"الصريم"، روايةٌ بنكهةِ الأصالةِ حتى الثّمالة. كنزٌ من الحكايات الواقعية التي نحتت من أعماق صحراء الجزيرة، ونحن بأمسّ الحاجة إليها كي نستعيد عبق العطر الأبهى للماضي الذي ميّز عراقتنا ونستدرك فلسفة عميقة حكمت مفاهيم المجتمع دون وعي منه. سيرة ذاتية دافئة بعيدة عن التفخيم والمبالغة وبديعة الإيحاء والتقاط المشاهد الذكية، تسرد الوقائع بصدقٍ سهلٍ ممتنعٍ ببساطة الحياة في زمانها. إذ يعرض الكاتب عبر صفحاتها المتسارعة تفاصيلَ الحكايةِ بالأبيض والأسود دون السماح للرمادي بالهيمنة على ظلال الحقيقة التي تثير الدمع والضحكات معاً. ما بين طفولة حافية القدمين على دروبٍ وعرة اتحدت مع سياط اليتم والفقر والحرمان، وشباب لا يعرف من الجموح سوى لحظاتٍ مسروقة في ظلّ مغارة الشهوة الأولى، وسنوات طوقتها أسوار العزلة والواقع التعيس، ليتحمّل البطل مسؤولية الأم والأخت والأخ دون تململٍ أو تردد. لقد برع الكاتب في وصف الرضا وانخفاض سقف الأحلام وأتساعها لدى مجتمعات ضحت فيما مضى برفاهية المعرفة طمعاً برفاهية كفاف يومها لا أكثر. ويعرض للقارئ بأسلوبٍ نبيل أهمية ما بين يديه من تاريخ وجغرافية يحسده الغرب عليها ويذوب الأجنبي شغفاً في عشقها ويتعايش ابنها معها بصبرِ الابن البار. يختبر البطل جملةٌ من المشاعر التي تنير في ذاته مفازاتٍ لم يكن يدرك جمالها وأهميتها .. عن معنى التسامح والانفتاح وقبول الآخر وتقدير الفن والأدب والجرأة على خوض المسارات الجديدِ والغريبة طمعاً في اكتمال التجربة الإنسانية البعيدة كل البعد عن البغض والعداوة واستنكار السعادة على الآخر. إنها رحلةٌ الآلام الممتعةٌ كتبت بسردِ دراماتيكي أختلط فيه التاريخي بالتنويري .
أحمد بن عبدالعزيز السماري كاتب وروائي سعودي، يقيم في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. تخرج في جامعة الملك سعود عام 1984 ويحمل درجة البكالوريوس في الهندسة. عمل في القطاع الخاص لسنوات، وهو الآن متقاعد ومخصص وقته للقراءة والكتابة. عضو في جمعية الأدب السعودية، بدأ مسيرته الروائية عام 2020، حيث نشر رواية "الصريم"، وتبعها برواية "قنطرة" عام 2022، بالإضافة إلى كتابته العديد من المقالات في الصحف والمنابر الثقافية.
تركز أعماله الأدبية على قضايا الهوية والتحولات الاجتماعية، والعلاقات بين الفرد والمجتمع في السياقات المحلية والعالمية. تتسم كتاباته بسرد سلس ومنظم، يجمع بين البعد الذاتي والانتماء الثقافي ضمن إطار اجتماعي وتاريخي، مع تجنب الأساليب الرمزية المعقدة، والتركيز على بناء الشخصية وعمقها النفسي والاجتماعي. من أبرز أعماله رواية «ابنة ليليت» التي حظيت بتفاعل نقدي واسع ضمن المشهد الأدبي السعودي عام 2024.
رواية «الصريم» للكاتب أحمد السماري، هي صوت أرواح الآباء والأجداد مسطرة في حكاية من أدب الرحلات، كتبت بحبر من عبق الأصالة, وتشبث الكاتب بجذور المكان الذي ولدت فيه "الصريم" يصور فيها ما جرى للـشاب النجدي "زيد بن عثمان" من أحداث في قريته، اضطرته للغربة إلى الكويت بحثاً عن الرزق: "إن الغربة يا أمي ليست إرادة وإنَّمـا إجبار، فلا أحد يحب العزلة أو يستأنس بالوحشة، ولكنه الخذلان يجعلك تبحث في نفسك عما يُغنيك عن الناس، لأن في وجودهم عدمًا، وفي غيابك عنهم احتمالية للوجود"., وما صادفته من أمور أثناء رحلة العودة من الكويت حتى الرياض مروراً بالهفوف وصحراء الربع الخالي، ومن خلال المشاهدة الحية، والتصوير المباشر، وما كتبه الرحالة الغربيون عن الجزيرة العربية، والتواصل السردي والتفاعل في المواقف والأحداث بين شخصيتي الرواية الرئيسيتين "زيد بن عثمان" الشاب المكافح العائد من غربته، و"وليم" البريطاني المكلّف من قبل الجمعية الجغرافية الملكية بلندن لدراسة علمية عن منطقة نجد وتضاريسها ومناخها ونظام حكامها وطريقة عيش سكانها، يستعرض السماري الحراك الاجتماعي والاقتصادي لفترة الخمسينيات في المجتمع السعودي مستصحبة الصعوبات التي كانت تواجه الإنسان في تلك الرقعة الجغرافية ما قبل اكتشاف البترول؛ "لقد أتيت من قرية نجدية محاصرة بأسوار الموت: الجوع، والمرض، والعزلة، والجهل، والجفاف. الفقر مستفحل في كل منحى من مناحي قريتي، نتعلم منذ الولادة التدبير والاقتصاد في كل شيء، كل ما يكلف مالًا حتى لو كان قليلًا فهو غالٍ، لا شيء رخيص غير آلام الناس." وفي هذا اللقاء المتعمد بينهما ربما أراد الكاتب أسماع صوت أجداده بشخصية (زيد) وصوته هو من خلال شخصية (وليم), فشكى (الجد) حال مجتمعه وقريته في ذلك الزمان " في قريتنا لا يوجد مستشفى أو حتى مركز صحيّ أوليّ, لكن هناك عشرات المساجد للصلاة على من تحين ساعة وفاته.", ليصل بالقارئ إلى مجاهيل الصريم التي مرت على منطقة نجد والجزيرة في النصف الأول من القرن العشرين:" كانت الخمسين سنة الماضية أشبه بالقرون العجاف من ثقلها وكثرة