لا تُذكرِ النهضة النسائية في الشرق العربي إلّا ويتسابق إلى الأذهان توّاً اسم مي. مي الأديبة المجاهدة التي عاشت ما كتبت فكانت حياتها المليئة خير ما تركت من الآثار. كانت دقيقة الملاحظة، أنيسة العشرة، رضية الخلق، تحب اللهو والضحك والحركة. ولكنها كانت غريبة الروح، موحشة الفؤاد، تميل إلى العزلة فتخلو بنفسها إذ تتنهد وتشكو وتكتب وتحسد العصافير المرفرفة حولها؛ تزقزق على هواها حرّة طليقة. ولم تكتفِ بمطالعة جبران فحسب، بل راحت تستوضح سيرته وأوضاعه باهتمام جدي، كأنما هي أرادت أن تكتشف الينبوع الأصيل الذي فجر ذلك النتاج. وعنَّ لها أن تكتب إليه، ولكن كيف تفعل وهي لا تعرفه، وبعد تردّد طويل تناولت ريشتها وخطّت أوّل رسالة منها إلى جبران. وكان ذلك في 29 آذار سنة 1912.رسائل مي يجب الاحتفاظ بها لأنها نوع جميل من أدب الرسائل في الأدب العربي، ففي الأدب الفرنسي رسائل لأمثال فلوبير وڨولتير وغيرهما، وفي هذه الرسائل تستطيع دراسة الكاتب أكثر من دراسته في مؤلفاته.لقد كانت على اطلاع واسع الحدود، فسيح المعالم، وكانت شخصيتها تثب مستقلة من خلال أفكارها وكتاباتها. فما قلدت كاتباً، ولا حاكت مؤلفاً، ولكنها ترجمت خلجات نفسها أو وحي ضميرها، وسرّ شعورها.
مي زيادة (1886 - 1941) كانت شاعرة وأديبة فلسطينية، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد. كانت تتقن ست لغات، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية. ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886. ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد. تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان. وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية, وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة. وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, و أحمد شوقي. وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة. ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية, مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف). أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية و أول أعمالها بالفرنسية اسمها أزاهير حلم ظهرت عام 1911 و كانت توقع باسم ايزس كوبيا, ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية. وفيما بعد صدر لها: (باحثة البادية) (1920), (كلمات وإشارات) (1922), (المساواة) (1923), (ظلمات وأشعة) (1923), ( بين الجزر والمد ) ( 1924), و(الصحائف) (1924). وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة, وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت. وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها. وعادت مي إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 17 تشرين أول (أكتوبر) 1941.
كتاب عبارة عن رسائل كتبتها مي زيادة لعديد من الأشخاص مثل جبران،باحثة البادية و هي ملك حفني ناصف الكاتبة المصرية وإحدى المجاهدات في سبيل تحرير المرأة،يعقوب صروف و غيرهم الكثير...
الكتاب حجمه مش كبير ولكنه مكتوب بلغة عذبة جداً و بتقدر تعرف منه جوانب بسيطة من شخصية مي زيادة..بس الصراحة أنا منبهرتش بيه و وجدت معظم الرسائل عادية... التقييم ٢.٥
في البدء أود أن اكتب تعليقي علي هذة الرسائل رداً بالفصحي احتراماً وتقديراً لتلك التي خطّت بقلمها الفذّ كلمات وعبارات طابعها سهل ممتنع جداً ، ودغدغت حواسي وايقظتها بخفة وامتعتها ..
حقا في هذة اللحظة أشعر لكم كنت أود انا يكون لدى بعض من موهبة الكتابة حتي اطلق ولو بالقليل من زخم اللغة الذي تشربتة وتسربل نافذاً إلي روحي وانا اقرأ من رسائلك بطريقة تعبر عن مدى اعجابي اولا ، وسرورى ثانيةً ، وفخري ثالثةً بامرأة ليس الا ، واشعر بأن كلمة " امرأة " تكفي مع تلك التي لامست حاشية قلبي ولكن سامحيني علي اجحافي وتقصيري فما باليد حيلة..
يا سيدتي وسيدة اللغة حتماً انا وقعت في غرامك او بالأحرى غرام عباراتك وكلماتك ومابين السطور من حروف ، اشعر بخجلي وآسفي من جهلي بمعرفتك طوال تلك السنوات التي كنت أقرأ فيها وابحث أنا دِينا من بين كثيرين علي كاتبي المفضل ومازلت لا اعرف من هو حتي أمس حين قرئت رسائلك ولكن وجدت أجابة لضالتي أخيراً ..
تقولين: " فان عشتِ عبدة باخلاقك كنتي حملاً ثقيلاً علي ذويك فكرهوك ونبذوك ، واذا عشتِ ملكة افدت اهلك ووطنك وكنت محبوبة مباركة . فأيهما تختارين ؟ إذا اخترت المُلك فروضي نفسك علي المكارم منذ الساعة، لأن الملوك يسلكون طريق العز منذ الصغر ."
وانا اقول اجيبيني يا مي كيف نعيش نحن النساء ملكاتٍ سالكين طريق العز منذ الصغر .. أظن ان ننظر إليك يا اديبتي ونخطو ..
يا أهالي الجود ريدز الكرام اقرأوا هذة الرسائل .. ٢١/١٠/٢٠٢٢
رسائل مي زيادة صفحات وعبرات من أدب مي الخالد نوع الكتاب : أدب المراسلات عدد الصفحات: 84 طباعة : دار الرافدين التقييم : 5 🌟 . . من قال بان شرط الاستمتاع بكتاب لا يمكن ان يكون سوى بكتاب ضخم!! ومن قال بان الكلمات البسيطة قد لا تكون قوية جداً حينما تصطدم بنا!! . . لطالما اعترضني الكتاب في كل زيادة اقوم بها للمكتبة كنت احيانا ارجح انه يناديني ويطلب مني اخذه ومع ذلك اشحت عنه دون ان ادري حتى شاء الله ان يقع بين يدي !!
