تتوغل رواية "الكل يقول أحبك" في نفوس خمسة مهاجرين عرب مقيمين في كندا وأمريكا، جميعهم مثقفون في منتصف العمر، ينتمون إلى الطبقة الوسطى اجتماعياً. تتابع الرواية منعطفات حيواتهم العاطفية وتعرض خواطرهم حول مسار حيواتهم واختياراتهم والاسئلة التي تحيرهم عن الحب والخيانة. يقابل الشخصيات الخمس بعضهم البعض في وسائل نقل مختلفة – قطار وطائرة وعلى الطريق السريع – وتتقاطع مصائرهم وتتشابه. نخوض في عالم كل شخصية ونستمع إلى بوحها، ثم تظهر هذه الشخصية في قصة أخرى، كشخصية ثانوية، وبذلك تخلق الرواية واقعاً معقداً مكوناً من وجهات نظر عديدة. يخوض كل منهم صراعاً مع قضايا اللغة والهوية والاندماج في الوطن الجديد، بينما تربطهم بأوطانهم الأولى زيارات سنوية أو ذكريات مؤلمة لأحداث مأساوية أو نشاطات سياسية.
مي التلمساني كاتبة وروائية مصرية من مواليد القاهرة. تعمل أستاذاً للدراسات العربية والسينمائية في جامعة أوتاوا بكندا. نشرت لها أربع روايات هي "دنيا زاد" (1997)، "هليوبوليس" (2000)، "أكابيللا" (2012) و"الكل يقول أحبك" (2021)، وثلاث مجموعات قصصية. ترجمت روايتها "دنيا زاد" إلى ثماني لغات وحازت على جوائز في مصر وفرنسا. نشرت أبحاثها الأكاديمية في مجالات السينما والفنون والثقافات الشعبية. في عام 2021 حصلت على وسام الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية برتبة فارس، اعترافاً بجهودها بمجالات الثقافة والفنون والآداب
هناك حياة نتقاسمها مع الآخرين نبحث لها عن لغة مشتركة هناك حياة داخلنا في أحلام وخيال وتصورات وأفكار تظل خارج دائرة الاتصال مع أحد هناك قطار نستقله بين بيت لا نملكه وعمل يملكنا هناك مقعد نجلس فيه يحتوي جسدا متعبا هناك عقل حائر مرهق لكنه يملك القدرة على إعادة صياغة العالم الصغير في صفحته غير المرئية لرفاق الرحلة نسنطيع إدارة دفة المتخيّل لتستحضر لنا صورتنا التي كانت وحينما تأتي تلك الصورة سيكون بإمكانها أن تتطلع إلينا بوصفنا ما يمكن أن تكون وبين الصورتين وطن ننظر إليه لعله ينتظرنا ووطن نحاول إدراكه عله يستطيع أن يتفهّم جيولوجيا أرواحنا المغتربة وهناك بيت نحتاج إليه ونحتاج للخروج منه وهناك حوار لم نقله أبدا لمن يشاركنا السكنى المشغول بمونولوجه الداخلي نبوح حين يدير كل ظهره للآخر وحين نلتقي وجها لوجه نتخيل أن أمامنا شخصا آخر فهناك متخيّلات تفرض نفسها علينا حين نظن أننا ننتشي بالواقع وهناك فراغ بيننا وبين صورتنا التي نتصوّرها وهناك تمزّق وتشتت وصور تتلاحق ورائحة تنبعث من طعام شرقي في أقصى الغرب وهناك استراتيجية لخطاب مغترب يتخفى في صوت آخر تعلّم أن يحتفظ بوطن حقيقي خارج حروف البوح وأن ينتظر بدائل عاطفية لا ترويه ويعود لسياج اجتماعية لا تحميه يبقى الفن في فيلم تسعيني تحاول بطلته لم شمل الأسرة وأغنية قديمة أبيض وأسود لعالم سحري واضح لم تغيّره الألوان أصبح وجوده الآن تقنية مفتعلة لزمن لن يعود أبدا ورواية عن خمس شخصيات متقاطعة الملامح لأديبة تنتمي لبيئة صحراوية قديمة اسمها من حقل الماء ولقبها علامة انتماء واغتراب وكتابتها الروائية تتشبث بالسينما التي تراود خيالها العائلي الرحب
الكل يقول أحبك..رواية للكاتبة المصرية والأكاديمية مي التلمساني وعلي الرغم من العنوان السئ الذي يشبه روايات المراهقين قررت أقراها بما إنها دخلت القائمة الطويلة لترشيحات البوكر...
رواية مفيهاش أي حاجة مميزة...لغة عادية جداً ...سرد مفيهوش جديد..اعتمدت الكاتبة علي تعدد الاصوات و كل واحد منهم بيحكي حبة حكايات..معظمها تافهة و ملهاش هدف.. مفيش حبكة تقريباً أو لو موجودة فهي ساذجة كلها...
رواية للنسيان وقراءتها تضييع للوقت! يا بوكر ..هل من مزيد من النوعيه دي ولا ايه؟ والله عارفة الأجابة :)
القراءة العاشرة ضمن قائمة الكتب التي ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربيّة 2023م.
"الكل يقول أحبك" | أزمنة من الشتات والذكريات في دوائر من العلاقات المعقدة في المنفى.
رواية من أدب الهجرة والشتات ، جعلت منها كاتبتها منصّة اعتراف لشخصيّاتها المُركبة التي تنحدر من جغرافيّات مختلفة كمصر ، والجزائر ، وسوريا ، وامريكا ، وكندا ، تجمعهم غربتهم عن أوطانهم ، مصائرهم مشتركة يجمعها الإغتراب الداخلي والخارجي ، يقبعون في مناطقهم الداخليّة الشائكة ، يبحثون عن الحب الحقيقي في كل لحظة هاربة ، ويعانون جميعاً من ضائقة الحب.
يقول إدوارد سعيد عن حياة المنفى والغربة " المنفى لايمكن أبداً أن يكون حالة رضى عن النفس ، وإطمئنان ، واستقرار ، المنفى بكلمات الشاعر الأمريكي دالاس ستيفنز هو ذهنية الشتاء ، حيث تكون عواطف الصيف والخريف ، مثل العواطف الكامنة للربيع قريبة ، ولكنها لست في المنال ، المنفى هو الحياة خارج النظام المألوف".
هنا لا مكان للأعراف ، والهويّات ، والمذهبيّات ، والقوميّات ، فجميعم يتشابهون في أفعالهم ، وأحاديثهم ، وأحلامهم ، حتى في طبخاتهم ، وتلك اللقاءات الصغيرة التي تجمعهم في المطارات ، والقطارات ، ومحطات النقل ، والتي غالباً ماتكون سطحيّة زائلة.
تعجنهم الآثار الإجتماعية ، والإقتصاديّة ، والسياسيّة ، والنفسيّة المُتباينة نفسها والتي تؤثر عليهم ، وتدخلهم في تلك الدوائر المغلقة والمضطربة.
الصور ناقصة ، والمعنى غير مكتمل مما يجعلهم دائماً في حالة من اللهاث والخوف ، في سعيّ دؤوب للعثور على من يقولون له ، ويقول لهم أحبك .
لم أستطيع أن أتخطى ذلك التحرّر الذي اتصف به الجميع في كافة علاقاتهم وخاصة العلاقات خارج إطار الزواج والعلاقات الجنسيّة ، بدعوى الألفة والصداقة ، أو نضوب العلاقة مع الشريك لملء الإحتياج والفراغ ، فقد ظهرت هذه التيمة في الرواية لتميّز الكل ، وكأن هذه العلاقات أصبحت عاديّة ويجب علينا تقبلها.
أن تترشح للبوكر فذلك مدعاة للتفكير ، أما أن تفوز وهذا غير مستبعد على لجان البوكر بناء على نتائج بعض السنوات السابقة ، فإن ذلك سيؤكد أن وراء الأكمة ما ورائها.
