نام علي وهو ينسج من هذيانه بالونة ملونة من الأحلام المتداخلة.حلم في البداية بأنه كان يكرع بحرية من بحر نبيذ لا يجف. اششششب اششششب كانت الشمس حارقة. يرقص عدد غفير من الناس أمامه. في شارع كزورق. تجول علي ببن الراقصين، ورقص معهم. على بعد أمتار، بالقرب من قاعة سنما مغلقة، كان ابن خلدون يجلس بنظارات سوداء، يبيع السجائر والشوينغوم. يمرر أصابع نحيفة ومرتعشة على الأوراق النقدية قبل أن يقدم للشاري حاجته وبافي نقوده مبتسما كمن يحدث جنية تسكنه. وضع تحت كرسيه راديو يعلو صوته وسط جابة الراقصين معلنا عن ليلة مشهودة، ليلة كل الليالي، ليلة عيد، "الليلة عيد الليلة عيد" تغني نعمة التونسية، وبعدها يعلو صوت مارسيل خليفة:"انهض للثورة والثأر".
ليلة 14 جانفي 2011.. من منا لا يحتفظ بذكريات عن نلك الليلة. ليلة لم يكن يتوقع الشعب التونسي أن يعيشها، لم يتوقع يوما أن يهرب الرئيس زين العابدين بن علي و عائلته منهم و من غضبهم، هو الذي أحكم قبضته على السلطة و على شعب بأكمله طيلة ثلاث و عشرين سنة، كأخطبوط عجوز يرفض التخلي عن فريسته.. من كان يتوقع أن يسقط في ثلاثة أسابيع بعد أن أحرق شاب نفسه، أمام مقر بلدية سيدي بوزيد، احتجاجا على مصادرة عربة الخضار التي يقتات منها .. ثلاثة أسابيع لم تخمد فيها نار الإحتجاجات، التي سرت كالنار في الهشيم في كامل تراب الجمهورية، أتت على كل بذرة خوف صنعها بن علي في نفس الشعب. سقط خلالها العديد من الشهداء برصاص الشرطة، إلى أن تدخل الجيش يوم 12 جانفي لحماية المتظاهرين. عشية 14 جانفي 2011، كان الخبر الذي لا يصدق، هروب الرئيس بن علي إلى وجهة غير معلومة. فرح و ترقب و خوف من المجهول، من كان يتصور تونس دون بن علي و أصهاره عائلة الطرابلسي.
تلك الليلة الغريبة أحداثها، المريبة وقائعها، حظر تجول و الجيش يحمي البلاد.. رصاص مجهول المصدر يُصوّب على المواطنين.. أحداث نهب و سرقات للمغازات العامة..الشعب أطلق العنان لكل المشاعر المكبوتة لأكثر من عقدين.. تشكلت لجان حماية في الأحياء الشعبية من المجهولين.. لا أحد يعرف هويتهم.
هذه هي أحداث رواية زندالي، (نوع من الموسيقى الشعبية الذي يؤلف في السجون، و ما تونس إلا سجن كبير مفتوح على السماء)..
شخصيات الرواية سكان أحد الأحياء الشعبية في مدينة سوسة و شرطيان هاربان من المجهول بعد سقوط النظام.. لمدينة سوسة رمزيتها. فجهة حمام سوسة هي مسقط رأس بن علي، و لطالما اتهم بالاهتمام بمدينته و بجهة الساحل عموما على حساب جهات داخلية مهمشة. نلاحظ أن الشخصيات تتشابه في الروتين القاتل المهيمن على حياتهم، في جمودهم الفكري، في انحسار اهتماماتهم ضمن ما فرضته سياسة بن علي المخدرة.
الرواية قصيرة، فيها العديد من المقاطع الطريفة. لم يكن الشعب الطرف الوحيد الفاعل في تلك الليلة، بل بن علي و عائلته أيضا.. وددت لو تخيل الكاتب ما جرى معهم، كيف هربوا و كيف عاشوا تلك الساعات محلقين في السماء بعد أن رفضت عدة دول استقبالهم
رواية تدور كل أحداثها في ليلة واحدة ..ليلة 14 جانفي 2011.. تعود بنا إلى أحداث تلك الليلة أو الأجدر القول أنها تنبش ذكريات و كتلة من مشاعر دفينة حبسها كلّ منّا بطريقته في ركن منه ..
لا أحبّذ قراءة الرّوايات أو حتى مشاهدة الأفلام التي تتناول موضوع الثورة التونسية.. لأنني أشعر بإحباط كبير يلازمني أياما بعد ذلك.. فوجدتني أكابر اغراءات هذه الرّواية منذ صدورها و يا ليتني لم أفعل..