الجوائح والكوارث والمجاعات, التي أصبح يؤرخ بها الزمان فهناك سنة الرحمة حيث تفشى وباء حصد أرواح المئات بالقرية ومئات الآلاف على مستوى نجد والجزيرة.", وصلًا لسنة الهدام وغرق القرية بالسيل العرم. استطاع صاحب الصريم أن يملأ المساحات الزمنية الفاصلة للرحلة بين الكويت والرياض بشهوة القص المتبادل بين زيد ووليم، ويثري المشهد الروائي بالعديد من الصور والمشاهد التي تعكس الملمح الإنساني لشخوص تلك البقعة القاسية والمنسية من العالم في وقتها، فمن قصيدة إلى قصة يموج بنا الكاتب بين ثنايا الأدب والتاريخ والأماكن التي تبرز في مجملها صفات ذلك الزمان وأهله. بتلك التوليفة الزمكانية ستتيح للقارئ أن يحظى بمشهديه بانوراميه قادرة على تفعيل حواسك الخمس أثناء القراءة بما يسمح بملامسة شخوص وأماكن تلك الرحلة؛" مدوا فرشهم وتوسد كلّ همه وأحلامه, شخصوا بعيونهم نحو النجوم, وناموا وأصوات تحتحة السيل في وادي قريته العطشى في نجد تداعب خيالاته, وهسهسته وهو ينساب في سواقي مزرعته بصفاء وخفاء, يسمعها زيد في منامه, وهو يمشي تحت فيء أشجار نخيلها وأطراف سعفها يحتك بعضها ببعض بلطف مع نسيم رقيق لا يُشعر به, ومن تحت السعف تصدر صريراً يحدث صوتاً خفيفاً كما لو أن النخيل يخبر بعضه بعضاً باستبشار عودة صاحب الجنة إليها بعد غياب.", وحين توسطوا موقعهم في صحراء الربع الخالي, وفيّ وصف جزل جميل وشاعري: "أدركوا موقعهم المقرر حسب خريطة وليم بعد العشاء، رُصت السيارات على شكلٍ دائرة وأنوارها مشتعلة، وباشر الفريق نصب الخيام وهم يغنون بأصوات لحنًا بنوتة صحراوية خاصةً, لن تجد لها مثيلًا في سمفونيات الغرب ولا مقامات الشرق. ثم شرع الطباخ في إعداد وجبة العشاء، وجلس زيد مع وليم على أحد الكثبان الصغيرة والقريبة، بعد أن لبسا عباءة الوبر الشتوية، كانت ليلة أقبل فيها القمر مختالًا مرتديًا وجهًا فضيًا ينثر الهدوء في المكان، وأتت النجوم تتلألأ بدعوة من القمر، وسط هذا الصمت الأسود المخملي، همسات النسيم الباردة، وأصوات الرجال الفتية وهم ينصبون الخيام، ومواويل الشعر التي تجول في الفؤاد، لحظات تتناسى فيها أحزانك وذكرياتك الموجعة، وتتسرّب إلى روحك الراحة والطمأنينة." المكان هنا عنصراً أساسياً من عناصر النص، فكما يقول حسن بحراوي: "إن الوضع المكاني في الرواية يمكنه أن يصبح محدداً أساسياً للمادة الحكائية ولتلاحق الأحداث والحوافز، أي أنه سيتحول في النهاية إلى مكوّن روائي جوهري ويحدث قطيعة مع مفهومه كديكور"، كما نجد أن السماري جعل من تقنية الحكاية (السالفة) كائناً حيّاً ينافس الراوي في نقل تاريخ المكان، وأوصل بها مراده, وثيمات حكايته, مصحوبة بالشعر النبطي, والعبارات المحلية مثل (اللحية الغانمة), والعادات والتقاليد العربية الضاربة في عمق الثقافة والفولكلور الشعبي لمنطقة نجد وشبه الجزيرة العربية. الرواية ممتلئة بالصور والجُمل الجميلة، والتعريفات البديعة لحياة ما قبل النفط وبعده، وانتهاء زمن الصريم وسواد ليله، وعبارات فلسفية ذات بُعد صحراوي في نظرتها للحياة:" حياتهم أيامٌ طويلة بلا مفاجآت، وربما هذا سر طمأنينتهم، يخشون سوء العاقبة ما دامت لم تقع، أما وقد وقعت فإنهم يطمئنون إلى أنهم لن يتعرضوا لما هو أسوأ منها، كحال الضعفاء لا يقدرون على إنهاء شيء بل ينتظرون نهايته، شعار عجزهم (ما لا يمكن تغيره علينا تحمله، ونُوكِل أمرنا لله). ما أسهل الموت في قريتنا وما أصعب الحياة، ترفيههم يكمن في التنفيس عن حالة الغضب واليأس، فيصبح ضرب الحيوانات والصبية وحتى النساء هو أفضل وسائل تنفيس السخط وتخفيف حالات الخذلان." -"إنها الأقدار، في جمعها بين المتناقضات وتحول المسارات، مع زمن واحد ومكان واحد، وحامل الأقدار شخص واحد، الأقدار هي شمسك التي تشرق، ولا تدري هل ترنو إلى غيابها أم لا؟ وبدر ليلك ولا تدري هل تسامره أم لا؟ وشجرة تزهر وهل تقطف ثمارها أم لا؟ وسحابة تمطر ويبلّلك طلّها، أو ترشّ الماء على ثرى قبرك، ويبكي عليك الأحباب، القدر لا يصيب الرجال إذا فعلوا، ولكن يصيب الذين لم يفعلوا. " - " نقدوا سحمي خمسين روبية كروة مشوارهم من الكويت، وودعهم بابتسامة تملأ محياه، جميل أن تبدأ العلاقة مع أي إنسان بابتسامة، والأجمل أن تنتهي بابتسامة." -" هناك حكمة صينية تقول: ازرع فكرة تحصد حركة، ازرع حركة تحصد شخصية، ازرع شخصية تحصد مصيراً طيباً." نصًا حافل بالرؤى بدءاً من العنوان حتى فصلها الأخير مروراً بالفكرة ووصولاً إلى تشعب الحكاية، تأخذ بتلابيب القارئ بسحر السرد ومنطوق الحكمة والجمال، بناء درامي متماسك، كل ما في الرواية يوحي بدلالاته، لغة رفيعة وشخصيات آسرة، أن تجربة الكاتب تؤكد على تمكنه بقوة مما يكتب، لا يشرد عنه حرف إلا وتعلمه أين يصل، وفق خيوطاً إبداعية تصل بين جوهر المتن وأحداثه، ليكون عقد من نور متكامل الإبداع اسمه (الصريم).
