ولكن هل يمكن أن نروي حكاية بعينها وسط فوضى التفاصيل؟ هل يمكننا تحديد بقعة زمنية ومكانية ونقول إن في هذا المجال سنجد ضالتنا؛ سنجد حكاية واحدة مفهومة؟ إنها مهمة مستحيلة، ورغم ذلك نُقدِم عليها؛ فخلاصنا في الحكاية. سنراقب حركة تلك الموجات المحيطة بعزبة أبو دقة، ونتتبع أصوات تخبرنا عن حياتها، وبهذا التلصص المشروع يمكننا أن نفهم شيئًا.
هذه رواية الأسئلة، والمصائر المتقاطعة بشكل مدهش. شبكة من الحكايات والشخصيات تتلاقى في نقاط الذروة بإحكام، وحيث الواقع هو اللامتوقع. لا يوجد مكان للملل في قراءة هذه الرواية، بل سيلهث القارئ وراء الأحداث ليلحق بها.
يوسف نبيل: روائي ومترجم. من مواليد محافظة الفيوم 1987م، بمصر. تخرج من كلية الألسن، قسم اللغة الروسية في عام 2008م. صدرت له سبع روايات (كسر الإيقاع – موسم الذوبان – مياه الروح – في مقام العشق – العالم على جسدي – كلمات يونس الأخيرة – اللقاء الأخير) بالإضافة إلى هذه الرواية، كما ترجم أكثر من عشرين كتابًا، معظمها عن الروسية، ومن أبرزها ترجمته ليوميات ليف تولستوي الكاملة في ست مجلدات ضخمة صدرت عن آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة. نال بعض الجوائز في مجال الرواية مثل جائزة إحسان عبد القدوس عن روايته: موسم الذوبان في عام 2021م.
خريج ألسن 2008 - جامعة عين شمس - قسم اللغة الروسية . يكتب الرواية منذ أعوام وله الآن رواية كسر الإيقاع . صادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر - رواية موسم الذوبان. صادرة عن الهيئة العاملة لقصور الثقافة- رواية مياه الروح. صادرة عن دار التجليات للنشر والتوزيع - رواية فى مقام العشق( تأليف مشترك مع زينب محمد) صادرة عن دار التجليات للنشر والتوزيع - رواية العالم على جسدى ( تأليف مشترك مع زينب محمد) صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة كتابة. وحصل على عدة جوائز منها : جائزة ساقية الصاوى للقصة القصيرة عام 2008 عن قصة " ظمأ " - جائزة إحسان عبد القدوس 2011 فى الرواية عن رواية موسم الذوبان
رواية "العزبة" للكاتب "يوسف نبيل" هي رواية من نوع الديستوبيا الواقعية، فرغم الخيال الجامح في الحدث الرئيسي للرواية، فلا تستبعد أبداً أن يحدث، فقد شاهدنا منه درجات مُختلفة حولنا.
تبدأ الرواية من العزبة، التي من المُقرر لها أن تُهدم، لم يقولها أحداً صراحة، ولكن النية واضحة، الكل في خدمة المجمع السكني الجديد الذي يُبنى بجوارها "وندرفولاند"، الذي استغرب الجميع مكانه حيث أن أغلب هذه المجمعات توجد بأطراف نائية من البلد وليست في وسط البلد، بجوار العزبة، ولا تفهم من العزبة أنها بداخل قرية ريفية مثلاً، ولكن أظن أن لها دلالة أقوى وأوضح، ينقشع غموض الدلالة كلما تقدمنا في الأحداث.
ومن خلال لفيف من الشخصيات، يُقدم الكاتب أفكاره العديدة، من دناءة شخصيات، وظلم، وفقر، ووحدة، وتوحش البشر، إلى الحد الذي يجعل أخ يأكل حق أخيه، ورجل دين يتحرش بفتيات، وأب يتاجر بابنته ليأخذ من وراءها أموالاً. ذلك الخط الفاصل الذي رسمه الكاتب بين شخصياته، الخط الذي بمجرد تعديه يُصبح الرجوع منه صعباً، ففي الفقر تُصبح كل الأشياء مطاطة، الاخلاق والرشوات والدين، الكل يُطوع من أجل سد الرمق والجوع، فمن يأبه بمصدر أموال في ظل أنه عليه مسئوليات أكبر من طاقته.
