الناشر/ " يجدُ كامل المُترجم موظّف الحكومة نفسه مُختطفًا وأسيرًا بلا جناية ولا جريرة معروفة سوى أنّه لم يزرع شجرةً في حياته قطّ. أربعون عامًا قضاها عبدًا لكلّ التفاصيل، لم يجد خلالها شِبرًا من الزمن والمساحة ليغرسَ تلك الفسيلة. يتحول اختطافه الغامض وخاطفه الأكثر غموضًا إلى تمثيل كلّي لفكرة الاستعباد. امتهان الكينونة واختزالها في حاجاتها الأولية. وتتداعى في محبسة تفاصيل حياته الخانعة كرجل متوسّط يكرر سيرة أبيه، ويكرران معًا سيرة سلالة ترزح في القيود ذاتها ربما من آلاف السنين، وحيث لا سبيل إلى الفكاك إلا بالشرود عن صوت العقل لثوان في خضم الحياة اليومية. ثوان يعود بعدها صوت العقل يؤبد تلك الأغلال ويبررها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. لايبتعد الشاعر والمترجم أحمد شافعي كثيرًا عن عالم القصيدة في عمله السردي الجديد، وكما سبق أن فعل في روايته السابقة "" الخالق"" ،يخلق حالة قصصية أقرب لروح الشعر كاستعارة ومجاز أكبر، وإن كان قد توسل إليها بمفردات السرد القصصي واتكأ علي الواقعي والحياتي، إلا أن العمل نفسه لم يخلٌ من حالة شعرية سواء في اللغة أو البناء الفني. "" لماذا لاتزرع شجرة"" قصة مثيرة للتأمل ، تتسم بالتكثيف والإيجاز رغم ماتحويه من أفكار،إيقاع حاد ومنتظم يسيطر علي العمل ، دون ترهل أوتشوش؛ جاعلا من صوت "" كامل"" الراوي، المترجم المختطف،سؤالا وجوابا في الوقت نفسه لكل من لم يتوقفوا ولولمرة واحدة في حياتهم ويسألوا أنفسهم: لماذا لم نزرع شجرة.
كاتب ومترجم مصري، وُلد عام 1977، وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة بنها سنة 1999، صدرت له العديد من الأعمال مع كبرى دور النشر المصرية، منها ديوان "وقصائد أخرى" مع دار النهضة، بيروت، عام 2009، وديوان "طريق جانبي ينتهي بنافورة" ورواية "رحلة سوسو" مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، كما ترجم إلى العربية عددا من الكتب الشعرية، ومئات القصائد الأمريكية التي نُشرت في مختلف الصحف العربية، ويقيم حاليا في سلطنة عمان
للأورغوياني بينيديتي مسرحية قصيرة تتألف من أربعة فصول بعنوان "بيدرو والنقيب". تبدأ برجلٍ يقاد بعد حفلة تعارف -جلسة تعذيب أولى- إلى الضابط الذي سيتولى بمفرده الكلام طوال الفصل الأول. وفي "لماذا لا تزرع شجرة" رواية شافعي القصيرة التي تقع في فصلين، أو فصل أول وخاتمة، تبدأ النوفيلا برجل معصوب العينين، مقيد إلى كرسي. وكل ما يحدث عند بينيديتي يحدث عكسه عند شافعي، فالكلام كله تقريباً للمخطوف كامل، لا تعذيب هنا ولا حكومة وليس للخاطف غير سؤالٍ وحيد يردده طوال الوقت مهما كان الجواب. لو كانت هذه مسرحية لكان الضوء كله مسلطاً على كامل فقط بينما لا يظهر من الخاطف غير ذلك السؤال، وتلك اليد التي تمتد بين حينٍ وآخر لتطعمه أو لتقرّب له دلواً لقضاء الحاجة أو حتى لتقلم أظافر المخطوف. نعم هذا خاطف رحيم، إن صح وصف أمثاله بذلك، فهو يعتني بالمخطوف، فلا يقدم له بقايا الطعام أو الأكل البايت بل أطيب المأكولات ليجد المخطوف نفسه يتلذذ بها في خزي. قلت إن كامل لا يقبع تحت الأرض، ربما كان تحتها، لكن ليس في معتقل. وهو ليس رهينةً خُطِفت من أجل فدية، ولا يمكن