لم اقرا اي من اعمالها قبل واذكر بان لدي في مكتبتي كتاب ميّ ليالي إيزيس كوبيا للمؤلف واسيني الاعرج ولم اقراءه بعد ايضا كـ آخرين معه برفوف مكتبتي 😅
رغم ان الكتاب صغير جداً ولكنه جميل جداً وقد جعلني اتتبع مجرى حياتها من خلال رسائل كتبتها لاخرين عاشوا في الزمن الماضي ذاته وتعلقوا بالادب مثلها ايضاً كانت علاقتهم من خلف تلك الرسائل تكشف لك جمال تلك العلاقة. . الجميل في اسلوب مي هو انها تختار كلمات بعناية شديدة ورغم بساطتها الا انها عميقة جداً وهذا ما يميزها وجدتها تُجيد تجسيد ما يدور بذهنها ووضعه بكلمات امراً مبهرا حقاً .. . بداية الكتاب جعلتني اراها بشخصية تسوية شديدة مُعتده بذاتها وقوية المراس ولكن بعد ذلك صدمتني بانها رقيقة جداً طيبة جداً ووحيدة جداً ايضاً رغم كل من كانو يحيطون بها! فكيف ذلك؟! عليك بقراءة الكتاب لمعرفة السبب! . . كانت تجربة موفقة للامانة ومحفزاً للبحث عن كتب اخرى ورسائل اكثر بكثير لها مع الشخصيات الادبية المعاصرة لها. . انصح به لمحبين ادب الرسائل واحذركم سوف لن ترغبوا بانهاء الكتاب!😅 . #مي_زيادة #رسائل_مي_زيادة
❞ كانت دقيقة الملاحظة، أنيسة العشرة، رضية الخلق، تحب اللهو والضحك والحركة. ولكنها كانت غريبة الروح، موحشة الفؤاد، تميل إلى العزلة فتخلو بنفسها إذ تتنهد وتشكو وتكتب وتحسد العصافير المرفرفة حولها؛ تزقزق على هواها حرّة طليقة. ❝ ❞ لماذا أراك عند نافذتي ترقبين ما ليس بالموجود وتشتاقين ما ليس بالبادي؟ ❝
كتاب صغير ضخم المعاني اول ما اقرأ لميّ زياده ولن يكون الأخير بكل تأكيد.
يقال حتى تتعرف على شخصية الكاتب عليك بقراءة رسائله، ولم يخيب هذا الكتاب، رسالة واحدة كانت كفيلة في ان اعجب بميّ المذهلة. تتعدد الرسائل والأشخاص والموضوعات وتتجلى شخصية ميّ فيها كلها، فلا تكتب شيء لا يبهر ولا يؤثر، قوية الرأي رقيقة الشعور.
يضم الكتاب بين صفحاته رسائل ميّ زيادة إلى شخصيات عديده من بينهم جبران خليل جبران و باحثة البادية و يعقوب صروف و غيرهم ..
تميزت الرسائل بجمال كلمات ميّ و مشاعرها الرقيقه و أحتوت حديث مختصر حول أدب ميّ كالحديث عن المرأة و مكانتها في المجتمع تحديداً في الرسائل الموجهه لباحثة البادية .. بالنسبة لي أجمل الرسائل هي رسائلها إلى جبران خليل جبران التي كانت تحمل الكثير من الحب و المشاعر الجميلة التي تحملها مي في قلبها لجبران.. أيضاً رسائل باحثة البادية كانت جميلة و للأمانة شوقتني أن أقرأ كتابها باحثة البادية قريباً جداً ..
بصراحة لا يمكن لمثل هذه الرسائل أن تكون "خالدة"، ولا يمكن اعتبارها من فرائد أدب المراسلات ولا حتى من جيدها.. خيبتي آمالي يا مي وكانت رسائلك للدكتور صروف أكتر من رسائلك لجبران حبيبك!
آلمني شكوتها الوحدة والمرض، غير كدا كنت هخرج من المولد بلا حمص
مي زيادة الكاتبة والأديبة التي ذاع صيتها بين أدباء القرن العشرين في مصر ، وصاحبة الصالون الأدبي الذي كان يجمع أقطاب الأدب العربي -آنذاك- كالعقاد والرافعي وطه حسين والمازني .. وغيرهم .. راسلت مي أعلام عصرها من رجالٍ ونساء ، متخصصين في شتّى الميادين والمجالات الفكرية والأدبية والسياسية والاجتماعية المختلفة ، فجُمِعَت بعض رسائلها في هذا الكتاب اللطيف الماتع ، وكانت جل الرسائل المجموعة هنا شخصية -وربما عاطفية- إلى حدٍ كبير . كانت أجمل تلك الرسائل ما خُطَّ إلى الكاتب جبران خليل جبران ، وعلاقتهما صامتة لكنها لا تخفى على أحد ، تفضحها حروف مي وكلماتها ، وهي قصة غرامية خلدتها الرسائل دون أن يكون بينهم لقاء حقيقي حتى مات كليهما ..
تجميع لرسائل قليله من التي كتبتها مي زياده لمجموعه من معارفها ، تتحدث فيها عن مواضيع مختلفه ، منها حقوق المرأه ، المهارات الصحافية ، الحب و الصداقة. معظم الرسائل غير موحية او ملهمه ، البعض الآخر به جمل تستحق الاقتباس . ادهشني ان مي اضربت عن الطعام و رفضت مقابله الناس و دخلت مصحه عقليه في آخر حياتها و كانت معترضه علي هذا الدخول و لم تستطع ان تقاومه.
مي طبعا لغتها قوية و جميلة ، حياتها عاديه علي اصعده و صعبه علي اصعده اخري ، لكن لم يساعدني الكتاب علي تكوين اي فكره واضحه عنها او عن سيرتها، و هو بشكل عام يبدو كتجميع للرسائل بلا هدف حقيقي كمعرفه الكاتبه او توثيق لحياتها.
"الحمدلله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به، لأنك لو كنت الأن حاضراً بالجسد لهربت خجلًا بعد هذا الكلام، و لاختفيتُ زمنًا طويلًا، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى. " - مي زيادة لجبران خليل جبران ١٩٢٤ .