ختاماً.. رواية جيدة، تحمل لفيف من الشخصيات، وفكرة هامة سودواية، من خلال سرد مُختلف، مثل كسر الجدار الرابع بالأفلام والمسلسلات، لنعيش مع مآسي قاطني العزبة، لنكتشف بنهاية الرواية أن العزبة نحن داخلها لا خارجها.
عزبة يوسف نبيل... التقاط صور للحياة من تحت الأنقاص...
ليست القراءة الأولى ليوسف نبيل، ولكنني أحسبها الأكثر رسوخًا، نص يعج على قصره بالصور والأفكار والأنماط. صراحة هادرة، وتعرية جريئة لشتى طيوف المجتمع.
التقنية السردية التي اعتمدها الكاتب تنتهج منذ البداية حيلة إشراك القارئ في النص من خلال راوٍ يخاطب القارئ بضمير المخاطب، الأمر الذي أذاب العتبات التي يرتكز عليها الكُتّاب عادة، واستثمره الكاتب ليطلق ما في جعبته زفيرًا طويلًا لم يُقسّمه إلى فصول وأبواب. تقنية جاءت ملائمة للنص، وجذبت القارئ إلى نوع من القراءة اللاهثة غير المتقطّعة. نحن أمام نص يبتلعك فور أن تقرأ صفحته الأولى، فإما إن تغلقه للأبد، أو لا تتركه حتى نهايته. كنت أنا من النوع الثاني، فلم أترك الرواية حتى باحت لي بكل ما اختزنته...
دون كشف تفاصيل الأحداث، نحن أمام صورة دستوبية حول مدينّة تشيّد على أنقاض مدينة، مستقبل يقوم على غرس أعمدته في أسس الماضي، غد يقوّض اليوم والأمس. هنا تتجلّى مهارة الكاتب الذي كرّس قلمه لكتابة حكاية عن مدينة جديدة، دون أن يسقط في فخ محاكاة المثير من النصوص القائمة على ذات الفكرة، فلا يمكن مثلا أن نشبه العزبة بيوتوبيا أحمد خالد توفيق، كلاهما تحدث عن مدينة جديدة يتم استيلادها من رحم الفقر وتغذيتها من شرايين الفقراء، لكن حكايتيهما -على ذلك- تختلفان تمام الاختلاف.
لدينا عدة شخوص، صور متنوعة وواقعية لنماذج انتقاها يوسف نبيل من الشارع المصري، حكاياتهم مدموغة بالحقيقة المرّة، وملامحهم شبيهة بالمارة في كل مكان في بر المخروسة، نساء مقهورات أو معطاءات أو منتهكات، أطفال ضائعون، ورجال تائهون بين استكشاف سبل العيش، ودروب المتعة، وطرائق الصعود المتكئ على السلطة، أية سلطة. تنتهي حكايات الجميع وقد استقروا تحت أنقاض الحاضر الذي وافقت الدولة على محوه لإقامة المدينة الجديدة، وموافقة الدولة هنا تتراوح بين التواطؤ والإهمال، لكن الحكاية توحّد طرفي الاحتمال لتساوي بينهما طالما ظلت النتيجة واحدة. يشاهد الضحايا العالم من تحت الأنقاض عبر ومضات برع الكاتب في رسمها وعززها بحضور ضبابيّ لموتٍ يقف مترددًا فوق الأنقاض، حائرًا كأنه لم يجد أسماء هؤلاء المغدورين في كشوفه. وفي ذات الوقت؛ يشاهد القارئ ذات الضحايا عبر فرجة ضيّقة تسمح بعبور الصوت، ولا تقبل أن ينفذ الأمل إلى المدفونين من دون كفن، ولا أمل، ولا جرم مشهود...
وفوق الأنقاض، يقف رجلان مهزومان موشومان بالعجز، يتهدل كتفاهما تحت وطأة الهزيمة. والهزيمة هنا لا تكتمل دون مشاركة المهزوم، إما بالتخاذل، أو بالصمت المستسلم. نظير ثابت ومراد عبد العظيم، الأول جانٍ لا تخلو قائمة ضحاياه من اسمه، والثاني عاجز متقوقع آثر الانسحاب من كل المعارك. هذان النموذجان هما من أبقاهما يوسف نبيل فوق الأنقاض، بينما يئن أسفلها المئات من المقهورين، وكأنه أراد أن يقول أن من نجا من المحرقة إما فاسد بلا ضمير، وإما ضعيف أدمن الخسارات.