حكايات المغتربين، الجيل الأول والثاني، من يتذكر الوطن ومن ينساه او يتناساه. هل يظل الاغتراب علامة مميزة للمغترب لا يستطيع الفرار منها، تؤثر دوما على حياته واختياراته؟ هل يظل مهموما بهموم الوطن، تتلبسه عقدة الشعور بالذنب لتركه اهله وناسه.
شذرات ومواقف متفرقة من حياة ابطال الرواية، تتشابك وتتشابه، ولحظات انكشاف وصدق مع النفس، ولحظات خداع وهروب. الحب هل هو موجود حقا، أم تتغلب عليه المصالح والأمر الواقع، والتعايش والاستسلام للحياة.
استخدمت الكاتبة اسلوب تعدد الرواة - الذي أراه كثيرا هذه الأيام - تحدثت كل شخصية عن المحطات الفاصلة في حياتها وما يزعجها ويشغل بالها، عن الماضي والحاضر والمستقبل، أخذت العلاقات العاطفية مكانة كبيرة ربما لأننا نهرب بها وإليها من هم اكبر حجما واشق حملا.
❞ تسألني الطبيبة النفسية التي عينتها وزارة الهجرة لمتابعة حالتي كلاجئ سياسي: من تقصد بكلمة نحن؟ فأجيب: نحن أبناء الوطن الواحد ثم تخنقني الغصة فأبكي وأكف عن الكلام تقول بنبرة لا تخلو من التعاطف: تروما المجازر لو لم تقاومها فستنتهي بك إلى الجنون. ستشعر بالذنب لأنك لم تسعَ لتغيير ما حدث أو للقصاص من القتلة. أرى أن تكتب عنها. يوميات، أو مذكرات. المهم أن تكتب. ثم تقول: أنت بحاجة للنضال من أجل شيء، أي شيء؛ كي تستجمع شتات نفسك. ❝
العنف المشهود بين أبناء الوطن الواحد يجعل للموت رائحة العطن. تفوح من يد أخ قَتَلَ أخاه، جار صرع جاره، رفيق ذبح رفيقه. نتذكرها نحن العرب حين نلتقي. نظرة واحدة في العيون تجعلنا ندرك من نحن وماذا نعرف عن بعضنا البعض، نحن الهاربين أو الناجين، حتى من لم يشارك في القتل والدمار، نظل منكوبين بقتلانا وجرحانا ما دمنا أحياء.
رواية متقنة ومحبوكة، أعجبني سير الأحداث وأمتعتني اللغة. ملاحظة وحيدة: العنوان أضعف مما ينبغي، رغم لطفه.
كتاب آخر من مصر في القائمة، والموضوع هذه المرة هو شتات الغربة ومايفعله في الهوية، ابطال الرواية من متعددي الهوية بالانتماء الى جذور مختلفة بالميلاد أو جذور مستحدثة بالهجرة. تفرد الرواية لكل شخصية شق كامل من الرواية تعرض فيه الشخصية صراعاتها مع تعدد هوياتها، فكلهم حتى مع مرور السنين لا زالوا يحملون أوطانهم القديمة داخل قلوبهم و أوطانهم المستحدثة في عقولهم، وهذا حال دون انصهارهم في الأوطان الجديدة، و أدى بهم الحال الى الدخول في علاقات تحت مسمى الحب ولكنها كانت تتسم بإشباع الجسد بالأساس رغبة في تسكين ارواحهم القلقة. الرواية بتتعرض لكل الأحداث الهامة من أول الألفية سواء على الصعيد الامريكي (١١ سبتمبر، ترامب..) أو العربي (فلسطين، الربيع العربي...) في تناول سريع يوضح كيف كانت شخصيات الرواية حائرة بدون انغماس حقيقي في أي من الأحداث كأبناء للوطن، ولكنهم لا يستطيعون تجاهلها بسبب انتماءاتهم.
مختصر الرواية هو انهم 'رقصو على السلم فلم يحصلو على عنب الشام أو بلح اليمن'
لا انها صنفت ضمن القائمة الطويلة لما تشرفت بقراءة مي التلمساني وروايتها ( الكل يقول احبك) رواية عن أدب المهجر تكتب بلغة تلقائية واقعية تلامس المهاجرين العرب وتلك التأثيرات العرقية والثقافية التي تختلط عليهم بمرور سنين . رواية معاصرة في زمن الوباء والازمات الحالية تحديداً في كندا … جميلة
عنوان الرواية جعلني أحجم عن شرائها مرتين. كنت أعتقد أنها واحدة من الروايات السخيفة التي انتشرت مؤخرا. ليتني وثقت أكثر في دار الشروق. تأخرت في التعرف على عالم مي التلمساني للأسف. كاتبة مختلفة و جديرة بالتعرف و التمعن. استعارت الكاتبة عنوان روايتها من فيلم لوودي ألان و بَنَتْها (الرواية) كفيلم من أفلامه :قصص حبّ محبَطة و مصائر مت��ابكة و أزواج متقلبون.. وجعلت من شمال أمريكا مسرحًا لفسيفساء من الشخصيات و الأحداث التي تتالت و تراكمت مكونة صورة لا تتكامل إلا في الصفحات الأخيرة. شبكة العنكبوت أو سرب قناديل البحر كما أرادته الت��مساني كان سربًا من أبناء الشتات؛ عرب أمريكييون أو كندييون من الجيل الأول أو الثاني و بعضهم لاجئ قديم أو حديث العهد. "الكل يقول أحبك" يذكّرنا كم تتالت الحروب و الخيبات و المجازر في بلادنا و كم من العرب هاجروا و هربوا و تغربوا. لا أعرف إن كان الكل يقول أحبك في الرواية و لكنّ الكلّ يقول شيئًا فقد خصصت الكاتبة فصلا مختلفا لكل شخصية. كلّ فصلٍ كان مونولوجًا شديد الصراحة و الشفافية على لسان أحد أبطالها. الحبّ أحد المحاور و ليس أهمها.كان لثيمات أخرى مثل الوطن و الاغتراب و العائلة و الهوية نصيب الأسد من السرد. عموما كانت رواية ذات شجون لكاتبة ذات ثقافة موسوعية ( السينما و الأدب حاضران بشدة). استمتعت بها كثيرا.
رواية جميلة بالفعل ومتميزة والكاتبة تعرف جيدا ما تكتب عنه من شخصيات والمجتمعات التي أتوا منها والمجتمع الذي يعيشون فيه. البداية والختام شديدا الإحكام والجمال على نحو يغفر بعض التفاوت في التناول للشخصيات. والتركيبة النفسية العامة لشخوص يعيشون في المهجر ويحاورون الحب ويحاورهم، يراوغونه ويراوغهم ويلوذون به هربا من مرارات وإحباطات الأوطان التي تركوها ورائهم تارة، ومن الزمن وتقدم العمر تارة؛ هذه التركيبة النفسية العامة كأنما تتجول داخل نفوس الشخصيات فتتشكل حسب عمر وخلفية كل منهم لكن خيط واحد قوي وخفي يربط بينهم ويشدهم شدا!
الكل يقول أحبك، للحبيب، وللوطن، فمن منا لا يكذب؟ ومن منا يدرك حدود اغترابه؟
ندمت كثيرًا على دخولي المتأخر إلى العوالم الروائية للناقدة والكاتبة المصرية المهاجرة مي التلمساني، لدي تقريبًا أغلب إصداراتها الروائية والقصصية، ولكن قراءتي الأولى بدأت بأحدث أعمالها الصادرة مؤخرًا عن دار الشروق؛ الكل يقول أحبك.