ابتزاز أحد فيه حتى أفراد عائلته. هنا خاطف لا يطرح غير سؤالٍ واحد. " هذا رجل عاد برجل، بإنسان، بواحد من نسل آدم الذي سجدت له الملائكة. رجع به إلى البيت مثلما رجع أسلاف من قبل إلى كهوفهم حاملين على الأكتاف وعولاً أو أرانب برية. رجع به ملفوفاً في ورق جرائد ومرمياً في صندوق سيارته، .." ليطرح سؤاله الآلي: "كامل لماذا لا تزرع شجرة"*. وهكذا يمضي المخطوف مستعيداً ماضيه، ململماً أخطاءه الصغيرة مثل فكة معدنية، حاملاً عيوبه ونواقصه. عاقداً لنفسه محاكمة، بل قيامةً شخصية حتى يخال لنا أن هذا الخاطف ما فعل فعلته إلا ليذكّر كامل بما لم يفعله تحديداً. أحسب أن القيامة كذلك، قبل الحساب هناك تذكُّر طويل. لقد تعمد شافعي حادثة الاختطاف. لم يرغب أن يقيد كامل في سرير المرض مثلاً، فيحل قناع الأكسجين بدلاً من العصابة، وتكون أنابيب المغذيات والقسطرة هي القيود. لا بد من اختطاف غامض، وسؤال اعتباطي لن يسأله قطعاً أي خاطف. ذاك أن كامل يعيش حياة ثور صلاح جاهين: "اقلع غماك يا تور وارفض تِلِفّ/ اكسر تروس الساقية واشتم وتِف/ قال بس خطوة كمان وخطوة كمان/ يا اوصل نهاية السكة يا البير يجف". ينتهي العمل فيمعن القارئ النظر إلى الرواية ليجدها قد تحولت إلى أشعة سينية تحمل خبراً مشؤوماً، ولربما خلط بين اللقمة والراتب، والقيد والبيت، وعصابة العينين وجواز السفر، وراح يردد في وهن وأسى السطر الأخير من بارتلبي ملفل. "آه يا بارتلبي، آهِ أيتها الإنسانية". يكتب شافعي قصتنا اليوم، عالمنا الآن. لا خيالات مترامية مثل رواية الخالق ٢٠١٢، فهذه رواية كتبت بالعصب والدم حتى تكاد الصفحة تكون جلداً وكل سطر عِرق ووريد. يطرق شافعي عظمة واحدة، أظنها الجمجمة، في لغةٍ يسعها القبض على النسمة والتنهيدة، يسعها أن تقيس وزن الفراشة والدمعة، وقاع المحيط والأسى.
"عشت أربعين سنة يا كامل، أربعين سنة على الأرض، أكلت وشربت وتزوجت، صاحبت وأحببت وكرهت، مر عليك أربعون صيفاً وأربعون شتاء، جلست على البحر وسهرت على النهر، ولم تزرع شجرة قط. كامل، لماذا لم تزرع شجرة؟"
ليس وحده كامل من لم يزرع شجرة.. أعرف العديد من الأشخاص مثل كامل.. أنا مثل كامل، أصدقائي، أقاربي.. أعرف الكثيرين الغير مهتمين من الأساس أن يزرعوا شجرة! لماذا نرزع شجرة غالباً لن ننال منها شيئاً؟ لا ثمارها سنستفيد منها ولا حتى يُمكننا الاقتراب منها.
أحب هذا النوع من الروايات، القصيرة، التي تحمل رمزية، مُستترة وجلية، تضرب جذورك الثابتة بالأرض، تُزعزع فروعك.. وتجعلك غير مُستقر.. تعصف بذهنك وبأفكارك وتجعلك ترى الحياة من أعلى، كشجرة، لا تُبالي بالورود الصغيرة من حولها ولا كم البشر الذين يُسبحون بجمالها.
تبدأ الرواية بحدث عادي أو فلنقل غير عادي باختطاف لموظف أربعيني ليوجه له خاطفه أسخف سؤال وجد في الحياة: لماذا لا ترزع شجرة يا كامل؟ حييتُ كامل على انضباطه وعدم سبه لسائله -في البداية- وأنه حاول أن يفقه كُنه الرمزية حول السؤال.. لنخوض معه رحلة في حياته، حياته التي لم ينجح في أي شيء فيها.. حياة عدمية تقوم على الفُتات لا أكثر، من شقة إيجار يدفع فيها أغلب راتبه، زوجة تتحكم في كُل شيء كربة الأسرة -تُحبه؟ لا أعلم- وأبناء يُحاول ألا يُظهر أنه يُحبهم ولكنه كذلك.
