ندخل من خلاله إلى رحاب فاتحة الكتاب تفسيرًا وتدبّرًا، نقف على لطائفها وفوائدها، بالاستعانة بآيات القرآن الأخرى وروايات المعصومين والتدبّر العقلاني المضبوط.
الحمدُ أحبُّ الأذكارِ إلى قلبي، أيسرها نفاذًا إلى عقلي وأكثرها استدعاءً لي للتفكر، حتى أختمَ تفكري بِـ"الحمد لله" كما بدأته، ولا يكون لفظ الأخيرة كما الأولى أبدًا.
مِن اللطائفِ تسميةُ سورةِ الفاتحةِ بِسورة الحمد، وهي أكثر السور قراءةً في كلِّ يوم، إذ وحدها الواجبة في كلِّ ركعة تتضمّن القراءة. من هذا المنطلق كانت سورةُ الفاتحة أكثرَ السور التي أقف عليها خاصةً في محاولاتي العديدةِ لتقويم الصلاة، كنتُ ولا زلتُ أعتقد أنَّ الهدايةَ للصراطِ المستقيم التي نرجوها ونختمُ بها السورة، تبدأ حين نرتبطُ بالسورةِ، نفهمها، نعيها ومعانيها ودلائل ألفاظها ورسالاتها، ثم نعمل بماء جاء فيها من رسائل حتى نهتدي.
يتضمن الكتاب فصولًا سبعة تسبقها مقدّمةٌ لا تقلُّ عنها أهميةً، يشير فيها الكاتب إلى عظمة السورة وينظر إليها نظرةً عامةً قبل أن يفصِّل كل آيةٍ من آياتِها.
ينفرد الكاتبُ في كلِّ فصلٍ بآيةٍ متأمِّلًا معانيها الظاهرة والباطنة بلغةٍ وأسلوبٍ أقرب ما يكونا إلى الشاعريةِ -غير المبالغ فيها- من لغةِ الدراساتِ والشروح، وهذا ما سهَّلَ قراءته وجعله أكثر ملامسةً لي روحيًّا، فكنتُ أشارك الكاتبَ في الكثيرِ من التأملات، وأقف على المعاني ذاتها التي يقف عليها، لكنَّني في حضرةِ الله وكلماتِه لا أجدُ لما يعتريني من شعورٍ وأفكارٍ تعبيرًا يليق بها، فإذا ما وجدتُ من وهبَه الله هذه القدرة استأنستُ وتجدَّدَ فيَّ الشعور، وهذه واحدةٌ من إيجابيات القراءة عن القرآن والسورِ، لا سيما القصيرة التي حفظناها ودرسناها صغارًا، فالقرآن خالدٌ وباقٍ على ما هو عليه مذ أنزله الله على رسوله محمد (صلى الله عليه وآله)، وحتى معانيه أصيلة لا تجديدَ فيها، فلعلَّ الكثير مما تقرؤه في كتبِ الدراساتِ القرآنية يكون إيقاظًا لشعورٍ أو فكرةٍ في عقلِكَ اللاواعي، لا استقبالًا لأفكار ومشاعر جديدة.
من تأملاتِه في الآيات ينطلقُ الكاتبُ إلى محيطٍ أعمق، مثل: لماذا الحمد لا الشكر؟ لماذا وصفُ (الرحمن الرحيم) خصوصًا؟ وما خصوصيته ليتكرَّرَ مرتين في السورة؟ ما هي الاستعانة التي نقصدها في (وإياك نستعين)؟ كما أسهبَ في دراسةِ الآية السادسة ذاكرًا عوائقَ الهداية إلى الصراطِ المستقيم وما يتوجب علينا فعله كي نهتديه.
استشهادُ الكاتبِ بالآياتِ القرآنية وطرحه للأمثلة القصصية في موقعِها المناسب كانت أبرز نقاط قوة الكتاب، وإذا ما أراد بتأليفِه أن يزيدَنا ارتباطًا وتأملًا بآياتِ سورةِ الفاتحة، فأظنّه -بقصدٍ أو من دون قصد- نجحَ في التذكيرِ والتوجيهِ إلى ضرورةِ تأملِ كلِّ آيةٍ نقرؤها، مما يزيدنا ارتباطًا بالقرآنِ ككل.
قد يكون عيب الكتاب الوحيد تهميشه لمصادر بعض القصص -وإن كانت معروفة ومتداولة-، وعدم ذكرِه للسورِ المقتبَسة منها بعض الآيات في الهامش. ما عدا ذلك فرفقةُ الكتابِ لطيفة، وهو بلا شك سيفتح في قلبِ قارئه نوافذَ يطلُّ من خلالِها على مصاديق رحمةِ الله، حتى يستشعرَ معنى "الحمد لله" فلا تنفكُّ عن فعلِه وقولِه. "فَكُلَّما قُلْتُ لَكَ الْحَمْدُ وَجَبَ لِذلِكَ أنْ أقُولَ لَكَ الْحَمْدُ."