"لأن الصحراء تأبى المماطلة والاستنساء، فتشرع في حبك سرّها ما إن تطلع الشمس، فتلد من بطنها صحراءً أخرى، أجنّة أخرى... يطلع النبت في كلّ مكان، في السهول، في الوديان. في الشعاب... ثم ينتظر الرياح ليبدأ مراسم الفرح. تهبّ الأنسام فينوس ويتطاول ويتثنّى إلى كل الأجناب في رقصة البهجة كأنه يحاكي صبايا الصحراء عندما يركعن حول طبول الأفراح مسدلات الشعور، ثم يبدأ التمايل وتلويح الخصلات في الهواء، غائبات الأبصار، مسبلات الجفون، كأن الانتشاء، كأن الشهوة إلى الغناء، تدفعهم للارتواء من ينابيع لا وجود لها إلاّ في وطن اسمه الحنين. بمثل هذه الأعجوبة انبثقت الواحة أيضاً".
وبمثل هذه الأعجوبة انبثقت دنيا الكوني في الأيام الثلاثة... وكأن إبراهيم الكوني هو ذاك القادم من عمق الكون... والمتأصل في تلك الصحراء... وكأنها ملهمته الأولى والأخيرة... وكأن رياحها الصافرة تخترق روحه تدوي في نفسه... وتتلاشى أصداء وكأنها تردادات جنية... ساحرة قفزت من جوف الأساطير...
Ibrahim al-Koni (Arabic: إبراهيم الكوني) is a Libyan writer and one of the most prolific Arabic novelists. Born in 1948 in Fezzan Region, Ibrahim al-Koni was brought up on the tradition of the Tuareg, popularly known as "the veiled men" or "the blue men." Mythological elements, spiritual quest and existential questions mingle in the writings of al-Koni who has been hailed as magical realist, Sufi fabulist and poetic novelist. He spent his childhood in the desert and learned to read and write Arabic when he was twelve. Al-Koni studied comparative literature at the Maxim Gorky Literature Institute in Moscow and then worked as a journalist in Moscow and Warsaw. By 2007, al-Koni had published more than 80 books and received numerous awards. All written in Arabic, his books have been translated into 35 languages. His novel Gold Dust appeared in English in 2008.
الانسان قوي بالعقل ، ضعيف البدن ، والجان قوي بالبدن ، ضعيف بالعقل . بالبدن ذهب الانسان الى الباطل ، بالتحرر من الجسد ذهب قرينه الجان الى الخلود. بالعقل ذهب الانسان الى الخلود ، بالتحرر من العقل ذهب الجان الى النسيان . السر ليس فيما يرى ، ولكن السر ، كل السر فيما لا يرى . في داء النسيان يكمن هلاك الانسان . حقيقة السيرة الاولى التي اعطت للعاشق حق إزالة المعشوق ، وطوقت اعناق الآباء بواجب ايداع الابناء للصحراء لا لإعطائهم الحياة على سبيل الهبة ولكن لتقديمهم للموت قرباناً لا طلباً لسر الموت وإنما لطلب طلسم اسمه الحياة . نشقى بكل ايام دنيا الثلاثة ، نشقى بأمسنا لأننا لا نستطيع ان نحيا بأمسنا ، ونشقى بيومنا لأننا لا نستطيع ان نحيا بيومنا ، ونشقى بغدنا لأننا سنهلك بغدنا ، فكيف لا نشقى بثالوث الايام إذا كنا أعلم الخلق بأننا خلقنا لكي نموت لا لكي نحيا
الدنيا أيام ثلاثة يقدمها لنا الكوني في نسيج صحراوي اسطوري بلغته البديعة وشخصياته المؤثرة كالعادة الزعيم ، الداهية ، الغريب ..
فـ اليوم الأول يسميه : الطلسم حيث الخفاء والمجهول يقول لنا عن الطلسم بأنه ( كشجرة تُورْهَا ) تتخذها أقوام الجن أوكاراً ومن أراد ان ينجو من شرها فليعتصم بها .. لهذا اعتادت القبائل ان تتخذ من أعراف الشجرة تمائم تخبئها بين الركائز .
اليوم الثاني : البلبلة مرحلة الشكوك والتساؤلات والوساوس التى توشوش في الصدور فما الحكمة من العشق والحب إذا كان أكثر المحبين مصيرهم التخلي والفراق ؟ لماذا الإنجاب إذا كان الأبناء يسببون الأوجاع لـ الأباء ؟
( الأبناء لا يكتفون بأن يكونوا فتنتنا ، ولكنهم يأبون إلا أن يختلسوا حياتنا فإن لم يتمكنوا من أخذها خلسة انتزعوها غصباً )
اليوم الثالث : الوصية النهاية او الهلاك فـ الوصايا في ناموس الصحراء هي من الراحلين للباقين أنها السر الدفين كما يرمز لها الكوني .. ( خلق لا يناوشهم السر سعداء وصاحب السر بين الخلق أشقى يهون الأمر كثيراً لو أعلن السر عن نفسه يوماً ) ( سر الوصية ليس سراً ككل سر ، بداية سر الوصية وجع ، ومسيرته بلبال ، وخاتمته هلاك )