رواية مُزلزلة بلغة شاعرية ليست غريبة على شاعر ومُترجم وكاتب أيضاً!
نوفيلا غريبة للغاية، رغم قلة صفحاتها إلا إنها أبهرتني وأحدثت بداخلي زلزالًا ضخمًا، منذ الصفحة الأولى وحتى كلمة النهاية..
النوفيلا تتحدث عن المترجم كامل الذي يجده نفسه فجأة مخطوفًا من شخص لا مرئي، لا يراه ولا يعرف من هو، بفضل العُصابة التي تضغط على عينيه، وبمرور الوقت يتجاذب الحديث مع خاطفه، من طرف واحد، يكتفي الخاطف بسؤال واحد "لماذا لم يزرع كامل أي شجرة على مدار 40 عامًا، هي مدة حياته حتى موعد خطفه".
يتعجب كامل في البداية، وبعد ذلك يبدأ في تعرية ذاته، يكتشف ما فعله في حياته، أو بمعنى أدق ما لم يفعله، إحباطاته وخنوعه واضطهاده، في المنزل والعمل، بين الجيران، منذ الطفولة وحتى الكبر..
يكتشف كامل ما غاب عنه طوال 40 عامًا، بفضل خاطف لن نعرف حتى النهاية من هو، ولكن بفضله نجح في تحويل حياة شخص من عبد إلى إله!
خاطرة طويلة. قصة جنون أو تحول. قصة استبصار ذاتي مكثف إلى حد التيه. تشد قارئها، وتجعل من السؤال الاستنكاري المتكرر عن عدم زراعة شجرة فاصلة جيدة بين تشتت الخواطر وتداعي الأفكار. النص القصصي هنا مبتور وغائم، ومزعج في اضطرابه. ولقد سببت لي أوصاف التأليه - وما تبعها من استخدام لآيات ونعوت خاصة بالله الحق المجيد سبحانه في وصف الخاطف أو ذات المتحدث وغيره- سببت لي ضيقا ونفورا مفهوما. فليت الكاتب ابتعد عن هذه الأوصاف الجليلة، ففي ذلك أدب مع الرب سبحانه لا أظن الكاتب -وأنا متابع لكتاباته-يفتقده أو يقلل من شأنه.
هناك مقولة مفادها "ربما تلتقي بغريب فتحكي له أمور لا تستطيع أن تحكيها لصديق مقرب"، أو ربما تلتقي بخاطف فتحكي له حكايتك. تبدأ الرواية بشخص مقيد معصوب العينين لا يعلم ما يجري حوله وكيف وصل إلى هذا المكان ومن المختطف؟ على عكس ما يجري عادة من تعذيب وقهر في مثل هذا الوضع ولكن يتم التعامل معه بشكل أكثر تهذيبا بالنسبة إلى الحالات المشابهة، يبدأ في سؤال المختطف فلا يجيب! ولكنه لا يقول الا جملة واحدة ولذلك نستطيع أن نعتبر الرواية مونولوج طويل، لا يقطعه إلا السؤال المعلوم "لماذا لم تزرع شجرة؟" يسرد بطل الرواية حكايته من البداية إلى النهاية ومن النهاية إلى البداية باحثا بداخل جميل الحلول عن الإجابة الشافية التي ترضي مختطفه فيطلق سراحه، يحكي له عن كل شيء، فلما يعيد عليه السؤال يعلم بأنه لم يصل بعد فيبحث من جديد عن خصوماته القديمة وحياته البائسة. يمكث أسابيع ثم أشهر ثم سنوات -ربما- وكأن هذا الرجل أوقف سريان عمره في الفراغ بعد أربعين عاما عاشها وماذا حقق وماذا ينوي أن يفعل بعد ذلك؟ لم يقع (بطلنا) في متلازمة ستوكهولم ولكنه ما حدث له جعله يشعر حتى بمذاق الطعام، حتى كان يتسائل كيف سأعيش لو أُطلق سراحي! لأنه لم يخطفه بل خطف عالمه وأنه لم يضع العصابة على عينيه بل أزالها وبدد أوهام تلك العيشة التي كان يعيشها. "أنا لم أزرع شجرة لأنني في كل قطعة أرض اتسعت لقدمي أعلم أني عديم الحق فيها". في اللحظة التي يتأكد فيها بأنه ما عاش هكذا إلا بسبب خنوعه وأنه عاش عبدًا لكل شيء ينهض في سَورة غضب وجنون شاعرا بأنه ما عاد يأبه بأحد أخيرا فيجد أن الكرسي كان ضعيفا طوال الوقت وأن خاطفه ليس بأفضل منه كما كان يعتقد. لقد كان اسم بطلنا كامل منذ بدايته ولكنه عاش شاعرًا بالنقص طوال أربعين عامًا!