كان تحييد الكاتب لعنصر الزمن موفقًا، فهو يكتفي بفرد خريطة المكان أمام القارئ في مستهل الحكاية، ويترك له تحديد الزمن الذي تتفاوت سهولة استنباطه بين قارئ وآخر، بينما تسحبنا الرواية كشلال سردي كاشف سرعان ما يقذف بكل الإسقاطات المطوية بين أسطره، مطلقة نفيرًا مدوّيًا في وجه العمالقة الجدد، لعلّهم يتأنّون قليلًا قبل أن تسحق أقدامهم مدن الأمس، بكل ما خططناه على حوائطها من الآمال والأحلام وكلمات الغرام...
عمل مهم، شديد التميّز، ينطوي على محاولة محمودة للتغريد بعيدًا عن سرب السائد والمأمون. كتابة خارج صندوق المسموحات، تحمل رغم سوداويتها الظاهرة أملًا كبيرًا في تصحيح المسار، وتزف لنا نبأ كاتب ومترجم متمكن، يشق طريقه في تؤدة بينما يرتقي أدراج التفوّق...
عمل أنصح به محبي الأدب الجاد البعيد عن إعادة التدوير والاستسهال...
أول ما يلفت انتباه من يتابع روايات الكاتب يوسف نبيل، هذه البداية المختلفة لروايته الجديدة، حيث يقرر التحدث إلى قارئه مباشرة، فيسأله عن سبب قراءته، ويبدأ الراوى سرده بسؤال القارئ: "من أين نبدأ حكايتنا؟" فى محاولة منه للحث على إشراكه فى البحث عن إجابة لاستفساراته.
تأتى الفقرة الثانية لتضع أمامنا تفسيرًا لهذه البداية الجديدة التى يطرحها "نبيل" فى عالمه الروائى، إذ ينقل عن لسان تولستوى فى يومياته قائلا "نحن نطلق كلمة سبب على تلك الحالة التى سبقت الظاهرة وكشفتها لنا وسط مسار معين من الأفكار" فيصير من الجلى لنا كيف تأثر نبيل بترجمته ليوميات تولستوى، إلى الحد الذى دفعه لبدء روايته مستعينًا بقبس من تساؤلاته وإجابات فى آن، ثم كانت أول النتائج التى توصل إليها الراوى أن "الزمن وهم"، فندرك أن ما سيسرده أمامنا لن ينطلق فى اتجاه زمنى مقصود لذاته، بل إن الزمن لا يتعدى كونه نقاطا افتراضية يصلح البدء من أى منها، إذ يطرح أمامنا فكرة انبثاق الحدث وتبعاته عبر موجات تُجَلّيها الشخصيات بأفعالها؛ فيقول: "لا معنى إذَنْ لنقطة بداية أو نهاية"، ومن ثمّ جاء الارتكاز على العنصر المكانى متمثلا فى "العزبة" لتبدو نقطة تجتمع حولها الشخصيات، وتنطلق منها موجات الحكى التالية. https://m.youm7.com/story/2021/6/27/%...
العزبة رواية قصيرة تتناول الوضع المأساوي في إحدى عشوائيات القاهرة من خلال وصف معاناة عدة شخصيات يربطهم هذا المكان الواقعي رغم كونه متخيل، تدريجيا يركز السرد على شخصيتين هما نظير ومراد.
تعرض الرواية على قصرها الفساد باختلاف مستوياته فلا تكتفي بفساد رجال الدين ومسؤولي الدولة ورجال الأعمال بل حتى صغار الموظفين والعمال .. كل ضحية يعوض ما سُلِب منه بقهر غيره أو الاحتيال عليه.
مشهد الانهيار وقسوته أعاد إلى ذهني كوارث نجمت عن جرائم "الإهمال المتعمد" في مصر وما أكثرها.
