::انطباع عام:: +++++++++ "إن معرفة الإله حق المعرفة والتطلع إلى محبته لا يمكنهما أن يخضعا لسلطة أحد."
1_ هذا الكتاب -غير المكتمل للأسف- بسبب معاجلة الموت لسبينوزا وعدم استكماله له هو يُعتبر الكتاب الثالث المكمّل لثلاثية سبينوزا الأخلاقية السياسية الفلسفية اللاهوتية: الإيطيقا؛ رسالة في اللاهوت والسياسة، رسالة في السياسة. ففيه يستكمل كلامه عن الشكل العقلاني للدولة، وهو الشكل الذي استكمله هيجل في مفهوم الدولة/العقل. جدير بالذكر كذلك أن هذا الكتاب هو النواة الأساسية التي استند عليها روسو في كتابه العقد الاجتماعي حيث استعار الكثير من أفكاره ووسعها بطريقته الرومانتيكية.
2_ في هذا الكتاب يتبع سبينوزا منهجه العقلي الصارم والهندسي في بناء الفرضيات والنتائج على عادته، وإن كان في هذا الكتاب أكثر وضوحًا؛ علاوة على أن سبينوزا ضرب عرض الحائط بكل الأفكار والنماذج السياسية السابقة التي هي موغلة في المثالية ومبتعدة عن الواقع؛ فيعتمد في بناء منظوره السياسي على الوقائع السياسية فحسب، مستلهمًا فلسفة نيكولو مكيافيللي وكتابه الأمير من ناحية المدح لا الذم.
3_ في اعتقادي كذلك، يميل سبينوزا إلى فلسفة هوبز حول الطبيعة البشرية الفاسدة التي تميل إلى العداوة مع الآخرين، ولا يمكن صنع السلم إلا عبر الخشية من ناحية والأمن من ناحية أخرى. كما يؤكد على منظور العقل الذي لا يمكن أن يتبناه جميع البشر؛ لذلك يجب فرضه فرضًا على الجميع. والدولة الناجحة هي التي تفرض تقاليد العقل على جميع رعاياها العاقلين وغير العاقلين. كما يؤكد سبينوزا أن الأساس في أمن الدولة هو قوتها، لأن الحق يتناسب مع القوة (كما يقول مكيافيللي). هكذا، سبينوزا في هذا الكتاب هو واقعي جدًا لأبعد حد، ويستخدم فقط العقل لنقطة انطلاق لبناء دولته/العقل من خلال استقراء التاريخ وكذلك الواقع الهولندي الخصب في عصره.
4_ أما عن الترجمة؛ فالشكر الجزيل للمترجم القدير عمر مهيبل على هذه الترجمة الرصينة الممتازة الدقيقة السلسة! ولم يكتف المترجم فقط بترجمة عظيمة للكتاب عن الفرنسية (أقرب اللغات للاتينية التي كتب بها سبينوزا في الأصل)؛ بل أضاف مقدمة كاملة تحتوي خلاصة فكر سبينوزا الفلسفي اللاهوتي السياسي في حوالي 40 صفحة كاملة ممتعة ومليئة بالفائدة! ولم يتركنا المترجم كذلك مع المتن؛ بل أضاف هوامشه الإرشادية من حين لآخر لكي يؤنس القارئ ولا يتركه مع عقل سبينوزا الجبار وحيدًا. *** ::في سطور:: +++++++ ("تراكتاتوس بوليتيكوس") أو الرسالة السياسية أو رسالة في السياسة هي آخر أطروحة غير مكتملة كتبها باروخ سبينوزا قبل موته. وقد نُشرت بعد وفاته في عام 1677 ميلاديًا. تحمل هذه الأطروحة كذلك العنوان الفرعي الآتي: "وموضوعها إظهار الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها المؤسسات في مجتمع ملكي الحكم، وأيضًا الذي تحكمه نخبة ما إذا ما رغبنا في أن لا يتحوّل نظام الحكم إلى نظام مستبد طاغية، وفي أن يكون السلم الذي ينعم به المواطنون، وكذا حريتهم، بمنأى عن أي مساس بهما." ثم يذيل الرسالة إلى صديقه العزيز حيث أنها رسالة موجهة من المؤلف إلى أحد أصدقائه. *** ::المحتوى:: ++++++++ يتألف الكتاب من أحد عشر فصلاً على النحو التالي: 1_ الفصل الأول: المقدمة 2_ الفصل الثاني: الحق الطبيعي (في إشارة إلى كتابه عن اللاهوت والسياسة) 3_ الفصل الثالث: حق السلطات العليا السياسية 4_ الفصل الرابع: وظيفة السلطات العليا والشؤون السياسية 5_ الفصل الخامس: الهدف النهائي لأفضل سلطة 6_ الفصل السادس: النظام الملكي 7_ الفصل السابع: البرهنة على النظام الملكي 8_ الفصل الثامن: النظام الأرستقراطي المركزي (أطول الفصول وأضخمها وأكثر إثارة للجدل!) 9_ الفصل التاسع: النظام الأرستقراطي الفيدرالي للمدن المتعددة 10_ الفصل العاشر: كيفية دمار الأرستقراطية 11_ الفصل الحادي عشر: النظام الديمقراطي (فصل غير كامل)