العنوان خدّاع، يسرب ثمة إيحاء بحكاية عاطفية، بيد أن من يتأمل الغلاف يشعر أن هنالك الكثير من الاحتمالات المتراصة خلف العنوان "العادي" للراوية، غلاف بديع بمنتهى الصراحة، خصوصًا حين يسبر القارئ تفاصيله عقب قراءة الرواية. نحن أمام رواية أصوات، حكايات قد تبدو منفصلة للوهلة الأولى، إلا أنها تتصل بأواصر تتفاوت قوتها بين وطيدة وعابرة. بعض الأصدقاء وجدوا تشابهًا في أجواء وروح النص بين روايتنا هذه ورائعة عز الدين شكري فشير "حكاية فرح"، وأنا اعتدت أن أحترم الرأي وإن عارضته، فبرغم تناول الحكايتين لتفتت البنيان الأسري، إلا أن رواية مي التلمساني تدور في عوالم مختلفة عن "حكاية فرح"، عوالم إذا أردتُ أن أقارنها بنص آخر لا يقل روعة عن "الكل يقول أحبك"، لذهبت مرة أخرى إلى أرفف عز الدين شكري فشير في مكتبتي، ولكن لإلقاء نظرة سريعة على "عناق عند جسر بروكلين".
نحن هنا نناقش تشابه العوالم التي تنبثق منها الحكايات، لا الحكايات نفسها، فكل رواية تتميز بطابع خاص وإن تناولتا حكايات المغتربين، ولعل ملاحظتي الأولى هنا تتمحور حول قدرة كتاب المهجر على بلوغ هذه الدرجة من التجلّي، وتمكنهم من بث هذه الجرعة من الصدق والصراحة والمكاشفة في نصوصهم، حالة مذهلة من التوازن النفسي والسلام الداخلي!
كحبات المسبحة نتنقل رفقة الكاتبة بين حبة وأخرى، وفوق كل حبة وُشِمت حكاية، أو دَقّتها أصابع حرفيّ ماهر يخرُّ النحاس طيّعًا بين يديه في خان الخليلي، هكذا صُنعت هذه الحكايات دقة تؤهلنا لرسم المشاهد، وتحسّس الوجوه، واستنباط ما لم يُعلَن.
في القطار تبتدئ الحكاية الأولى؛ حكاية الدكتور كمال المصري، الأكاديمي دائم التنقل بين مدينتين وسكنين، مدينة يُدرّس في جامعتها، ومدينة جعلها مُستقرًّا لعائلته. نمط حياة يعكس حالة الشتات الذهني التي يعيشها الرجل الستيني، قبل أن نتعرّف تدريجيًّا على صور أخرى لصراع يعيشه بين زواج مستقر تقيم أوده زوجة يحبها (أو هكذا يقول)، وطيف آيلين وعلاقته محددة المعالم معها في مرحلة سابقة من عمره، ثم لينا العقاد، السورية التي لم يتوقف عن عشقها حتى أفُلت سنوات شبابه. في القطار يلتقي كمال المصري أكاديميًّا مصريًّا شابًا هو كريم ثابت، فيبدو هذا الأخير وكأنه يعيد حرفيًّا حكاية كمال المصري، يبدو كريم كأنه يسلك ذات المسارات ويطبع خطواته فوق أثر تركته خُطى كمال المصري. تناص فريد بين نمط حياة الرجلين، فهما يعملان في نفس الجامعة، ويحتفظ كل منهما بأسرته في مدينة أخرى، وتعمل زوجتاهما في ذات الهيئة، ويتشاركان الكثير من المعارف والأصدقاء. لم يجتمع كمال بلينا -فقط- لأنها أطالت أمد التسويف ولم تمنحه وعدًا قاطعًا بتوحيد المسارات.
في الحكاية الثانية يعتلي الدكتور كريم ثابت منصة السرد. كريم أكاديمي مصري على أعتاب الأربعين، متزوج من نورهان عبد الحميد، ويحبها (أو هكذا يقول)، لكنه لا يقدر على نسيان فتاة جمعته بها نزوة عابرة هي أليشيا، وبحكم أن كريم هو انعكاس لكمال في مرحلة سنّية مختلفة، فهو أيضًا حريص على استقرار أسرته والاهتمام بها قدر استطاعته، ولكنه غارق في عشق امرأة أخرى، امرأة لم يَقُل لها أحبك، لكنه يود لو ترتب لهما الأقدار اجتماعًا يطول، وأن يصدر عنها ما يشجعه على الاستزادة من رحيقها الذي لم ينس مذاقه حتى اليوم.
يصدح الصوت النسائي في الحكاية الثالثة عبر نورهان، زوجة كريم التي اختارت زوجها بحسابات العقل، وأحبته بحكم المعاشرة الطيبة وإخلاصه لها ولعائلته (هكذا تقول، وهكذا تظن). إلا أن نورهان ذاتها مشتتة، تُحلّق كفراشة تحوم حول شرنقتها الممزقة كأنها تود استعادة أزمنة لا تعود، فهي لم تنس حكاية غرامها الحقيقي الأوحد مع الصحفي السوري بسّام الحايك (هكذا تقول)، بسّام متزوج من امرأة مصابة بالاكتئاب، ولا يقدر على اتخاذ قرار واضح حيال نورهان، يعلن عن حبه لها، وحبه لزوجته وابنته (هكذا يقول)، لكنه لا يتخذ خطوة واضحة وصريحة صوب عشيقته السرية. رغم ذلك؛ يظل صخب الحكاية يرنّ في أذنيّ نورهان، تستدعي أصداء الكلمات والضحكات وصرخات اللذة التي لا تغيب عن مسامعها. تمنح جسدها لكريم، وكريم ينهل من طيبها ولا يمانع متعة لا تُغيّب صورة أليشيا، بينما تحتفظ نورهان بصورة بسام خلف جفنيها، وتتأرجح بين الندم والرضا في شأن قرارها ببتر معابره إليها، ثم زواجها. في الطائرة التي تقلها إلى اجتماع يخص العمل، تجالس نورهان امرأة سورية هي داينا سليمان، فتكتشف أن داينا هي زوجة بسام الحايك الجديدة!
يستمر حضور المرأة فوق المنصة السرديّة، فننتقل بسلاسة من مشهد لقاء نورهان وداينا في رحلتهما، إلى رواية داينا لنسختها من الحكاية إبان رحلة العودة. وداينا مصوّرة سورية الأصل، نعرف أنها التقت ببسام في ذات الفترة التي شهدت ذروة غرامه بنورهان. فوّتت داينا أغلب الفرص، وأفرغت طاقتها في ميادين العمل والدراسة والسفر للتصوير هنا وهناك، أرادات استقلالّا فعليًّا يفصلها عن أبوين فترت علاقتها بهما منذ الهجرة، وأخوين لم يحدُثا أثرًا يذكر في حياتها. عقليّة براجماتيّة تشوبها نزعات انتهازية وأنانية، لكنها تقتنص ما تريده في النهاية رغم تأخرها النسبيّ، تحب بسام (هكذا تقول) وتستمسك بالصبر حتى يُغيّب الموت زوجته المكتئبة، وتنتظر عامين كاملين قبل أن يقبل بالزواج ومنحها الاستقلالية المادية المرجوة. بين المقاطع السردية التي تأتي على لسان داينا، تُمرّر لنا الكاتبة حكاية أخرى عن عاليا المصرية وماتيو الإيطالي، وهي حكاية أخرى عن العشق والرغبة وكلام الحب المنطوق، الذي لا يقبل تقديم أي تنازلات!