بأسلوب تعدد الرواة يعرض الكاتب المعاناة النفسية لكل شخصية ويستعرض خراب المنظومة الأسرية في مجتمعنا من آباء غير مؤهلين، وزوجات سلبيات، وأزواج مدمِّرين، وإخوة طامعين، دائرة يواصل فيها الضحية سلسلة القهر بلعب دور الجلاد حين يكبر، إن كان من بارقة أمل في كسرها أظنها شخصية مراد.
- أعجبتني كثيرا رسالة ابن نظير لأبيه، بها وصف جيد لكثير من التشوهات النفسية لنموذج شائع جدا من رجال مجتمعاتنا. -
• كنت أفضل لو قدَّم الكاتب دافعا أو مبررا لقسوة أبي مراد وتصرفاته.
• لا أجد رابطا بين قصة أمين الشرطة وباقي الشخصيات، هذا الجزء جاء منفصلا لا تربطه بباقي الأحداث والشخصيات علاقة.
• في البداية حيرني قليلا الانتقال من صوت لآخر فلم أكن أفهم من المتحدث إلا بعد عدة فقرات، في النصف الثاني وجدت محاولة الربط بين قصة نظير ومراد في كل انتقال بين الحكايتين مفتعلة قليلا.
• كنت لأستغرب نهاية نظير لولا السطر الأخير الذي يليق به.
الرواية جيدة شيقة تنتهي سريعا، تطرح نفس الآفات المجتمعية التي يركز عليها الكاتب في أعماله. أنصح بقراءتها.
شكرًا Abjjad | أبجد تجربة مختلفة يخوضها يوسف نبيل في هذه الرواية، التي تدور لاعن "العزبة" كما قد يوحي بذلك العنوان، ولا حتى عن أجواء ريفية مثلاص، ولكن عن أشخاص وأفراد يواجهون مشكلاتهم ومصائرهم، على خلفية انهيار أحد المباني السكنية في تلك العزبة (وإن كنت أرى أنها يمكن أن تكون أي حي فقير في القاهرة) المتاخم لمدينة جديدة اسمها وندرفولاند (هل يمكن أن نروي حكاية بعينها وسط فوضى التفاصيل؟ هل يمكننا تحديد بقعة زمنية ومكانية ونقول إن في هذا المجال سنجد ضالتنا؛ سنجد حكاية واحدة مفهومة؟ إنها مهمة مستحيلة، ورغم ذلك نُقدِم عليها؛ فخلاصنا في الحكاية. ��نراقب حركة تلك الموجات المحيطة بعزبة أبو دقة، ونتتبع أصوات تخبرنا عن حياتها، وبهذا التلصص المشروع يمكننا أن نفهم شيئًا) بدأت الرواية بداية واعدة من خلال تقسيم الحدث على عدد من الأشخاص مجهولي الاسم، نتعرّف على هوياتهم وحياتهم تحت أنقاض ذلك العالم الذي يتهاوى، ثم جاءت النهاية أو النصف الثاني من الرواية بصوتي نظير ثابت ومراد عبد العظيم، والأحداث المتلاحقة التي قوّضت عالميهما حتى وصلا إلى النهاية. .
ينسحق الفقراء ويموتون من أجل الأثرياء والسادة المزعومين. يموتون وغالبًا لا ينجو إلا الفاسدون أو اليائسون. أوطاننا للنخب التي تملك مالًا أو سلطة. عدا هؤلاء لا يستحقون سوى حياة تشبه الموت.
هذه الكلمات قد تلخص الحدث الرئيس في هذه الرواية؛ انسحاق أهل العزبة تحت الأنقاض، لتشييد الكمبوند الجديد، ووقوف السلطة إلى جانب الأثرياء وتعمدها الإهمال ثم التقاعس عن الإتيان بالمعدات لانتشال الضحايا.
تناولت الرواية الفكرة بواقعية كبيرة، فلا صراعات، ولا محاولات للمواجهة، بل سرى كل شيء كأنه أمر مُسلم به، الفقراء مطحونون يأكل بعضهم بعضًا ولا صوت لهم، وعلى الجانب الآخر يسير العمل على قدم وساق لإنجاز الكمبوند.
