بتقنيّة سرديّة لافتة ينجح خليل صويلح في تجنّب التركيز على السحريّة في هذا الواقع والإثنوغرافيا الأدبيّة مع الإبقاء على ظلالهما حاضرة على طول السرد ليبدو الحديث عنهما حديثا عابرا، من خلال اللياقة السرديّة العالية في تحقيق ضبط النفس الروائي ليتجنّب قدر الإمكان الكتابة فوق الواقع أو يعيد تأليفه انطلاقاً من سحريّته، أو من متعة حياكة أدبيّات إثنيّاته وهذا ما كان متاحاً ومتوقّعا، إلّا أنّه أراد أن (يختلف) بأن يرفع القارئ من مستوى هذا الإنتاج إلى مستوى إنتاج سردي رغبوي يولّد الانطباع لدى القارئ في أن هذه الرواية بمثابة مرافعة بيئية أخيرة للدفاع عن النفس. هكذا يتحوّل من الرغبة بالارتواء إلى الانتظار الخائف من قدوم الغزال ليلاً، الخوف الذي سينسيك العطش، وطول الانتظار الذي سيجلب النعاس لتستيقظ صباحاً وتتساءل هل أتى الغزال أم أنّه لم يأتِ ؟ وتتعجّب كيف تلاشت الرغبة بالارتواء!
مواليد الحسكة 1959 إجازة في التاريخ – جامعة دمشق – 1986يعمل في الصحافة الثقافية منذ مطلع الثمانينات مشرف ثقافي على "ملحق تشرين الثقافي الأسبوعي" مراسل ثقافي لصحيفة الأخبار اللبنانية مراسل ثقافي لإذاعة مونت كارلو الدولية عضو هيئة تحرير مجلة "زوايا" في بيروت شارك في ورشات عمل في القاهرة وعمّان وباريس وله مشروع روائى بدأ برواية (عين الذئب 1995) ثم تلاها رواية (ورّاق الحب 2002) والتى نشرت فى سوريا ثم أعادت دارالشروق طبعها بمصر، ثم تلتها فى 2006 روايتى (بريد عاجل) و(دع عنك لومى)، كما كانت له تجربة فى كتابة سيناريو تلفزيونى بعنوان (السندباد الجوى) مع المخرج حاتم على
فاز الكاتب السوري خليل صويلح بجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي لعام 2009 عن روايته "وراق الحب "، لتترجم، وتصدر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية عام 2010 وتوزع في كل من القاهرة ونيويورك ولندن
«العجاج لعنة سماوية أصابت هذه الجغرافيا المنكوبة والمنهوبة والمستباحة، منذ قرون. لا أعلم إلى أيّة سلالة أنتمي؟ [ص98]
يبدو أن دافع الروائي في كتابة هذه الرواية هو جفاف الخابور، والآلام، والحسرات، وما آل إليه حال مدينته وقراها: «يبُست بساتين الكروم وعرائش العنب التي كانت تظلل البيوت في القرى الآشورية، ولم يعد متاحاً تذوّق نبيذ تل تمر، وتل هرمز، وتل نصري، وتل شميرام. كان صديقي في الثانوية خوشابا دنخا، قبل هجرته إلى أمريكا للالتحاق بجالية آشورية كبيرة، نزحت إلى هناك، يتحدث عن النبيذ الآشوري بوصفه إكسيراً للحياة، يمنح من يتذوّق قدحاً منه قوة نبوخذ نصّر.» [ص138]
قليلة هي الروايات التي تناولت المنطقة الشرقية من سوريا (الجزيرة)، إذ أن هذه المنطقة منسية روائياً، أو متناساة، فقد تصادف رواية ذكرت على استحياء بمقطع منها حال (الجزراويين)، أو ترصد بصفحة ضائعة الحياة في الجزيرة، لكن أن تجد رواية مكتوبة بكاملها للجزيرة فهذا لا يتحقق إلا بيد ابن من أبنائها.
