«إنَّه لا رَجاءَ لنا في إعادةِ تشكيلِ الحياةِ من جُذورِها وفي صميمِها، إلَّا أنْ يكونَ ذلك على أَيْدي المثقَّفين، الذين لا يُعنَوْن بالأمورِ السابحةِ على الأسطحِ عنايتَهم بالمحرِّكاتِ الكامنةِ في دخائلِ النفوس.» تتشكَّلُ البيئةُ الثقافيةُ وتَنحدِرُ وتزدهرُ وفْقًا لِما يَشغلُ الرأيَ العامَّ الثقافيَّ من أفكار، وما يَنتجُ عن رُوَّادِه من كِتاباتٍ تُعبِّرُ عنِ اهتماماتِهم، وما يَملأُ عليهم حياتَهم، وأولُ ما يَدفعُ الحركةَ الثقافيةَ إلى الضمورِ هو انحصارُ كاملِ اهتمامِها حولَ القضايا السياسيةِ المحضَة، أو الذهابُ نحوَ إرضاءِ القارئِ فحسْبُ دونَ ترْكِ أثرٍ فيه بعدَ قراءةِ مقالٍ أو سماعِ حديثٍ من أحدِ المثقَّفين. والدكتور «زكي نجيب محمود» هُنا شُغِلَ بقضيةِ المثقَّفِ العربي، وهمومِه التي تَعتريه من حينٍ لآخَر، ويَرى أنَّ مِن واجبِ المثقَّفِ أنْ يَبتعدَ عن الدخولِ في صراعٍ سياسيٍّ صِرْف، ويُبرهِنُ على ذلكَ بأنَّنا نتذكَّرُ أعلامَ ورُوَّادَ النهضةِ المِصريةِ الحديثة؛ طه حسين والعقاد والمازني وهيكل، بمَعاركِهم الأدبيةِ في المقامِ الأولِ لا بمَعاركِهم السياسية.
ولد زكي نجيب محمود عام 1905، في بلدة ميت الخولي عبد الله، بمحافظة دمياط. تخرج من كلية المعلمين العليا بمصر، عام 1930. في عام 1933 بدأ في كتابة سلسلة من المقالات عن الفلاسفة المحدثين في مجلة الرسالة. وفي عام 1936 سافر إلى إنجلترا في بعثة صيفية لمدة ستة شهور. وفي عام 1944 سافر إلى إنجلترا للدراسات العليا. وبعد عام واحد حصل على البكالوريوس الشرفية في الفلسفة من الدرجة الأولى من جامعة لندن (وكانت تحتسب في جامعة لندن آنذاك بمثابة الماجستير لكونها من الدرجة الأولى). عام 1947 حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن (كلية الملك) في موضوع (الجبر الذاتي)، بإشراف الأستاذ هـ.ف. هاليت. (وقد ترجم البحث إلى اللغة العربية الدكتور إمام عبد الفتاح بنفس العنوان عام 1973).
عاد إلى مصر عام 1947 والتحق بهيئة التدريس بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول آنذاك). سافر عام 1953 إلى الولايات المتحدة أستاذاً زائراً ومحاضراً في جامعتين بها حيث قضى فصلاً دراسياً في كل منهما. وبعد عام اختير مستشاراً ثقافياً لمصر بالولايات المتحدة لمدة عام. في عام 1956 تزوج من الدكتورة منيرة حلمي، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس. سافر إلى الكويت أستاذا بقسم الفلسفة بجامعتها لمدة خمس سنوات (حتى 1973). عام 1973 بدأ كتابة سلسلة المقالات الأسبوعية في جريدة الأهرام.
نال جائزة التفوق الأدبي من وزارة المعارف (التربية والتعليم الآن)،عام 1939. نال جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة من مصر على كتابه الصادر بعنوان "نحو فلسفة علمية" عام 1960. نال جائزة الدولة التقديرية في الأدب من مصر عام 1975، وفي عام 1984 نال جائزة الجامعة العربية "للثقافة العربية" من تونس.1985 حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة.