ختام الحكاية يأتي على لسان بسام الحايك، عشيق الراوية الثالثة، وزوج الرابعة. وهو في حد ذاته نتاج أزمة كبرى، أو ربما مجموعة من الأزمات أجبرته على النزوح من سوريا إلى كندا عام 1982، بعدما فقد شقيقيه في حروب واقع الأمر أنهما لا ناقة لهما فيها ولا جمل! فشقيقه عادل قتل عام 1970 في الأردن إبان مشاركته مع الجيش السوري في دعم الفصائل الفلسطينيّة آنذاك، بينما لقي حسين مصرعه في لبنان سنة 1981. أعتقد أن الحكاية برمتها تُنسج في مدارات بسام وأشباهه، بسام هو النول الذي تغزل عليه الحكاية الحقيقية في ما وراء النص الظاهر. رجل مهزوم بمعنى الكلمة، يتقن الانسحاب في كل صوره وبكل مفرداته، هو أكثر من يقول أحبك، لم لا وهو يبحث في أحضان كل امرأة عن وطن يستبدل به وطنًا لفظه جنينًا غير مكتمل الإدراك؟ بلغ عامه الستين أو جاوزه، لكنه رغم حالة الذبول التي تنضح بها كلماته، ورايات عجزه التي يشهرها خفاقة بين السطور لتعلن عن خسارته وهزائمه وعدم قدرته على تغيير أي شيء، ما يزال مستعدًا لاستكمال مسيرة البحث عن الوطن في صدر امرأة أخرى، وهو ما تمرره الكتابة ببراعة في الصفحات الأخيرة، حين تتقاطع مساراته مع سلمى، الفتاة المهاجرة الحائرة حيال هويتها التي تتوزع بين المصرية والجزائرية والأمريكية. تنتهي الصفحات وقتما يثق القارئ أن بسام الحايك مازال يمتلك القدرة على قول (أحبك) مرة أخرى، وأخرى، وأخرى...
وإن كان بسام هو أكثر من قال أحبك، فإن بقية الشخوص ليسوا سوى انعكاسات متباينة لحالته النفسية، كلٌ على مرآته الخاصة. كمال لم يجد الوطن في أحضان لينا، ولم يجد كفايته في احتضان ظهر فاتن. لينا ليست سعيدة مع زوجها. كريم يُصرّ على الاحتفاظ باستقرار طويل الأمد بين ذراعي نورهان، لكنه يطارد وطنًا بديلًا في طيف أليشيا، في الوقت الذي تقيم فيه زوجته في الخطوة السابقة للافتراق عن بسام، وتختزل داينا وطنها في استقلال مادي ومكاني يوفره بسّام، الرجل الذي لم يجد وطنه بعد.
ربما تختزل الرواية الوطن في الحبيب، أو تضعه في مكانة موازية للوطن الأصلي، لكنها تستجوب الكثير من المفاهيم حول تعاطي الإنسان لمفاهيم العشق والانتماء. نحن أمام حكايات يرويها مهاجرين عرب يعيشون في كندا، لكن الدوافع الشخصية والحالات النفسية، وتطورات الشخوص ما بين مد الرغبة وجزر الاستقرار؛ لا ترتبط بالضرورة بحالة الاغتراب، وإن كان للاغتراب عظيم الأثر في تغذية الرغبة المستمرة في استبدال الوطن بالجسد والجدران، ومحاولة لملمة الهوية، وإعادة تشكيل لبناتها الشرقية والغربية؛ وصولً�� إلى صيغة تفاهم تمنح صاحبها الأمان المنشود.
الأكيد هو أن كلمات هذا النص تصرخ أن العشق ما هو إلا خدعة قصيرة الأمد، وأن الانتماء ليس سوى معطف ثقيل نرتديه -فقط- حين تٌجبرنا الأحداث على التواري في طيّاته، وتفند أسباب البقاء وحقيقيّة الاستمرارية. تقذف هذه الرواية عبر عنوانها – الذي لا يصبح عاديًّا بعد انتهاء القراءة – بمجموعة هائلة من علامات الاستفهام. تستجوب العاشق والمعشوق وتعيد تعريف العشق كمرادف للاحتياج وبديل للوطن، ثم لا تلبث أن تصفعنا بحقيقة الزيف السارح في جدران العلاقات القائمة على العشق (عشق الإنسان أو الأوطان)، وكيف أن هذه العلاقات برمتها�� ما استمر منها وما بُتر، تنطوي على كذب وتحريف وادعاء وتسويف وخداع واستمراء وتفويت للفرص الحقيقية، وأنها تستمر -فقط- لدى أولئك الذين يُجبرون أنفسهم على ابتلاع الكذب المنطوق، ولفظ الواقع المستور، فيقولون ذات الكلمة السحريّة (أحبك)! أو يصدقونها وقتما تتسلل كلصٍّ مكينٍ إلى مسامعهم التوّاقة إلى انتزاع اعتراف - ولو كان زائفًا – بالأهميّة، والجدوى، والاستقرار، والقدرة على تحقيق الاكتفاء لدى الآخر.
الاستمرار هنا إقرار بالهزيمة، والرومانسية، كما جاء في النص، لا تجتمع مع مفردات مثل العمل والزواج لما تراكمه هذه الأطر الحياتية من مسؤوليات ينسحب أمامها الحب إلى جحور النسيان.
كان من الملفت استخدام مي التلمساني للطائرات والمطارات والسيارات ومحطات القطارات ومحطات الحافلات كمسرح مكاني لروايتها، فالحكاية التي تبتدئ بقطار وتنتهي بمطارات وحافلات تسابق الوباء، تبرهن أن الإنسان في ترحال مستديم، وأن الدنيا برمّتها ليست سوى سفر ديمومي في غياهب المجهول، سفر واغتراب (في الداخل والخارج) لا يهوّنهما إلا الشعور بالحب، فهل يقدر الحب، وإن ظل في صيغته المنطوقة غير الأمينة، على الصمود أمام الزمن والسفر ومعاناة اقتلاع الجذور، ومتاعب إعادة الغرس؟ أعتقد أنني قدمت الإجابة بالفعل في ما ذكرت عاليه.
مشهد الختام جاء كـ Master Scene يليق بهذا النص الساحر/الصادم. اجتماع أغلب الرواة والشخوص المحورية في مسرح مكاني واحد أثناء انتظار حافلة ستقل أحدهم إلى وجهته منح الحكاية سحرًا مضافًا، وجعلني – كقارئ يبالغ في الاندماج في النصوص التي تستهويه حد التماهي مع الحالة الروائية للشخوص- أفتش وجوه المصطفين في الطوابير، والمجتمعين لأي سبب في أي مكان، محاولًا استنباط الحكاية التي يخفيها كل منهم عن جُلّ محيطيه، وعدد المرات التي نطق فيها كل منهم كلمة أحبك!
نص ممتع، محيّر، صادم، صادق ومؤثر وحقيقي حتى النخاع، يقدم حياة المغتربين (روحًا وجسدًا)، ويُشرّح بمبضع دقيق مواضع الوجع غير الظاهر، يضع قوسين حول كل علاقة مستمرة ويتبعها بعلامة استفهام، يسلط الضوء على الفرص المهدورة على أعتاب التسويف والتردد، يعيد وصل الحبل السرّي بين العشق والوطن، وينثر تعريفات مختلفة لكلاهما تاركًا للقارئ حرية تأويلها ومد الجسور بينها كيفما يشاء، قبل أن يتركنا أمام أسئلة لن يقدر أغلبنا على إعلان إجاباتها.
المسافة بين وطن الميلاد ووطن الاختيار تُعبر عن غربة الجسد، أما المسافة بين المنطوق والمحسوس، بين ما يُشعر وما يقال، فهي معيار اغتراب النفس؛ فهل بيننا من لا يشعر بالغربة؟
أدعو الجميع لقراءة هذا النص. شكرًا مي التلمساني
#محمد_سمير_ندا
This entire review has been hidden because of spoilers.
"لا فرق بين المدن من أعلى، كلها متشابه. نقاط ضوء كثيرة ومناطق داجنة، مربعات وطرق مستقيمة تشق المدن مثل سكين. احيانا تظهر مساحة هائلة من الارض السوداء. حقول ووديان ومزارع"
ليس هناك خطة مسبقة ولا أعرف مي التلمساني .. فما حدث كان كحب النظرة الأولى الذي نادرا ما ينتهي بزواج.
عنوان الرواية رومانسي بحت و لكنها ليست بهذه السطحية نهائيا وصراحة حتى لحظة كتابتي للمراجعة الان لم أفهم معنى العنوان و علاقته بالرواية و لكني لا أبالي كثيرا فبالتأكيد هناك قصد ما و لكني أنا التي لم أتمكن من استيعابه.