عمل فلسفي جميل، سلس سردًا غنيّ فكرًا. يسحبك إلى داخلك حتى تنعزل عن العالم المحيط بك، ذلك العالم المرهق الذي يلهيك عن كل شيء، حتى عن الحياة. فتبدأ رحلة الإجابة على سؤال واحد مكرر وكل مرة إجابة مختلفة عن سابقتها، تضيف لها وتقودك في طريق سيتفرع بعد قليل إلى فرعين لا ثالث لهما، ستختار واحدًا منهما ولن تعرف أي طريق ستختار حتى تصل إلى المفترق المصيري.
كتاب العام بلا منازع، من أحلى الكتب اللى هتقراها. الشاعرية فى السرد وتدفقه مع الحبكة والتحول فى الأحداث أنتجت نص متماسك يجذب انتباهك والأحداث اللى هتمسّك لارتباطها بالواقع. كنت بتمنى إنى أقرأ رواية بالشكل ده بقلم مصرى وها قد كان.
مع محاولاته للاجابة عن السؤال وتقشير طبقاته من فوق بعضها و كل ما يقرب من نفسه من اللي اتنسي و اللي مخفي والي عمره ما واقف قدامه كفايه انه يفهمه او يحسه فعلا فيعرف عن نفسه حقيقة مش مجرد مسلمات كان الشعور بعدم الراحة من مجرد التخيل انك مكان البطل و الخوف من اللي ممكن تكتشفه عن نفسك لو كل الدوشة سكتت و عينك بصت جواك ،بيزيد. كام مرة بخرس الأصوات اللي بستنجد بيا جوايا او ادور وشي عن الصور والحكايات وأكمل كأني ماشفتش و لا سمعت و اكدب علي نفسي و اقول كله تمام او بعدين لحد ما ابعد ابعد عني و ابقي مجرد كيان عايش و بياكل و بيضحك و بينام من غير أسأل إذا كنت تهت في الطريق. يمكن محتاحين اللي يخطفنا احنا كمان و يسألنا لماذا لم نزرع شجرة. بس بردو هل هو كده نجد هل هو اتحرر لاقي الحقيقة زرع الشجرة هل ده المنتهي و لا فات الاوان
الآن ماذا سأفعل بحق لو حللت قيودي وفككت أسري؟ ماذا سأفعل أو أزلت عن عينيي العصابة؟
أزمة الإنسان الذي يسجن حتي يعتاد السجن ليست فقط في الظلم الذي يقع عليه خلال سجنه، بل فيما يعانيه حين يطلق سراحه ولم يعد يعرف كيف ( يعيش ) الحرية، كيف يستمتع بها، كيف يتذوقها بعد أن ألف العبودية حتى ظن أنها الحياة
يجب عليّ أن أعترف، أنِّي لما نويت أن أشتري تلك النوفيلّا الصغيرة، والتي لا تتعدى صفحاتها المائة صفحة، ولما فررت أوراقها بعد أن وصلتني لم يكن يخطر لي في بالٍ أنّي أمام عمل قصيرة بهذي الروعة.
أحمد شافعي كاتب يمتلك أدواته فعلا بكل جدارة.. يبدو أن نظرية "المترجم الشاطر هو مؤلف يمتلك أدواته بشطارة مماثلة" تعمل عملها ألف مرةٍ لدى أحمد شافعي...
رواية عن المسار الضيّق للإنسان على الأرض، الاختيارات التي تبدو كملايين الخلايا، لكنها في الحقيقة لا تتعدى؛ مجرد: اختيار واحد له توابع.
وضع الراوي نفسه في الحكاية وضعًا، قدّم نفسه مذ كان فكرة في رأس الله أن يصنع بشرًا، حتى تمرده الغير حقيقي على الواقع، مارًا بالاستعباد النفسي والضغط الحياتي على أفراد الطبقة المتوسطة -دون الآلهة- و"ماذا سيحدث إن وضعنا شخصا ما في الخلاط؟" سيضرب وينفجر في وجوهنا، مثلما انفجر البطل البائس على خاطفه -العالم الجديد- لمجرد تربيتة صغيرة.
