استفادت المؤلفة في روايتها هذه "رحلة القهر" إلى حدّ بعيد من ثقافتها في التأريخ والتاريخ، إلى جانب ثقافتها في النواحي الأدبية والبحثية والمعرفية، ما ساعدها على نقل العالم المرجعي لروايتها من الخاص إلى العام، وذلك بتبيان نضالات الإنسان الفلسطيني والعربي بشكل عام للدفاع، ليس عن حقّه في القضية وحسب، بل وعن حقّه في الدفاع عن منظومة القيَم الإنسانية في جميع مستوياتها الخاصة والعامة. فبيّنت أساليب القهر والعدوان غير المشهودة التي مارسها الصهاينة، وما زالوا يمارسونها، على الإنسان الفلسطيني بشكل خاص، وأظهرت أنّ هذه الممارسات ما هي إلا اعتداء سافر على القيَم الإنسانية في الوقت عَينه، قد اعتمدت لذلك واقعية العالم المرجعي لروايتها، وذلك بذكر تواريخ الأحداث الأمكنة بدقة، تبعًا لمراحل نضال "قاهرة" بطلة الرواية. فبدت "قاهرة" ورفيقاتها مثالًا للإنسان، المرأة، في الثبات والنضال والتاريخ، في مواجهة المعتدين على كرامة الإنسان وحقّه في الحياة؛ وهذا ما سمح للرواية بأن ينتقل عالمها المرجعي من الخاص إلى العام.
كمٌ كبير من الوجع.. وآخر من الدّموع.. معانات الفلسطينيين في السّجون الاسرائيلية لا نهاية لها، لا يسلم منها حتّى النساء والأطفال.. قصة قاهرة تختصر معانات أغلب النساء المعتقلات، فكّ أسرها ولا زال هناك آلاف من " قاهرة" خلف القضبان..
رحلة القهر ... عاشتها قاهرة خلال حياتها كأسيرة في معتقلات الاحتلال، جريمتها كانت المطالبة بالحرية والنضال نحو التحرر والتحرير.
بدأ نضالها كفلسطينية طويلاً قبل أسرها، فالاحتلال اعتقل زوجها وأعز أقربائها ما حفزها لتشارك في نضال أمتها ضد المحتل الغاشم.
إثر نضالها، وقعت قاهرة في الأسر. هنا تروي لنا رغدة المصري تجربة قاهرة المريرة في الأسر. تعذيب، ترويع، حرمان.. عاشت قاهرة أبشع مظاهر الاعتقال تحت وطئ عذاب مستمر حرص الكيان الصهيوني أن يزيده وطأة وظلماً. إلا أنهم حاولوا كثيراً كسر عزيمتها، لكن ~ قاهرة قهرتهم ~.
شعرت قاهرة بالكثير من الحرمان إلا أن ما فطر قلبها حرمانها من أطفالها ومن أمومتها. لم يغب أطفالها عن ذاكرتها.. تتلمسهم في أحلامها، تحضنهم في سكونها، وتحدثهم عن روعة الأسر في خلوتها بعد أن حكم عليها بثلاثة مؤبدات تحرمها من رؤية أطفالها مجدداً.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل حرمان الأطفال من أمهم وهم ما زالوا كبراعم الياسمين في يفاعتهم.
تحررت قاهرة من معتقل الحرمان الضيق إثر صفقة تبادل أسرى، ستتمكن أخيراً من احتضان أطفالها بين يديها وتلمس وجوههم بأناملها. إلا أنها تدرك جيداً أنها ليست تخرج إلا لسجن أكبر يحرسه مجرمون أخطر ويعيش قاطنوه في حرمان وظلم أكثر إيلاماً من تعذيب الأسر وأكثر عتمة من المعتقل.