تتداخل خيوط الأحداث والرواة حتى تلتبس عليك في بعض الفقرات فتعيد قراءتها مرة أخرى لتفصل صوتًا عن صوت، لكنها في النهاية تسير في خطين متوازيين، تميز فيهما أعلى الأصوات وضوحًا: الفاسد واليائس الضعيف. وهما نتاج الفقر والظلم «أظن أن الأمر يتعلق بالإهانة المستمرة التي تجعل صاحبها يصدق بعد مدة طويلة أنه يستحقها فعلًا. جحيم من التفاصيل المنهكة جعلتها رويدًا رويدًا تنسى أنها إنسانة!».
عرضت الرواية لقضايا اجتماعية مهمة وكشفت بجرأة عن ممارسات رجال الدين وتبجحهم، كما حاولت الكشف عن الجانب النفسي لبعض أبطالها.
ما أحببته أنه رغم السوداوية المسيطرة على الأحداث، نما ضوء كشف عن أن الحياة تجد لنفسها دائمًا مكانًا، حتى وإن بدا هزيلًا، تلك الحياة تمثلت في الفن، والذي رغم تقلص مساحته، كان طوق النجاة مرتين لصاحبه - حتى وإن رُسمت شخصيته سلبية تمامًا وانعزالية وغير قادرة على المواجهة.
آخذ عليها تداخل الأحداث في البداية، ما سبَّب لي بعض الارتباك وإعادة قراءة بعض الفقرات لأميز بين راوٍ وآخر. وهذا كان من الممكن حله بوضع بعض الفواصل.
العزبة يوسف نبيل دار آفاق للنشر والتوزيع حالة من الاستكانة والاستسلام المُرضي والمَرَضي تسيطر على جوانب عزبة هادئة. لم تتمتع بهدوءٍ أو استقرار وإنما برضوخٍ للموت واستسلام لهلاك وشيك تتحسس أوانه. نظير ثابت، أحد أبطال العمل الرئيسة، لم يحمل من اسمه شيئًا يُذكر: إذ لم يكن نظيرًا؛ يُبصر أركان حياته، ويراقب أحوال أسرته المكوّنة من زوجةٍ مُعذّبة، وابنٍ لم يشعر بإبوةٍ مزعومة، وابنةٍ لم تذق من الحياة إلا مرارتها، كما لم يكن ثابتًا أمام مغريات الدنيا ومخاوفها؛ بل يمضي في حياةٍ مفككة، تحمل في طياتها -كاسمه- مظهرًا مجتمعيًا لائقًا، لكن من داخلها تفوح عفونة ماض، وتفكك حاضر، وبلادة مستقبل لم يأتِ. في رواية: واحد، ولا أحد، ومائة ألف، يكشف بيرانديللو عن بعد فاسد في داخلنا إذ يقول إننا: نلاحظ بسهولة عيوب الآخرين، ولا نفطن إلى عيوبنا. وهنا أرى أن الكاتب ربما يطرح في عزبته القضية عينها: إذ يظهر سكانها، رُغم استكانة وانبطاح أغلبهم، في حالة بحث دائم، ولكن عن لاشيء، في رحلة قصيرة تمتلئ بالأمل، رُغم قتامة المشهد، في هربٍ مستمر من صورتهم الحقيقية، منغمسين في عيوب خلّفها الزمن في تكوينهم وأنفسهم، جاعلًا منهم أشباه بشر فقدوا المعنى والقيمة، وربما، على عكس قول بيرانديللو، لن يفلحوا في إدراك عيوبهم، بل ولن يفطنوا عيوب الآخرين أيضًا حتى يتجنبونها! أروع ما في العمل هو عندما اختتم المؤلف قصته بعبارةٍ من نظير يقول فيها: حاضر يا باشا.. حاضر يا باشا..، مؤكدًا بذلك حجم الاستسلام والفشل، والقبول بعكس كل ما كان يرجوه نظير الأب، والأخ، الذي لم يعكس سوى شريحة كبيرة من مجتمع لم يعارض الفساد لا خوفًا، بل حبًا واستكانةً!
