي وفرجينيا وولف وموبي ديك وادغار بو وثربانتس، كلهم يجمعهم لقاء واحد، مصير مشترك، وذات العقبات والثيمة الرئيسة تواجههم من جديد؛ فتجد الفنار والحوت وسمكة السلمون والغراب وطاحونة الهواء.
أن أهم ما يميز هذه المجموعة، هو الأوهام التي تعيش بها شخصياتها واحداثها، كأن الجميع هم احفاد الروائي الاسباني صاحب "دون كيخوت" والمحارب الاعظم للاوهام "ثربانتس" فقصص هذه المجموعة استندت بشكل كبير إلى احالة القصص او نقلها إلى داخل حلم كبير، تنقسم جزئياته على كل القصص وداخل هذه القصص هناك أوهام مخيفة وهي واقعنا، حياتنا، مدينتنا الغارقة بالوحل، الفارغة من الطواحين، اذا نحارب من؟ لا طواحين هواء هنا؟
لا تستهويني القصص القصيرة ونادراً ما اُكمل كتاباً لقصص قصيرة لكن هذا الكتاب كان استثنائي
ضياء قاص مميز ومتفرد يجبرك على الاستمرار بقراءة مايكتب ، ممتع جداً، بإلاضافة الى ان قصصه تحاكي الواقع العراقي بطريقة ساخرة وتسلط الضوء على جوانب ضرورية في الشارع العراقي ،
رصد علاقة الإنسان بماحوله من جهة، وعلاقة الكاتب بشكل خاص أيضًا بعالمه، فنجده يستحضر الجمادات سواء كانت قديمة من الطبيعة أو مستحدثة من اختراع الإنسان كالأجهزة والآلات والدمى، ويقدم من خلالها رؤيته الفانتازية المغايرة، نقرأ في أقصوصة "عش الزوجية": كنت ما أزال أعاني من فرط التخيل، وهي حالة متعبة لا أعرف إن كانت ناتجة عن مرض نفسي ، عندما قررت الارتباط بحبيبتي رسميا، بعد طول انتظار دام لسنوات. أكثر عبارة سمعتها في تلك الأثناء وعانيت منها هي «عش الزوجية»، ومع أن الأمر كان متعلقًا بالأغصان، بدأت الفكرة تأخذ بعدا آخر، لا شأن له بعالم الطيور وأعشاشها، فرحت أتخيلني قندسًا يجمع الأغصان، قبل أن يتحول هذا الخيال إلى واقع. لا يعني هذا أني صرت قندسا بالفعل، لا يحدث ذلك إلا في القصص، إنما شرعت بالتقاط الأغصان في كل مكان أجدها فيه، حتى جمعت منها كمية كببرة قمت بتكديسها في الحديقة. بالطبع، لن أنسى في تلك السنة ذوبان الثلوج في الحبال، بسبب الاحتباس الحراري، وامتلاء سدود الجيران، مما أجربهم على إطلاق كميات هائلة من المياه، دفعت خبراء الموارد المائية إلى التنبؤ بحدوث فيضان مدمر يعم دجلة والفرات. ويبدو أن هذا هو ما أفزع زوجتي في ليلة الزفاف، عندما رأت الأغصان المكدسة في الحديقة وأصيبت بالذعر. وعلى الرغم من أني لم أفهم شيئًا مما قالته حينذاك، وكان أقرب لصراخ أنثى القندس منه إلى الكلام، لكني خمنت أنها كانت توبخني على تأخري في بناء السد.) ويستحضر جبيلي شخصية الكاتب/الأديب بنفسه وعلاقاته بكتابات الآخرين وعوالمهم، فيحضر ماركيز وكالفينو وغوغول ويقيم حوارًا أدبيًا متخيلاً بين عدد من كتاب روسيا، بل وتعجبه اللعبة فيما يبدو فيتحدث بشكل فيه مع الفانتازيا قدر من الطرافة في قصة مثل "حيوانات المكتبة" التي يرصد فيها عناوين "الحيوانات" التي تحضر في عناوين بعض الكتب: ((الكتب تعض .. فعلاً، كيف للكتب أن تفعل ذلك؟ عدت لأسأل نفسي، وأنا في طريقي إلى المنزل. فكرت أنها الفئران حقاً، هي من فعل هذا. لكنها ليست الفئران التي نعرف، ولكي أتأكد أكثر، عدت إلى الكتاب العضّاض، الذي سبق وأن قضم إبهامي قدميّ، فذُهلت حينما اكتشفتُ أنها رواية لجون شتاينبك عنوانها «الفئران والرجال»)) أتذكر عناوين من قبيل «اللعب مع النمر» دوريس ليسنغ، «النمر الأبيض » آرافيند أديغا، «النمر الأسمر » بيرل فافر، «النمر الأخير » لورين سانت جون، «الفارس في إهاب النمر » شوتاروس تافيلي، «أسنان النمر » موريس لوبان، «النمور في اليوم العاشر » زكريا تامر، «شارب النمر » هارولد كولاندر. ونجده في قصصٍ أخرى يركز على "الأمهات" جاعلاً من تفاصيل حياتهم عالمًا خاصًا، فيتحدث عن صمتهم وعلمهم ورائحتهم وإيمانهم بالغيب، وكيف يشكلون حياة أبنائهم ويؤثرون فيهم، لا سيما فيما يبثونه إليهم من حكايات تنمي ملكة الخيال، ذلك الخيال الذي يعتبره جبيلي في قصة أخرى "كائن حي" يحتاج إلى تغذية كي ينمو ويكبر، وما تلك القصص إلا غذاء مثالي للفكر والعقل لكي ينمو الخيال ويستطيع المرء من خلاله أن يتغلب على صعاب حياته.
هنا، في هذه المجموعة القصصية.. توجد متعة مختلفة، للقراء تحديدا .. بخيال ممزوج بالسخرية ، تختلط الأوراق بين حياة الأدباء الشخصية وبين ما أبدعوا من شخصيات.. فكأن الواقع أقرب ما يكون إلى الخيال
مثلا.. في القصة التي تحمل عنوان المجموعة نمر (بورخيس) لا يشارك في الرحلة لوحده؛ لأنه سيقابل الحوت الذي يدعي أنه (هرمان ملفيل)، والطاحونة التي تدعي أنها (ثربانتس) والغراب الذي يدعي أنه (ادغار آلن بو) وسمكة المارلين التي تدعي أنها (همنغواي).. وتكون (فرجينيا وولف) فنارا تتساقط أحجاره ..
وفي قصة اسماها المعطف يذهب رجل مسن لشراء معطفا قديما.. لكنه يسمع من جيبه حين يرتديه أصوات أبرز أساطين الأدب الروسي ، من (ديستوفسكي) إلى (تورغينيف) إلى (تشيخوف) إلى (تولستوي) وهم يتشاجرون على من صاحب عبارة (كلنا خرجنا من معطف غوغل!)..
قد تظهر (سلفيا بلاث) جثة مختبئة في فرن كهربائي .. و(آنا كارنينا) دمية جميلة في سجن للدمى.. و يبحث أستاذ للغة العربية على مدينة (غابرييل ماركيز) الخيالية .. ويلتقي آخر ب (ايتالو كالفينو) بمغامرة غريبة على شجرة البلوط .. أما الأكثر حضورا فكان (كافكا) بمجموعة قصص اسماها (كافكويات) ..
وكأن القصص منسجمة مع مقولة (آلان بو ) التي أفتتح بها الكاتب (ضياء جبيلي ) المجموعة : “ أوليس كل ما نراه أو يبدو لنا مجردَ حلم داخل حلم؟"
القصص في البداية كانت جداً ممتعة وجعلتني أفكر كثيراً بعد الانتهاء منها. لكن وجدت نفسي أستثقل قراءة الكتاب بعدها، وأصبحت أقرأه فقط لأنتهي منه. لا أرى مشكلة في الكتاب بل بالعكس، أجد فيه عمق لدرجة أنني لم أفهم كل القصص كلياً، واستمتعت بذلك التحدي. الدرس الذي تعلمته من قراءتي لهذا الكتاب أنني لا أستمتع بالقصص القصيرة، أحب الروايات لأنني أحب التعلق بالشخصيات ومشاهدة تطور الشخصيات والأحداث.
أعتقد أن هذا الكتاب قد ينال 5 أو 4 نجوم من الكثير، لكنه لم يناسبني.