إذا كان الفقيه صاحب الصنعة لا يرى في جمهرة السلع المتداولة بأسًا، ولا يرى في طريقة بيعها شيئًا يُصادِم الشرع، إلا أني قد حرَّمتها على نفسي إذ آمنتُ بحُرمة أي تلاعُبٍ بالإنسان وشهواته. هذا الاختلاف في المنظور لا يرجع إلى عجز وتهافُت الفقيه التقليدي صاحب الصنعة ونقص أدواته فحسب، وإنما مرجعه كذلك إلى كونه سطحي برَّاني يتعامل مع الأقضية كلها -والمستجدَّة خصوصًا- كأنها ظاهر بلا باطن، ولا ينظر في المآلات غالبًا؛ إذ يقعد به فقر أدواته عن إدراك المآلات النفسيَّة والاجتماعيَّة التي تُصادِم الشرع ومقاصده على طول الخط. بل الأسوأ والأخطر أنه يُعامِل الإنسان كأنه ظاهر بلا باطن، وجسد بلا روح. روح تتأثَّر وتفسد وتمرض كما يمرض الجسد. والحديث يطول لكن هذا ليس مقامه.
ورغم أنني دُوَّنتُ هذه الدراسة بين عامي 2005-2007م؛ إلا أنها لم تُنْشَر للمرَّة الأولى إلا في شتاء عام 2008م، في مطبوعة فصليَّة قاهريَّة محدودة الانتشار. وها أنا أعيد نشرها ثانية نشرةً إلكترونيَّة، لكثرة سؤال بعض الأصدقاء عن أمور في صميم ما تناولته فيها، فلعلَّ الله ينفع بهذه النشرة، وتصِل إلى طائفة أكبر من القراء؛ فيفيدوا بها، ويُمطروا علينا وابلًا من دعواتهم الصالحات. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
أديبٌ ومفكِّرٌ ومترجمٌ وناشرٌ مصريٌّ. وُلِدَ بالقاهرة، وتخرَّج في كلية اﻵداب. نشر أكثر من مئتي مقال وورقة بحثية، تصب جميعُها في استعادة مركزية الوحي الإلهي وتجديد الاجتهاد الإسلامي في الفكر والحركة.
كتاباته حسب تاريخ النشر: - أفكار خارج القفص (2014م) - طير بلا أجنحة (2017م) - تأملات مسلم (2020م) - حضارة السوبرماركت (2021م) - لماذا فشل الإسلام السياسي؟ (2026م)
ترجماته: - ما بعد الدول القومية المسلمة: كليم صديقي (2013م) - حركة فتح الله گولن: هيلين روز ايبو (2015م) - نظرية الثورة الإسلامية: كليم صديقي (2018م) - كل يوم: مولانا جلال الدين الرومي (2018م) - جذور الثورة الإسلامية في إيران: حامد الگار (2021م) - الفكر السياسي الإسلامي الحديث: حميد عنايت (2021م) - الإسلام بين الشرق والغرب: علي عزتبيغوڤيتش (2023م) - هروبٌ إلى الحرية: علي عزتبيغوڤيتش (2026م)
التحقيق: - العروة الوثقى: السيد جمال الدين الأفغاني (2021م) - ما هنالك؛ آخر أيام العثمانيين: إبراهيم المويلحي (2024م) - تتمة البيان في تاريخ الأفغان: السيد جمال الدين الأفغاني (2025م) - خاطرات السيد جمال الدين الأفغاني في إيران: تقرير فرصت الدولة الشيرازي (2025م)
منذ دوَّنت هذه الدراسة للمرَّة الأولى، ما أجريتُ عليها إلا إضافات وتنقيحات بسيطة لم تُخِل بروحها ولا اتجاهها العام، رغم تطوري الفكري الذي يسمح لي بتطويرها. وربما كان مرجع ذلك هو ارتباطي العاطفي بها لسببين: أولهما أني قد دوَّنتها لنفسي بالأساس، وذلك لتكون مُلخَّص الحيثيَّات التي أحمل نفسي بموجبها على الانخلاع من كل نشاط تُجاري من هذا النوع البغيض، ابتغاء مرضاة الله، وتعفُّفًا عن استغلال شهوات الخلق والتلاعُب بمخاوفهم وأوهامهم. وهو ما منَّ الله عليَّ به مُذ ذاك، بحوله وقوَّته وحده من غير حول مني ولا قوَّة؛ فأسأله أن يرزقني الثبات. أما السبب الثاني فهو كونها الدراسة الوحيدة التي اطَّلَع عليها أستاذنا عبد الوهاب المسيري -قدس الله روحه- من إنتاجي. وكنت قد أرسلتها إليه قبل مرضه الأخير، ولم أسمع منه تعقيبًا بسبب تدهور حالته الصحيَّة، ولم أعرف أنه اطلع عليها أصلًا -بل وأثنى على صاحبها- إلا حين أخبرتني بذلك إحدى تلميذاته المقرَّبات بعدها بأعوام، ولم تكن تعرفني قبلها. وقد دوَّنت الدراسة وما زال أثر الأستاذ غضًّا طريًّا في روحي؛ فآثرت أن أحتفِظَ بها كما هي بغير تغيير، مودَّة وقُربى.