" لكن فرح العطشى وامتنانهم لا يجاريه فرح أو ابتهال، حيث يصبح الارتواء ثناء، وفرح، وفنون، يذهب بهم إلى أقصى درجات السعادة"... عبارة تحدثت عن ندرة المطر والفرح بهدية السماء حين تجود بزخّات تسقي العطاش فتذهب بهم إلى أقصى درجات السعادة... اقتبست هذا القول من رواية "الصريم" للأستاذ "أحمد السماري" لأقارن بين فرح العطشى للماء بالمطر وفرح العطشى للأدب برواية كهذه طال انتظارها لكنّها في النهاية ذهبت بنا إلى أقصى درجات السعادة... "الصريم، روايةٌ بنكهة الأصالة حتى الثمالة... كنز من الحكايات الواقعية التي نحتت من أعماق صحراء الجزيرة، ونحن بأمسّ الحاجة إليها كي نستعيد عبق العطر الأبهى للماضي الذي ميّز عراقتنا ونستدرك فلسفة عميقة حكمت مفاهيم المجتمع دون وعي منه"... وصف صادق للرواية جاء على غلافها، لكنّه، برأيي، لم يفيها حقّها... نعم هي رواية بنكهة الأصالة... رواية بعبق الماضي غير البعيد، إذ دارت أحداثها في منتصف القرن الماضي، لكنّه ماضٍ مختلف جداً عن حاضرنا... رواية بعبير الأخلاق العربية الأصيلة، وبأريج القيم السامية التي طالما تغنيّنا بها من كرم ووفاء وشهامة ونبل... من يعرف الأستاذ أحمد السماري يعرف أنّه قارئ نهم وناقد موضوعي... قارئ لا يكاد ينهي كتاباً حتى يستلم آخر... يقرأ ويطالع ويحلّل وينقد بأناة وصبر ودقّة وموضوعية... كلّ ذلك يجعلك تتوّقع أن تكون روايته الأولى رواية مميّزة جميلة حافلة بخبرته وحكمته وسعة اطلاعه... لكن ما قرأته فاق التوقّعات، إذ جاءت روايته أشبه بموسوعة ثرّة المعارف التاريخية والجغرافية، أرّخت لتلك الفترة الزمنية التي كتبت عنها، وغاصت في جغرافيا تلك المنطقة، نجد والربع الخالي، في وصف جزل جميل مؤثر... رواية مرصّعة بأجمل الحكايات الشعبية سواء منها التي عاصرت أحداث الرواية أم تلك الموغلة في القدم كقصة أبي زيد الهلالي سلامة... ثم تجاوزت تلك الحكايات الشعبية المحلية إلى حكايات أجنبية دارت في أوربا حكاها الرحّالة البريطاني "وليم" ثاني شخصيات الرواية... حكايات أخذتنا في رحلة ممتعة ما بين الكويت والسعودية وصولاً إلى دمشق وتدمر في سورية وحتى أوربا... وللأشعار نصيب كبير في الرواية، إذ وشّاها الروائي بأجمل الأشعار التي تفيض حكمة وجمالاً فجمع جمال المبنى وجمال المعنى... أشعار تفاوتت بين العربية الفصحى للمتنبي والمعري والحطيئة وغيرهم، إلى أشعار باللهجة المحلية زادت في نكهة الأصالة التي ميّزت الرواية، لكنّها بالمقابل لم تخلّ بوضوح معناها خاصة بالنسبة إلى قارئ لا يعرف اللهجة المحلية مثلي، إذ يمكن فهم المغزى العام من السياق دون الحاجة إلى فهم كلّ المفردات... ماذا أخبركم بعد؟.. يكفي أن أقول أنّي عشت تجربة فريدة خلال اليومين الماضيين وأنا أقرأ الرواية... أقلب الصفحات دون كلل أو ملل... أتنقلّ بين حكاياتها وأشعارها ومعلوماتها ومعارفها... أكفكف دموعي وأنا أقرأ تلك التعابير المؤثرة التي زخرت بها الرواية تارة من علاقة البطل بأمّه وأبيه وقريته، وتارة من فرط تأثري بالمواقف النبيلة التي وردت في حكاياتها... أردت أن أقتطف لكم بعض الورود من العبارات التي أعجبتني، فانتابتني الحيرة لكثرتها... لا بدّ لكم من قراءة الرواية كاملة، إذ ليس فيها وردة أجمل من وردة أو عبارة أفضل من غيرها... مع ذلك استقرّ اختياري على هذه المقتطفات: "إنّهم الأجانب الغرباء الهاربون من أقدارهم إلى غربة اختاروها، تموء فيها أحزانهم حتى يكاد صوت الحزن أن يبحّ... في الغربة لا قدرة لأحد أن يحتضن أوجاعه ولا احتواء تبعثره... هم دائماً الدخلاء الهاربون من جراحهم، اللاجئون إلى أوطانهم... إنّ العالم لا يراك أنت الساكن داخل ثياب اللحم والعظم، لا يهتمّ بمقدار ذرّة بآلامك وأحلا��ك وبأحزانك التي تنبض داخلك... الأمر بسيط بقدر ما هو عبثيّ وقاسٍ لدرجة الوجع"... "من يرى الصواب ولا يفعله فهو جبان"... " هكذا أهل الصحارى، يحبّون هذا الزائر البخيل في زيارته لهم، تُلقي به المواسم القصيرة في الدروب، ثم يمضي مسرعاً، فالشمس الحارقة ستبخره سريعاً إلى أصوله الحقيقية في الغيم السماوي، أو تشربه رمالهم الظمأ، لكن فرح العطشى وامتنانهم لا يجاريه فرح أو ابتهال، حيث يصبح الارتواء ثناء، وفرح، وفنون، يذهب بهم إلى أقصى درجات السعادة، عقائدهم بسيطة نقية ومباشرة، لا ينمون رغبتهم في الملكية، فقد علمهم الجفاف أن الملكية قضية فارغة وتعلّموا من الطبيعة أيضاً ألا يلهثوا وراء الحاجات، عندهم الماء والعشب والنار ملكية عامة لأنها ملك الله.".. "لدينا حكمة قديمة يا عزيزي تقول: أحياناً تفوز... وأحياناً تتعلم"... "جميل أن تبدأ العلاقة مع أي إنسان بابتسامة، والأجمل أن تنتهى بابتسامة"... " إنّ قلب الأمّ كالقمر وأفكارها كالنجوم"... "الأقدار هي شمسك التي تشرق، ولا تدري هل ترنو إلى غيابها أم لا؟ وبدر ليلك ولا تدري هل تسامره أم لا؟ وشجرة تزهر وهل تقطف ثمارها أم لا، وسحابة تمطر ويبلّلك طلّها، أو ترشّ الماء على قبرك"... "لن يكون بمقدار أيّ منكم أن يعرف مدى قوّته حتى يوضع تحت الاختبار، ستدرك جيداً حينئذ أنّ حدود قدرتك عالية، وأنّها أعظم ما تملك من هبات... اكتشاف هذه القدرة هو النصر الأعظم على كلّ الآلام، وهي تفوق كلّ المؤهلّات التي اكتسبتموها في حياتكم"... "حكاية تبدأ، وحكاية تنتهي، والأيام تمضي، ولا شيء يدوم"...