"ومتى اكف عن الاحتماء من ذكريات الماضي البعيد بظلال ربيع الفتيات؟"
نوع من الكتابة تقسم الرواية الى عدة فصول بحيث يختص كل فصل بإحدى شخصيات الرواية فتجد ان هناك بعض الاحداث المكررة و لكن باكثر من رؤية دون الشعور باي ملل من هذا التكرار .. نعلم يقينا ان الدنيا صغيرة ولكن هذا المثل لا ينطبق على اوطاننا فقط فحتى في الغربة فان الدنيا اصغر مما نتخيل فاحضر ورقة وقلم حين تشرع في القراءة ولا تقلق لن تفقد تركيزك و لن تشعر بالضياع فكفى بالنسبة الي لحظة ما قبل النهاية حين تعرفت بنفسي على شخصيتين قبل ان ينطق احد الشخصيات اسميهما .. قلت اسميهما وكأنني كنت معهما او رايتهما من قبل ... فهل لهذه المتعة اسما اخر غير متعة القراءة ؟!!!!
رواية عن الغربة .. الم فراق الأوطان رغما عنا .. عن اثر العلاقات الأولى على كل فرد .. رحلات السفر و المطارات .. عن الثورات و حال البلاد العربية
رواية اعجزتني عن الحديث عنها كما كنت اتمنى فهي افضل مما ساكتبه عنها ماهما كتبت.
قبل أشهر قليلة كنت أجلس وحيدا على شاطيء بحيرة ميتشجن حين رأيت كأنما في حلم يقظة أسرابا من قنديل البحر تسبح في البحيرة. فكرت في أنها كائنات تشع طاقة. تعمل بالطاقة. اين تختزنها؟ لا أحد يعلم. وحيدة في البحيرة. تتفتح كالوردة تنغلق كالسر، بثوب فضفاض يختنق في منطقة التقاء الرأس بالأطراف . تضحك أو تتنفس، لا أدري. شهيقها طاقة، زفيرها طاقة. الحياة تمضي في طريقها وقنديل البحر يتكاثر دون أن يفكر في التكاثر مثله مثل الأفكار، مثله مثل البهجة التي يشيعها الغناء في سيارة . حين يعاندني النوم، تطوف براسي أفكار تشبه تلك الكائنات الرخوة في طفوها وانسيابها. في قدرتها على إنتاج الضوء والركون للعتمة. تلك الأفكار التي لا تدعني أنعم بالنوم على شاطيء البحيرة، ولا توقظني تماما من سباتي. تظل مشعة في العتمة، راقصة رغما عني، وهي تطفو سابحة مع التيار. ............................................ أعجبني قدرة الكاتبة على تمكن الحديث بصوت الرجل والمرأة على حد سواء ............................................ رواية عما قبل وبعد الهجرة عبر الأجيال ...........................................
أحب هذة الحكايات الإنسانية حيث ينقلك الحكي بخفة بين الشخصيات. كل شخصية تسلّمك للتي تليها في بساطة وسلاسة. الكل يدور في نفس الفلك، الكل قريب من بعضه البعض والكل يتشابه كما هو حال البشر جميعهم فما بالك بهؤلاء الذين تجمعهم ويربط بينهم نفس خيط الغربة بعد أن لفظتهم أوطانهم العربية أو اختاروا هم الانفصال عنها. يتراوح التشابه فيبدأ من المباشرة المربكة مثل تلك التي قابلها كمال عندما التقى بكريم وكأنه التقى بقرينه أو كأنه نظر في مرآة عكست له نفسه منذ عشرين عامًا. ثم يتدرج التشابه نحو الأسفل حتى لا يعدو أن يكون مجرد طيف خفيف تجعل سلمى تذكرنا بنورهان رغم اختلاف تفاصيل الظروف. تجمع الأقدار الشخصيات بشكل عجيب. تتقاطع طرقهم في وسائل المواصلات وخلال الوقوف خلف بعضهم البعض في نفس الصفوف وأثناء مجئ سيرتهم في الحكايات المتبادلة. يبدو الأمر مربكًا في البداية لكننا سرعان ما نعتاده كلما تقدمت الحكايات لأننا في لحظة ما ندرك أن هذة هي حقيقة حياتنا وإن كنا لا ننتبه لذلك معظم الأوقات.
رواية مملة لم تعجبني، بل وزادت من حدة سُدّة القراءة التي لازمتني أسبوعًا وأكثر. رواية فارغة من أي معنى، لا تقول شيئًا سوى في فصلها الأخير. كانت قراءتها مضيعة للوقت ولن يعلق في ذاكرتي شيء منها.
- "قلبي يقول في غفلةٍ من عقلي: لذلك يتعيّن علينا أن نحيا متلاصقين؛ أنا وأنتِ يا حبيبتي، إذ ما الحياة بدونك إلا سلسلة لا متناهية من الفراغات المعتمة، من الخوف والرهبة والتوهان. أخجل من اختزال العالم في شخص. أخجل من الاستبطان، والبوح، والاعتراف بالأفكار الذاتية في ظل كل هذا الخراب الكوني. صوت بداخلي يقول إن الأفكار أو بعضها لن ينتظم طالما أنا في حيرة من قلبي، في غفلة عن مصدر طاقتي، بعيدًا عن الحياة، منسحقًا في عاديّتها."
- "وحدها تلك الرغبات القليلة المحددة، التي لم يُكتب لها أن تتحقق، ظلت عالقةً بالحلق كالغصة. الرغبة في حياة ثانية، بل فرصة ثانية في الحياة نفسها، تلك الرغبة المُلحّة التي أشقاني عدمُ تحققها فيما مضى، ما زالت تشقيني استحالة تحققها في الحاضر."
....الغربة لديها مشاعر مختلفة و أوجاع لكل من ذاقها أستطاعت الكاتبة أن تبرز المشاعر المختلفة التى مرت بها الشخصيات و تعرض تجاربهم من خلال سنين الغربة رواية نفسى /إجتماعى لغة سلسة و سهلة فصحى مع قليل من العامية لكل شخصية مذاقها الخاص و تجربتها ...حقيقى أستمتعت بها ما أعجبنى وصف الشخصيات بإحترافية من خلال مشاعرهم و صراعتهم الداخلية و أيضا الغلاف تحفة
"الحياة تمضي في طريقها و قنديل البحر يتكاثر دون أن يفكر في التكاثر، مثله مثل الأفكار، مثله مثل البهجة التي يشيعها الغناء في سيارة" بسام الحايك (شخصية من شخصيات الكل يقول أحبك)
هي من بين الروايات التي شرعت بقراءتها دون الاطلاع على التلخيص.. و لا أنكر أنني لم أكن لألتفت إليها لولا وصولها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر. و نعم أشارك أغلب القراء الرأي في خصوص العنوان الذي لم يثر اهتمامي في البداية و لكنني فهمت أن الكاتبة لا تقصد أن تقول الكثير عن القصة من خلاله..و بعد اطلاعي على قراءة الصديقة عبير الوسلاتي فهمت أن العنوان مقتبس من فيلم وودي آلن الموسيقي everyone says I love you .
خمس شخصيات تحمل أصولا عربية، تعيش في أمريكا الشمالية.. خصصت الكاتبة لكل واحدة منها فصلا على حدة و تركت لها "هامشا" من الحرية كي تروي قصتها و حكايتها، هواجسها و خواطرها.. كل شخصية هي جزء من حياة شخصية أخرى بطريقة ما.. و الكل سيلتقي على القطار أو على متن الطائرة .. أو بالأحرى خلال رحلة من رحلات الحياة.
لم ��شعر أن الكاتبة أرادت حبكة متشعبة أو واضحة الملامح.. هي فقط سمحت لشخصياتها بالثرثرة، عن الغربة و الهجرة و الهوية و الوطن و طبعا عن الحب بلحظاته السعيدة و المخيبة للآمال ..