رواية متعددة الأصوات، نجح فيها الكاتب في اختيار شخصياته المختلفة، بل المتناقضة أحيانا و في توثيق أحداث هذه الليلة : خطاب بن علي، شارع الحبيب بورڨيبة، ديڨاج، خطاب الغنوشي، القناصة، الشهداء، المليشيات، أمن، جيش، بوليس، لجان حماية الثورة، نهب، بناء، تضامن، قتل، خوف، فرحة، بكاء، رصاص، مجهول، أمل، حرية، حرية، حرية، سجن أكبر؟!......... كانت الرواية حقّا أشبه بثقب دوديّ خلقت طريقا مختصرا لترميَ بالقارئ في دوّامة ليلة 14 جانفي... إعتناء الرّاوي بأدقّ التفاصيل أو ربما هوسه بالتفاصيل هو سرّ نجاحه.
أكثر ما أعجبني في الرّواية طرق السّرد و سخرية الكاتب السّوداء التي تعكس عبثية بعض المواقف و تهوّن على القارئ حدة استحضار بعض المشاهد و ما آل له الوضع السياسي بعد ذلك.. التّكثيف في الأحداث و الشخصيات ، الكتابة السينمائية، تقنية التشظي .. كلها تقنيات ساعدت على رسم صور واقعية (أو تقارب الواقع) تضاهي كثافة ما عشناه حقيقة تلك الليلة من جهة، و تثير زوبعة في ذكرياتنا من جهة أخرى.. فقد شعرت أثناء القراءة بنفس الحيرة و الارتباك .. انتابني الذعر كأنني عدت بالزمن أكرر ما عشته سابقا و خلت أن الزمن طواه .. فاجأتني حتّى أنامل الأمل تداعبني بعد غياب، فعلت محيّاي ابتسامة سرعان ما نكّسها الألم و خاطبت نفسي قائلة أكثر من مرّة : "خْسارة.."
أغرب ما في الرّواية أنّها كالرمال المتحركة، تلتهم القارئ و ترمي به وسط زوبعة من الأحداث .. ثم تثبت هذه الكثبان فتهدينا مزية التراجع لتأمل هذه الليلة من بعيد، بعد 12 سنة، بأعين أكثر نضج لا تغشيها أحلام طفولية واهية. و أخطر ما فيها أنها تتركنا مع ترسانة من الأسئلة المؤرّقة أهمّها هل تخلّصنا من قيود سجن لنتحرّر في سجن أكبر، أكثر إحكام؟
زندالي:" هو احد فروع موسيقى المزود الشعبية في تونس.والاسم مشتق من لفظ "زندانة" وهو سجن في ضاحية باردو في العاصمة.جاء الاسم من تبعات التأثير العثماني على البلاد التونسية اثر حكم البايات.فكلمة زندان تعني السجن.والزندانيات هي الاغاني والاشعار والموسيقى السجنية التي كانت ترجمانا لألم الحياة داخل الزنزانة ووليدة الشعور بالظلم والمهانة.كان ااشيخ العفريت رائدا فيها وتلاه العديد كصالح اافرزيط وغيرهم.
الزندالي كان حاضرا بصفة صارخة بكل مفاهيمه من فوضى وشعببةوموسيقى وكنيات وتراث وصخب.
رواية ظريفة وطريفة وجدتني اضحك عديد المرات خلال قراءتها،يطغى عليها الطابع الساخر الهزلي في نفس الوقت. ينقل لنا الكاتب احداث ليلة 14 جانفي في حي من الاحياء الشعبية بسوسة حيث يجتمع بعض المواطنين باختلاف شرائحهم لحماية حيهم من خطر مجهول(صاحب مقهى/ حماص/الباندي/ المثقف/ اللي يحب يحرق/ المغرم...) فترى الفوضى والصخب والجنون والشائعات والسيناريوهات والهستيريا و الغناءوالهتاف وشرب الخمر وتدخين القنب الهندي ...)صورة مصغرة للمجتمع التونسي، اين تستمع لكنيات الحومة والكلام العامي التونسي في ليلة كانت تاريخية بالنسبة لشعبها.
هذا المشهد في حقيقة الامر كان في اغلب الاحياء انذاك.
كان للفن والتاريخ النصيب الأوفر فالراوي يعود بنا الى بعض التواريخ الهامة وبعض الاسامي الخالدة في تونس. ايضا اضفى طابعا موسيقيا سينمائيا بالرجوع الى بعض الاغاني من التراث وبعض الموسيقى العالمية اشتهرت خلال التسعينات و قد كان للقيتارة دور في اضفاء الهستيريا على الاطار.