"الزمكان ومراوغة السرد في رواية الصريم لأحمد السماري"
يقول د/ يوسف نوفل الناقد الأدبي: "أدب الرحلة حاليا ينتسب إلى عالم المبدعين الروائيين السرديين بينما قديما كان منتسبا للعلماء سواء الجغرافيين، أو المؤرخين، أو كذلك الجيولوجيين، ويمكننا القول بأن الرحلة قديما كانت ملكا للعلماء وأصبحت حاليا ملكا للفنانين والأدباء". أتت رواية أ/ أحمد السماري الموسومة باسم الصريم الصادرة عن دار أثر للنشر والتوزيع في مايو 2021 في طبعة أنيقة مكونة من واحد وتسعين ومائة صفحة من الحجم المتوسط رغم أن هذه هي الرواية الأولى للسماري ولكنها أتت مراوغة تشي في سطورها بأنها رواية تجسد أدب الرحلات وهي تنقل تفاصيل الرحلة البرية من مدينة الأحمدي بالكويت حتى الرياض مروراً بالهفوف وصحراء الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية، وإن كانت الرواية في ما بين سطورها المتتالية قدمت رؤية دقيقة للبيئة المجتمعية في المملكة العربية السعودية في ذلك الزمان مستصحبة الأحلام والرؤى والخذلان والصمود والتغير المتتالي لذلك المجتمع مؤكداً الإلمام الجيد للكاتب بذلك التاريخ الذي ربما سبق مولده وباجتهاده في توفير المادة البحثية لتلك الفترة والتي تميز الموروث الشعبي فيها بالمحكي مع قلة التوثيق الورقي بعيدا عن التوثيق الرسمي. أتى المكان في الرواية مغطيا رقعة واسعة، فإن كانت الرواية قد ركزت على الكويت ثم المنطقة الشرقية انتهاء بالرياض ومروراً بصحراء الربع الخالي ولكن كانت هناك العديد من الإشارات للمنطقة الغربية ممثلة في جدة ومكة، وإشارات لدول ومناطق عربية مثل الشام ومصر وشمال إفريقيا، ولدول أوربية مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا، وهذه المساحة الشاسعة عكست تشابك العالم وارتباطه والتأثير المشترك والتعاطي بين الأمم والشعوب والمصالح المتداخلة فيما بينها، والتأثير المعاصر والتاريخي الذي يمتد لقرون ضاربة في التاريخ وحتى اليوم أتى الزمان في الرواية مرناً بشكل كبير، فرغم أن الزمن الراهن في أحداث الرواية لا يتجاوز الثلاثة أشهر في نهاية العام ثمانية وخمسون وتسعمائة وألف للميلاد ولكن تقنية الاسترجاع قفزت بنا حتى بداية القرن العشرين، وربما أتى اسم الرواية من هذه الفترة بالذات وهي تحكي عن الكوارث التي حدثت خلال تلك الفترة والكم المهول من المآسي التي عاصرها إنسان نجد بشكل عام " وإذا قارنا زماننا الحاضر بما مر علينا في نجد خلال السنين الفارطة، كانت الخمسين سنة الماضية أشبه بالقرون العجاف من ثقلها وكثرة الجوائح والكوارث والمجاعات, التي أصبح يؤرخ بها الزمان فهناك سنة الرحمة حيث تفشى وباء حصد أرواح المئات بالقرية ومئات الآلاف على مستوى نجد والجزيرة، وتعود التسمية لكثرة الترحم على الموتى، حينئذ يُقال "كان حفار القبور ما يرفع ظهره" من كثرة الموتى، خلعت الأبواب الكبيرة لتحويلها إلى نعوش لنقل الجنائز بعد أن تحطمت النعوش المتوفرة. وهناك سنة الجوع، وسنة سأحوت - وهو اسم أحد الأمراض - وسنة الجرب، وسنة الجدري، وسنة الدبا - وهو الجراد - وغيرها." وامتدت بالقفزات الزمنية حتى بداية القرن الواحد والعشرين كما ختم زيد حكايته بنهاية الرواية وهذا جعل من الحدث يركض في تيار الزمن بشكل سريع يخطف الأنفاس في بعض الأوقات ومتمهلاً لدرجة التوقف في أوقات أخرى، كما أن تقنية السرد داخل السرد منحت الراوي مساحة للقفزات الزمنية التي ضربت عميقاً في التاريخ مروراً بالعصور الوسطى وانتهاء بعصر النبوة في إشارات سريعة استدعتها الضرورة السردية فأتت منسجمة وغير مخلة بالسياق السردي. عكست الرواية الحراك الاجتماعي والاقتصادي لفترة الخمسينات في المجتمع السعودي مستصحبة الصعوبات التي كان يواجهها الإنسان في تلك الرقعة الجغرافية ما قبل اكتشاف البترول، وقد قدم الكاتب رؤية مفصلة بكلمات موجزة ذات مضمون ثر وغني. " لقد أتيت من قرية نجدية محاصرة بأسوار الموت: الجوع، والمرض، والعزلة، والجهل، والجفاف. الفقر مستفحل في كل منحى من مناحي قريتي، نتعلم منذ الولادة التدبير والاقتصاد في كل شيء، كل ما يكلف مالًا حتى لو كان قليلًا فهو غالٍ، لا شيء رخيص غير آلام الناس." وكان خيار الاغتراب والبعد عن الوطن بحثاً عن تحسين الوضع الاقتصادي خياراً عقلانياً في ذلك الوقت: "شعرت أنّ خيار الرحيل أكثر أمانًا، وأنّي سأشعر بحال أفضل كغريبٍ في بلد أليف، سأكون أكثر ارتياحًا وسلامًا، ستصاحبني هذه الثنائية، حتى تأتي لحظة الانكسار، لن أفعلها سريعًا، سأظلّ أفكر فيها طويلًا، ستثبّطني الكثير من العلائق الاجتماعية، تلك التي لا تُرخي حبالها سريعًا، وإنما ترتخي بالرحيل حبلًا حبلًا، فاقدًا كل رغبة في العودة مرة أخرى للعيش في هذا المكان” أتت اللغة في الرواية سلسة وسهلة غلبت عليها الفصحى وإن تعمد الكاتب استخدام جمل وعبارات بدوية "اللحية الغانمة" ما أكسب الرواية نكهة خاصة تؤصل للنص وتجعل ارتباطه قوياً بالبلد والناس، كما استعان الكاتب بأبيات من الشعر النبطي وإن صعب فهمها لمن لا يتقن اللهجة السعودية ولكنها بشكل عام لم تخل بالبناء السردي للرواية وربما كانت أكثر استساغة لأهل البلد مع التأكيد على أن الرواية تحلق بعيداً فتطالعها مختلف الشعوب والثقافات في الرقعة الإقليمية التي تتحدث العربية بمختلف لهجاتها. قامت الرواية على بناء يعتمد على تقنية الحكاية "السالفة" داخل الحكاية وربما كان هذا أيضاً بحثاً عن التأصيل ففي الزمن المختار لفضاء الرواية كان للسوالف والحكايات مكانة كبيرة في الأدب الشعبي مصحوبة بالشعر النبطي و العادات والتقاليد العربية الضاربة في عمق الثقافة والفلوكلور الشعبي لمنطقة نجد وشبه الجزيرة العربية، وإن لم تكن الاستعانة بالحكاية هنا عشوائية