عادة لا أستطيع القراءة لفترة طويلة متصلة ولكن روايات يوسف في الغالب أقرأها في جلسة واحدة. استغرقت مني الرواية حوالي أربع ساعات أو أقل قليلًا. شعرت وكأنني في كابوس وأنا أقرأ الرواية. وصف الشخصيات وهم تحت الأنقاض ووصف مشاهد انهيار المباني وانهيار الأرض ، تم كتابته ببراعة غير عادية، أشعرني وكأنني أشاهد فيلمًا سينمائيًا وليست رواية. الحبكة الفنية التي قام بها يوسف في الرواية، لجعل الأبطال يلتقون في مشهد واحد ومكان واحد؛ ألا وهو العزبة، حبكة أكثر من رائعة. تم تصوير شخصية "نظير ثابت" تصويرًا نفسيًا رائعًا. إنه مثال نموذجي للمواطن المسيحي المستقر حتى النهاية. أعتقد أن نهاية الروية لو كانت غير ما انتهت عليه لكانت الرواية بالنسبة لي كابوس لا ينتهي ولكن أعتقد أن "يوسف" نجح في إضفاء الأمل على ذلك الواقع الكابوسي من خلال نهاية الرواية مع شخصية "مراد عبد العظيم". ملحوظة أخيرة؛ وهي أن الأسماء في الرواية لها دلالات.
العزبة بطل الرواية الحقيقي هي منطقة شعبية تشبه العديد من الأماكن من حولنا نراها يوميا او نمر بها ومنا من يسكن فيها سكان العزبة بسطاء لا يمتلكون الا الاحلام منهم الصالح و الفاسد ، من بداخله الخير وغيره الشر ، منهم المتسلط والمتحكم وايضا من يضحي لأجل الاخر ، ومنهم الهارب من مرار العيشة ، من تبحث عن الحب ، من يهرب من ظلم الاب ، من يسعي للرزق ، وطفل يريد حذاء جديد
كل هؤلاء تحتويهم العزبة ، العزبة التي يهددها الخطر ببناء كومباوند جديد من حولها ، يتسبب الحفر والهدم بتصدعات في المباني وانفجار في مياه الصرف
لا اهتمام بالفقراء وساكني العزبة فلابد من أنشأ الكومباوند في اسرع وقت بأي ثمن حتي لو كان أهل العزبة ولكن أهل العزبة منشغل كل منهم وراء أحلامه ونزواته فهل يهتمون بالعزبة أم بأنفسهم ؟
هناك من اعتبر الرواية واقعية كابوسية، وهذا صحيح طبعا، فهي تبعث في القارىء شعورا بالضيق والثقل والرغبة في خلاص ما مع الصفحات الأولى. الشخصيات تنقسم بين ضحايا لظلم فادح ومتسببين فيه، الظلام يلف حياة الجميع دون استثناء من دون بارقة ضوء. أربكني التنقل السريع بين الشخصيات والضمائر الراوية وجعلني أعيد قراءة بعض الأجزاء. شخصية رجل الشرطة يمكن إزالتها دون أن يتأثر السياق العام. النهاية كانت بمثابة لطمة ومكافأة معا، تتركك مع مرارة لا شك فيها وغضب عام غير محدد الهدف، فالإدانة تطول الجميع. عمل شديد التركيز والإيجاز لم يعبه في نظري سوى الرغبة في جمع كل أوجه الفساد في وجبة أدبية واحدة. سعيدة بالتجربة وأنتظر أعمالك القادمة باهتمام شديد يا يوسف.