رواية خفيفة الظل والروح تعود بك الى يوم خالد بطريقة طريفة وجميلة مختلفة عن بقية الكتابات التي تناولت احداث 14جانفي وهذا ما يميزها.عديد المشاهد فكاهية😊انصحكم بالقراءة لقلم تونسي خفيف الظل.
بداية بما يعنيه لفظ «زندالي» فإنها التسمية التي تطلق على نشيد السجون التونسية، تلك الترانيم والأغنيات والأناشيد العميقة المليئة بالشجن التي يؤلفها ويغنيها المساجين في الزنازن التونسية.
تدور أحداث الرواية في تونس ليلة 14 جانفي بعد أن هرب بن علي لوجهته المجهولة. وكما ذكرت بالضبط الدكتورة رجاء بن سلامة في مراجعة هذه الرواية متناولة هذا العنوان المميز ومدى تعلقه بالأحداث المكتوبة «زندالي، عنوان الرواية، يحيل إلى أغاني السجون بتونس ويبسط ظلاله على الرواية التي تتعدد فيها مشاهد الرقص والشرب. كما أنه يطرح جدلية القيد والتحرر وتعقد مسألة التحرر: هل نتحرر بالخروج من السجن؟ أم أننا نبني سجنا آخر إذا تحررنا؟»
تصور الرواية الواقع تماما كما حدث، لدولة كانت تعايش حدثا تاريخيا عظيما بطريقة مخمورة دون أن يفهم أي شخص ما حدث ولا لماذا حدث ولا إلى أين سيؤدي الأمر ولكن الجميع يتشارك شعور الثمالة والعظمة رغم أن لا أحد كان يعني أن يقع ما وقع للتو أو يتوقعه، إذ في تلك الليلة ودون سابق إنذار، فر رئيس الجمهورية التونسية تاركا وراءه شعبا غاضبا ولم يصدق هذا الشعب أن الدكتاتور قد ترك الكرسي والبلد وولى نحو نهاية لا مثيل لها في تاريخ هذا البلد.
الرواية دون بطل تماما كما كانت الثورة التونسية، ثورة بلا بطل ولا قيادات قادتها الفورة الجماعية دون هدف دقيق ولكن النتيجة المباغتة صنعت في خضمها أبطالا، أبطال الدهشة أكثر من أبطال المقاومة، أبطال انتفضوا ليقاتلوا في لحظة اندثار العدو نفسها، أبطال أدركوا أن عليهم بعد أن حدث ما حدث أن يحموا هذا البلد من كل احتمالات الخوف المستقبلية، يدا بيد، تحركهم في هذا النشوة والدهشة والحماسة.
أكثر ما أحببته، تناول الكاتب شخصيات مختلفة تماما، بين عامة الشعب والبوليس، بين النزيه والعشوائي والمجرم، في مشاهد تتقاطع تارة وتتفرق أخرى مشرحا تلك الليلة تشريحا دقيقا من مختلف الزوايا ووجهات النظر عبر 16 عشرة شخصية مختلفة لكل منها خلفية ويمثل كل منها جزء من هذا الشعب الذي رقص رقصته الجماعية على موسيقى الثورة المجيدة دون أدنى وعي ودون أدنى خطة أو مسار، خلالها ترى البوليس الذي يتصدى للمواطنين دون أدنى قناعة بما يفعل، إنه العدو في نظر الشعب ولكنه لا يهتم فعليا بما يريده النظام، إنه يعمل لكي يحصل على لقمة عيش ويطبق الأوامر دون انتماء حقيقي للنظام وممارساته وربما دون أدنى موقف، على الكفة الأخرى، تجد الشرطي الذي ينتهز الفرص ويتهور في التصدي وربما دافعه الجلي ليس أي انتماء بقدر ما هو تفريغ للنفس من الضغوطات الحياتية المؤرقة لهذا الفرد، ودفاع فطري عن النفس والمكانة بعد أن سقط النظام القائم وصار كل المحيطين به أعداء. عائلات البوليس التي لا تدعم الثورة لأنها تشعرهم بالخوف والخطر ووقوفهم وجها لوجه أمام شعب غاضب دون ذنب حقيقي ودون حماية. تجد نموذجا للداعم السابق للنظام المستبد الذي انتقل إلى صف الشعب ما إن تغيرت القوى، هدفه الأساسي العثور على مجال آمن للعيش تحت ظل أي شيء دون انتماء دقيق لمبدأ واحد. القيادي الذي ولد بعد الثورة تحديدا محاولا الركوب فوق تيارها ليقود القطيع نحو ما يخاله المستقبل الأفضل لهذا البلد، المواطن البسيط الذي يريد أن يفتخر الآن بأنه وفي خضم كل هذا هو مناضل وثوري ومؤثر في التاريخ وغيرها من الشخصيات التي ستعكس شتى الأبعاد النفسية والفكرية للشعب الذي خرج ليحتفل وليثور وينصهر مع الموكب الثوري في رقصة عشوائية مطلقة.