حسبما أظن، فقد وظف الكاتب الحكاية ليبث العديد من الإشارات الفلسفية ذات الدلالات العميقة عبر الحوارات العديدة التي تعتمد على الحكاية في الأساس بين زيد ووليم الرحالة والمستشرق البريطاني الذي يبحث عن ذاته بين رمال الصحراء. "قبل خمسمائة عام كان هناك عالم عربي عاش في مصر وهو أحد تلاميذ العالم ابن خلدون، اسمه تقي الدين المقريزي، له كتاب عنوانه "إغاثة الأمة بكشف الغمة"، وهو يحلل يشكل علمي دقيق تلك الأسباب للكوارث والنكبات، فوضعها في أربعة أسباب رئيسه سأذكرها بتصرف، أولًا: انعدام التخطيط للمستقبل أو ضعفه، مع سوء اختيار المناصب من الوزراء وأمراء الأقاليم ومن في حكمهم، ثانيًا: غلاء الأطيان، نتيجة التملك العشوائي، والإقطاع لمن لا يستحق، ويرى أن تكون الأطيان بالكراء, شرط الاستغلال الفعلي لها، بدلًا من التملك، لأن في غلائها تضعف الجدوى فيهجر الناس الزراعة لعدم جدواها، فتقل المحاصيل في الأسواق فترتفع أسعارها، وربما تفقد، ثالثًا: رواج العملات ويسمى ذلك في علم الاقتصاد الحديث "التضخم" بسبب عدم إسناد النقود على ما يتوفر من الذهب والفضة، فيكون ورقًا بلا قيمة، ويجب أن يتم السيطرة على سيولة النقود بما يتوفر من إنتاج الزراعة والصناعة، رابعًا: الغش في السلع يولد فساد التجارة بسبب فقدان الثقة بين المشترين والباعة، فتتعطل سلاسل الإمداد للسلع من المزارع إلى المشتري، فلذلك يطلب تفعيل عمل أهل الحسبة في مراقبة الكيل والجودة، وما يسمى حديثًا "مراقبة الأسواق"، وضبط الموصفات والمقاييس وسلامة المحاصيل" الرواية في عمومها أتت محتشدة باللغة الشاعرية الجميلة والتشبيهات المدهشة ما يضعها في مصاف الأعمال المكتوبة بإتقان ودراية مدللة على إتقان الكاتب واطلاعه الواسع " إن الغربة يا أمي ليست إرادة وإنَّمـا إجبار، فلا أحد يحب العزلة أو يستأنس بالوحشة، ولكنه الخذلان يجعلك تبحث في نفسك عما يُغنيك عن الناس، لأن في وجودهم عدمًا، وفي غيابك عنهم احتمالية للوجود." " مدّوا فرشهم وتوسد كلٌّ همهُ وأحلامه، شخصوا بعيونهم نحو النجوم، وناموا وأصوات تحتحة السيل في وادي قريته العطشى في نجد تداعب خيالاته، وهسهسته وهو ينساب في سواقي مزرعته بصفاء وخفاء، يسمعها زيد في منامه، وهو يمشي تحت فيء أشجار نخيلها وأطراف سعفها يحتك بعضها ببعض بلطف مع نسيم رقيق لا يُشعر به، ومن تحت السعف تصدر صريرًا يحدث صوتًا خفيفًا كما لو أن النخيل يخبر بعضُه بعضًا باستبشار عودة صاحب الجنة إليها بعد غياب." محمد الطيب يوسف كاتب وروائي سوداني Asasi2504@gmail.com
الصريم... أحمد السماري.... تعد رواية الصريم المولود الأدبي الأول لقلم الروائي والكاتب السعودي "أحمد السماري"....والصادرة عن دار أثر عام ٢٠٢١م.... في سطور هذا العمل يتعانق التاريخ والأدب ليشكلا معا بساط سندباد الذي يجول بالقارىء هنا وهناك ليطلعه على أجمل ما في البلدان من قصص وحكايا...وهكذا "الصريم" تأخذنا برحلة استكشافية استثنائية عبر جنبات التاريخ وتحديدا مناحي شبه الجزيرة العربية من نجد والرياض وصحراء الربع الخالي وما بينها من مواضع وأصقاع....معرجة على الكويت أرض الباحثين عن وجهة لتحقيق الأحلام والأمنيات العالقة...فضاؤها الزماني خمسينيات وستينيات القرن المنصرم الذي شهد ولادة دول وإعادة الحياة إليها من جديد وموت أنظمة أخرى ولت بأحكامها وقوانينها... في هذه الرواية يحاول الكاتب ولوج عتبات الأمكنة التي تعبق برائحة الأصالة والعادات والتقاليد المندثر أكثرها عبر الشخوص....فالمكان لا قيمة له دون مُعَرف له يعيد إليه الروح...فالبيت دون ساكنيه خواء...وهنا يتجلى ذكاء الروائي وفطنته أن جعل من القلم طريقه إلى القديم الذي بات مجهولا مع التقدم العلمي المتسارع الذي يشهده العالم اليوم....فأعاد إحياءه من جديد عبر زيد العربي العائد إلى منطقته القريبة من الرياض و ويليام المستكشف الأجنبي الذي أتى بمهمة لصالح الجمعية الجغرافية بلندن لدراسة المنطقة عن قرب وكتابة تقارير وافية عنها....حاول أن يستدرج القديم بمتضادين اثنين : العربي والأجنبي...لم يرد أن يكون منحازا صريحا لعروبته وتاريخها العريق....بل أراد لها أن تكون انسيابية آتية لا محالة من خلال شهادة ويليام الغربي المنبهر بالحضارة العربية ....الذي يهوى غضب الصحراء ويشتاق إلى الأمم البائدة المنصرمة... زيد العائد إلى وطنه يلتقي بوليام الرحالة _كما يحب أن يكون_ يجمعهما القدر ليشكلا معا وجهي الحضارة بشقيها القديم والحديث.... أحاديثهما محور الرواية....وقصصهما في ليالي السمر نواتها....كل يخبر صاحبه بما في جعبته من الموروث الأدبي المحكي آنذاك...بما فيه من نفيس العبارة ودرة البلاغة...ليمنحا بذلك القارىء تذكرة مجانية لزيارة أهل الصحراء والتعرف على مناقبهم وصفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم والاطلاع على تجليات الفطنة والفراسة والدهاء التي اشتهروا بها...وما جبلوا عليه من الكرم والجود وحسن الضيافة...إنها قصص ألف ليلة وليلة بتوابل عربية خالصة... وقصائد لا يفقه مفرداتها إلا من هام بعروبته...مضافا إليها المطيبات الشرقية التي تميزها عن غيرها من الثقافات...هذه الروايات والحكايا التي تشكل ذخيرة العقل العربي الذي نشأ بين الجبال والأودية الوعرة والصحارى القاسية...الذي وعى بعقله الباطن او حتى عاصر قسوة الحياة وضنكها آنذاك...مستذكرا تحدياتها ومراراتها وخيباتها التي طالت الأرض والإنسان على حد سواء...فنما عوده صلبا كصلابة مناخها ....عميقا عمق أراضيها...معطاء عطاء دِيَمها المحملة بالأمطار....هو الانعكاس الحي لكل مُعاش كان سلسا أم صعبا .... الصريم....دوما ما يلفتني العنوان وبجعلني أقف عنده كثيرا باحثة عن الصلة بينه وبين أوراق الرواية وسطورها... من معاني الصريم في اللغة ...