حققت (سيأتيك الغزال) الدهشة والمتعة، وهذان مطلبان أساسيان في الرواية الجيدة، فبدأ الراوي بسرد طفولته التي عاشها في قرية منفية في الجزيرة، تلك الطفولة المشبعة بقصص وأساطير متداولة في تلك البقعة الجغرافية المنسية. فيذكر مثلا (السعلاة) التي كان الجميع يخاف منها، فيسبحون في الخابور بسرعة خشية أن تصطادهم، وترغمهم على العيش معها تحت الماء.
قدم الروائي بأسلوب محبب الميثيولوجيا البدوية، على لسان الشخصيات التي تعددت وكانوا كلهم أبطالاً، فلا أدوار ثانوية في سيأتيك الغزال، يتكئ عليها الراوي كلما شعر بنفاد ملكته الكتابية...
مما يحسب لخليل صويلح هو تدوينه للتاريخ الشفوي لمجتمع، قد يقرأ لكنه لا يكتب. مجتمع مليئ بالسوالف، يتقن توزيعها لكنه لا يعرف تدوينها. وهنا يحسب للروائي عمله المهم هذا، فلا يمكنني أن أعتبر هذه الرواية إلا كسترة نجاة لتاريخ مدينة دفن مع الأجداد.
«في وقت لاحق سنملأ استمارات جماعية، بأمر من مدرس المادة العسكرية، للانتساب إلى الحزب، لكن هذه الاستمارات ستضيع في الأدراج، من دون أن نحقق أحلامنا في حضور اجتماع حزبي واحد.» [ص67]
الجميل في أسلوب صويلح، مما لاحظته في روايته هذه، اقترابه من الحيادية في الطرح، وعرض الوقائع كما جرت، بلا مساحيق تجميل، وبلا اثقال للنص بكلام يسمّن الرواية ويخفف تشويقها، فبقي محافظاً على خطوط رويه...
يرينا خليل نفسية الفرد، ويعريه بطريقة (خلع اللباس قطعة قطعة) لا بأسلوب التزليط المنفر، فيذكر مثلا: «كان أحدهم يهتف بكامل حنجرته: "بعثية.. بعثية"، فيردد الحشد وراءه "بعثية.. بعثية"، فيهتف أحدهم بما يشبه الزعيق "أمة عربية واحدة"، قبل أن يقتحم الساحة حشد آخر بشعار مختلف "ناصر.. ناصر.. كلنا بنحبك ناصر" لكن القرويين يرددون الشعارين معاً حسب ما تلفظه موجة الحشود المنحدرة نحو شارع فلسطين...» [ص49]
سيأتيك الغزال، مثقلة بالثارات، والمواجع، والدماء... إنها صرحة حادة، ورفض لا رجعة عنه في وجه الواقع المعاش. كما أنها مليئة بكوميديا سوداء، تظهر على مسرح الأحداث بين فصل وآخر: «... كما رشّوا شعر رأسه بمبيد حشرات تجنباً لحكة لازمته منذ عودته...» [ص101]
«أتت امرأة بدوية تصرخ وتولول، راجية ماكس بأن يتوسط لابنها كي يطلق سراحه من السجن، فسألها ماكس عن سبب سجن ابنها، فقالت بحزم: «لقد سجنوه ظلماً، أنه فقط قتل رجلاً». [ص99] عن كتاب (هكذا أحيا) لأجاثا كريستي، الكاتبة التي عاشت لفترة من حياتها، برفقة زوجها عالم الآثار ماكس مالاون في منطقة الجزيرة.
كنت أعرف أن هناك في الجزيرة الكثير من الأسر التي تضررت من جفاف الخابور، وأن الكثير منهم هاجر أرضه إلى مدن أخرى لكسب العيش، لكن أن يكون العدد بالملايين فهذا ما صدمني: «لا توجد تسمية دقيقة لنحو مليون ومئتي ألف شخص، وجدوا أنفسهم في العراء والصمت والعزلة، ليس بسبب الحروب...، بل تحت وطأة فساد حكومي... في أضخم هجرة داخلية تشهدها البلاد منذ الاستقلال.» [ص160]
الرواية مهمة جداً، ومرجعا تاريخيا هاماً لمنطقة الجزيرة، الفصل الأخير منها موجع بحق.