اللغة بسيطة و سهلة و بإمكانك أن تقرأ الرواية في جلسة واحدة ..
رغم ان العنوان كليشي متداول الا ان العمل ساحر بحكايته الدائرية حيث العالم ��ضيق من خرم الإبرة و الحياة دائرة صغيرة و لايوجد مثالية في العلاقات الانسانية . الرواية عن الحب : الوطن /الذات/الأسرة/الذات/الحب ذاته كتبت بتعدد الأصوات حيث الشخصيات التي تنتمي الى بلد غير البلد الأصلي تتقاطع في مساراتها فيما بينها و فق علاقات مختلفة يوحدها الإحساس بالاغتراب .
العنوان خدّاع، يسرب ثمة إيحاء بحكاية عاطفية، بيد أن من يتأمل الغلاف يشعر أن هنالك الكثير من الاحتمالات المتراصة خلف العنوان “العادي” للراوية"" غلاف بديع بمنتهى الصراحة، خصوصًا حين يسبر القارئ تفاصيله عقب قراءة الرواية. نحن أمام رواية أصوات، حكايات قد تبدو منفصلة للوهلة الأولى، إلا أنها تتصل بأواصر تتفاوت قوتها بين وطيدة وعابرة. بعض الأصدقاء وجدوا تشابهًا في أجواء وروح النص بين روايتنا هذه ورائعة عز الدين شكري فشير “حكاية فرح”، وأنا اعتدت أن أحترم الرأي وإن عارضته، فبرغم تناول الحكايتين لتفتت البنيان الأسري، إلا أن رواية مي التلمساني تدور في عوالم مختلفة عن “حكاية فرح”، عوالم إذا أردتُ أن أقارنها بنص آخر لا يقل روعة عن “الكل يقول أحبك”، لذهبت مرة أخرى إلى أرفف عز الدين شكري فشير في مكتبتي، ولكن لإلقاء نظرة سريعة على “عناق عند جسر بروكلين”.
نحن هنا نناقش تشابه العوالم التي تنبثق منها الحكايات، لا الحكايات نفسها، فكل رواية تتميز بطابع خاص وإن تناولتا حكايات المغتربين، ولعل ملاحظتي الأولى هنا تتمحور حول قدرة كتاب المهجر على بلوغ هذه الدرجة من التجلّي، وتمكنهم من بث هذه الجرعة من الصدق والصراحة والمكاشفة في نصوصهم، حالة مذهلة من التوازن النفسي والسلام الداخلي!
كحبات المسبحة نتنقل رفقة الكاتبة بين حبة وأخرى، وفوق كل حبة وُشِمت حكاية، أو دَقّتها أصابع حرفيّ ماهر يخرُّ النحاس طيّعًا بين يديه في خان الخليلي، هكذا صُنعت هذه الحكايات بدقة تؤهلنا لرسم المشاهد، وتحسّس الوجوه، واستنباط ما لم يُعلَن.
في القطار تبتدئ الحكاية الأولى؛ حكاية الدكتور كمال المصري، الأكاديمي دائم التنقل بين مدينتين وسكنين، مدينة يُدرّس في جامعتها، ومدينة جعلها مُستقرًّا لعائلته. نمط حياة يعكس حالة الشتات الذهني التي يعيشها الرجل الستيني، قبل أن نتعرّف تدريجيًّا على صور أخرى لصراع يعيشه بين زواج مستقر تقيم أوده زوجة يحبها (أو هكذا يقول)، وطيف آيلين وعلاقته محددة المعالم معها في مرحلة سابقة من عمره، ثم لينا العقاد، السورية التي لم يتوقف عن عشقها حتى أفُلت سنوات شبابه. في القطار يلتقي كمال المصري أكاديميًّا مصريًّا شابًا هو كريم ثابت، فيبدو هذا الأخير وكأنه يعيد حرفيًّا حكاية كمال المصري، يبدو كريم كأنه يسلك ذات المسارات ويطبع خطواته فوق أثر تركته خُطى كمال المصري. تناص فريد بين نمط حياة الرجلين، فهما يعملان في نفس الجامعة، ويحتفظ كل منهما بأسرته في مدينة أخرى، وتعمل زوجتاهما في ذات الهيئة، ويتشاركان الكثير من المعارف والأصدقاء. لم يجتمع كمال بلينا -فقط- لأنها أطالت أمد التسويف ولم تمنحه وعدًا قاطعًا بتوحيد المسارات.
في الحكاية الثانية يعتلي الدكتور كريم ثابت منصة السرد. كريم أكاديمي مصري على أعتاب الأربعين، متزوج من نورهان عبد الحميد، ويحبها (أو هكذا يقول)، لكنه لا يقدر على نسيان فتاة جمعته بها نزوة عابرة هي أليشيا، وبحكم أن كريم هو انعكاس لكمال في مرحلة سنّية مختلفة، فهو أيضًا حريص على استقرار أسرته والاهتمام بها قدر استطاعته، ولكنه غارق في عشق امرأة أخرى، امرأة لم يَقُل لها أحبك، لكنه يود لو ترتب لهما الأقدار اجتماعًا يطول، وأن يصدر عنها ما يشجعه على الاستزادة من رحيقها الذي لم ينس مذاقه حتى اليوم.
يصدح الصوت النسائي في الحكاية الثالثة عبر نورهان، زوجة كريم التي اختارت زوجها بحسابات العقل، وأحبته بحكم المعاشرة الطيبة وإخلاصه لها ولعائلته (هكذا تقول، وهكذا تظن). إلا أن نورهان ذاتها مشتتة، تُحلّق كفراشة تحوم حول شرنقتها الممزقة كأنها تود استعادة أزمنة لا تعود، فهي لم تنس حكاية غرامها الحقيقي الأوحد مع الصحفي السوري بسّام الحايك (هكذا تقول)، بسّام متزوج من امرأة مصابة بالاكتئاب، ولا يقدر على اتخاذ قرار واضح حيال نورهان، يعلن عن حبه لها، وحبه لزوجته وابنته (هكذا يقول)، لكنه لا يتخذ خطوة واضحة وصريحة صوب عشيقته السرية. رغم ذلك؛ يظل صخب الحكاية يرنّ في أذنيّ نورهان، تستدعي أصداء الكلمات والضحكات وصرخات اللذة التي لا تغيب عن مسامعها. تمنح جسدها لكريم، وكريم ينهل من طيبها ولا يمانع متعة لا تُغيّب صورة أليشيا، بينما تحتفظ نورهان بصورة بسام خلف جفنيها، وتتأرجح بين الندم والرضا في شأن قرارها ببتر معابره إليها، ثم زواجها. في الطائرة التي تقلها إلى اجتماع يخص العمل، تجالس نورهان امرأة سورية هي داينا سليمان، فتكتشف أن داينا هي زوجة بسام الحايك الجديدة!
يستمر حضور المرأة فوق المنصة السرديّة، فننتقل بسلاسة من مشهد لقاء نورهان وداينا في رحلتهما، إلى رواية داينا لنسختها من الحكاية إبان رحلة العودة. وداينا مصوّرة سورية الأصل، نعرف أنها التقت ببسام في ذات الفترة التي شهدت ذروة غرامه بنورهان. فوّتت داينا أغلب الفرص، وأفرغت طاقتها في ميادين العمل والدراسة والسفر للتصوير هنا وهناك، أرادات استقلالّا فعليًّا يفصلها عن أبوين فترت علاقتها بهما منذ الهجرة، وأخوين لم يحدُثا أثرًا يذكر في حياتها. عقليّة براجماتيّة تشوبها نزعات انتهازية وأنانية، لكنها تقتنص ما تريده في النهاية رغم تأخرها النسبيّ، تحب بسام (هكذا تقول) وتستمسك بالصبر حتى يُغيّب الموت زوجته المكتئبة، وتنتظر عامين كاملين قبل أن يقبل بالزواج ومنحها الاستقلالية المادية المرجوة. بين المقاطع السردية التي تأتي على لسان داينا، تُمرّر لنا الكاتبة حكاية أخرى عن عاليا المصرية وماتيو الإيطالي، وهي حكاية أخرى عن العشق والرغبة وكلام الحب المنطوق، الذي لا يقبل تقديم أي تنازلات!