بدأت بالأمس قراءة هذه الرسائل وهي معظمها من مي زيادة لأشخاص وإحدى رسائلها كانت لساعتها العزيزة والتي فقدتها. كنت أقرأ وأنا أستمع لموسيقى yanni منذ بدأت القراءة وحتى النهاية. أحببت الرسائل جداً وأحببت مي زيادة. الكتاب أصبح من مفضلاتي رغم أني لا أتفق مع جميع آراءها وأفكارها ولكنها شخصية قوية،صريحة ومثقفة تعرف كيف تستخدم حرفها ومتى تستخدمه.آلمني ما عاشته خصوصاً في آخر أيامه(والذي علمت به من وثائقي يتحدث عنها).
" غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة، هي الزهرة آلهة الحب. أتُرى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي، لها واحد جبران، حلو بعيد هو القريب القريب، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مراتٍ كثيرة قبل أن ترى الذي تحبه، فتتسرب إليها كل وَحشة الشفق وكل وحشة الليل، فتُلقي بالقلم جانبًا لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: جبران."
"نعم، أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص، والصدق، والحمية، والتحمس لكل شيء حسنٍ وصالحٍ وجميلٍ لأنه كذلك، لا عن رغبة في الانتفاع به."
أذكر منذ أيام الدراسة إسم مي زيادة جيداً. لم ندرس أو نعلم عنها الكثير، كل ما أذكره عنها هو بعض الصور الساخرة علي مواقع التواصل الإجتماعي عن مي و أحبائها. كيف لخص العالم الآن مي و أدبها و كل ما فعلته بعدد الأدباء الذين وقعوا في غرامها و كأن هذا هو كل إنجازها. تذكرت كل هذا و أنا أقرأ و حزنت و أنا علي يقين أنه لو عادت مي و رأت كيف يتذكرها الآخرين الآن لماتت من الحسرة مرةً أخرى.
"ولكن لي قلباً يكاد يذوب عطفاً وإشفاقاً على من يستحق الرحمة ومن لا يستحقها، وهذا علّة شقائي ومبعث آلامي. إنّ قلبي يتصدع من أحوال هذا المجتمع الفاسد."
أعتقد أن أكثر ما أعجبني بالكتاب هي رسائلها مع باحثة البادية "ملك حفني ناصف" التي جعلتني أبحث عن امرأة علمتُ فيم بعد أنها عاشت حياتها احتملت ذنب أنها عاقر و إهانة كل من حولها لها، لأنه هكذا يفعل المجتمع بإمرأه لم تحمل بعد. لتكشف في النهاية خداع زوجها و كذبه و كيف أقنعها لأعوام أن المشكلة بها بينما هو من كان المريض و ليست هي، لكننا نعيش في مجتمع يرفض الرجال فيه الإعتراف بمرضهم و أخطائهم. ربما لهذا أحببت رسائلهم شعرت بآلامهم، بمحبتهم و صدقهم تجاه قضية ستؤدي إلي هلاكهم يوماً.
" ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر"
لا أعلم هل أنا فقط من لاحظت هذا أم لاحظ غيري كيف كانت طريقة كتابة مي تتغير كلما حادثت جبران خليل جبران. كانت تحادث نفسها تشعر معه بأنها هي، تكتب فقط تكتب كل ما يجول بخاطرها دون أن تفكر أو ترتب أفكارها، كانت تكتب لحبيب لم تراه يوماً.
"بيد أنّ هذه الشهرة التي طالما سعت إليها مي وحسبتها الدواء الناجع لقلقها، لم تحررها طويلاً من ربقة الكآبة. وما هي إلا أيام حتّى عاودها السأم فشعرت بعقم الحياة الرتيبة وأحست بالفراغ القاتم يسود أعماقها ولا يغيب."
هذا الكتاب يحمل رسائل مي الخالدة، يحمل معانتها و شقائها بين أوطان لم تقبلها، كيف عاملوها كالمجذوبة، كيف أحبت و كم خافت. هذا الكتاب هو نظرة علي حياة امرأة لم ينصفها المجتمع وقتها و لا حتى الآن، لكنه الأمل أن يأتي يوم و ينصف العالم مي و يعلموا أنها أكثر بكثير من امرأة وقع بغرامها العديد من الأدباء.
اول تجربة لي مع ادب الرسائل ولكن الاختيار لم يكن موفق ،،لم يسبق لي القراءة لمي زيادة ولكن تطرقها لمعاناتها في بعض الرسائل شدني لمعرفة قصتها، وبعد اطلاعي على نبذة من حياتها تألمت لألمها،لذا انصح بقراءة سيرتها قبل رسائلها .
كانت الرسائل محملة بالعواطف والمنطق حلو اللسان واللغة الشاعرية الأنيقة، فتاة لا تأنس إلا بأصحاب الفكر والأدب، ورؤية الأيام من منظور فتاة شاعرية رقيقة لا أديبة مخضرمة.
كُنت قد تعرفت على ميّ وسيرتها من خلال كتاب النبي لجبران وكان قد تحدث عن علاقته بها وعن مدى حبّه وتقديره لها وهذا الذي شوقني لاقرأ هذا الكتاب لكي اجد رسائلها مع جبران اضافةً الى تشوقي الى ان اتعرف على هذه الاديبة التي كان لها دور في النهضة النسائية في الشرق العربي والتي تميزت كذلك بأدبها العذب الرائع..
كان هذا الكتاب عبارة عن مجموع من الرسائل بين ميّ وبين عديد من الاشخاص منهم الاقرباء ومنهم الادباء وابرزهم يعقوب صروف وجبران خليل جبران والريحاني.
وكما قلت سابقًا فقد كنت متشوقة لاقرأ رسائلها الى جبران وطبيعة علاقتها به وقد احببت هذه الرسائل بالفعل وكذلك استمتعت بقراءة رسائلها الاخرى.
استمتعت برحلتي هذه للتعرف على ادب ميّ وعلى شخصيتها وعلى طبيعة علاقاتها، واتوق لقراءة اعمالها الاخرى.