الجدير بالذكر أن هذه الرواية كتبت قبل الحرب السورية بسنة تقريباً، لكنها رواية استشرفت مستقبل الجزيرة بطريقة قوية جداً، وكأنك تشاهد حال المنطقة تلك الآن.
طبعت الرواية في دار رفوف للنشر، دمشق 2011، في 164 صفحة. وطبعت إيضاً عن دار نينوى.
الرواية الوحيدة التي أردت قرائتها لخليل صويلح كانت وراق الحب لكني لم أوفق بالعثور عليها قرأت له دع عنك لومي ولم تعجبني مطلقا على عكس هذه الرواية التي أثارت في شعورين متناقضين تماما فمرة إعجاب وأخرى اشمئزاز في سرد محموم يخبرنا خليل حكايا ناس عاشوا في منطقة صحرواية على الحدود السورية/العراقية/التركية بجانب نهر الخابور، منطقة دفنت فيها الكثير من الحضارات ولم يظهر على وجهها سوى الجفاف والفقر
الديره طلبت اهلها.... هناك مشهد يطاردني منذ اشهر ترميم طفوله بعيده و خاسره و عزلاء احلم بان اعبر النهر وحيدا من دون ان اغرق هل عطشي الى حليب الام هو من اورثني نزقا دائما و سخطا و عزله اختياريه في تلك القرى البائسه و المنسيه و المحزونه الى الابد...كانت الارض لا تزال تدور على قرني ثور بضجر و حكمه الهيه تصنع الاقدار على هواها في لوح مرصود هذه ارض اللعنات هذه المنطقه منذوره للمصائب و النكبات و الخنوع الى الابد صحراء تشبه بعيرا خرافيا يلوك احزانه بصمت فيما عشرات السكاكين المصقوله من الفولاذ تتناهب احشاؤه مات النهر الوطني الوحيد من دون جنازه لائقه العطش و الركض وراء السراب هما الحقيقه الدامغه الوحيده التي لم تتغير فوق تلك السهول الرمليه الشاسعه ستمائه قريه منكوبه نزح معظم سكانها الى محيط العاصمه في مخيمات لم تعترف بها الجهات الحكوميه او المنظمات الانسانيه ظروف اذلال لا تليق ببشر مهجرون ام نازحون ام لاجئون! لا توجد تسميه دقيقه لنحو مليون و مئتي شخص و جدوا انفسهم في العراء و الصمت و العزله ليس بسبب الحروب او الاحتلال بل تحت وطئه فساد حكومي و مجاعه مستمره شردتهم عن مسقط الراس قسرا في اضخم هجره داخليه تشهدها البلاد منذ الاستقلال هل سنعود الى ديارنا يوما و ينبت العشب مره اخرى امام البيوت اعود .....واقف عند تخوم قريه مقفره... ارغب ان ادفن هناك !
الديره طلبت اهلها....
سرد لواقع بائس في باديه...حكايا متتاليه...لارض قفر...خسارات في وطن لا يتطور و حنين لماذا ؟ ارض تكفي للموت ! سيره ذاتيه مؤلمه لا على الصعيد الفردي بل الجمعي كذلك.. سياتيك غزال ! لا بل لا غزال و لا بشر!!! قطعه من الجحيم ...
بعدما لمسنا ابداع الكاتب في بعض رواياته التي طالعناها، وجدنا أنّ له قلمًا مبدعًا وسيالًا يزحف برشاقة، وهذا ما دفعنا لمطالعة هذه الرواية، هذه الرواية ليست أجمل ما لديه، ولكنها جيدة بشكل عام، نتطلع لمطالعة كتاب آخر للمؤلف.
