عالم فقيه ومفكر وأكاديمي مصري من أبرز أعلام القرن العشرين. وُلد في بيت علم ودين، وأتمَّ حفظ القرآن قبل بلوغ العاشرة، ودرس في الأزهر الشريف حتى نال شهادة العالميَّة عام 1916م. وقد اشتغل بالتدريس حتى ابتُعِثَ إلى فرنسا عام 1936م، حيث مكث اثنتي عشرة سنة (حتى 1948م) نال إبَّانها درجة الليسانس ثم درجة الدكتوراه من السوربون، ثم اختير عضوًا في هيئة كبار العلماء عقب عودته مباشرة (1949م). وقد خلَّف عدَّة كتب في العلوم الإسلاميَّة، أهمها إنتاجُهُ الفذُّ في الدراسات القرآنية.
كتاب صغير الحجم، عظيم النفع، يوضح ركائز هامة في علم الأخلاق.
يتناول الكتاب الأخلاق، وتقسيمها إلى غريزيَّة ومُكتسَبة، علم الأخلاق، وتقسيمه إلى نظري وعلمي، الاعتراضات على علم الأخلاق النظري، ومناقشتها، الأخلاق الفلسفية، والأخلاق الدينيَّة، علاقة علم الأخلاق بالتربية.
اقتباسات: الخلُق هو قوة راسخة في الإرادة، تنزع بها إلى اختيار ما هو خير وصلاح — إن كان الخلق حميدًا — أو إلى اختيار ما هو شرٌّ وجَور — إن كان الخلق ذميمًا
فالخُلق كما قلنا أمرٌ معنويٌّ، وهو صفة النفس وسَجِيَّتها. أما السلوك فهو أسلوب الأعمال ونَهْجها وعادتها، وما هو إلا مَظْهر الخُلق ومرآته ودليله.
وبالجملة فإنما يكون الجهاد الخُلقي عبثًا في أحد افتراضينِ لا ثالث لهما: أن تكون النفس الإنسانية قد خُلِقت خلقًا كاملًا مستجمعًا لكلِّ أطوارها، أو أن تكون خُلِقَت بَتْراء جامدة غير قابلة للكمال. أما وهي كما قال الغزالي ناقصة بالفعل ولكنها منطوية على إمكانيات الكمال، قابلة بالقوة لما شاء لله من درجات الترقِّي والتدلِّي، فقد اتسع ميدان الجهاد أمام كلِّ مجاهد. وذلك كلُّه ممَّا توحي به الآيات القرآنية الكريمة، حيث يقول لله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، فجعل تسوية النفس من فِعْل البارئ المصور، ولكنَّه جعل تزكيتها أو تَدْسِيتها من عمل الإنسان.
ومن تأمَّل ضروب الواجبات الأخلاقية وكثرتها وتزاحُمها على الأوقات، وشدَّة الحاجة في تطبيقها إلى دقَّة في الفهم، وسلامة في الذوق، وحكمة في السياسة، للتوفيق بين مختلف المطالب الحيوية والاجتماعية والروحية وغيرها، على نِسَب قد تختلف باختلاف الظروف والملابسات، أدْرَك أن السلوك الأخلاقي جديرٌ بأن يُعَد فنٍّا من أرقى الفنون الجميلة، لمَن عرَف كيف يؤلِّف من حياته اليومية صِفةً مُنسَّقة كاملة.