كتاب رائع ، للأسف ما صادفتوش في المكتبات وقرأته استعارة ، لكن د.زكي كان بيطالب بتحديث وتطوير الثقافة العربية بما لا يتنافى مع الاصول العربية والإسلامية لمجتمعاتنا وأخذ الإيجابيات من الثقافة الغربية ونبذ السلبيات ، الكتاب قرأته من حوالي 4 أو خمس سنوات ، ولم أتمكن من كتابة ملخص وقتها عنه ولكني تذكرت ما قاله أحد الاساتذة الأفاضل وكان يدرس لنا الأدب العبري في كلية الأداب : هناك عبقري في الفلسفة والثقافة العربية والمصرية لم يلق ما يستحقه من تقدير وتكريم ، هذا العبقري هو د.زكي نجيب محمود " العبقرية سرها أنه يطرح قضايا معقدة بسلاسة غريبة وذكاء غير عادي رحمه الله رحمة واسعة
أكثر ماستلاحظه في مقالات الدكتور اعتماده مبدأ الوسطية لا ننغلق على أنفسنا وننبذ كل جديد ولا ننسلخ من تراثنا ونتنكر له بدعوى التطور والتحرر وهذه الرؤية التي يريدها كل مسلم عاقل يضع نصب عينيه أن إقامة أو استعادة المجد والحضارة والثقافة والرفعة للمسلمين أن تكون بالموازنة والمعادلة والتوسط هذه السمة الأبرز التي ستشعر بها أثناء قراءتك لهذا الكتاب
هذا من الكتب القليلةالتي أصيح بفخر أثناء قراءتها أن الأمة العربية مازال فيها علماء ومجتهدون, الدكتور زكي نجيب محمود أيقن مأزق الأمة والصراع الفكري الذي تعيش فيه في ظل الغزو الثقافي . هل نرجع إلى تراثنا العربي الإسلامي الذي يمثل هويتنا ونغلق عقولنا عن التيار العلمي الغني الآتي من الغرب؟ لقد حاول الكاتب إيجاد تطبيقات لترجمة ماضينا إلى الحاضر وبناء حضارة إسلامية معاصرة، كما يوفر العديد من الأطروحات الفلسفية الأخرى التي نحن بأمس الحاجة إلى فهمها وتبنيها.
ما يزعجني في هذا الكتاب هو احتمال عدم إمكانية تطبيق الأفكار الموجودة فيه في هذا الوقت (2013) كيف لا ووسائل الإعلام والاتصال تطورت بشكل رهيب كان من نتائجه هبوط مستوى المقروئية خاصة عند العرب. ألا يجدر بنا أن ندرج هذا كهم من هموم المثقفين؟
زكي نجيب محمود: المشهد الأخير بقلم: الدكتور فؤاد زكريا
لم أتردد لحظة واحدة حين اعتزمت الكتابة عن أستاذي الكبير زكي نجيب محمود، في اختيار المحور الذي يدور حوله حديثي عن هذا الرائد العظيم، فقد جاء نبأ وفاته مصحوبا بصورة أليمة رويت عن الرجل في أيامه الأخيرة، إذ بكى بمرارة حين سمع بأنباء الأحداث الإرهابية التي ارتكبها بعض المتطرفين، والتي راح ضحيتها كثير من الأبرياء.
وإذا شئنا أن نبحث لهذا النوع من "السيرة الفكرية" عن مبدأ جمالي يمكن أن يحدد طبيعة "فورم" الكتابة أو شكلها بالقياس إلى الفيلسوف، حيث يتميز أديب الفلاسفة عن غيره، قلنا مع زكي نجيب محمود إن "وضوح الأفكار" وتحديدها هو البداية التي يتولد عنها "الشكل"، وإن هذا الشك
This entire review has been hidden because of spoilers.
هموم المثقفين زكي نجيب محمود ......................... عرفت الأستاذ الدكتور زكي نجيب محمود منذ سنوات ولم التقي به في كتاب إلا وكان هناك الجديد من الأفكار والمزيد من الثراء في الأفكار والمزيد من المتعة. يتمحور فكر الدكتور زكي نجيب محمود حول نقطة تعتبر هي مشروعه الفكري الذي اهتم به ورأي أن حل مشكلات مجتمعنا تكمن فيه، هذا المحور الفكري يعتمد بشدة علي إحلال التفكير العلمي محل التفكير الخرافي، ويري ضرورة الاعتماد علي المنهج التجريبي في البحث عن حلول لمشكلاتنا المتأصلة، ويري ضرورة البحث عن طريق وسطي بين الأصالة والمعاصرة، لكنه يري في الطريق الوسيط بينهما رأيا يختلف فيه عن غيره. كثيرا ما جادل الدكتور زكي نجيب محمود الكثير من المفكرين في عصره حول ضرورة الاعتماد علي العقل، وترك المجال للعقل ليمارس حرية الحركة في بناء المجتمعات، وكثيرا ما جادل المؤمنين بالرؤية الصوفية الذوقية لحل المشكلات، ويري أنهم تائهون بعيدون تماما عن الواقعية. .................... إنه لا رجاء لنا في إعادة تشكيل الحياة من جذورها وفي صميمها، إلا أن يكون ذلك علي أيدي المثقفين، الذين لا يعنون بالأمور السابحة فعلي الأسطح عنايتهم بالمحركات الكامنة في دخائل النفوس. ............ لست أدري إن كان الأمر فيما سوف أعرضه الآن، مدعاة إلي اليأس من العقل البشري وقدراته، أم كان داعيا إلي الأمل فيه؛ فلست أنكر أنني من أشد الناس إيمانا بالعقل وما يستطيعه، حتي ليتعذر علي في كثير من الأحيان _ كلما وجدت في العقل الإنساني علائم عجز _ أن ألتمس له المعونة في شيء سواه، كأن أحتكم إلي حدس المتصوف أو إلي وجدان الشاعر؛ أقول إنه يتعذر علي أن أيأس من قدرة العقل، فأجاوزه مستعينا بغيره؛ والأمثلة التي تؤيد عندي سلطان العقل، تعد بالألوف ومئات الألوف، فإذا ما رأيته عجز أو كبا، لت لنفسي: لا عليك، فإنه ناهض من عجزه أو كبوته بعد حين. ................. لكل كاتب طريقته في تجميع أفكاره، لكن هذه الطرق مهما اختلفت، فلا بد لحركة السير من نقطة انطلاق، وإني لأري نفسي كالطائر الذي رأيته ذات يوم وقفا عند حافة الماء يحس منه حسوة ثم يرفع رأسه لينظر في الخلاء، كأنه ينتظر حتي تسري في كيانه تلك الحسوة التي احتساها، قبل أن يحني رأسه نحو الماء ليلقط حسوة أخرى، وهكذا أفعل فيما أقرأ وأسمع؛ إذ إني ألقط نقطة انطلاقي أثناء التنقيب والتقليب، حتي إذا ما وجدتها تركتها تستجمع حولها من خبرة الماضي ما تستجمعه. .................. اللا عقل في حياتنا أرسلت منذ بضعة أسابيع مقالة بعنوان "في حياتنا العقلية" ففوجئت حين رأيتها منشورة تحت عنوان "في حياتنا العائلية"، كأنما عامل المطبعة الذي صف حروف العنوان لم يصدق أن تكون لنا "حياة عقلية"، أو لعله لم يسمع قط قبل ذلك أن توصف حياة الإنسان أحيانا بأنها حياة عقلية في منحاها ومسارها، وظنها فلتة قلم من الكاتب، فتبرع بذلك التصحيح ليكون للعنوان عنده معني مفهوم، ولم يأبه أن تنعدم الصلة بين مادة المقالة وعنوانها. .....................
هانس فاينجر فيلسوف ألماني ................... الإنسان يصوغ لنفسه أفكارا ويزعم لنفسه أنها أفكار تصور له الواقع كما هو واقع، فإذا هي في حقيقتها إنما تصور له ما يجب و أن يتصوره عن ذلك الواقع لينعم بالراحة، وحتي لو جاءته الخبرة الشخصية صارخة ببطلان أفكاره تلك، فالأغلب أنه لا يعدل عنها إلي سواها، ولماذا يعدل عنها إذا كانت مريحة وسواها يؤلمه ويشقيه.. .....................
كعادة الفيلسوف والكاتب الكبير زكي نجيب محمود، كتاب يخاطب العقل ويهدف إلي تطوير وتحديث الفكر والثقافة العربية. يتحدث الكتاب عن هموم المثقفين العرب والمشاكل التي تواجه الثقافة العربية، ومحور الكتاب يدور حول كيفية التوفيق بين الثقافة الغربية الواردة إلينا من الخارج وثقافتنا وتراثنا العربي الراسخ فينا حتي يستطيع الفكرين العرب شق الطريق الثالث الذي لا يركن إلى القدم ويتحجر ولا يندمج مع الجديد فتضيح ملامح هويته الأصيلة.
الكتاب مقسم إلي ثلاثين مقالا يتناول في أول الكتاب أزمة المثقف العربي وكيف نشق الطريق الثالث بين القديم والجديد نحو ثقافة عربية جديدة. ثم يتناول بعض القضايا الثقافية والفلسفية التي توضح فكرته.
من أهم المقالات أو الفصول التي توقفت عندها خلال قرائتي لما كتبه زكي نجيب محمود،"العروبة ثقافة لا سياسة" لقد عرض خلال هذا الجزء كيف أن العروبة مركب ثقافي يعيش بداخلنا وعرض فيه أبرز الخصائص الثقافية التي تجعل العربي عربيا، بالإضافة إلي مقالي "الفلسفة خارج الأسوار" و "الفكرة الواحدة".أما اهم هذه المقالات أو الفصول عندما تحدث عن حقيقة الجمال في نظر ثلاثة فلاسفة هم أفلاطون وعمانوئيل كنط وأفلوطين ، لقد أدهشني مثل هذا الاختلاف بين الفلاسفة في صفة قد تبدو للجميع أن واضحة لا تحتاج إلي تحليل أو بيان.
كتاب رائع واستمتعت كثيرا به وأعطيه أربع نجمات وأتمني من الجميع قراءته.
مجموعة من المقالات تتميز بالعقلانية والاشتباك مع قضايا المجتمع ، وأكثر ما يميز الكاتب هي قدرته على تبسيط الفلسفات المتعددة بأسلوب مبسط للقاريء غير المتخصص
كتاب رائع ورغم صفاحته ال200 إلا إنه ثري ودسم جدا، أعترف أني كنت أعيد قراءة بعض جمله أكثر من مرة، يتحدث فيه الفيلسوف الكبير د. زكي نجيب محمود عن أزمة الفكر والثقافة والمثقفين ويطرح أفكارا تعيد الفهم للكثير من القضايا التي نعرف بعضها ويغيب عنا البعض الآخر، يتناول فيه المشكلة القديمة الحديثة وهي علاقة التراث بالحداثة ويضع حلولا لها، الكتاب قيم ورائع جدا لكنه يحتاج لصبر في القراءة