دراسة قصيرة لكن ماتعة، ملأى بعبر قيّمة ورؤى عميقة تخوض في حضارة استهلاكيّة بائسة اجتاحت حياتنا وأغارت على أرواحنا. ولمست فيها كذلك نفحة من نفحات كتب شيخنا عبدالوهاب المسيري.
أحياناً يشعر الإنسان بالمرض، و أحياناً يشعر أنه مُكبل، فلا يستطيع الذهاب للطبيب، بل أحياناً يكون المُكبل هو عقله، فلا يستطيع حتي التفكير في المرض فضلاً عن تشخيصه و علاجه، فيرحمه الله بطبيب يشخّص له المرض و يدلّه علي العلاج دون النظر في عينيه أو حتي سماع شكوى المريض، لأن المرض المتفشي - في عصرنا الحاضر للأسف - يحتاج إلي طبيب علي بصيرة يرى المرض من جذوره و أعماقه لا كما يراه السُذج بسطحيه فيعالجونه بغير علاجه فيزيدون الطين بلة هذه الدراسة صغيرة الحجم عظيمة الفائدة يشير الكاتب في كل حرف إلي الطريقة الوحشية الاستهلاكية المعادية لطبيعة الإنسان فكأن الكاتب يضع إصبعه بكل حرف في هذه الدراسة علي جروحك الغائرة فتصرخ من الألم متيقناً أن هذه الجروح التي تبذل جهودك لتتناساها من وقت لآخر ما زالت باقية قائمة و لا سبيل للتخلص منها إلا بالتعامل معها بالطريقة الصحيحة المناسبة لها و مع أن الكاتب حاول جاهداً تقديم حلول في آخر هذه الدراسة إلا أنني متيقن أن تطبيق الحلول أصعب بكثير من طريقة عرض الكاتب البسيطة و اعتقد أن هذا لا يخفى علي الكاتب جزاه الله عنا خيراً و مع ذلك فتشخيص المرض تشخيصاً صحيحاً أول طريق العلاج فشتان بين من يتعامل مع المرض و هو يعرفه و يفهمه جيداً حتي و إن فشل أحياناً في علاجه و بين من لا يسمع عن المرض من الأساس فأنا قبل الدراسة ناسياً له ( بل لنقل متناسياً له أحياناً ) أخبط خبطاً عشواء في التعامل معه أصيب أحياناً و أخطئ كثيراً و أنا بعد الدراسة أحاول أن أحملق عيني جيداً في التعامل معه، و إن أخطأت فأظن أني عرفت كيف اتصرف و جزى الله الكاتب خيراً ❤️
أتساءل لو قدر لهذه البشرية الاحتمال، وتجاوز العطب التي تحياه، إلى حضارات أخرى كيف ستكون؟!
