يؤرخ السندباد "حسين فوزي" في هذا الكتاب لاشتراكه في رحلة علمية على ظهر سفينة جابت جزر المحيط الهندي في ثلاثينيات القرن العشرين فيقول: لقد أرسلت القلم لأحدث أصدقائي بما رآه بصري أو أدركته بصيرتي. ولعلهم فاهمون بعد هذا سر الجاذبية التي وجهت حياتي في طريق لا يزال يستخرج منهم على مر السنين بعض الدهشة. لذا أرجو من القارئ ألا يحاول تحميل هذه الصحائف أكثر مما تحتمل، وأن يتقبلها على علاتها، صورة من نفس صاحبها يقدمها إلى أصدقائه ومعارفه. فإذا استطعت أن أصطحبه وأصطحبهم في رحلتي الفكرية، فقد نجحت في أطيب المهمات إلى نفسي: أن أرتاد مع أصدقائي عالما يشعرون فيه بشعوري.
الدكتور حسين فوزي (الإسكندرية ٢٩ يناير ١٩٠٠ ـ أغسطس ١٩٨٨)، عالم بحار وكاتب مصري برز في أدب الرحلات.
ألحقه والده بكُتاب الشيخ سليمان جاويش بباب الشعرية بالقاهرة بين عامي ١٩٠٥ و١٩٠٧، حيث حفظ ثلث القرآن
حصل حسين فوزي علي بكالوريوس الطب، ثم ليسانس العلوم من جامعة السوربون، ودبلوم الدراسات العليا في علم الأحياء المائية من جامعه تولوز.
كان حسين فوزي ضمن الرحلة العلمية للسفينة "مباحث"، التي طافت المحيط الهندي.
نشر حسين فوزي أول قصة له في مجلة السفور عندما كان يتولى إصدارها محمد ومحمود تيمور (لفترة قصيرة عامي ١٩١٩ و١٩٢٠). وقد نُشرت له أكثر من ٢٥ قصة في مجلات السفور والفجر بين عامي ١٩١٩ و١٩٢٤، وكاد يستمر في هذا الطريق لولا سفره لدراسة العلوم بجامعة السوربون.
كان حسين فوزي أول عميد لكلية العلوم بجامعة الإسكندرية عام 1942 م ثم صار مديرًا للجامعة عام 1945 م. كما شغل منصب مدير جامعة الفنون (أكاديمية الفنون) بين عامي 1965 و1968، وانتخب رئيسًا للمجمع العلمي المصري عام 1968.
كان حسين فوزي قد طالب بإنشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية قبل إنشائه عام ١٩٥٧، كما كان أول من نادى بإنشاء أكاديمية الفنون في مصر.
من مؤلفاته :
خلال فترة حياته التي استمرت 88 عاما قام الكاتب الراحل بتأليف 19 مؤلفا اهمها
سندباد عصري حديث السندباد القديم سندباد إلى الغرب الموسيقى السيمفونية رحلة تاريخية في البحار السبعة سندباد عصري يعود إلى الهند لندن تطفئ الأنوار هو وهي قلوب للبيع المرأة كتاب مشروع انتحار الأسكندرية في الخريف حول العالم بمايوه
أنشأ البرنامج الثاني بالإذاعة المصرية
حصل الدكتور حسين فوزي على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام ١٩٦٦، وجاء في تقرير المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة):
(إنه) من الشخصيات النادرة التي تؤكد المعنى الكامل للإنسان المثقف في العصر الحديث. جمع إلى عقليته ودراسته العلمية المتخصصة ثقافة أديب وفنان تعمق في الآداب إلى ما هو أرفع من مستوى الاحتراف وأعمق من مستوى الهواية.
كان ضمن طاقم بعثة علمية تضم أربعين فردًا استقلوا السفينة «مباحث» المصرية، في رحلة استغرقت تسعة أشهر في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي، وصولاً إلى الهند، عامَ 1934، وقامت السفينة بواجبها خير قيام، وكان على متنها عالمان مصريان، أحدهما هو مؤلف هذا الكتاب د.حسين فوزي، وقال أنه كتب القصة الرسمية والعلمية للرحلة في كتاب آخر، بينما في هذا الكتاب الجديد الذي نشره عام 1937، أراد أن يتحدث فقط عن القصة الشعبية للرحلة، بعيدًا عن موضوعها العلمي واكتشافاتها وملاحظتها، فتحدث عن السفينة ذاتها وعن طاقمها وعن العلاقات بين أفرادها، وعن قطة السفينة، وعن دوره كطبيب في معالجة الطاقم، وعن العادات والتقاليد والأحداث الجانبية التي رآها في الجزر التي نزل بها
ويبدوا هذا جميلاً، ولكن الكتاب مرَّ بشعور مريب من سماجة أسلوب الراوي، وتحديدًا عندما كان يحاول المقارنة بين الشرق والغرب، ثم الانحياز الكامل للغرب بالتأكيد، حتى لو أدى به ذلك إلى السخرية من كافة الأخلاق الشرقية البالية لديه، وسخريته باردة للغاية كما هي ميوله الغربية، أو صراحة : لم تلق آذانًا صاغية
ثم جاء فصلان رائعان في خاتمة الكتاب، تحدّث فيها عن حياة البحر وعن السفينة «مباحث»، بعد أن قفل راجعًا إلى وطنه، وحديثه في هذين الفصلين ممتلئ بالحنين لكل يوم قضاه على متنها، وفيها يقارن ويفرق بين المسافر على متن السفن العملاقة العادية في الرحلات، وبين المسافر في بعثة على سفينة أو باخرة صغيرة السفينة الكبيرة: كازينو بين مدينتين، وفندق بين فندقين، فترة من حياتك الأرضية تقضيها ناعمًا، أما السفينة الصغيرة فهي مسكنك البحري الدائم، وما الإقامة بالموانئ إلا فترة قصيرة تضطرك إليها حاجات العيش من ماء وغذاء، وحاجات الآلات من فحم وزيت وماء
وبين الميناء الذي لا يعرف عنه راكب السفينة الكبيرة منه سوى بوليس الميناء وحمّاليه، وهو إليه مجرد مرحلة مغادرة للسفينة إلى البر، لا تدوم سوى فترات يسيرة، بينما الميناء في نظر طاقمي السفن الصغيرة الراسية فيه حياة أخرى وسوق صاخب وبحيرات آسنة تعلوها بقع الزيت، ودخان الفحم
.
.
وإذا لم تكن رأيت كل هذا، فلم تعرف من أمر البحر شيئًا، وأنت أجهل بالميناء الغريب مما كنت حين غادرت ميناء بلادك