صَرِيمٌ مِنَ اللَّيْلِ : قِطْعَةٌ مِنْهُ...وهو المعنى الذي وجدته الأكثر قربا من جو الرواية العام وسياقها.... فالمتتبع لأحداثها يلحظ القتامة التي غلفت المجتمع وقتذاك بما آل إليه من فقر مدقع وحاجة ماسة... وأراض أمست قاحلة من بعد خضرة ...وعوز طالت الجميع أنيابه...فصارت الصريم تعبيرا عن سنوات عجاف عاشها أهل المنطقة بلوعة وحسرة وخذلان.... وماذا أيضا....؟؟؟؟ هل هذه هي الصريم فقط....؟؟؟ لا لا أظن ذلك....هي رمز أكثر بعدا وتعبير أعمق...لم يقع اختيار الكاتب عليها عبثا....بل جاءت منسجمة تمام الانسجام مع شخصيتي العمل الرئيسيتين وما دار بينهما من محاوارات وقصص متبادلة تكشف عن عصور الظلام التي عاشتها أوروبا فيما مضى ....والتحضر والنور اللذين كان يرتع بهما العرب المسلمون...فكانوا المثال الذي يحتذى ...والمكان الذي يُشتهى... زيد الذي تختزن ذاكرته عناء العوائل في قريته ....ومحطات سنينه المتعبة ... وأحلامه المنسية....ما زالت زاخرة بقصص الآباء والأجداد التي صقلت شخصيته وهذبت خلقه وأمدته بغير قليل من المعرفة التي مكنته من التعامل مع العالم الخارجي فيما بعد....يقابله ويليام الباحث عن الحقيقة البكر التي يود أن يكون أول من يقف على أسرارها ومفاتنها....إنه العلم الذي أمست تنعم به الحضارة الغربية....وهو في الوقت ذاته المشدوه أمام مجاهل الأرض التي ما زالت حبلى بالمفاجآت والألغاز...والتي لا تعطي مفاتيحها إلا لمن أخلص في عشقها وهام بحروف معانيها... الصريم هي الظلام الحالك والسواد الأعظم والرؤية القاصرة وكل شي لا لون له ولا رائحة....هي ليست مفردة...بل هي سنوات ظلت شاهدة على ما حدث يوما وما زال مرويا على لسان من عايشوه وسمعوا عنه...وحالة فكرية تشير إلى التخلف المعرفي والخلقي الذي يحتاج إلى الكثير من المتابعة للتخلص من تبعاته...وبالمحصلة هي كل ظلام دامس ما زالت ترزح تحته بعض الأمم والأشخاص ممن هم بحاجة إلى من ينتشلهم ويعيدهم إلى النور رويدا رويدا.... إنها كل سلبية يقابلها إيجابية....وكل خير يقابله شر....وكل جهل يقابله علم... رواية تاريخية تعبق برائحة المكان الذي غادرناه .... والحياة التي بتنا نحِنّ إليها .... والأصالة التي صرنا نفتقدها بانسلاخنا عنها وانشغالنا بمعطيات العصر ذات الشكل الصوري... لها لذة خاصة لا يتذوقها إلا من يعشق المسك والبخور والعنبر وعطور الطبيعة الحرة متمازجة بأبخرة القهوة العربية التي تعبق بها كل صفحة من صفحاتها....هي سيمفونية نجد والحجاز وقبائل العرب التي ما زلنا نحفظ قوافيهم و نتغنى بإرثهم.... رواية أثارت أشجاني لأنها لامست محبة التاريخ عندي وداعبته....أنصح بها لمن يبحث عن التاريخ بصورة الأدب....
يرى الفيلسوف الأماني ليسينج أنّ الرِّواية هي «فنّ الزمن، مثلها مثل الموسيقى، وذلك بالقيّاس إلى فنون الحيّز كالرّسم والنّقش». فهي شاهدةٌ على عصرها، وعلى كلّ العصور، إذْ أنّها تحفظُ تاريخ الشُعوب وتسجّل انتكاساتهم ونجاحاتهم، وكلّ ما يمكنُ تدوينه كشيءٍ يوثّقُ لحقبةٍ زمنية بعينها. إذ إننا نستدلّ مِن خلال بعض النتاجات الأدبية على ملامح تُشكِّلُ تاريخ بلد ما، سواءً بلداننا العربية التّي نتشاركُ معها اللغة ذاتها، أو البُلدان الأجنبية. فالذي يطّلعُ على ثقافة شعبٍ آخر مِن خلال رؤية شاملة بين الماضي والحاضر، تتكوّن لديه فكرةٌ حقيقية عن غيره. فالأدبُ وُجد ليكسر كلّ هذه الحواجز، ليدعو بالأخير إلى الفكر الإنساني الحُر، الذي يُمجّد الإنسان فقط. وانطلاقاً مِن هذه الفكرة قدّم الروائي السعودي أحمد السماري أوّل أعماله الأدبية «الصريم» (دار أثر للنشر والتوزيع بالسعودية، 2021)، إذْ أنها تتناول تاريخ الجزيرة العربية من رؤية أدبية تستندُ إلى الواقع الذي أرى أنّه يستمدُّ قوّته مِن سيرة الكاتب نفسه، كي تقدّم روائيّاً تاريخَ نجد في خمسنيات القرن الماضي، مُرتكزاً على ملامح تشكّل الحياة ما قبل النفط وبعده، والتحولات التي طرأتْ على المُجتمع، وذلك من خلال شخصيّة محورية هي زيد بن عثمان والإنجليزي وليم المكلف بدراسة علمية عن نجد. خلقَ الكاتب شخصيّة وليم داخل المتن الروائي ليُقدّم للقارئ صورةً حقيقيّة عن تلك المنطقة من وجهة نظر الأجنبي، وتصوراته عنها، وذلك من خلال تداول الحكي بينه وبين زيد الذي يجعلُ القارئ غير المُلم بطبيعة تلك المنطقة يسافر معه إلى أقاصي الصحراء حيث نجْد قبل اكتشاف البترول إلى يومنا هذا. في هذه الرواية انطلقَ الكاتب من الواقع، وكأنه -كما ذكرتُ سابقاً- دوّن سيرته الشخصيّة، ضمن عملٍ أدبيّ، إذْ أنّه يورّط القارئ كعضو فاعل بالنصّ، ليُقدّم قراءةً لتلك الفترة، ولما كانتْ تعيشه نجْد مِن فقر، ومرض، وجهل، وعزلة لا تطاق عن كلّ شيء له علاقة بالعالم وبالحياة، كحقٍّ بشريّ، إذ يقول في عبارة مؤلمة: «كل ما يكلّف مالاً حتّى لو كان قليلاً فهو غالٍ، لا شيء رخيص غير آلام الناس.' يلتقط القارئ من خلال الكتاب قسوة حياة أهلِ نجْد في تلك الفترة، وتصدّيهم للأزمات التي ألمّت بهم والنهوض بأنفسهم. نقرأ: «إذا بقينا على هذه الحال فسوفَ نبقى في عصور الظّلام وخارج التاريخ، البوَّابة الوحيدة للدخول إلى العالم هي بالعِلم والتعلّم». إذْ يرى الروائي أن التغيير يبدأ من الذّات. كما أن الرواية تنتقد أوروبا، وكيف كانتْ تعيشُ ذلك الوقت: «ظلّتْ أوروبَّا المسيحيَّة في تلك الفترة مِن بداياتِ الظَّلام في القرون الوسطى لا تكادُ تملكُ فهماً يُعتَدُّ به لقوانين الطَّبيعة المؤثِّرة على الإنسان، أو لأسبابِ تفشِّي الأوبئة التي تهلكُ الحرثَ والنسل، أو لقواعد المِلاحة البحرية وفنونها، أو حتَّى لطرائق تحديدِ المواقيت الزَّمنية باللّيل أو بالنَّهار».