ختام الحكاية يأتي على لسان بسام الحايك، عشيق الراوية الثالثة، وزوج الرابعة. وهو في حد ذاته نتاج أزمة كبرى، أو ربما مجموعة من الأزمات أجبرته على النزوح من سوريا إلى كندا عام 1982، بعدما فقد شقيقيه في حروب واقع الأمر أنهما لا ناقة لهما فيها ولا جمل! فشقيقه عادل قتل عام 1970 في الأردن إبان مشاركته مع الجيش السوري في دعم الفصائل الفلسطينيّة آنذاك، بينما لقي حسين مصرعه في لبنان سنة 1981. أعتقد أن الحكاية برمتها تُنسج في مدارات بسام وأشباهه، بسام هو النول الذي تغزل عليه الحكاية الحقيقية في ما وراء النص الظاهر. رجل مهزوم بمعنى الكلمة، يتقن الانسحاب في كل صوره وبكل مفرداته، هو أكثر من يقول أحبك، لم لا وهو يبحث في أحضان كل امرأة عن وطن يستبدل به وطنًا لفظه جنينًا غير مكتمل الإدراك؟ بلغ عامه الستين أو جاوزه، لكنه رغم حالة الذبول التي تنضح بها كلماته، ورايات عجزه التي يشهرها خفاقة بين السطور لتعلن عن خسارته وهزائمه وعدم قدرته على تغيير أي شيء، ما يزال مستعدًا لاستكمال مسيرة البحث عن الوطن في صدر امرأة أخرى، وهو ما تمرره الكتابة ببراعة في الصفحات الأخيرة، حين تتقاطع مساراته مع سلمى، الفتاة المهاجرة الحائرة حيال هويتها التي تتوزع بين المصرية والجزائرية والأمريكية. تنتهي الصفحات وقتما يثق القارئ أن بسام الحايك مازال يمتلك القدرة على قول (أحبك) مرة أخرى، وأخرى، وأخرى…
وإن كان بسام هو أكثر من قال أحبك، فإن بقية الشخوص ليسوا سوى انعكاسات متباينة لحالته النفسية، كلٌ على مرآته الخاصة. كمال لم يجد الوطن في أحضان لينا، ولم يجد كفايته في احتضان ظهر فاتن. لينا ليست سعيدة مع زوجها. كريم يُصرّ على الاحتفاظ باستقرار طويل الأمد بين ذراعي نورهان، لكنه يطارد وطنًا بديلًا في طيف أليشيا، في الوقت الذي تقيم فيه زوجته في الخطوة السابقة للافتراق عن بسام، وتختزل داينا وطنها في استقلال مادي ومكاني يوفره بسّام، الرجل الذي لم يجد وطنه بعد.
ربما تختزل الرواية الوطن في الحبيب، أو تضعه في مكانة موازية للوطن الأصلي، لكنها تستجوب الكثير من المفاهيم حول تعاطي الإنسان لمفاهيم العشق والانتماء. نحن أمام حكايات يرويها مهاجرين عرب يعيشون في كندا، لكن الدوافع الشخصية والحالات النفسية، وتطورات الشخوص ما بين مد الرغبة وجزر الاستقرار؛ لا ترتبط بالضرورة بحالة الاغتراب، وإن كان للاغتراب عظيم الأثر في تغذية الرغبة المستمرة في استبدال الوطن بالجسد والجدران، ومحاولة لملمة الهوية، وإعادة تشكيل لبناتها الشرقية والغربية؛ وصولًا إلى صيغة تفاهم تمنح صاحبها الأمان المنشود.
الأكيد هو أن كلمات هذا النص تصرخ أن العشق ما هو إلا خدعة قصيرة الأمد، وأن الانتماء ليس سوى معطف ثقيل نرتديه -فقط- حين تٌجبرنا الأحداث على التواري في طيّاته، وتفند أسباب البقاء وحقيقيّة الاستمرارية. تقذف هذه الرواية عبر عنوانها – الذي لا يصبح عاديًّا بعد انتهاء القراءة – بمجموعة هائلة من علامات الاستفهام. تستجوب العاشق والمعشوق وتعيد تعريف العشق كمرادف للاحتياج وبديل للوطن، ثم لا تلبث أن تصفعنا بحقيقة الزيف السارح في جدران العلاقات القائمة على العشق (عشق الإنسان أو الأوطان)، وكيف أن هذه العلاقات برمتها، ما استمر منها وما بُتر، تنطوي على كذب وتحريف وادعاء وتسويف وخداع واستمراء وتفويت للفرص الحقيقية، وأنها تستمر -فقط- لدى أولئك الذين يُجبرون أنفسهم على ابتلاع الكذب المنطوق، ولفظ الواقع المستور، فيقولون ذات الكلمة السحريّة (أحبك)! أو يصدقونها وقتما تتسلل كلصٍّ مكينٍ إلى مسامعهم التوّاقة إلى انتزاع اعتراف – ولو كان زائفًا – بالأهميّة، والجدوى، والاستقرار، والقدرة على تحقيق الاكتفاء لدى الآخر.
الاستمرار هنا إقرار بالهزيمة، والرومانسية، كما جاء في النص، لا تجتمع مع مفردات مثل العمل والزواج لما تراكمه هذه الأطر الحياتية من مسؤوليات ينسحب أمامها الحب إلى جحور النسيان.
كان من الملفت استخدام مي التلمساني للطائرات والمطارات والسيارات ومحطات القطارات ومحطات الحافلات كمسرح مكاني لروايتها، فالحكاية التي تبتدئ بقطار وتنتهي بمطارات وحافلات تسابق الوباء، تبرهن أن الإنسان في ترحال مستديم، وأن الدنيا برمّتها ليست سوى سفر ديمومي في غياهب المجهول، سفر واغتراب (في الداخل والخارج) لا يهوّنهما إلا الشعور بالحب، فهل يقدر الحب، وإن ظل في صيغته المنطوقة غير الأمينة، على الصمود أمام الزمن والسفر ومعاناة اقتلاع الجذور، ومتاعب إعادة الغرس؟ أعتقد أنني قدمت الإجابة بالفعل في ما ذكرت عاليه.
مشهد الختام جاء كـ Master Scene يليق بهذا النص الساحر/الصادم. اجتماع أغلب الرواة والشخوص المحورية في مسرح مكاني واحد أثناء انتظار حافلة ستقل أحدهم إلى وجهته منح الحكاية سحرًا مضافًا، وجعلني – كقارئ يبالغ في الاندماج في النصوص التي تستهويه حد التماهي مع الحالة الروائية للشخوص- أفتش وجوه المصطفين في الطوابير، والمجتمعين لأي سبب في أي مكان، محاولًا استنباط الحكاية التي يخفيها كل منهم عن جُلّ محيطيه، وعدد المرات التي نطق فيها كل منهم كلمة أحبك!
نص ممتع، محيّر، صادم، صادق ومؤثر وحقيقي حتى النخاع، يقدم حياة المغتربين (روحًا وجسدًا)، ويُشرّح بمبضع دقيق مواضع الوجع غير الظاهر، يضع قوسين حول كل علاقة مستمرة ويتبعها بعلامة استفهام، يسلط الضوء على الفرص المهدورة على أعتاب التسويف والتردد، يعيد وصل الحبل السرّي بين العشق والوطن، وينثر تعريفات مختلفة لكلاهما تاركًا للقارئ حرية تأويلها ومد الجسور بينها كيفما يشاء، قبل أن يتركنا أمام أسئلة لن يقدر أغلبنا على إعلان إجاباتها.