كان الترغيب والترهيب في التوراة بوعود وإيعادات كلُّها عاجلة في هذه الدنيا، وتكاد تستأثر بها النزعة المادية الخالصة: الصحة، والرخاء، وكثرة الأولاد، وهزيمة الأعداء، للمطيعين، وأضدادها لأضدادهم، ثم جاء الإنجيل على العكس من ذلك يحوِّل أنظار مُعتنِقيه من مُلْك الأرض إلى ملكوت السماء، ويبشِّر الخيِّرين بما أعدَّ لهم في الآخرة، من جزاء القرض الحسن بأحسنَ منه … أما القرآن فقد نظم هذين الطرفين المتباعدين في سلك واحد: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأجَرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾، ثم لم يكتفِ بذلك، بل قام إلى جانب مهمة الجمع والتوفيق، بمهمة البناء والإنشاء والتكميل، فوصف ما للفضيلة من الأجزية والآثار المعنوية الصالحة، روحية، وخلقية، وعقلية، وحسية، عاجلة وآجلة؛ بحيث تتذوق فيه كلُّ نفس طعم الأمنية التي تشتاقها، وتسمع كلُّ أذن نغمة الأنشودة المُحبَّبة إليها.
نظم هذا الكتاب مفاهيم لدي. وصوّبها. والفائدة العملية أني استطعت ربط شعوري بالحق هذه الفترة في حياتي بأصله الذي نشأ منه. لم أربطه حقيقة إذ الرابط موجود ولكني لم أتساءل سؤالا عميقا يصل بي إلى فهم دافع الحق هذا. فالحمد لله وجزا الله عنا الكاتب خيرا
ناقش الكتاب قضية الاخلاق و بواعث الفضيلة بإعتبارها الأداة لدوافع الأخلاق و ارتباط الاخلاق بالذات العليا و الثوابت المقدسة بإعتبارها المرجع للنفس أو الفطرة المتباينة بين نوازع الخير و الشر الغريزية .... تفسير قضية الاخلاق و دوافعها و المرجع الاساسي و القويم لسلوكها و علاقتها و ربطها بالذهن و القلب يمهد الصراط و يرسم الحدود التي تسير عليها و بها , و في هذا أسرد الكتاب تفاصيل و رؤي باعثة هامة... لكنني كنت أنتظر المزيد من السرد في كيفية تحقيق المنشود و ترويض النفس بما جبلت عليها في خلقتها لتحقيق الهدف الأسمي من القضية...
دافع اختيار الكتاب هو البحث عن اصل الأخلاق في الجانبين الفلسفي والديني. الكتاب فصل واستند على ركائز الأخلاق وتفسيرها وعلاقة العلوم بالأخلاقيات، وربط اصلها من منبعها ان كان فطري من عمق القلب او تربوي تكتسب من طبيعة الحياة، ولم يذكر كيفية زيادة المعرفة بإكتساب الأخلاق. من وجهة نظري، تمكن الكيفية في استكمال البحث عن الأصل وفهم الاسباب والرغبة الحقيقية للوصول بالسير في جميع الطرق والوسائل وعدم التوقف في اول محطة. وجدت تفسيراً كاملاً لإجابة عن تساؤلي في امر ان كان الانسان فطرياً وجد في نفسه اكمل الخُلق فماذا يضيف له اذا بحث في الجانب الديني في سبب وجود خُلقه، ومما فهمت الاجابة تكمن في ( نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) " يكون للفطريين الذين لا يتبعون إلا شريعة العقل، نور واحد، ويكون لأتباع الشرائع السماوية نوران اثنان"
ويمتد تساؤلي في ان اذا اكملت الجزء الناقص بإتباع ما نزل من الشريعة السماوية في قضية الخُلق، هل كان ما ملكته باطلاً؟ أخذت عين الاعتبار للمنطق ان العلم يزيد ولا ينقص، لكن ان كان ما املكه اليوم ناقصاً في احدى الجوانب، لا اعتقد انه سيبقى ثابتاً ان لم اكمل نقصه وأصحح طريقه. والإجابة كانت "كلا، إن النور لا ينسخ النور، ولكنه إما أن يؤكده ويؤيده، وإما أن يغذيه ويرفده، وإما أن يكمله ويزيده."
تمتد الاقتباسات والاضافات من الكتاب اكثر رغم ان محتواه قليل السرد، ما ذكرته كان ملخصاً لجزء منه قبل نهايته، وكان اكثر ما ابرزت اهتمامًا به.