وما نحن بين سلم الحضارات الأولى التي بقيت آثار بعضها باقية و موغلة في الزمان ، أو شاهدة على وجودها الآفل رغم تآكل أخرى و اندثارها ؟ وهل يمكن أن تصمد حضارتنا و آثارنا لقرون ؟! تلك أسئلة مخيفة و مربكة، فنحن الحضارة التي شيدت على التآمر على أعماق هذه النفس البشرية، وعملت جاهدةعلى توجيها كعمياء لم تخلق للرؤية،حرصت على استثارة غرائزاها ودفعها دفعًا إلى المطاردة اللانهائية للأشياء و ما بعدها!
بغض النظر عن موضوع الاستهلاك الذي أحب القراءة فيه لتعلقه بالداخل الإنساني - و أنا مفتونة بكل ما يتعلق بهذه النفس من داخلها- جذبني العنوان الساحر الساخر عن تسمية حضارتنا إن جاز لنا أن نسميها حضارة.
كتاب ماتع ورائع. دائما كنت أكره الإعلانات وأجد فيها ما يحاول القضاء على الفطرة، فأفادني هذا الكتاب كثيرا. يتكلم عن شره الإستهلاك حيث يتحول الإنسان إلى ترس يعمل في ماكينة كبرى ليجرى ويتسابق خلف رغبته الإستهلاكية التى تكون مزيفة في الغالب وهو لا يحتاجها أصلاً، ويساعده على ذلك الخصومات والعروض (المزيفة في الغالب) والتى تحاول إعتصار الإنسان من كل أمواله، ناهيك عن البطاقات الائتمانية التى تمكنك من شراء ما لا تحتاج بمال لا تملكه وتظل في دائرة مغلقة. كما يسلط الضوء على مفهوم البقال التقليدي صاحب العلاقة الإنسانية مع زبائنه الذي يكاد يختفي من المجتمعات بعد غزو مراكز التسوق الكبرى، وأخيراً فإن الله أمرنا بالتخفف من الدنيا وهذا ينافي حضارة الرأسمالية التي تعتصر الإنسان ليس من ماله فقط بل من فطرته الإنسانية وروحه وأخلاقه.
دراسة ماتعة، وتحليل جد عميق لظاهرة الاستهلاك التي استولت على كثير من بني آدم حتى صار توصيف تلك الحضارة - إن كان ثمة حضارة أصلا- بحضارة السوبر ماركت؛ توصيفا موفقا لأبعد حد. ولم يترك الأستاذ عبدالرحمن أبوذكري قارئه تائها حائرا بعد أن عرف حقيقة تلك المنظومة التي لا تتورع عن خداعه، وبذل كل جهد يمكنها من جعل الإنسان كالثور المربوط في الساقية؛ حيث لا خلاص له من تلك الدائرة التي يدور فيها؛ بل أرشده لطريق الخلاص من لعنة الاستهلاكية بخمسة عناصر استرشادية يمكنه الاستعانة بها لتجاوز مساوئ تلك المنظومة .
أجمل الكتب ما كان مجيبا على سؤال قارئه، مزيلاً لمشكلٍ في ذهنه، مخففا لهَمّ أسئلة الحيارى. في تفصيلٍ لطيفٍ وتفسيرٍ للهاث الإنسان وراء الشيء وإن لم يكن يريده، لهيمنة الشيء على الروح وجعله المبغى والدواء لكل عطب. في تضخيم الشهوة وكون إشباعها غير المنضبط منتهى سعادة المرء. في محاولةٍ للوقوف ضد اللهاث المستعر وراء السلع.
الكتاب مفيد لكن حقيقة لم استسغ أسلوب ولغة المؤلف، دائما أجد بيني وبينها جفوة ومع استفادتي كثيرا من كتاباته النقدية قديما لما كنت متابعا له لكن بقى جبل الجليد كما هو :)
دراسة قصيرة، تتناول موضوع شتى تدور حول ثقافة الشراء المعاصرة وبأقل درجة الغزو الغربي لمجتمعاتنا. لم أفهمها كلها، لذلك لا أجزم بعيب فيها؛ لكن لجهلي بتاريخ مصر الحديث وأطر الحركة السياسية في المئة عام السابقة لم أستطع الاستفادة كليا من هذا الجزء. أكثر ما أعجبني هو الفصل الأخير، يتحدث عن مبادئ عامة لمحاولة التعايش مع هذه الثقافة الغاصبة، أعرفها فعلًا لكنها أضافت الكثير كونها موطأة بالطرح السابق لها. لن تكون القراءة الأخيرة إن شاء الله، وقراءة المصادر المشار إليها أيضا!