المسافة بين وطن الميلاد ووطن الاختيار تُعبر عن غربة الجسد، أما المسافة بين المنطوق والمحسوس، بين ما يُشعر وما يقال، فهي معيار اغتراب النفس؛ فهل بيننا من لا يشعر بالغربة؟"
هناك مفارقة بين العنوان و المحتوى فالرواة الخمسة، حسب قرائتي و فهمي، يعترفون بعدم فهمهم لمعنى هذه الكلمة. الرواية تتناول فكرة الغياب التي يعاني منها المغتربين في دول لا يسكنها من يحبون مما يجعلهم لايرونهم الا بعد فترة طويلة. التقاطعات بين الرواة خلقت وحدة فى الرواية بالاضافة الى ان كل فصل يبدأ سواء فى المطار أو الطائرة أو السيارة. اختلفت المواضيع المتناولة : السياسة، الحب، الربيع العربي، الفن... و هنا يظهر تأثر الكاتبة بالسينما. أعجبتني اللغة السلسة و كل من البداية الواعدة و النهاية.
بين محطة واخرى، تستغل شخصيات الرواية الخمس الفرصة للتأمل والتذكر، تعرفنا عن انفسها، وتحدثنا عن مشاعرها وغربتها. هي شخصيات عربية ولدت أو هاجرت الى كندا. تعيش حياة يغلب عليها الترحال والسفر والاحساس بالغربة. غربة مزدوجة في الغالب، فبالاضافة الى غربتها الجغرافية وابتعادها عن الوطن الام، تعيش أغلب الشخصيات غربة داخلية داخل علاقات زوجية وعائلية محكومة ببعد المسافات ويسودها الشعور بالوحدة وعدم الاكتمال والحاجة الى علاقات أخرى لملء الفراغ. كل الشخصيات قالت احبك، وكلها اعترفت بانها في رحلة ابدية وسعي دائم لفهم هذا الشعور. خلال قراءتك للرواية، تشعر بانك في حركة دائمة وانك تصاحب الشخصيات عبر الصفحات في رحلة، تتعرف الى هذا وذاك تتجاذب معهم اطراف الحديث ثم يسير كل منكم الى وجهته. أحببت الرواية وتركيبتها، احببت أسلوب الكاتبة، وشدني براعتها في الحديث على لسان الرجل والنجاح في نقل احاسيسه ومشاعره.⭐⭐⭐⭐ #مي_التلمساني #البوكر_العربية2023 #الكل_يقول_أحبك
خمس شخصيات تتناوب على رواية خمس فصول لا تشكل وحدة روائية بقدر ماهي سرد لمصائر شخصيات فرقتها الفصول، وجمعها الشتات . والتمزق بين هويات مختلفة وعدم القدرة على الوفاء بكلمة أحبك
تخرج رواية تلمساني، في ظاهرها، عن تلك الرواية العربية المكتوبة في كندا، التي تروي خيبات الهجرة وانكسارات الذات وتحطم الحلم الكندي، والتي يمكن أن نرصدها في رواية "الصرصار" لراوي الحاج، أو في "كيف تقتل الأرنب" لصلاح صلاح، فلا شيء يتحقّق في كندا لأولئك الهاربين من التخلف أو من الفقر أو من جحيم الحرب.
فسيفساء من المغتربين بشمال أمريكا يتحدث كل منهم في فصل على نفسه وظروف اغترابه، وبين هذا وذاك نجد حديثا عن الحب والثورات والسياسة والفن والربيع العربي وغيرها من الأحداث التي لونت غربتهم وشكّلتها. هل أعجبتني؟ ليس كثيرا رغم بدايتها الواعدة ونهايتها الجيدة ولغتها السلسة. تأثر الكاتبة بالسينما واضح جدا لأن الرواية عبارة على شريط سينمائي أمريكي بامتياز. رواية للإمتاع فقط.
رواية الكل يقول أحبك للكاتبة / مى التلمساني و الصادرة عن دار الشروق عام ٢٠٢١ و التى وصلت مؤخرا للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية. أحداث الرواية فى كندا ، خمس شخصيات عربية فى المهجر كلا منها يحكى فى فصل من الرواية عن نفسه ، ماضيه ، مخاوفه و آماله تلك التى أجهضت و التى تحققت. - كمال المصرى الرجل الستينى أستاذ الجامعة الذى يعمل فى مدينة ، و تعيش زوجته ناهد فى مدينة أخرى ، يستقل القطار كل نهاية اسبوع ليسافر إليها ، وصل لمكانة علمية مرموقة و جنى ما يكفيه من المال و لكنه يواجه شبح الوحدة و التقدم فى العمر و يحاول الإفلات منهما بطرق عدة . - كريم ثابت الرجل الاربعينى الذى يلتقى مصادفة بكمال المصرى فى القطار ، هو ايضا يعيش فى مدينة و زوجته نورهان و أولاده فى مدينة اخرى ، و يدور حوار بين كمال و كريم و كأن القدر قد بعث لكمال بقرينه أو نسخته الشابة . - نورهان عبد الحميد زوجة كريم المولودة لاب مصرى و ام كندية و تقع فى حب رجل يكبرها بعشرين عاما قبل ان تلتقى بكريم و نرى مراحل تطور علاقتهما حتى النهاية و رؤيتها لها بعد سنين و رؤيتها لزواجها من كريم - بسام الحايك السورى الذى هاجر الى كندا فى شبابه هربا من الحروب و القلاقل فى وطنه ، يبحث عن الحب و الامان و كل ما يفتقده فى وطنه الام الذى ما زال بداخله رغم بعد المسافات و طول السنين . - داينا سليمان سورية مصورة فوتوغرافية التى تعتمد على نفسها فى كل شئ ، عملت فترة فى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين و لها موقف سياسي صارم ، تتأرجح بين علاقات حب عابرة إلى أن أحبت رجلا و خططت جيدا للإيقاع به فى شبكة الزواج . - تتشابك مسارات الخمس شخصيات بطريقة غريبة تجعلنا نتأكد من أن العالم صغير جدا - الرواية ليس بها حبكة او تصاعد درامى ، هى أقرب إلى فضفضة و بوح لكل شخصية بما يعتمل بداخلها من أفكار و حوارات و مشاعر ، كما تطرح فكرة الغربة و الهوية ، الجيل الاول من المهاجرين و الجيل الثانى الذى ولد هناك و الاختلاف او التشابه احيانا بينهما . - عندما نبتعد عن الوطن بأجسادنا هل يخرج من روحنا و عقلنا ؟ ام يظل عالق بداخلنا بكل ما فيه من مميزات او حتى عيوب قد نشتاق إليها و نحن بعيد فى عوالم اخرى - أسلوب الكاتبة رشيق و بسيط و لا يخلو من عمق نفسي و تحليلى للشخصيات و مشاعرها ، و قدرتها على الوصف سينمائية بجدارة ربما لدراستها للسينما او لتشبعها بتاريخ العائلة السينمائي - اخترت لكم منها هذه الإقتباسات : - حبا كهذا لا يموت ، حتى لو ضيعناه يتخذ أشكالا ليس من بينها اللقاء ، لكنه لا يموت . فلماذا البكاء إذن ؟ و على أى شئ ؟ - وحدها تلك الرغبات القليلة المحددة التى لم يكتب لها أن تتحقق ، ظلت عالقة بالحلق كالغصة ، الرغبة فى حياة ثانية ، بل فرصة ثانية فى الحياة نفسها ، تلك الرغبة الملحة التى أشقانى عدم تحققها فيما مضى ما زالت تشقينى استحالة تحققها فى الحاضر ، عودة غريبة لماض راح و ولى تلك التى استقصيها فى أعماق نفسي . - أليس قدرا غريبا ذلك الذى يدفعنا لتكرار حياة الآخرين ، �� كنا فيما ��بق نحاكمهم و ندينهم بسببها ؟ -ثمة ذنوب فادحة أرتكبت بإسم الفضيلة ، بإسم الوطن ، بإسم الدين ، لا أحد يرفع إصبعًا لدرئها عنا .