This entire review has been hidden because of spoilers.
رواية مدهشة بكل ما للكلمة من معنى عندما كنتُ أقرأها كنت أتوقف للحظات عند كل صفحة تقريباً لأستوعب ما قرأته، ليس لصعوبته إنما لجهلي التام به.. فأنا أخجل من جهلي بمدينة الحسكة التي تدور أحداث الرواية فيها.. لكني لا أستطيع أن أخفي أني طوال فترة القراءة كنت أطرح على نفسي السؤال: لماذا كتب الكاتب هذه الرواية؟ خاصة وأنها رواية عن طفولته في مسقط رأسه، ومن وجهة نظري فمثل هذه الروايات لا تكون لأغراض أدبية أو لاستعراض عضلات لغوية، لها أسباب أخرى. ولفرط القسوة والغبار والأحداث المؤلمة، اعتقدت أنه يكتبها كنوع من الانتقام أو التخلص منها نهائياً ومن ذكرياتها. لكن في اللحظة التي انتهيت من قراءتها وعرفت لماذا كتبها وما المغزى من عنوانها، انتابني الشعور بالخجل مرة أخرى! يا لخجلتنا يا الحسكة رواية عظيمة
كيف نتخيل البدواة وكيف نعيشها مع خليل صويلح. أحببت الوصف لهذه الحياة وكيفية نشوء البطل في البادية ومن ثم خروجه منها. كيف يتغلب الفساد على كل شيء وكيف تحمي القبيلة كل شيء. تُهيج الرواية الحنين لكل البدو الذين عرفناهم وأحببناهم. "في تلك القرى البائسة والمنسية والمحزونة إلى الأبد" نجد الفلاح ونخرج منها للبادية خلال دقائق بسرعة فائقة.
«لا يكفي السخط وحده في تبرير هذا الاعتداء على طفولتنا… ، وعلى ما تبقى من عمرنا المهدور».
"ستمائة قرية منكوبة، نزح معظم سكانها إلى محيط العاصمة في مخيمات، لم تعترف بها الجهات الحكومية، أو المنظمات الإنسانية، عدا مناسبات عابرة تصلح لترميم مانشيتات الصحف. أطفال حفاة هجروا المدارس، وآباء وأمهات يعملون في مهنٍ مؤقتة، في ظروف إذلال لا تليق ببشر. مهجّرون أم نازحون أم لاجئون؟ لا توجد تسمية دقيقة لنحو مليون ومئتي شخص، وجدوا أنفسهم في العراء والصمت والعزلة، ليس بسبب الحروب أو الاحتلال، بل تحت وطأة فساد حكومي ومجاعة مستمرة، شرّدتهم عن مسقط الرأس قسراً، في أضخم هجرة داخلية تشهدها البلاد منذ الاستقلال. في مخيّم «كناكر» جنوب دمشق، وعشوائيات العاصمة، تتوزع أكثر من ثلاثة آلاف عائلة عالقة، منذ سنوات، تعمل في أية مهنة متاحة: قطاف الخضروات، ومصائع الشوكولا، وورش البناء، والمداجن، وحراسة المزارع، من دون أية حماية قانونية، أو صحيّة….، يعيشون على ما يتيسرّ لهم من بقايا خضروات، ويشربون مياهً ملوّثة، وشاياً أسود، تحت خيم بلا كهرباء. لم تعترف بوجودهم السلطات، ولم تسمع بمأساتهم منظمة الأغذية العالمية «الفاو»، ولا المفوضية الأوربية شؤون اللاجئين، ولا أي منظمة إنسانية أخرى، فهم في عرف الجميع، مجرد غجر طارئين لا يستحقون الاهتمام، أو الرعاية، أو الاعتراف بوجودهم في الأصل. هل سنعود إلى ديارنا يوماً، وينبت العشب مرة أخرى أمام البيوت؟ "