راوية صغيرة الحجم عظيمة الأثر. تحمل الكثير من الأسئلة، لغة شاعرية أعجبني بشكل خاص تدرج الإجابة عن السؤال الوحيد في الراوية " لماذا لم تزرع شجرة" وربما أثار فضولي كيف ستدار إجابة هذا السؤال الوحيد عن رواية كاملة دون ملل ودون حشو زائد. بل الجميل أنه بمرور الصفحات تزداد الرواية متانة والأفكار أصالة واللغة شاعرية. كلحاء شجرة كافور " كما ذكرها بطل الرواية" قديم تقشر عن بياض ناصع.
قرأت لأحمد الشافعي مترجما كرواية " الرجل النمرة" وأعجبت بشكل كبير بترجمة متقنة لرواية تدور أحداثها في بيئة مختلفة تماما عن عالمنا العربي.
عيناي معصوبتان منذ بعض الوقت. مؤكد أن أياما مضت لكن أهي أسابيع أم شهور؟ هذا ما لا أعرفه. فالعصابة محكمة الالتفاف، ضاغطة بعض الشيء، لا أستطيع حتى أن أفتح عيني من ورائها فأرى نسيجها نفسه. لكن وقتًا طويلًا مضى منذ شعرت بوطأة ضغطها باتت العصابة الآن كأنما هي جزء من جسمي كأنها في مكانها ذلك منذ ولادتي.
أن يجبرك الغموض في موقف ما أن تراجع شريط حياتك. غرابة أن يحدث لك شيء استثنائي، في حياة تختنق في عاديتها. أن تصور كل ما كان (طبيعيا) في حياتك بصورة متطرفة ومبالغ فيها، حين تحاول أن تمنطق حادثة تطيح بمنطقك ورشدك، فتتصور إخوتك أو جيرانك أو أصدقاءك أو زملاء العمل كوحوش كاسرة لهم القدرة على التحول في لحظة إلى خارقين، ولا تتخيل أن تأتي الصدمة إلا منهم أو يتسبب في مثل ذلك الأذى غيرهم.. فأنت ببساطة لا تعرف في الحياة غيرهم. سهولة أن تختفي (بديهيةٌ) ما من بديهيات يومك، بدون سابق إنذار، لم تكن تسيطر على أدنى انتباه منك لأنها كانت تلقائية في وجودها ومسلم بها، فتمر كما يمر الكثير.. لكنك تشعر بحيويتها وأهميتها وتوقف اللحظة على ماهيتها حينما تصبح مقدرات وجودها في يد غيرك، غيرك الذي يستطيع المنع والمنح بين لحظة وأخرى.. فتتحول ملعقة حساء إلى إكسير حياة حقيقي يمكن أن يختفي في اللحظة الآتية وإلى الأبد، ويتحول طعمه إلى لذة عارمة ليس لها مثيل ولن يكون! حين يُفرض عليك موقف من التدني المادي والمعنوي والحقيقي ما لا يدع لك مجالا إلا لأن تواجه نفسك بأقبح ما فيها، وربما تستدعي ما ليس فيها، لكنك تمتلئ بسلبية مفرطة وكأن شر هذا العالم اجتمع من أجلك، ثم اجتمع بداخلك، لتكتشف بروية قاتلة مدى الهشاشة التي تملؤك والتفاهة التي تمتلئ بها حياتك. مواجهة لا تشكل لك أي أولوية في أيامك العادية، فلا يمكن أن تحدث إلا إرغامًا وبتأثير قوة جبارة تحاصر وتستنفذ أي سبيل لهروب متوقع.