يتحدّثُ السماري في روايته عن رحلة زيد إلى الكويت والصعوبات التي واجهته في سبيل أن يُحسّن من وضعيته، فالكاتب يقولُ على لسان زيد مخاطباً أمّه قائلاً: «إنّ الغربة يا أمّي ليستْ إرادة وإنّما إجبار». في الرِّواية انتقاد لمَن يتمسّك بكلّ ما له علاقة بماضيه معتقداً أنّ ذلك من الأصالة، في حين أنّ الأصالةَ الحقيقية هي الانفتاح على الآخر، ليس تقليداً له وإنما نتعلّم منه ما يفيدُ نحو التغير إلى الأفضل بدل البُكاء على الأطلال، ولعلّ القارئ سيكتشفُ ذلك من خلال وليم الإنجليزي وصديقه زيد النجدي. غير أنّ لوليم رأيه الخاص في هذا الشأن، إذ يقول: «نحنُ في الغرب استفَدنا مِن علم العرب كثيراً».
ومن هنا تبدو فكرة الرِّواية واضحة: الإنسان في حاجة إلى التعلّم من غيره، ما يساعد البشر على تكوين مجتمعاتٍ سليمة وصحية لا عنصريّة ولا حروب تفرّق بينها. الرِّواية أيضاً تحتفي بكلّ ما يجعلُ القارئ يشعرُ أنّه في نجْد، يشربُ القهوة العربية، ويستمتع بسماع الشعر النبطي تحت نخيلها الذي عبّر عنه الكاتب بجملة لها رمزياتها: «إلّا صديقتي النخلة وجدتُها ساقطةً على الساقية وقد صنعتْ جسراً أمرّ مِن فوقه لأدخل المزرعة.. ما أكرمك مِن نخلة». في الرواية عبارة جميلة تختصر الكثير مما قاله الروائي على لسان الراوي حينما تطرق إلى رحلة زيد إلى الكويت، وذلك الأشياء الإيجابية التي تتميز بها دولة الكويت: من أمن، واستقرار وخدمات، وتعليم إذ يقول: «مياههم مالحة ولكن ملافظ أهلها أعذب من الماء الرقراق». اتخذت هذه الرواية شكل أدب الرحلات، لكنّها أيضاً سيرة توثّق للمكان، وبين هذا وذاك نجدُ أنفسنا كقُراء منسجمين في الحكي الذي يأخذنا إلى أقاصي الصحراء، حيثُ تظلّ البدواة رمز الأصالة رغم المشاكل التّي كانتْ تعيشها نجْد آنذاك، لكن الرواية في الوقت نفسه تعطيك درساً في العزيمة التي تقود للتغيير. كما أنّها تمثل إطلالة على تاريخ تلك المنطقة لغير أهلها. جاءت «الصريم» لتقول إنّ الأدب قادرٌ على خلق صلة رحم أخرى بين بني البشر، وإن تعرفك على معاناة غيرك في سبيل أن يحقّق النجاح، هي حافز لك، وتجعلك في الوقتِ نفسه تدرك أن لا شيء يأتي بسهولة، ما يحيلني إلى قول أحمد شوقي: 'وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابا. سارة سليم الرابط: https://alrai.com/article/10710521/%D... #الصريم #أحمد_السماري #دار_أثر
الرواية مقسمة لثلاث فصول الأول : ريح الندي قدامه ، والعج قافيها نتعرف على زيد الفتي النجدي الذي يعمل في دولة الكويت طلبا للرزق وفي العام ١٩٦٠يقرر العودة بعد الغربة للمرة الثانية إلي أهله وبلده بعد ثلاث سنوات من الغربة يريد رؤية أمه واخوته وكذلك زوجته وابنه الذي تركه قبل أن يري ولادته يعمل زيد في أحد الشركات في قيادة الشاحنات والمعدات الصغيرة والكبيرة بعد أن انهي عمله واستلم أوراقه قرر الذهاب للمدينة والإقامة في أحد الفنادق لمدة يومين لشراء هدايا لعائلته تجمعه الصدفه في نفس الفندق بالسيد وليم الرحالة الانجليزي الذي يرغب بزيارة اراضي نجد لدراسة تلك المنطقة والكتابة عنها فيوافق زيد علي مرافقته اولا لمقابلة الملك سعود وبعد ذلك الذهاب لأهله بعد أن جهزوا العتاد لرحلة مقدارها خمسة أيام واربع ليال يسهر زيد ووليم كل ليلة يقص كل منهم حكاية للآخر فيقص وليم قصة الأميرة الأوربية التي رفضت ملوك العالم وتزوجت بدويا وهي الليدي جين دغبي ، وفي ليلة أخري يحكي زيد عن وادي الذئاب وتتوالي القصص الغنية بالاحداث حتي يصلوا الي الوفد الذي سوف يرافقهم لمقابلة الملك
الفصل الثاني : زيد والصريم يعود زيد بالذاكرة ليقص لنا حكايته منذ الطفولة وبعد وفاة والده أصبح مسئول عن عائلته أمه وأخيه سعود واخته جوهرة وعمله كمساعد بناء والوقوف أمام أعمامه لاخذ حقه في أرثه ، وحكاية الحب الاول وطفي البدوية ، بعد مشاكله مع عمه الأكبر يقرر الرحيل للمرة الأولى إلي الكويت، يقص كيف كانت الرحلة وعمله في البناء وبعد سنتين من الغربة يقرر العودة إلى نجد، بعد العودة والاستقرار وتغير حال الأسرة وزواج زيد يقرر مرة أخري العودة للكويت والعمل هذه المرة في شركة الاحمدي وليس في مجال البناء
الفصل الثالث والاخير : الربع الخالي
نعود مرة أخرى لنكمل رحلة زيد ووليم ونكمل باقي حكايات السهر فنتعرف علي جون فيلبي أو عبد الله فيلبي وهو أعظم مستكشف واول ورحاله غربي في الصحراء ،وايضا المستشرق الهولندي الذي خدع الجميع بإسلامه للدخول وتصوير الكعبة وهو كريستيان هروخونيه تلك كانت حكايات وليم ، في المقابل كان يقص عليه زيد حكايته عن أرضه وكرم العرب وأهل الصحراء وكيف يعيش أهل الصحراء وتقاليدهم
تنتهي الرواية بعودة زيد لأهله ومقابلة وليم للملك سعود
اعجبتني جدا أجواء الرحلة والأشعار في كل فصل وكذلك اللغة وحكايات الكرم عن أهل الصحراء بالرغم من صرامتهم وطريقة عيشهم
اسم الكتاب: الصريم المؤلف: أحمد السماري الصفحات: 190 رقم الكتاب: 293
يأخذنا الكتاب في حكايةٍ قديمةٍ عن تاجرٍ يُدعى زيد بن عثمان، اضطر إلى الاعتماد على نفسه، وإعالة عائلته من صغره نظراً لوفاة أبوه، ولطغيان أعمامه عليه، فارتحل للكويت ليعمل هناك ردحاً من الزمان، ثم يعود لقريته، ومن ثم تتبدل الأحوال ويعاود السفر والعمل في الكويت لسنوات طوال، وحينما يستعد للسفر إلى قريته، يرافقه في الرحلة رحّالة بريطاني، يود زيارة السعودية والالتقاء بالملك سعود، ونرافق رحلة زيد والبريطاني، طوال رحلة خروجهم من الكويت، ووصولهم للأحساء، وجولتهم في ربوع الربع الخالي، ثم وصولهم إلى الرياض ولقاء الملك، إلخ..