#رحلات2022 #العزبة من جديد مع الكاتب"يوسف نبيل"، ورواية تنتمي إلى أدب الديستوبيا الواقعية، حيث كانت الرحلة إلى المعادي، مدينية"وندرفول لاند" التي قرر المالكون أن تقام بجوار إحدى العزب على إعتبار أن الأثرياء دوماً أحق بمشاهدة النيل والإستمتاع بموقع متميز، ولأن صوت الفساد يعلو فوق أي صوت خاصة إذا كان الفساد مدعوماً بأموال تعطى للفاسدون في كل مكان، أقيمت المدينة الجديدة بدون أي إحتياطات هندسية للحفاظ على العزبة المجاورة وأرواح ساكينها...فكيف تكون النهاية؟؟؟
على مدار حوالي 120 صفحة كانت الحكاية كاملة، عبر أصوات متعددة كانت الرواية التي اختار لها الكاتب البداية بضمير المخاطب وسألنا نحن القراء سؤالاً في غاية الصعوبة وبذلك فتح لنا الباب لمعايشة الأحداث كاملة، في النصف الأخير كانت الحكاية على لسان بطلين فقط ختم بهما الكاتب الرواية والمشهد الختامي
كان السرد بلغة فصحى على مدار الرواية، الحوار أغلبه بالعامية غير المخلة، التصوير سينمائي بارع فكأنني أعيش مشهد الإنهيارات المتتالية وأرى رؤي العين الحرائق المشتعلة في العزبة وكأنه يوم الحشر، ومشهد الختام بديع للغاية
"العزبة" رواية دسمة رغم حجمها الصغير نسبياً، لا تملك منها فكاكاً ف تنتهي في جلسة واحدة
قراءة ثانية للكاتب، وفي إنتظار الجديد بشغف #الكتاب_رقم95 #كتاب_لجلسة_واحدة 95/120 15-نوفمبر
عزبة صغيرة نرى لحظات انهيارها مرة وراء الأخرى على صفحات الرواية لتعلو مكانها البنايات الراقية والمساحات الخضراء. نرى بطلي الرواية وحياتهما المعقدة، ونرى حيوات أخرى كثيرة تنتهي وسط الركام. أعجبتني طريقة السرد التي تحدث القارئ قليلا وكأن الراوي يملك من الحكمة ما لا يملكه الأبطال، ثم يترك لهم الصفحات ليعبروا عن نظرتهم القاصرة. الرواية صغيرة الحجم لكنها مؤثرة وقاتمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اسم الكتاب: العزبة النوع: رواية اجتماعية الكاتب: يوسف نبيل عدد الصفحات: 119
الملخص:
موجة الغضب الحارق تنطلق من كيان دقيق لا يرى بالعين المجردة وسط كون فسيح
في العزبة و تحت الأنقاض لا تزال الأصوات تعلو ، لا يسعها سوى ذلك ، تتداخل الذكريات والأحلام والحكايات ، كيف يحول المرض الإنسان إلى أشلاء ، كيف لتلك النجوم الباهتة التي على كتف أحدهم تجعله يظن أنه أفضل منك ، هل يمكن لأحد أن يميز بين اليقظة والنوم؟ ما الذنب الذي يقترفه شخص ليكون لزامًا عليه أن يرسم ستين لوحة لوجه يود أن ينساه! نحاول تلمّس ظلال الحقيقة عبر هذا الضجيج
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️ _______________
معظم الروايات الاجتماعية يصعب اقناعي بخيالية الأحداث والشخصيات ، تبدأ الرواية بأصوات مجهولة نتعرف عليها من خلال حكايتها المأساوية ، و بفاجعة دمار عزبة أبو دقه إثر التوغل فى عمليات حفر وهدم كان الغرض منها إقامة "كومباوند وندرفول" تجمع سكني فاخر فى قلب القاهرة ، نصل لصوت نظير ثابت الأب المتسلط و مراد عبد العظيم ضحية العنف الأسري و نتابع خطواتهم المتقابلة نحو العزبة
لم يحدد الكاتب زمن للأحداث لكنه توفق ، ذكر بضمير المخاطب في الرواية "ليس بإمكاننا فعل شيء سوى رواية الحكاية ، ولنترك أمر ترتيبها لمن يشاء ، رغم إدراكنا في كثير من اللحظات لوهم المكان والزمان ، لكننا مضطرون إلى إدراك الأحداث داخل نطاقها" ، أتفق مع آخر جملة من الاقتباس ، مع ذلك لم أشعر بأي نقلات زمنية مشتتة و تغيير في حال الشخصيات ، كأن الأحداث تمت في شهر أو شهرين مع وجود المساحة الرحبة بين الفقرات
لغة السرد فصحى أما الحوارات بالعامية ، الكاتب يمتلك حس سردي جيد ووعي بالكتابة ، لكن شعرت بكسرات في تركيب بعض الجمل أبطنتها محاولتي للتحليل النفسي العميق للشخصيات
الرواية رصدت عدة قضايا رغم صغر حجمها ، بعض القضايا حفظت جوانبها لذكرها في أغلب الروايات الاجتماعية ، ربما اختلاف الإسلوب يجعلها قابلة للقراءة مرة أخرى ، أنصح بها محبين الأدب الواقعي لوفاءها في نقل صور جدية لظاهر الحياة