قدم إلينا أحمد شافعي شخصية (كامل) في صورة من ينقصه شيء ما على الدوام، أو حتى تنقصه كل الأشياء، التي يريدها هو على الأقل، دون أن يحددها ودون أن يدرك حتى ذلك. شخصية حريصة على الحياة بلا منحنيات، حياة يتكرر كل ما فيها على نحو تلقائي بطئ الإيقاع برتابة يكاد يسعى إليها ويحرص على وجودها كتغليف أساسي لكل ما يحيا به.. وحينما يُختطف، يبدأ في إدراك عالمه وهامشيته وعلاقاته الميتة والمميتة. وحين يُسأل لماذا لم يزرع شجرة؟ يتوه في دوامة من الأفكار والحقائق والذكريات. يبدو سؤالا سهلا، أو ساذجا، أو مقلوبا! فيجيب ببديهية (ولماذا أزرع شجرة؟) وحين يتكرر السؤال ويجد أنه مرغما على الإجابة حتى يختفي وجع السؤال، يجده لا سهلا ولا بديهيا ولا حاضرا ولا حتى من الممكن تحقيقه.. فتأتي أسئلة أخرى مثل كيف وأين ومتى؟ ولأن (لماذا؟) هو أبو الأسئلة، يحدد كل ما يليه، ويوجِد المعنى والغرض والوسيلة، ويفرض الزمان والمكان، فكان لزاما أن يجيب أولا (لماذا لم يزرع شجرة) والإجابة تقتضي تشريحا مؤلما، يجبرنا على استحضار ما نحرص دوما على تجاهله ظنّا منا أن ذلك هو السبيل لجعل الحياة ممكنة، ولجعل الأيام محتملة في مرورها على أروحنا. يستعيد في رحلته واقعا حيا يوميا أنه يعيش في مجتمع يستبيح أبسط الخصوصيات، ويرتب وجوده قصرا في رتبة أدنى من غيره لأسباب خارجة عنه وعن غيره هذا. فهناك آخر (يقدر)، لديه قدرة على منح أو تحكم أو منع أمور تتوقف عليها الحياة؛ مأكل أو مشرب أو مسكن أو كرامة أو مكانة... ويجمع في يده مقدرات أولية تجعله في رتبة إله، فيتدنى هو تلقائيا لرتبة العبد. فالقدرة على الفعل هي المانح الأول لحرية الاختيار، وحرية التعبير، وحرية الرأي. وكل ذلك يحدد بقطع لا هوادة فيه مكان المرء من الكون، ومكانه داخل حياته الشخصية ونسبةً إلى حياة الآخرين. يتوصل (كامل) رغما عنه إلى شبه إجابات؛ لم يزرع شجرة لأنه غير موجود، فهو لا يملك حتى حق الإعلان عن وجوده في شقة إيجار بلافتة تحمل صفته، ولا بشاهد قبر يحمل إسمه. لا يملك (العين) في حاضره ولا لمستقبله. فكيف يملك الحق أو المعنى لزرع شجرة! ثم يصل التعقيد إلى مداه، ويمتد الوعي إلى أماكن قصيّة لا يرتد منها الواحد إلا حكيما أو مجنونا.. معضلة الإله والعبد، وما يجعل كلا منهما في مكانه ومكانته. علاقة كل منهما بالآخر وما يفرضه على الآخر وعلى نفسه، وسؤال أزلي: لماذا وُجد العبد؟ للعبودية أم للارتقاء؟ ما هو الأصل؟ أيكون الغرض للعبد من وجوده أساسا هو استمرارية عبوديته بكفاءة واقتدار؟ أم هو محاولة السعي إلى (القدرة) والوصول لمكانة الآلهة؟ أين الأصل وأين الاستثاء؟ (لماذا) كلمة مفتاحية تملك مفاتيح الكون، وتقدر على إثارة العواصف وقلب مقاليد الحكم والتحكم، وجعل ما يبدو بديهيا وبسيطا غايةً في الت��قيد والتركيب. (لماذا) هي أصل الوجود جئنا ونسير وسنرحل.. في رحلة للبحث عن إجابتها.
أشعر بكل امتنان الكون لأحمد شافعي على هذا الكتاب الممتع، وعلى تلك الرحلة المثيرة للأفكار والتعقيدات والتساؤلات والإنذارات، وعلى الفرصة الحقيقية للكشف والاستكشاف، وعلى المتعة الأدبية لأسلوب روائي رائع وراقي ومكثف وبديع.
وصلت لآخر النوڤيلا وانا افكر هل ما اقرأه قصة ام قصيدة طويلة، ولم أكن اعلم ان الكاتب هو ايضا شاعر إلا بعد ما انهيتها. حكاية كامل الذي خطف لأنه لم يزرع شجرة خلال الاربعين سنة التي عاشها على هذه الأرض، هي حكايتنا جميعا عندما نكتشف فجأة اننا في الاربعين وثمة اشياء كثيرة لم نقم بها... حكاية مليئة بافكار فلسفية عميقة يمكن لأي كان ان يسقطها على حياته ليكون هو كامل الذي لم يزرع الشجرة. الرواية تستحق القراءة اكثر من مرة وتحث على التفكير في الحياة، رتابتها، بديهياتها، اولوياتنا، ما نريده منها، وما تريده منا...
