العقاد أستاذ معلّم في فكره وأسلوبه. تزيدني القراءة له إعجابا وأسى؛ إعجابا بهذا الفكر الوقاد الخصب وأسلوبه العالي المكثّف، وأسى على تضييع تلك الأفكار التي كان يمكن أن يكون بعضها نوىً لأبحاث أو تأملات وتفكرات تطورها أو تنقدها.
بالنسبة لهذه المجموعة، وهي ٩٩ مقدمة، فقد كانت مقدمات الكتب والدواوين أفضلها، وكانت مقدمات القصص والأعمال المجموعة أضعفها.
جمع الدكتور عبدالرحمن قائد مشكوراً كل مقدمات العقاد التي كتبها. في الطبعة الأولى كانت عبارة عن ٩٩ مقدمة وفي الطبعة الثانية التي معي أضاف لها مقدمتين تم تزويده بهما لتصبح المجموعة عبارة عن ١٠١ مقدمة. مقدمات الكتب قد يزهد بها البعض لكنها مهمه جداً، وقد أجاد الدكتور عبدالرحمن قائد في كتابة مقدمة لهذه المقدمات عنوانها (أدب التقديم) وضّح فيها مفهوم المقدمات تاريخياً وحتى وقتنا الحاضر وما ينبغي للمقدمة أن تتضمنه من إجادة المقدم للموضوع ومن وجود رغبة وتجاوب للنفس في كتابة هذا التقديم. وقد قال العقاد في مقدمة كتاب ثورة العصر لهيوسيتون واتسون: والمقصد الطبيعي من كل مقدمة تُكتب لرسالة في الموضوع أن نرى ما أضافته هذه الرسالة لهذا البحث الجديد، ونعرف ما هو السهم الذي اشترك به مؤلفها.
من أبرز معالم المقدمة العقادية عند ع قائد: ١-الحديث عن موضوع الكتاب ومباحثه إجمالاً دون الدخول في تفاصيله. ٢-وصف عمل المؤلف أو المترجم ومنهجه الذي سار عليه. ٣-بيان الإضافة العلمية للكتاب وسهم المؤلف في إثراء موضوعه. ٤-الثناء على مظاهر الإجادة والتنبيه إلى مواضع الضعف. ٥-مناقشة المؤلف في بعض ما ذهب إليه من آراء. ٦-إثراء فكرة الكتاب وموضوعه بخلاصات معرفية وأنظار تأملية. ٧-الإشارة إلى طرف من سيرة المؤلف وذكرياته معه.
.. العقاد برع في كتابة المقدمات لما يمتلكة من ثقافة واسعة ودراسة كاملة لكل موضوع يريد الكتابة فيه، فهو يعطيه حقه من البحث والشمول والإنصاف لا التعجّل والقصور والمجاملة -حسب رأيي- هذا ما لامسته في مختلف المقدمات بتنوع موضوعاتها ومن الطبيعي جداً جزء كبير من هذه المقدمات أضافت لي وأود إقتناء الكتاب الذي تحدث عنه ومن ثم العودة لقراءة المقدمة ثانية للإستزادة، بينما يوجد هنالك مقدمات لم ترق لي لا لسوء العقاد بل لموضوعها الذي لم يستفزني وليس من إهتماماتي.
تفرغت خمسة أيام كاملة أقرأ فيها هذا الكتاب الضخم، كنت فيها مُنتَزَعًا من هذه الحياة الدنيا، ذاهِلًا عنها وعن نفسي، مُحلِّقًا في سماوات النّشوة العقلية والروحية، سائحًا في فردوس من فراديس هذه الأرض، حائِمًا بين جِنان العلم وأفنان الفكر والأدب، بِـرفقة أُعجوبة من أعاجيب الزمان، وفَلتة من فلتات الدهر، ونِعمة من نِعَم الله على أهل الضاد وعُشاق المعارف من العرب والعجم؛ هو العقاد يرحمه الله. وأحسن الله إلى الأستاذ الدكتور عبدالرحمن قائد على هذا الجميل الذي أسداه للأدب والعلم والفلسفة، بأن جمع مقدمات العقاد. هذا كتاب يحوي مكتبة عامرة بداخله، جمع مقدمات العقاد على الكتب الأدبية والفكرية والتاريخية والدواوين الشعرية، والعقاد لا يكتب إلا عندما يقتل الموضوع بحثا وفحصا وتنقيبا، وهو عندما يكتب فهو يسبر أغوار الموضوع ويبلغ أعماقه ولججه، ولربما كان كلامه عن الكتب أدق وأجمع من كلام المؤلفين أنفسهم! والعجيب أن هذه هي مُقدمات العقاد، فما بالُك بِـبطون كتبه! تلك شُطآنه وسواحله.. فما بالُك بِـلُجَجه وأعماقه! تلك الأطراف والتُّخوم والحواشي.. فما بال المُتون!
حقيقة كتاب عادي جدا ، ربما لأن أسلوب العقاد احياناً يحوي الكثير من الاطناب وقليلا من التكلف ورغبة في الاختلاف تظهر في ثنايا مقدماته … وربما لأني قرأت الكثير من المقدمات الوارده من قبل فلم أرى جديداً في الكتاب
كانت قراءة خصيبة ممتدّة، ومعجب كثيرًا بهذا الجهد المستقصي للمحقق وهذه المقدّمة الطيبة التي كتبها للمقدمّات، وأما مقدّمات العقاد نفسها فهي موسوعة مصغّرة من كل موضوع تحدّث فيه ليقدّم كتاب الآخر به، فلم أحسّ قط على طول هذه المقدّمات أني بحاجة إلى قراءة هذا الكتاب أو ذاك مما قدّمه العقاد بمقدمته، وذلك بسبب استيفائه للأفكار والكلام المستوعب لجوهر الكتاب نفسه، والعقاد هنا فريد، ومدهش أيضًا، فلم أكن أملك هذه الصورة الواسعة عن إطلاعه على الروايات الخيالية وقراءته لها بهذه الخصوبة والكثرة، فمقدّمات الروايات ههنا تشي بوضوح أنه قرأ أشهر الروايات وأبرزها في عصره، روايات أدباء روسيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا، ودهشت كذلك بصفة خاصة حين علمت أنه متابع جيّد ليوجين أونيل ومسرحياته!