أنهيت هذه الصفحات الضئيلة و أنا بإبتسامة وجه وغصة روح. قطعًا لا أبالغ حين أقول بأنه من أشد و أرّق، أبلغ و أجمل ما قرأته روحي، وجاد عليّ به قدري، من أعذب و أرهف ما قرأت، ليس في عامي هذه، و إنما في أعوام حياتي كلها. قد يكون ذلك لحبي و إعجابي الفذ بالشخص الذي هي عليه -أعني مي زيادة- طبعًا هذا بجانب أناقة اللغة التي تحويها الصفحات، لباقة التعبير، عظمة الفكر وسحر الفحوى والجوهر. إلهي ما أملح عالم كلماتها، و دهاء مفرداتها. عهدت على نفسي، بأنني سأحفظ عن ظهر قلب الصفحات التي خطفتني مني، الصفحات التي صار قلبي لها آسيرًا.. لا لشيء و إنما لأحملها في داخلي ما حييت، لأحفظها و تحفظني، لتدفئ دواخلي و تجبرها.
" غربت الشمس وراء الأفق ، ومن خلال غيوم الأشكال والألوان العجيبة ، أحصيت نجمًا واحدًا ساطعًا ، وهو فينوس ، إلهة الحب. أغنى وحيد جبران ، حلو وبعيد ، قريب قريب ، تكتب له الآن والشفق يملأ سكانه كأرضنا ، أناس يحبون ويشتاقون؟ ربما وجد شخصًا مثلي ، لديه مساحة ، وأنت تعلم أن الظلام يتبع الشفق ، وأن النور يتبع الظلام ، وتلك الليل ستتبع النهار ، وسيلي الليل بالنهار عدة مرات قبل أن ترى من تحبه ، كل تتسرب إليها وحدة الشفق وكل عزلة الليل ، فتلقي بالقلم فيها لتحتمي. من الوحدة باسم واحد: جبران" 💌♥️
لأنّ كلّ ما تلمسين يتحوّل ذهبًا رقيقًا يدفع المحزون للتنهّد، والسعيد للابتسام، والوحيد للغبطة الحنونة. أحبّ ميّ أحببتُ ما كتبتْ أم لم أحبّ. لقراءتها جوٌّ خاصٌّ أجد لذته وحزنه على لساني وفي غشاء قلبي وتحت مسام جسدي وفي عيوني. أمشي في الطرقات وميّ حاضرةٌ في قلبي؛ رسالةٌ أثيريّة في الريح، نتشارك فيها بهجة الطبيعة وألمها الذي نفهمه خير فهم نحن من نحبّ ميّ.
تخيل نفسك أمام منضدة عتيقة مع عدة الكتابة تستعد بعقل نير لكتابة هذه الرسائل، تخيل أنك تستلم ظرفاً به رسالة لك من عزيز أو صديق! شعرت بالكثير من الدفء وأنا اقرأ رسائل مي زيادة، كانت تنقصني فقط الرسالة الأصلية !
• مجموعة من رسائل مي زيادة المرسلة إلى أشخاص مختلفين في أوقات و أماكن مختلفة و لغايات متنوعة .. تبدأ بمقدمة للأديب اللبناني جميل جبر ، يتحدث فيها عن حياة مي زيادة التي امتازت بنزعتها للحزن و الإكتئاب .. لكن المقدمة تتجاهل تعلّق مي بجبران و ترددها في شكل العلاقة بينهما ، و تنكر أقاربها لها بعد موت والديها و كيف اودعوها عنوة إلى مستشفى الأمراض العقلية لبستولوا على أموالها ، وكيف ماتت وحيدة ، و لم يحضر جنازتها أحد.
• الرسالة الأولى ، من مي زيادة إلى باحثة البادية " ملك حفني " ، وكانت عام 1902 م ، بعد أن سمعت مي زيادة عنها و قرأت بعض كتبتها فرغبت بالتعرف عليها عبر الرسالة .
وفي الرسالة تكيل مي المديح لباحثة البادية و تشرح كيف تأثرت بكتاباتها التي لامست جروحها النفسية و أوجاع المرأة العربية التي تبحث عن حريتها ..
كما تشجع الياحثة على الكتابة و المطالبة بحقوق المرأة ، لأن الرجال مهما وصلوا إلى درجات الابداع الأدبي ، لا يستطيعون التعبير عن مأساة المرأة كما تفعل هي :
( تتوالى الأيام ونحن في ضلال مبين، الرجل يجاهد في حرب الاقتصاد الدائمة، الرجل تائه في مهامه أشغاله، فإذا كتب بحث في العموميات، وإذا أجال قلمه في الخصوصيات فهو لا يستطيع البلوغ إلى نور الوجدان النسائي؛ لأنه يكتب بفكره، بأنانيته، بقساوته، والمرأة تحيا بقلبها، بعواطفها، بحبها.
علاتنا مستعصية لا يشفيها إلا طبيب يعرفها، والمرأة بعلة جنسها أدرى فهي تستطيع معالجته، ولا تطالب هذه الخدمة الشريفة من فتيات لا يعرفن من الحياة إلا ما يصوره لهن الخيال المخيم بطلانه على منابت العواطف المخصبة، هذا اعتراف ساذج صادق: الفتيات لا يداعبن القلم إلا لينثرن الدموع أو ليصورن الابتسامات، وما تجاوز ذلك علامات استفهام متتالية، وإن لم ير فيها من الاستفهام شيئًا. )
( ضمي يدك الباردة إلى الأيدي التي تحاول رفع هذا الجيل من هوة الحيرة والتردد، ساعدي في تحرير المرأة بتعليمها واجباتها، إن صوتًا خارجًا من أعماق القلب، بل من أعماق الجراح كصوتك قد يفعل في النفوس ما لا تفعله أصوات الأفكار.)
• الرسالة الثانية كانت إلى جبران خليل جبران بعد أن قرات له رواية الاجنحة المتكسرة ، وفيها تعترض على نظرة جبران للزواج على انه قيود اجتماعية ، و موافقته على أن تلتقي المراة بصديق لها من وراء زوجها ..
وهنا تتضح شخصية مي الفريدة ، المدافعة عن حقوق المرأة ، ضمن حدود المنطق و الدين و الطبيعة ..