نوفيلا فلسفية مكتوبة بأسلوب شاعري، والمميز فيها أنها وقفتني كتير أفكر وأتامل حياة البطل كامل، وكنت أتمني فقط أنها تكون رواية مش نوفيلا ويكون فيها تفاصيل أكتر عن كامل وأقدر اعيش معاه اضطرابه بشكل أكبر.
كسرت القاعدة،نصيبك من اسمك يا كامل حفنةٌ من النواقص. لم أتجاوز أي لزمةٍ منها كنت أقرأ كل واحدة بصوت أعلى. مارست فظاظة الخاطف، وعجز الرهينة. ❞ عشتَ أربعين سنة يا كامل، أربعين سنة على الأرض، أكلتَ وشربتَ وتزوجتَ، صاحبتَ وأحببتَ وكرهتَ، مرَّ عليك أربعون صيفا وأربعون شتاء، جلستَ على البحر وسهرتَ على النهر، ولم تزرع شجرة قطّ. كامل، لماذا لم تزرع شجرة؟ ❝.
أن يجبرك الغموض في موقف ما أن تراجع شريط حياتك. غرابة أن يحدث لك شيء استثنائي، في حياة تختنق في عاديتها. أن تصور كل ما كان (طبيعيا) في حياتك بصورة متطرفة ومبالغ فيها، حين تحاول أن تمنطق حادثة تطيح بمنطقك ورشدك، فتتصور إخوتك أو جيرانك أو أصدقاءك أو زملاء العمل كوحوش كاسرة لهم القدرة على التحول في لحظة إلى خارقين، ولا تتخيل أن تأتي الصدمة إلا منهم أو يتسبب في مثل ذلك الأذى غيرهم.. فأنت ببساطة لا تعرف في الحياة غيرهم. سهولة أن تختفي (بديهيةٌ) ما من بديهيات يومك، بدون سابق إنذار، لم تكن تسيطر على أدنى انتباه منك لأنها كانت تلقائية في وجودها ومسلم بها، فتمر كما يمر الكثير.. لكنك تشعر بحيويتها وأهميتها وتوقف اللحظة على ماهيتها حينما تصبح مقدرات وجودها في يد غيرك، غيرك الذي يستطيع المنع والمنح بين لحظة وأخرى.. فتتحول ملعقة حساء إلى إكسير حياة حقيقي يمكن أن يختفي في اللحظة الآتية وإلى الأبد، ويتحول طعمه إلى لذة عارمة ليس لها مثيل ولن يكون! حين يُفرض عليك موقف من التدني المادي والمعنوي والحقيقي ما لا يدع لك مجالا إلا لأن تواجه نفسك بأقبح ما فيها، وربما تستدعي ما ليس فيها، لكنك تمتلئ بسلبية مفرطة وكأن شر هذا العالم اجتمع من أجلك، ثم اجتمع بداخلك، لتكتشف بروية قاتلة مدى الهشاشة التي تملؤك والتفاهة التي تمتلئ بها حياتك. مواجهة لا تشكل لك أي أولوية في أيامك العادية، فلا يمكن أن تحدث إلا إرغامًا وبتأثير قوة جبارة تحاصر وتستنفذ أي سبيل لهروب متوقع.
