قال ابن الجوزي: رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب؛ إلا أن يمزج بالرقائق، والنظر في سير السلف الصالحين. فأما مجرد العلم بالحلال والحرام، فليس له كبير عمل في رقة القلب؛ وإنما ترق القلوب بذكر رقائق الأحاديث، وأخبار السلف الصالحين؛ لأنهم تناولا مقصود النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها. وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه لا لاقتباس علمه، وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته. فافهم هذا، وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا، ليكون سببا لرقة قلبك.
قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، ثم فلج بعد مدة، ومات يوم النحر، سنة خمس وثلاثين, واجتمع في جنازته جمع لم أر مثلهم كثرة، وكان أبوه أبو جعفر محمد صالحا ورعا، سمع من سعيد العيار، وقرأ القرآن على أبي المظفر بن شبيب، وتوفى في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة ... إلى أن قال: ووالدته كانت من ذرية طلحة بن عبيد الله التيمي، أحد العشرة، رضي الله عنهم. ولا أعلم أحدا عاب عليه قولا ولا فعلا، ولا عانده أحد إلا ونصره الله، وكان نزه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين، ولا على من اتصل بهم، قد أخلى دارا من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، أملى ثلاثة آلاف وخمس مائة مجلس، وكان يملي على البديهة. وقرأ بروايات على جماعة من القراء، وأما التفسير والمعاني والإعراب، فقد صنف فيه كتبا بالعربية وبالفارسية، وأما علم الفقه، فقد شهرت فتاويه في البلد والرساتيق. وله "التفسير" في ثلاثين مجلدا، سماه "الجامع"، وله "تفسير" آخر في أربع مجلدات، وله "الموضح" في التفسير في ثلاث مجلدات، وكتاب "المعتمد" في التفسير عشر مجلدات، وكتاب "السنة" مجلد، وكتاب "المغازي" مجلد، وكتاب "دلائل النبوة" مجلد، وكتاب "سير السلف" مجلد ضخم، وأشياء كثيرة.