(*) جدير بالذكر، أن سبينوزا ذكر في بداية كتابه أنه بعد تناوله النظام الديمقراطي ثم يتطرق إلى مسألة القوانين والمسائل الخاصة ذات الصلة بالسياسة؛ لكن العمر لم يسعفه للأسف! *** ::السياسة:: +++++++ كما وجدنا في كتاب ("السياسة") لأرسطو، يحلل سبينوزا كل شكل من أشكال الحكم أو الدول: الملكية والأرستقراطية والديمقراطية دون تأكيد منه (على الرغم من تفضيل للدولة الأرستقراطية موجود في بداية الفصل الثامن الذي من المرجح أنه مدسوس من الناشر!) أي من هذه هي الأفضل. وعلى عكس أرسطو، فقد زعم سبينوزا في الفصل الأخير أن الديمقراطية هي ليست حكم الأغلبية من السكان، بل هي الحرية للجميع بموجب القانون الطبيعي. *** ::رأي سبينوزا حول مكيافيللي:: ++++++++++++++++ يصف الكتاب مفهوم السلم في الفصل الخامس، الفقرة الرابعة، مؤكداً أن: "السلم ليس مجرد حالة غياب الحرب، بل هو فضيلة تنبع من قوة القدرات الشخصية" ضاربًا مثالاً على ("حنبعل") الذي بين أنه لا يمكن أن يحدث أي تمرد داخل جيشه. وكذلك نجد في نفس الفصل، الفقرة السابعة، إشارة إلى نيكولو مكيافيلي على أنه يقول إن الأمير "المسكون بحب السيطرة عليه أن يستعين بالتدابير الواجبة لتأسيس سلطته والمحافظة عليها. علمًا بأن محاولة معرفة الدلالة الحقيقية لجملة ما عرض هذا الكتاب (يقصد الأمير) ستجعلنا نضيع وسط تخمينات لا حصر لها. فحتى لو افترضنا أن مكيافيللي قد وجه إلى الناس درسًا نافعًا، وهو احتمال قوي من إنسان يتميز بالحكمة مثله، فإن ذلك يعني أنه سعى إما إلى إظهار أن محاولة إزالة مستبد ما بالعنف أو بالقوة لا تؤدي غرضها الأصل ما لم نلجأ إلى إلغاء الأسباب التي أنتجت استبداد الأمير." وهكذا يدعم سبينوزا الرأي الصالح حول نوايا مكيافيللي الحكيم الذي أراد أن يبين لنا كيف يتوجب على جماعة حرة أن تحترس من أن توكل أمر خلاصها إلى إنسان واحد (مستبد) مهما كانت الظروف الداعية إلى ذلك، انطلاقًا من أن الأمير بطبيعة الحال يخشى الدسائس باستمرار؛ لذا هو مرغم على البقاء على أهبة الاستعداد والميل إلى حياكة الدسائس ضد الجماعة بدل السهر على المصالح العامة كما كان يفترض. *** ::مآخذ:: ++++++ 1_ عدم أهلية النساء السياسية: يتضمن هذا العمل غير المكتمل مناقشة سبينوزا الوحيدة حول أهلية النساء السياسية، إذ اعتبرهن غير مناسبات لشغل المناصب السياسية: "يمكننا أن نؤكد دونما تردد أن النساء لا يتمتعن فطريًا بحق مساوٍ للحق الذي يتمتع به الرجال؛ بل إنهن أقل شأنًا من الرجال بالفطرة. وبالنتيجة، من المستحيل أن يضمن الجنسان إدارة دفة الحكم معًا؛ بل الأكثر من ذلك أن يخضع الرجال لحكم النساء." - الفصل الحادي عشر، الفقرة الرابعة 2_ مواقفه الراديكالية المعتادة بشأن التسلسلات الهرمية الأخرى للتصنيفات الاجتماعية حول الأشراف وغير الأشراف في الدولة الأرستقراطية. *** ::الكتاب:: +++++++ "لا يمكن تصور الله من غير العالم." "الإنسان ماهية مفكرة." "النفس هيئة الصفة للفكر الإلهي، والجسم هيئة لصفة الامتداد فيه. وتنظم العلاقة بينهما الضرورة للطبيعة الإلهية." ما يصدر عن العقل يمثل السعادة القصوى والتنظيم الأسلم للمجتمع والطبيعة على حد سواء. إن ما ينجزه ما بمقتضى القوانين الطبيعية إنما ينجزه بما هو حق طبيعي له من جملة حقوق أخرى، وهذا الحق الذي ينعم به بكل حيوية في الطبيعة إنما يقاس أيضًا بدرجة قوته... الحق الطبيعي في تمظهره الخاص بالنوع الإنساني محدد بقوة العقل. أكمل أنواع التشريع هي تلك التي تعتمد على نظام العقل. من غير الممكن أن يكون هناك من تعاليم العقل ما هو مناقض للحقيقة الطبيعية. الأمة تكون خاطئة متى خالفت في سلوكها تعالم العقل؛ وتكون أكثر استقلالاً كلما كان سلوكها أكثر عقلانية. ولكي تحافظ أمة على استقلالها يتوجب عليها الاستمرار في لعب دور مزدوج: أن تخيف مرة وأن تحترم مرة أخرى وإلا تعذر علينا النظر إليها بوصفها أمة. هدف الفرد في حالته الفردية هو حفظ بقائه، وكذلك في حالته الاجتماعية، فلا على الأمة أن تفرض عليه التزامات تناقض حالته الطبيعية، وهذه هي حرية الإنسان الطبيعية داخل الجماعة. الحق يتناسب مع القوة، والخشية هي أمان الدول لأن الكراهية بينها هي الأساس وتعاونهما يكون مشروطًا بالظروف. الطبيعة البشرية متشابهة دائمًا، فكل الناس وقحون متى كانوا مهيمنين، وكلهم يصيرون مريعين عندما يكونوا بمنأى عن الخشية. *** ::اقتباس:: ++++++ ***