رواية ومشوقة وممتعة، وفريدة، فهي تجمع بين حكايا العرب ومواقفهم الرجولية والشهمة، وبين الأبيات الفصيحة والنبطية، وعدد من الحقائق والمعلومات التاريخية، وأصالة البداوة، وجمالها، وجوانب أخرى مختلفة.
قد يعيبها بروز بعض الأخطاء المطبعية فيها وهي غير مقصودة بطبيعة الحال، وبلا شك سيتم تنقيحها في الطبعات القادمة بإذن الله.
استمتعت بهذا العمل الرائع، للأستاذ أحمد السماري.
اقتباسات: "الفلسفة والأدب والفن لغات، واللغة وعي واقعي للأفراد وللأمم. فمن خلال اللغة تكتشف الأمة نفسها بأنها واعية، هي أبجدية التساؤل، نتعلمها طول العمر، إذ لا مكان في خريطة التقدم المعاصر، لأية أمة دون فن ودون آداب، ودون فلسفة للآداب والفنون لديها."
"إن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي «اقرأ»، والقراءة رسالة عظيمة للإنسان أولاً، وللشعوب التي بمقدار كسبها للمعرفة ترتقي في سلم الحضارة، ثانياً الكتاب هو النور الذي يرشدك إلى آفاق التقدم أفراداً ومجتمعات."
"البوابة الوحيدة للدخول إلى العالم هي بالعلم والتعلم، الكتب ليست ترف الحياة، بل هي من الضروريات مثل الطعام والشراب والملبس، عندما يصبح في كل بيت عربي مكتبة منزلية يمكن القول بأننا قومٌ متحضرون، ولا رفعة لشعبٍ في مراتب الحضارة إلا بالحصول على علوم وصفات جديدة، التغيير يبدأ من الذات."
"في الغربة لا قدرة لأحد أن يحتضن أوجاعه ولا احتواء تبعثره، هم دائماً الدخلاء الهاربون من جراحهم، اللاجئون من أوطانهم، إن العالم لا يراك أنت الساكن داخل ثياب اللحم والعظم، لا يهتم بمقدار ذرّة بآلامك وأحلامك، وبأحزانك التي تنبض داخلك، الأمر بسيط بقدر ما هو عبثي وقاسٍ لدرجة الوجع."
لم أتوقف عن قراءة الصريم إلا وأنا متعطش للمزيد منه لجمال اللغة ووصف الماضي حتى الثمالة. الصريم هي أبعد من كونها رواية وأقرب لتكون سرد تاريخياً للماضي وتوثيق لأبرز الأحداث التي حدثت في بحر عام 1950م، لم أجد بين ثنايا الصفحات شخصيات معقدة، أو صراعات تشد انتبهاك، بل ستقرأ حكاية هادئة (مأخذوه من الواقع) عن بطلنا زيد الذي ضاقت به السبل في نجد ليذهب إلى الكويت ليسترزق منها، فأتت اللحظة التي يعود فيها إلى حضن أمه زوجته بعد عامين من الفراق. وقبل أن رحلة العودة تعرف فيها على الرحالة البريطاني وليم، هو الآخر مستعد للرحيل إلى الرياض تلبيةً لدعوة من الملك سعود -رحمه الله- حينها تنطلق رحلة جميلة تتولد بينهما صداقة نادرة وحكايات يتلونها على بعضهما البعض قبل النوم. في الصريم وفي الفصل الثاني قرأت أعمق وأصدق وصف لحياة البشر في الماضي، حينما كان زيد يصف فيه حياة قريته التي تشبه العشرات من القرى في السعودية، لا يختلون عن بعض إلا بتضاريسها، ويشتركون جميعاً في مشقة العيش والحياة في ذاك الزمن، وصف الموت وانتشار الأوبئة، بكاء الأطفال من الجوع، حديثهم وأفكارهم الذي لا يبعد عن الجن والعفاريت! حتى أن الشاعر المصري علي الجندي وصف حالنا بقصيدة أتتني عنكم الأنباء تترى فإن صحت فقد عظم البلاء أحقاً أنكم بتم جياعاً ولولاكم لما عُرف السخاء إلى آخر القصيدة المذكورة في الرواية.. كذلك في الصريم ستقرأ عن معلومات مختصرة تاريخية تم إضافتها بطريقة ذكية، كأن يقصها ويلم على زيد أو العكس. بإيجاز الصريم لم أندم على قراءته، ولو كنت أتمنى بحكم عشقي للروايات ذات الأحداث المعقدة والشيقة، إلى أن الصريم استطاعت لفت انتباهي وإنهائه في وقت قصير لتلك المزايا التي ذكرتها سابقاً. وسألخصها الآن. اللغة، الرحلة، الأحداث التاريخية بشكل مختصر، القصائد، الحِكَم. بالمناسبة أحد أسباب سفر زيد للكويت هو ما حدث في نجد سنة الهدم، عندما استمرت الأمطار في الهطول دون توقف لأسابيع. وسبق أن قرأت ولخصت رواية هَدَام التي وصفت الأحداث بتفصيل في طابع روائي جميل
"-الرحالة أشخاص فضوليون ، دائبو الحركة، ولكنهم في الغالب لا يفطنون إلى أنهم إنما يبحثون عن أنفسهم التي لم يتعرفوا عليها بعد، ربما حين يتعرفون عليها يموت الشغف . " رواية لطيفة عن حقبة صعبة تزخر بــ " العلوم الغانمة"
الحديث عن الصحراء اشبه بالحديث عن المتاهة التي يغرق فيها المرء ولايكتشف طريق العودة الا بعد ان يكتشف ذاته الرواية تتحدث عن المستشرقين و عن رحلة معينة لبطل الرواية : رحلة لابد له ان يخوضها و يصفي حساباته مع الحياة
رواية جميلة تشعر اثناء قراءتها بمئة شعور متناقض! بالدف والأسى، بالحب والإنزعاج، بالإنتماء والإنفصال، لكن مع ذلك ممتعة. أتشوق لقراءة ما يكتبة السماري مره اخرى
في رواية الصريم، لا يقدّم أحمد السماري مجرد حكاية، بل يفتح للقارئ بوابة واسعة نحو زمن يتكئ على الرمال المتحركة في ذاكرة الجزيرة العربية، حيث كانت الحياة تُبنى على البساطة، وتتقاطع في تفاصيلها أسئلة الغربة والانتماء، الرحلة والعودة، الصمت والتحول.
بأسلوب سردي مشغول بعناية، ولغة تتراوح بين الدقة التوثيقية والانسياب الشعري، يرسم السماري ملامح مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة: خمسينيات القرن الماضي، حين كان التحول قادمًا من الأفق، والناس على عتبات التغير الكبير. من الكويت إلى نجد، ومن الغربة إلى احتمالات العودة، يتتبع القارئ خُطى "زيد بن عثمان" لا كبطل فردي، بل كصوت لجيلٍ كامل وُضع بين زمنين.
الصريم ليست فقط توثيقًا لمرحلة، بل محاولة لإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية برؤية سردية رصينة، تبتعد عن النوستالجيا المباشرة، وتذهب عميقًا في تحليل ما تغيّر، وما ضاع، وما بقي أثره في الوجدان.