( إننا لا نتفق فى موضوع الزواج يا جبران. أنا أحترم أفكارك، وأجل مبادئك، لأنني أعرفك صادقاً في تعزيزها مخلصاً في الدفاع عنها، وكلها ترمي إلى مقاصد شريفة. وأشاركك أيضاً في المبدأ الأساسي القائل بحرية المرأة. فكالرجل يجب أن تكون المرأة مطلقة الحرية بانتخاب زوجها من بين الشبان تابعة فى ذلك أميالها وإلهاماتها الشخصية، لا مكيفة حياتها فى القالب الذى اختاره لها الجيران والمعارف. حتى إذا ما انتخبت شريكاً لها، تقيدت بواجبات تلك الشركة العمرانية تقيداً تاماً. أنت تسمى هذه سلاسل ثقيلة، حبكتها الأجيال، وأنا أقول أنها سلاسل ثقيلة، نعم. ولكن حبكتها الطبيعة التي جعلت المرأة ما هي. فإن توصل الفكر إلى كسر قيود الإصطلاحات والتقاليد، فلن يتوصل إلى كسر القيود الطبيعية لأن أحكام الطبيعة فوق كل شيء. لم لا تستطيع المرأة الإجتماع بحبيبها على غير علم من زوجها؟ لأن باجتماعها هذا السري، مهما كان طاهراً تخون زوجها وتخون الإسم الذى قبلته بملء إرادتها وتخون الهيئة الإجتماعية التي هي عضو عامل فيها )
وفي الجملة السابقة الكثير من الأدب ، فقد بدأت رسالتها بالثناء على جبران و الثناء على مقاصده و أفكاره ، قبل أن توجه له الانتقاد ..
( إني أشعر شعوراً شديداً بالقيود المقيدة بها المرأة ، تلك القيود الحريرية الدقيقة كنسيج العنكبوت المتينة متانة أسلاك الذهب. ولكن إذا جوزنا لسلمى ( سلمى كرامة بطلة الرواية) ولكل واحدة تماثل سلمى عواطف وسمواً وذكاءً الاجتماع بصديق شريف النفس عزيزها ، فهل يصح لكل امرأة لم تجد في الزواج السعادة التي حلمت بها وهي فتاة أن تختار لها صديقاً غير زوجها، وأن تجتمع بذلك على غير معرفة من هذا ، حتى وإن كان القصد من اجتماعهما الصلاة عند فتى الأجيال المصلوب؟ ) .. لم يشفع لجبران إقحامه لمشهد المسيح المصلوب و آلامه ، كي يبرهن على مقصده الشريف من خلوته بسلمى كرامة ..
• الرسالة الثالثة كانت من باحثة البادية ردا على رسالة مي ، ثم رسالة من مي إلى الباحثة .. و في الرسالتين يدور بينهما حوار جميل عن حقوق المرأة و عن نظرتهم للرجل ..
فتقول مي : ( هو الأب والأخ والصديق والخطيب والزوج فإذا سقط سقطنا معه، وإذا ارتفع كنا بارتفاعه عظيمات؛ لذلك نريد له خيرًا ونجتهد في تأييد دولته، بشرط أن ينصب عرشنا بقرب عرشه، وأن نقف إلى جنبه وقفة المثيل بجوار المثيل، نريد أن نكون متساويين في الواجبات والمسؤلية، بل إن واجباتنا ومسؤليتنا يفوقان ما عليه من مسئولية وواجب! )
( الرجل من الذين يستحقون الشفقة؛ لأنه لا يعرف أنه يستحقها. إنه باستعبادنا لمنتحر، ولو صرفنا النظر عن مستقبل الذرية وبحثنا في حياته الفردية لوجدنا أن ما من أحد يساعده على التخلص من الشوائب الشائنة، ويحثه على إنماء شخصيته الغنية المخصبة إلا نحن، كما أنه لا يهدينا إلى واجباتنا ويضع في ضعفنا قوة إلاه ) .. مرة أخرى تثبت مي أنها تنظر للمسألة نظرة معتدلة متناسقة مع الدين و الطبيعة .
في رسالة مي أيضا جملة غريبة و طريفة ( إني أحب — أستغفر الله وأستغفرك يا سيدتي — آلامك النفسية الشديدة من جراء شقاء الإنسانية وضلالها، وأتمنى من أعماق فؤادي أن تجد دوامًا تلك الآلام منفذًا رحبًا إلى قلبك، وأن يبقى ذلك القلب كريمًا لينًا ينجرح لجرح الغريب ويبكي لبكاء المظلوم، ويشفق على المتوجع أيًّا كان، بالاختصار: عفوك! عفوك! أتمنى لك العذاب المعنوي؛ لأنه النار المقدسة. أجل، هو النار التي تطهر النار التي تلين النار التي ترفع النفس على أجنحة اللهيب إلى سماء المعاني السامية والميول الرفيعة والرغبات الكريمة، والتحمس لإجراء الإصلاحات اللازمة وتنفيذ المبادئ الطيبة، والنهوض بالاجتماع نهضة تهتز لها القلوب حميةً وطربًا ) • الرسالة التالية كانت موجهة إلى ساعتها اليدوية التي ضاعت ، رسالة جميلة تشعر و كأن مي تخاطب حبيبا فقدته .. كما تتضح براءة مي فيها حين قالت :
( ها قد هجرتني، فقدتك فسيري بحراسة الله وانسيني ! ولكن انتخبي اليد التي ستطوقينها! فإذا وقعت في يد شرير وقصد استعمالك ليؤذي أخًا له فانقلبي أفعى لساعة ولا تبرحي مفرغة فيه سُمَّك حتى تصرعيه قتيلًا!
… لكن لا، لا! ليس الأشرار إلا ضحايا البشر وضحايا نفوسهم لو كنت تعلمين، وهم خليقون بالرحمة أكثر من الأخيار الصالحين؛ فلا تتحولي حية ولا تؤذي شريرًا، بل غادري تلك اليد المسكينة واسقطي في طريق أب فقير لتكوني من نصيب فتاة لم تلبس في حياتها حلية، زيني يدًا شوهت خشونة الخدمة جمالها، ونامي على زند الفتاة الغريبة بدلال القبلة والتحبب! نامي هناك وأسعدي ولو ساعة قلبًا بائسًا يحسب السعادة في الغنى! )
• الرسالة التالية كانت موجهة إلى أحمد لطفي السيد الذي كان رئيس لجنة تأبين أحمد فتحي زغلول باشا عام 1914م و تعاتبه فيها على تجاهل الوجود الانثوي في حفل التأبين ، مع أن أحمد السيد قد عرج في خطبته على دور المرأة التي ربت فتحي باشا وهي والدته و دور الأمهات البسيطات في إنشاء العظماء أمثاله.