يمكن القول بأن أغلب الكتاب عبارة عن مقدمات لإنقاعك بالخروج من هذا المستنقع، مستنقع الاستهلاك، الذي طال أذاه الجميع بلا استثناء. ثم يعطيك في الفصل الأخير نصائح للخروج منه. لا تتعرضْ للإعلانات. لا تذهب إلى المراكز التجارية (Malls). لا تذهب إلى المتاجر (السوپرماركت) إلا وأنت مزود بما تريد في ورقة. لا تشتر سلعة لأنها الأشهر. لا تستخدم بطاقات الائتمان (Credit Cards)، واستخدم النقود أو بطاقات الخصم؛ فبهذه الطريقة تشعر بقيمة ما تُنفقه عليه، وهذا فوق الحكم الشرعي في بطاقات الائتمان.
من أبرز ما تبنته الحضارة الاستهلاكية الحديثة انها داعبت غرائز الانسان من حب الظهور وحب التملك والشعور بالاختلاف مما اثمر الحقد والحسد ورسخت الطبقية واضحت التنافسية للصعود الي الطبقات العليا التي حددتها الاسواق هي شغل الانسان الشاغل وهمه الدوؤب وهذا كله رسخته الاسواق الحديثة حيث جذبت اليها الناس وشجعت ذلك فيهم فلم يعد الانسان يذهب الي السوء ليشتري حاجته التي يريدها بل ليشبع تلك الرغبات تري رجلا وزوجته حديثي العهد بزواج يملأون سيارة كاملة تفيض عن احتياجتهم بكثير لكنها النفس الاستهلاكية التي صنعتها الدعاية وزفر بها ااسوق والمتسوقون كل هذا ضربا للمثل التي ينبغي ان يتحلي بها الانسان فضلا عن المسلم الذي دعاه رسوله الي التقلل من الدنيا فقال ان البذاذة من الايمان وعاش علي هذا هو واصحابه حتي بعد ان دانت لهم الدنيا وكان اكتساب الفضائل والتطلع الي معالي الامور هو شغلهم فانظر ما صنعت الحضارة الاستهلاكية في النفس البشرية التي لا زمام لها مالم تضبط نفسها وتتجاوز كل هذه التاثيرات وتعي مالاتها كل هذه الابعاد النفسية سلطت الرسالة الضوء عليه مرورا ببداية نشأة الاسواق وكيف غزت هذه النزعة داخل الانسان حتي صرنا الي ما صرنا اليه فانصح بقراءتها حتي يكون الانسان علي وعي بما يدور حوله والا يسقط ضحية لهذا الغول الذي يريد منه ان ينزع منه انسانيته ويحوله الي انسان مادي خالص والله المستعان وجزي الله كاتب السطور خيرا علي ما سطر
دراسة ممتعة ومميزة تناولت ثقافة الاستهلاك المعاصر بتحليلٍ وتوصيفٍ عميق بأمثلة من الواقع المصري، وأورد في الفصل الأخير حلولًا عملية للتحرر من قبضة هذه المنظومة القائمة على استنزاف الإنسان بتشييئه وتحويله لـ "مستهلِك" فقط.. الأسلوب مقارب جدًا لكتابات د. عبد الوهاب المسيري وقد اطلع على الدراسة هذه قبل وفاته وأثنى عليها، فمن لم يمر على جزءٍ من نتاج د. المسيري ربما واجه صعوبة في فهم ما يقال هنا لاستخدام ذات المصطلحات والدلالات التي اختص بها رحمه الله.
كتاب أعتقد أنه جميل ومفيد لذوي الصبر على قراءة الكتب، وليس لأمثالي من محبي القصص والروايات. فكنت أتوقف كثيرًا لأردد قول الراحل سعيد صالح -رحمة الله عليه- " ده كلام كبير يصعب على أمثالي فهمه "