ما أحوجنا إلى أن نتعرف على الحرية، فى عالم يحلم بالديموقراطية، وبين شعوب كثيرة تبحث عن حريتها! فى هذا الكتاب لجون ستيوارت مل عن الحرية الشخصية. . . ، نجده يؤيد مبدأ الاستقلال الفردى، متوخيا فيه حل معضلة عويصة لا تزال تواجه كل أمة فى كل خطوة من خطوات تقدمها، وفي كل مرحلة من مراحل حياتها. لذا فهو نعم المرشد والدليل والأنيس فى طريق الحرية، إذ يشرح لنا-ونحن نخوض غمار الديموقراطية والحرية- ما التبس علينا منها، ويحل غوامضها المبهمة، ويبصرنا بأسرارها. هذا الكتاب أشهر من أن يعرف به، فقد انتشر فى كل البلاد وبكل اللغات. وهو يعد بحق دستور الحرية الأعظم.
في هذا الكتاب، يدافع جون ستيوارت مل عن حرية الفرد واستقلاله ضد المجتمع والأغلبية، والتي قام بتقسيمها لقسمين؛ حرية المناقشة، وحرية التصرف، وقد وضع شرطا أساسيا لهما؛ وهو عدم الإضرار بالغير.
ويقول عن حرية المناقشة بأن ينبغي لنا أن نفتح الباب على مصراعيه للتعبير عن أي رأي شاذ في ومخالف لرأي الأغلبية في اي من المواضيع الخلافية، ويؤسس هذا الرأي على حجتين أساسيتين؛ الأولى هي أننا إذا منعنا الآراء الشاذة فإن هذا يعتبر بمثابة تصريح بأننا معصومون من الخطأ، وبما أن التاريخ مليء بالشواهد على آراء إعتقد الناس بأنها أكيدة لنكتشف بعد ذلك أنها خاطئة، فإن ينبغي علينا أبدا ألا نظن أننا معصومون من الخطأ في رأي من الآراء. أما الحجة الثانية فيقول بأننا إذا فرضنا جدلا بأننا صحيحون تماما في رأي من الآراء، ستظل حرية المناقشة ضرورية وصحية، حيث أنها تجعل أصحاب الآراء في حالة نشاط دائم بدلا من الركود الذي قد ينتج عن قمع الآراء الشاذة.
لدي اعتراض واحد على هذا الفصل، وهو أن بالإمكان تخيُّل بعض المواقف التي قد نحتاج فيها لإيقاع عقوبات على من يبدون بآراء في مواضيع تخصصية قد تؤدي لأضرار جسيمة دون أن يدعموا هذه الآراء بأدلة كافية، على ان يسبق العقاب التعليم، بحيث يكون العقاب الحل الأخير.
أما بالنسبة لحرية التصرف، فقد أسسها مل في الفصل الثالث من الكتاب على نفس المبدأ؛ وهو الحرية المشروطة بعدم التعدي على الغير. بيد أنه أضاف أن إذا قرر شخصان بالغان القيام بفعل لا يؤثر في أحد غيرهم، فليس للمجتمع التدخل في هذا الفعل، ثم حاول التدارك في موضع آخر بأن إذا قرر شخص بالغ بحريته الخالصة أن يتخلى عن حريته لشخص آخر، أو أن يسمح له بالتعدي عليه بأي شكل من الأشكال، فلا يعترف المجتمع بهذا التخلي عن الحرية لأنه ضد الحرية. لكني أرى أن هذا الرد ليس كافِِ، حيث أن التخلي عن الحرية من دون إجبار، ليس فيه إخلال بالحرية، بل هو امتداد للحرية المطلقة، وأرى أن من الأفضل لو اعترفنا بصراحة بأن التخلي عن الحرية سلوك غير مقبول في ذاته، بالرغم من انه يخضع لمبدأ الحرية.
وفي نفس الفصل، يعارض مل حكم الأغلبية، وتقوم معارضته بناء على اعتقاده بأن حكم الأغلبية يعطي المساحة لاضطهاد الأقليات، ويرى ان الحكم ينبغي ان يكون للعباقرة -نافيًا عن نفسه تهمة الدفاع عن الدكتاتورية- وهنا نرى بعض التشابه بينه وبين أفلاطون. ورأيي أن حكم الأغلبية -بالرغم من خطورته- لا يمكن أن يكون أكثر خطرا من الحكم الفردي، وأن حرية المناقشة كافية لاعطاء كل الفئات القدرة على اقناع الأغلبية والوصول إلى الحكم.
كان لزوجته تأثير عظيم عليه، تشاركه نظرياته وتناقشه مبادئه الفلسفية وتعينه في نشر مؤلفاته، لكنها توفيت فجأة أثناء رحلتهم لمدينة ( أفينيون)، ومن هول الصدمة أعتزل في بيت صغير يقرأ ويبحث وألف كتاب ( الحرية ) وكان إهداءه إليها " إلى من كانت مصدر إلهامي وشريكة مجهوداتي ، إلى الصديقة الوافية، والزوجة المخلصة " وتوفي جون ستيوارت ميل في مدينة (أفنيون ) سنة ١٨٧٣ عندما عاد إليها للبحث والقراءة. تحدث في كتابه عن الحرية ، ومفهوم حرية الفرد والمجتمع، ودور الفرد تجاه المجتمع والمجتمع تجاه الحرية الشخصية، ومتى يحق للمجتمع فرض العقوبات على الفرد.
كتاب ممتاز ومؤسِّس لمفهوم خطير "الحرية" بالنسبة للزمن المكتوب فيه، الكتاب منظم في صورة حوار بين طرح الرأي ونقله وتفنيده والرد عليه وده ساعد بشكل جيد في توصيل الأفكار بأسلوب سلس. أفكار ميل منطقية ومنظمة بشكل جيد وملموس فيها منهج النفعية، ورغم أنه حاليا أصبحت كثير من أفكار الكتاب وقائع بديهية في كثير من دول العالم الغربي المعاصر إلا أنه حتى الآن كثير من تلك الأفكار البديهية ما تزال تكافح لتجد نصيبها في الشرق الأوسط. ولكن فلسفة "ميل" لا تخلو من بعض النقائص التي ظهر عدم دقتها في الفصل الخامس للكتاب "تطبيقات عن معنى الحرية" في مواضيع متفرقة إجمالا هو كتاب رائع يستحق القراءة