• ثم رسالة إلى الأستاذ يعقوب صروف و قد أهداها نسخة من مجموعة المقتطف ، فتبدأ بالثناء على الجامعة الامريكية التي تعلم فيها ثم تشيد بمقتطفاته فتقول :
( كلما عكفت على مطالعته رأيتني طفلة صغيرة و خلتك نبيا يقودني بيدي في حديقة فكرية ، أشجارها من غرس نشاطك و أثمارها حركات قلمك ، و الاطيار المغردة على أفنانها خيالات أفكارك ، فما أبصر شجرة أو ثمرة أو زهرة ، إلا سألتك أهي من صنعك ؟ فتضحك أنت من سذاجتي و تسير بي إلى ناحية جديدة من الحديقة الفيحاء ، حيث أجد جمالا جديدا ، و تنسيقا بديعا . و إعجابي و سروري يتجددان مع كل خطوة من خطواتي .. أشكرك شكرا يعادل اغتباطي و فخري بهذه الهدية الثمينة .)
و في رسالة ثانية بعد أن قرأت مزيدا من المقتطفات تقول له : ( أتمنى أن يأتي ب��د موتي من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص والصدق والحمية والتحمس لكل شيء حسن وصالح وجميل، لأنه كذلك، لا عن رغبة في الانتفاع به. وقد قال فوم أن هذه صفة حسنة. و إذا كانت لي صفة فهي تنحص في هذه .. و أنا سعيدة بها لأنها كل شخصيتي .. بل أتمنى أن أموت في حياتك أنت لتقوم لي بذلك العمل المبارك ، فأكون خالدة بخلود قلمك الذهبي لا باستحقاقي. )
ثم تتبعها بأربع رسائل أخرى يتضح فيها إعجابها الشديد بشخصيته و ثقافته .
• وفي رسالة إلى جبران كتبت عام 1920م ، تعاتب جبران و تشرح لها فيها الدوافع التي جعلتها تبتعد عنه لفترة ، و أنه�� كانت تخشى من أن تتحول علاقتهم الفكرية إلى علاقة حب .. فتقول :
( تعمدت ذلك خصوصاً لأوفر على نفسي عذاباً هي في غنى عنه ولأتحايد كل كلمة تقربني من ذلك الموضوع الذي ملأ روحي شوكاً وعلقماً في هذه السنوات الماضية . ففهمت ما أريد وإنما في غير معناه الحقيقي , وفهمته على وجه لم أقصده . ثم سطت عليك الكبرياء . كبرياء الرجل , فنسيت أن السكوت لا يحسن بيننا على هذه الصورة نحن اللذين تكاتبنا أبداً كصديقين مفكرين . نسيت أن الموضوع الآخر جاء عرضاً . وما دام إنه لم يكن الأصل فقد كان له أن يتلاشى دون أن يؤثر في علاقاتنا الأدبية الفكرية .أما صدق القائلون إن صداقة الرجل والمرأة رابع المستحيلات . آلمني سكوتك من هذا القبيل , وأرهف انتباهي , فاعلمني انك لم تشاركني إرتياحي إلى تلك الصداقة الفكرية لأنك لو كنت سعيداً بها مثلي , لما كنت رميت إلى أبعد منها .علمت إنني كنت وحدي حيث كنت أظننا اثنين .. وقدرتك أنك لم تحسب تلك سوى مقدمة وأنا كنت أقدرها لذاتها . وصار معنى سكوتك عندي " أما ذاك وأما لا شيء .. وأنت أدرى بأثر هذا في نفسي ) .. لفهم طبيعة العلاقة بينهما ، على الإنسان أن يقرأ تاب الشعلة الزرقاء الذي يحتوي رسائلهما معا ..
• ثم رسالة إلى جوليا طعمة تعرفها فيها بنفسها بقالب طريف . ورسالة جديدة إلى الأستاذ يعقوب صروف كانت مرفقة مع احدى مقالاتها و تطلب منه بتواضع أن يسمح لها بنشرها .. ثم رسالة إلى من أسمته الغريب تعرفه من جلسات المثقفين فتشرح له مدى التفاهم الذي تشعره بينهما.
بعد ذلك يعرض الكتاب رسالة إلى من أسمتها مي الفتاة المصرية ، ولا يعرف من تقصد بذلك ، تحدثها بضرورة أن تختار لنفسها قدرا : بين أن تعيش ملكة أو عبدة .
ورسالة جديدة إلى يعقوب صروف تتحدث فيها عن الدور المناط بالصحف العربية وواجبها في نشر الثقافة و زيادة الوعي في العالم العربي.
• يعرض بعد ذلك رسالة إلى جبران كتبتها عام 1924م وفيها تعترف له بحبها و بخوفها من هذا الحب .. ( ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب، أقوحل هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير، الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟ وكيف أفرط فيه؟ لا أدري. الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كانت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى. )
ثم رسالة طريفة تتحدث فيها مي عن قصها لشعرها و كيف ندمت على قصه قبل أن يعزيها بخسارته، حلاقها الروماني . و رسالة تشكو إليه من تأخر وصول رسائله.
• ثم رسالة إلى جوليا طعمة دمشقية تعتذر فيها عن عدم حضورها إلى موعد ما ( يبدو انه اجتماع لاحدى الاتحادات النسوية في بيروت ).
هذه الرسالة كتبت في شباط سنة 1931م ( قبل وقاة أمها بايام قليلة و قبل وفاة جبران بشهرين و بعدها انقطعت عن الكتابة مدة طويلة )
و لهذا كانت الرسالة التاريخ بتاريخ 1935م و موجهة إلى نسيبها جوزف زيادة ، تتحدث إليه فيها عن أوجاعها النفسية و مشاعر الحزن التي تنتابها.
• ثم رسالتان إلى أمين الريحاني ، تشكره في الأولى على مساعدته الجليلة التي قدمها لها في لبنان – بعد أن استولت العائلة على أموالها و أودعتها في مستشفى الأمراض العقلية – و ترحب فيه في الرسالة الثانية لدى وصوله إلى مصر و عجزها عن استقباله.