قدم إلينا أحمد شافعي شخصية (كامل) في صورة من ينقصه شيء ما على الدوام، أو حتى تنقصه كل الأشياء، التي يريدها هو على الأقل، دون أن يحددها ودون أن يدرك حتى ذلك. شخصية حريصة على الحياة بلا منحنيات، حياة يتكرر كل ما فيها على نحو تلقائي بطئ الإيقاع برتابة يكاد يسعى إليها ويحرص على وجودها كتغليف أساسي لكل ما يحيا به.. وحينما يُختطف، يبدأ في إدراك عالمه وهامشيته وعلاقاته الميتة والمميتة. وحين يُسأل لماذا لم يزرع شجرة؟ يتوه في دوامة من الأفكار والحقائق والذكريات. يبدو سؤالا سهلا، أو ساذجا، أو مقلوبا! فيجيب ببديهية (ولماذا أزرع شجرة؟) وحين يتكرر السؤال ويجد أنه مرغما على الإجابة حتى يختفي وجع السؤال، يجده لا سهلا ولا بديهيا ولا حاضرا ولا حتى من الممكن تحقيقه.. فتأتي أسئلة أخرى مثل كيف وأين ومتى؟ ولأن (لماذا؟) هو أبو الأسئلة، يحدد كل ما يليه، ويوجِد المعنى والغرض والوسيلة، ويفرض الزمان والمكان، فكان لزاما أن يجيب أولا (لماذا لم يزرع شجرة) والإجابة تقتضي تشريحا مؤلما، يجبرنا على استحضار ما نحرص دوما على تجاهله ظنّا منا أن ذلك هو السبيل لجعل الحياة ممكنة، ولجعل الأيام محتملة في مرورها على أروحنا. يستعيد في رحلته واقعا حيا يوميا أنه يعيش في مجتمع يستبيح أبسط الخصوصيات، ويرتب وجوده قصرا في رتبة أدنى من غيره لأسباب خارجة عنه وعن غيره هذا. فهناك آخر (يقدر)، لديه قدرة على منح أو تحكم أو منع أمور تتوقف عليها الحياة؛ مأكل أو مشرب أو مسكن أو كرامة أو مكانة... ويجمع في يده مقدرات أولية تجعله في رتبة إله، فيتدنى هو تلقائيا لرتبة العبد. فالقدرة على الفعل هي المانح الأول لحرية الاختيار، وحرية التعبير، وحرية الرأي. وكل ذلك يحدد بقطع لا هوادة فيه مكان المرء من الكون، ومكانه داخل حياته الشخصية ونسبةً إلى حياة الآخرين. يتوصل (كامل) رغما عنه إلى شبه إجابات؛ لم يزرع شجرة لأنه غير موجود، فهو لا يملك حتى حق الإعلان عن وجوده في شقة إيجار بلافتة تحمل صفته، ولا بشاهد قبر يحمل إسمه. لا يملك (العين) في حاضره ولا لمستقبله. فكيف يملك الحق أو المعنى لزرع شجرة! ثم يصل التعقيد إلى مداه، ويمتد الوعي إلى أماكن قصيّة لا يرتد منها الواحد إلا حكيما أو مجنونا.. معضلة الإله والعبد، وما يجعل كلا منهما في مكانه ومكانته. علاقة كل منهما بالآخر وما يفرضه على الآخر وعلى نفسه، وسؤال أزلي: لماذا وُجد العبد؟ للعبودية أم للارتقاء؟ ما هو الأصل؟ أيكون الغرض للعبد من وجوده أساسا هو استمرارية عبوديته بكفاءة واقتدار؟ أم هو محاولة السعي إلى (القدرة) والوصول لمكانة الآلهة؟ أين الأصل وأين الاستثاء؟ (لماذا) كلمة مفتاحية تملك مفاتيح الكون، وتقدر على إثارة العواصف وقلب مقاليد الحكم والتحكم، وجعل ما يبدو بديهيا وبسيطا غايةً في التعقيد والتركيب. (لماذا) هي أصل الوجود جئنا ونسير وسنرحل.. في رحلة للبحث عن إجابتها.
أشعر بكل امتنان الكون لأحمد شافعي على هذا الكتاب الممتع، وعلى تلك الرحلة المثيرة للأفكار والتعقيدات والتساؤلات والإنذارات، وعلى الفرصة الحقيقية للكشف والاستكشاف، وعلى المتعة الأدبية لأسلوب روائي رائع وراقي ومكثف وبديع.
من وجهة نظري الشّخصية بعد قراءة العمل ده؛ ده مونولج روائي، يعتمد على التّفصيص، والبدء من حادثة صغيرة انتقالا إلى فلسفات حياتية وعرض المواقف. زهقت؟ خالص! مع إن واحد بس إللي بيتكلم طول الأحداث لكن أنا مزهقتش، وأعتقد إن النّص ده يقدر يتقدم كمسرحية مهمة جدا، وناس كتير هتحبها كمان. عارف الكتابة إللي هي بتعرض مأساة الموظف المصري المتزوج مع قحب الحياة؟ هو ده وفقا لرؤيتي الوصف الأمثل للعمل ده. أنا اتعرفت على أحمد الشّافعي كمترجم أكتر من مرّة، لكن عجبني جدا عمله الرّوائي، وأعتقد إني لازم أبدأ ادوّر على القديم وأستنى الجديد منه دايمًا. وبالمناسبة؛ الحمد لله أنا زرعت شجر ونباتات في حياتي قبل كده، فأعتقد إني في أمان :)