الرواية تونسية باحتراف، تلتمس داخلها قلب هذا الشعب وملامح هذا الوطن وثقافاته المتنوعة وسذاجته اليومية وعشوائيته الدائمة وركضه المسعور خلف التيار أيا يكن رافعا راية البطولة لبطولات لا يعرف عنها شيئا.
أمين الغزي ليلة هروب بن علي لون الحادثة بأغنية «كلمتي حرّة» من كتابته والتي غنتها آمال المثلوثي لتكون رمزا للحرية والمقاومة والثورة ونشيدها الوطني الأقدس واليوم في زندالي يطلق نغما جديدا للحدث ذاته بطريقة مختلفة وكأن هذا الكاتب لم يخلق إلا ليشهد تلك الليلة التي ستخط سلسلة ناجاحاته الساحقة ل11 سنة متالية.
الرواية جيدة للقراءة، ممتعة أحيانا، لغتها تقترب كثيرا في عديد المرات من اللهجة التونسية، إن لم تكن المفردات نفسها عامية فإن طريقة التفكير وبناء الجمل الفصيحة قد تم بناء على ترجمة حرفية من العامية التونسية للفصحى. عمل خفيف للقراءة وبناء فكرة عن تاريخ انطلاق الربيع العربي في الوطن العربي، لم أحبذ في عديد من المرات إضافة مقاطع محاكاة لبعض الأصوات "اششششبب" مثلا إيحاء بغوص الشخصية في شرب الخمر ولكنه رأي لا يخرج عن نطاق التفضيلات الشخصية إذ نسبة لتكوين العمل يمكن العثور على دلالات فنية لهذا الشكل من الصياغة.
مستوى العمل مقبول بالنسبة لي على صعيد الأسلوب والحوارات والبناء وحتى المستوى اللغوي، أما على مستوى الأفكار وبناء الشخصيات والأحداث والتداول بينها بتوازن وضمن تركيبة روائية متشضية فإن العمل لا يخلو من الإبداع والابتكار، إذ لا أعتبر أن يكون سهلا كتابة عمل متكامل في حيز زماني لا يتجاوز الليلة بهذه الدقة في السرد وتصوير الأحداث والوقائع والأهم هذا التشريح النفسي الدقيق لمختلف شرائح الشخصيات المشاركة في هذا الموكب الكبير.
يستحق هذا العمل أن يُقرأ وأعتبره مكسبا جميلا يضاف إلى رصيد الأعمال العربية المعاصرة والمبدعة. وأتوقع أن يتذكر التاريخ المستقبلي هذا العمل طويلا لما يحمله من تصوير تاريخي دقيق لأحداث حساسة قلبت شكل الحياة في تونس.
اليوم قريت زندالي لأمين الغزي.. من الأول كن متردد نشريه ولا لا.. شجعني Walid Nemili .. المهم الكتاب عجبني برشا.. يحكي على بعض أحداث فترة الثورة عبر أشخاص مختلفين في بعض أحياء سوسة.. عجبني اسلوب الغزي برشا.. و المزيج بين العربية و الدارجة اعطنى الكتاب روحا جميلة و واقعية.. لكن ساعات يستعمل كلمات بذيئة اللي حسب رأيي الكاتب كان ينجم يستغنى عنها من غير ماو يطيح من قيمة الكتاب 😀 الكتاب في مجمله هايل.. و امين الغزي ابدع... الكتاب شريتو من عند BookSpace
عنوان الكتاب: زندالي الكاتب : امين الغزي عدد الصفحات: 138 الطبعة الثانية 2021 الناشر: زينب للنشر و التوزيع
عندما قررت قراءة رواية "زندالي" كنت متخوفا من العنوان الفرعي للرواية "ليلة 14 جانفي" بعد سنوات من العثرات والاغتيالات والتشاؤم التي عمّت البلاد بعد ذلك التاريخ. ولكن ما ان لبثت في القراءة، أغريت باللوحة الجدارية للمؤلف وهو يعرض فيها هذا المزيج من الشخصيات، وكل شخصية، زعيم قضية ما دون أن يكون هناك بطل أوحد كأن نشاهد فيلما من أفلام بازوليني. عمل يتأصل الخيال فيه بواقع عشناه يوما ما، صور هزلية وطريفة ودرامية نمقت باستعارات وأنماط غنية ومشوقة.