• ثم عدة رسائل قصيرة : رسالة إلى ص.ر ( لا أحد يعرف من هي لكن يبدو أنها احدى المتعاطفات مع مأساة مي اللواتي بعثن لها الرسائل ليعلنّ التضامن معها ) .. و إلى صديقتها الآنسة سيدوني ريبرجر ( وقد كتبت بالفرنسية ) و رسالة إلى فتاة رقيقة ( عبارة عن قصيدة ) .
• رسالة إلى صديقة سألتها لماذا اضربت مي عن الطعام و ترفض استقبال الناس . فشرحت لها مي :
( اضربت عن الطعام لأني اشتهيت الموت بعدما لاقيت من اضطهاد و عنف في مصر حيث بيع أثاثي و مكتبتي بالمزاد العلني. أو في لبنان حيث لاثيت وسائل غريبة لحمل الناس على الاعتقاد بجنوني. و أرفض استقبال الناس و التحدث إليهم. لأن الناس الذين زاروني عند وصولي إلى بيروت كانوا يحدثوني بأحاديث تدل على اعتقادهم بجنوني .. على أن هؤلاء معذورون إلى حد ، فقد زعموا أني أحرقت مكتبتي و خي أعز ما أملك في الحياة ، لما فيها من مؤلفات تحمل تواقيع أصحابها و عبارات اهدائهم كما زعموا لهم إني حاولت احراق أطفال .. فكان لهم أن يصدقوا. )
• ثم تخاطب مي ، ممرضتها استير واكيم التي تعاطفت معها في مستشفى ربيز في بيروت .. – لا أدري أن كان من خلال رسالة أو شفهيا – فتقول :
( جاؤني في مصر و أنا بعد في حزني يقولون : سافري يا مي إلى لبنان ، في لبنان أهلك ، حرام أن تبقي هنا وحدك. و حملت نفسي إلى لبنان ، على أن أجد في لبنان سنداً لرأسي التعب و قلبي الممزق ، و عزاء لاحزاني. وفي لبنان لقيت الغصص مرة ، وفي لبنان حملت إلى العصفورية على أني مجنونة ، و بكلوني بالجاكيت .. وفي العصفورية ذقت الموت مرات. وبقيت 11 شهراً إلى أن نقلت ولا أدري كيف ، إلى هنا)
• رسالة من أنطون الجميل إلى مي ( كتبها سنة 1915م ) ، يبدي فيها اعجابه بخواطرها .
• و أخيرا تعزي مي ، أسرة الريحاني بوفاة صديقها أمين الريحاني فتقول : ( يا آل الريحاني الكرام أفي وسعكم أن عزوني في فقدي و فقيدكم و فقيد الشرق العظيم )
• الرسائل جميلة في المجمل ، و لغتها الأدبية شاعرية عذبة كعادة ما كتبته مي .. وفيها تستطيع أن تستنبط الكثير عن سيرتها و عن المعاناة التي عانتها في أواخر حياتها من ظلم أقاربها و خذلان أصدقاءها .. كما تستشف أفكارها التي نادت بها طيلة حياتها و تواضعها و دماثة أخلاقها.
البطاقة التعريفية للكتاب: اسم الكتاب: رَسائِلُ مَيّ. نوع الكتاب: أدب الرسائل. اسم المؤلف: ميّ زيادة. تقديم: جميل جبر. دار النشر: دار الرافدين. الطبعة: الأولى، سبتمبر - أيلول، 2020. نوع الطبعة: المنقحة. عدد الصفحات: 84.
مراجعتي لهذا الكتاب: ماري إلياس زيادة الأديبة المجاهدة التي عاشت ما كتبت، هي امرأة ولدت في سنة ألف وثمانمائة وستة وثمانين من أبويين نصراويين، والدها لبناني الأصل، ووالدتها سورية الأصل فلسطينية المولد، ولدت في الناصر في فلسطين ثم انتقلت إلى القاهرة ونشأت محبة للأدب. أتقنت ماري زيادة العديد من اللغات ومنها: الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، الإيطالية وغيرهم. اختارت بعد ذلك لنفسها اسم مَيّ واشتهرت بهذا الاسم. أرسل الشاعر جبران خليل جبران من أمريكا قصيدة له، وألقتها ماري في حفل في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وبعد هذه القصيدة توطئة علاقة حب بينهما على مدى عشرين سنة مع العلم بأنهما لم يلتقيا أبدًا. لقد كانت ماري معشوقة الأدباء والشعراء على الرغم من أنها بنت في العشرينات من العمر. أنشأت ماري صالونًا أدبيًا وحضر جماعة من أرباب الشعر والأدب إلى هذا الصالون، ومنهم: الرافعي، أحمد شوقي، العقاد، إسماعيل صبري وغيرهم من الأدباء. ووصف بعض الأدباء صالونها الأدبي ومنهم: "طه حسين" قائلًا: "كانَ صالوناً ديمقراطياً مفتوحاً، وقد ظَللت أتردد عَليه أيّام الثلاثاء إلى أن سافرتُ إلى أوروبا لِمُتابعة الدِّراسة، وأعجََبني مِنهُ اتِّساعَه لِمذاهب القَول وأشتاتِ الكلام وفُنون الأدب، وأعجَبَني مِنهُ أنّه مَكان لِلحديثِ بِكل لسان، ومُنتدى لِلكلام في كُل عِلم."، كذلك الشاعر "إسماعيل صبري" حيث قال: "روحي عَلى بعضِ دور الحي حائِمة كَظامِئ الطير حوامًا عَلى الماء، إن لَم أمتع بِمي ناظري غدا أنكَرت صُبحك يا يوم الثلاثاء". وقال الدكتور "مترى بولص": "لَم يَكُن صالون مي واقفاً عَلى فِئة مِن المُؤلفين المُنتمينَ إلى طَبقة أو اتّجاه دونَ فِئة أخرى، إلّا أنّه في مَنحاهُ الاجتِماعي كانَ واقفاً عَلى الفئة الفنيّة .. والأدب تَحول في صالون مي إلى تيارٍ فِكريّ بَعيد عَن التَّيارات الاجتِماعيّة والسياسية الّتي كانَ يَضطربُ بِها المجتمع المصري، وبِذلك نَأت مي بالأدب عَن الالتِزام الاجتِماعي الواقِعي، وحَصَرتهُ في بُرج عاجي تُطل مِنهُ عَلى النّاس، وإن صالون مي في جانبٍ مِن جَوانبه الإيجابية لَدليل عَلى رقي الفِكر وسُموّ الثقافة، إلا أنه من ناحيته السَّلبية سمة مِن سِمات نَزعتها الفَرديّة، وأرستقراطيتها الفِكريّة.. وهذا ما جَعَل صالونها عيد الأصولِ عَن الشعب مُنقطع الصِّلة بالعاديّين من الناس"، كما أن الشاعر "أحمد شوقي" قال: "أُسائلُ خاطريْ عمّا سباني أحُسْنُ الخَلْقِ أمْ حُسْنُ البيانِ
رأيتُ تنافسَ الحُسْنينِ فيها كأنّهما ” لِمَيّةَ ” عاشقانِ". كان لماري العديد من المنشورات الأدبية التي كانت تكتب بعض الأحيان بأسماء مستعارة، ومن ثم تلقيها على مسامع أولئك الأدباء والشعراء. وبعد ذلك بدأت ماري تتلقى العديد من الرسائل من أولئك الأدباء والشعراء وترد عليهم بكل حب وود إلا أن قلبها كان معقودًا بحب جبران لدرجة بأن العقاد أرسل لها العديد من الكتب إلا أنها أهملته ولم ترد عليه، فبعث إليها برسالة أخرى يقول فيها: "أرجو أن يكون ذلك عن عمد، فالعقاب عندي أهون من الإهمال." لقد تعلق العقاد كثيرًا بميّ، وقد كان يكتب عنها العديد من المقالات باسم هند. وتعلق الرفاعي بميّ مع علم زوجته بذلك، وقد كان حبه لميّ سببًا في كتابته "أوراق الورد" و "رسائل الأحزان"، كما أنه كان يخرج كل ثلاثاء من طنطا ليذهب إلى الصالون الأدبي لميّ للنظر إليها، ولقبها الرافعي ب"الشيطانة" مادحًا بها لجمال منظرها، وعذوبة منطقها، وحسن تغنجها. وقال فيها إسماعيل صبري: "روحي عَلى دورِ بعضِ الحَيِّ حائمةٌ كظامىءِ الطَيرِ تَوّاقا إلى الماءِ
إن لم أُمَتِّع بَميٍّ ناظرَيَّ غداً أَنكَرتُ صُبحكَ يا يومَ الثُلاثاءِ". يضم هذا الكتاب العديد من الرسائل التي كتبتها إلى شخصيات عدة منهم: باحثة البادية، جبران خليل جبران، الريحاني، يعقوب صروف وغيرهم. تتميز هذه الرسائل بخفتها وجمال كلماتها البسيطة التي تحتوي على الكثير من المشاعر الرقيقة والحساسة، كما أن هذا الكتاب يضم حديث مختصر عن المرأة ومكانتها ويتضح هذا في رسائلها مع باحثة البادية وهي كاتبة مصرية، كما إنها إحدى المجاهدات البارزات في سبيل تحرير المرأة، كتبت عنها مَيّ كتابًا بعنوان: "باحثة البادية"، كما أنها كتبت لها رسالتان قبل أن تتعرف عليها. وقد قال "أنطوان الجميّل" عن رسائلها: "رسائل مي يجب الاحتفاظ بها لأنها نوع جميل من أدب الرسائل الأدب العربي، ففي الأدب الفرنسي رسائل لأمثال فلوبير وفولتير وغيرهما، وفي هذه الرسائل تستطيع دراسة الكاتب أكثر من دراسته في مؤلفاته. وعندي لمَيّ بضع رسائل أع��ز بها لأنها أثر باقي من آثارها. ورأيي أن تجمع رسائلها إلى من اتصلوا بها، وتُنشر في كتاب خاص، ففيها ولا شك ثروة كبيرة، وتراث أدبي نفيس." أشتهرت ماري ولقبت بفراشة الأدب بيد أن هذه الشهرة التي لطالما سعت إليها ظننًا منها بأنها الدواء لقلقها إلا أنها كانت سببًا في شعورها بعقم الحياة وأحست بفراغ قاتم يسود أعماقها ولا يغيب. إذ سألتها أمها عما بها إلا أنها حاولت التبسم واستهجنت السؤال. فقالت والدتها: "وما أقلق ميًّا وعذّبها إلّا وحشتها الجافة التي سعت عبثًا إلى أن تبددها فتستقر." فقدت مي والدها في سنة ألف وتسمع مئة وتسعة وعشرين، ثم توفى معشوقها في ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين، كما أنها فقدت والدتها في ألف وتسع مئة واثنين وثلاثين. توالت هذه المصائب على معشوقة الأدباء، فراشة الأدب ميّ زيادة مما أدى إلى هجرتها لصالونها الأدبي وللأدباء، وتم إدخالها إلى مستشفى الطب النفسي في بيروت، ثم في القاهرة. وقد أدى ذلك إلى تدهور حالتها النفسية والصحية، كما أنها أضربت عن الطعام، واشتهت الموت لاعتقاد الناس بجنونها. ورفضت استقبال الناس والتحدث إليهم؛ لأن كل من زارها عند دخولها إلى المصحة العقلية في بيروت كانوا يحدثونها بأحاديث تدل على اعتقادهم بجنونها، كما أنهم زعموا بأنها قد أحرقت مكتبتها التي هي أعز ما تملك في هذه الحياة، وزعموا كذلك بأنها حاولت إحراق أطفال. وتوفيت ماري بعد ذلك في سنة ألف وتسع مئة وواحد وأربعين. سأتوقف إلى هذا الحد ولا يسعني ذكر ما ضمته هذه الرسائل بين ضفتاها إلا أنّني أنصح بقراءة هذا الكتاب الذي يعتبر صغير الحجم وخفيف ولطيف إلا أن قارئ هذا الكتاب سيشعر بمتعة وفائدة ولو كانت بسيطة من هذه الرسائل الفريدة من نوعها.