Jump to ratings and reviews
Rate this book

الهروب من الذاكرة: العائد إلى البيت في المساء، طريقان للهروب، لأن في الدنيا نساء

Rate this book
ثلاثيةٌ روائيَّة مُلهِمَةٌ، تفسحُ المجالَ لسَرْدٍ يُزعزعُ الكثيرَ من المُسلَّمات، وما يجعلُ مُدناً بأكملها ترزحُ تحتَ قبضةِ الخوفِ من التاريخِ الذي يعيدُ أحداثَهُ. فما نهربُ منهُ، نجدهُ أمامَنا، يُكبِّلنا، ويحاصرُ أرواحنا. ولا خلاصَ بين يمينٍ ويسار، بين مأساةٍ وملهاة، بين ذاكرةٍ ومحاولة نسيان؛ إلَّا بالهروب إلى الحرّية والحلم وتتبّع أصوات الثورة، بدءاً من السطرِ الأوَّل لكلِّ جزءٍ من الثلاثية: «رأيتُ فيما يرى النائمُ...».

من الكتاب:
... هو الآن يشتاق إلى السفينة ذات الصاري وذات الشراع التي تدفعها الريح، ليناجيَها أن تحمله وتعبر به أفريقيا كلَّها حتَّى رأس الرجاء الصالح، ليعيش فوق الجليد. لقد شعر أمس أنه عاد إلى الجنَّة، ومع الصباح شعر أن لا أحد من أصدقائه هناك. مَنْ وما الذي جعله يحبُّ الجحيم؟ هل هي الأسود والثعابين؟ لكنه لم يستمرّ في الوقوف أمام السجن. أسمعه الله صوت أُمِّه تسأله لماذا خرجتَ من الأرض التي فرشتُها لكَ؟ ما الذي جعلكَ ضعيفاً خائفاً هكذا؟ أنا أُمُّك سرُّ الحياة، وفي البيت زوجتُكَ، الأرض التي وهبكَ اللهُ لتُثمرَها.

728 pages, Paperback

First published July 1, 2021

7 people are currently reading
204 people want to read

About the author

Ibrahim Abdel Meguid

57 books99 followers

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
6 (24%)
4 stars
9 (36%)
3 stars
7 (28%)
2 stars
2 (8%)
1 star
1 (4%)
Displaying 1 - 9 of 9 reviews
Profile Image for Mohamed ندا).
Author 4 books561 followers
November 27, 2021
ذاكرة إبراهيم عبد المجيد تنوء بأحمالها...

في روايته الأحدث "الهروب من الذاكرة"، أو الثلاثية الروائية كما كتب على الغلاف، يتحرر الروائي المصري الكبير مما أثقل ضميره الإنساني خلال السنوات الأخيرة. أيقن الأستاذ أن واجباته الأخلاقية والإنسانية، ومسؤوليته الأدبية، تحتم عليه أن يلف قلمه بالأسلاك الشائكة، قبل أن يحتضنه، ليبوح له بحكاية عن محاولته، ومحاولات الآلاف، للهروب من ذاكرة أضحت مخضبة بالوحشة واللا جدوى.

نحن أمام عمل ملحمي يتّسم بالعصرية من حيث عنصري الزمان والمكان، يمزج بفرادة بين واقع مؤلم، وواقع سحري مشبع بالرؤى والرمزية. الأول يفرز الثاني، والثاني يَمنح لمن عاش الأول فرجة يعبر خلالها إلى فضاء الحلم والأمل، الحلم بالتحرر من ذاكرة مثخنة بالقهر، والأمل الذي يمنحه القدرة على مواصلة الحياة.

مجدي هبة الله هو بطل الحكاية، اختيار الاسم قد يكون عفويًا، وقد يحمل دلالة رمزية عن المجد المقرون بهبة الله قبل بذل الجهد. يُسجن مجدي خمس سنوات لمجالسته شيخ مسجدٍ يعرف في ما بعد أنه من معتنقي الفكر الجهادي، لم يكن هبة الله يعرف أنه بمشاركة الشيخ جلسات تدخين الشيشة يمسي شريكًا له في المذهب. هكذا تنتزع الصدفة خمس سنوات من عمر مجدي، خمس سنوات نهل فيها من معارف السجناء حتى بلغ من الوعي رصيدًا يؤهله لأن يزهد الدنيا، ورفقاء السجن هم شيخ سلفي قبض عليه لأنه إمام مسجد كتبت على جدرانه عبارات تناهض الدولة وتؤازر الجماعة المحظورة (الشيخ يسري)، وفنان تشكيلي سكندري (فخري)، ومزارع يأنس بمجالسة النباتات ويؤمن أنه يكلمها وتكلمه (عيد)، وشخص ألقي القبض عليه بتهمة الإفراط في الضحك (بسام)، ورجل يحب النساء فقاده حظه العاثر إلى مواقعة امرأة هي زوجة إرهابي هارب إلى ليبيا (قايد باي) وشاب شيوعي مثقف لا نعرف سبب القبض عليه (حسام وهبان)، وشخص صموت يدعي طوال الوقت أنه لا يفقه شيئًا (عواد اللي في الطراوة)، والشاعر الصموت (حازم سمرة).
يخرج مجدي من محبسه شخصًا مغايرًا لذاك الذي اجتثته الصدفة من الحياة إلى غياهب السجن، وواقع الأمر أنه لم يُحكم عليه بالسجن من الأساس، بل استمر حبسه احتياطيًّا طيلة تلك السنوات، ولعل ذلك ما جعل عودته لعمله -كمدرس في أحد المدارس الحكومية- سهلًا ومسموحًا...

وفي مشاهد سوريالية تصهر الواقع والخيال في معين الخوف والشك، يجد السجين المفرج عنه صعوبة في التماهي مع الحياة التي لم يعد يألفها خارج الأسوار، حدّ أنه يعود إلى السجن في اليوم التالي لخروجه ليطلب العودة إلى زنزانته، لكنه يتراجع في اللحظة الأخيرة. تطارد الأوهام والخيالات مجدي، وتزحف الثعابين على أسقف حجرته وتفزعه، بيد أن زوجته الصبورة المخلصة تبذل جل طاقاتها بغية جذبه إلى الواقع من خلالها، ومن خلال جسدها التوّاق لحبيب سُلب منها خمس سنوات.

يحمل إبراهيم عبد المجيد كاميرته ويعود في أناة إلى الخلف كاشفًا عن أبعاد ثلاثيته الروائية، يُخرج المشاهد بحنكة راكمتها سنين الألفة مع الأقلام والورق، ويخرج الحكاية تلو الحكاية من جراب العمر الشاهد على تقلبات العصور والأمور.

المكان هو أرض الجمعية في امبابة، والزمان هو الزمن الراهن، ومحاور الحكاية تأخذ في التشكل أمام القارئ، وهم ثلاثة محاور؛ "مجدي" وزوجته "زينب". "أبو رقية" المقاول السنًي المغرم بالنساء سواء كزوجات أو محظيات وجواري. "لبنى" زوجة أبي رقية ورحلة هروبها مع "سمير التايه"، مدرس الجغرافيا الذي فقد معنى الحياة منذ سفر حبيبته "نور" عقب ثورة يناير، حتى استعاد قطافها من على شفتي "لبنى".
مرة أخرى الأسماء كلها تحمل عدة أوجه، قد يقبلها القارئ كما هي، وقد يجد فيها قارئ آخر ثمّة رمز أو دلالة، وكل كتابة هي عرضة للتأويل. قد أعود إلى وضع الأقواس حول الدلالة المحتملة للأسماء، وقد لا أفعل.

إشارة: يستهل إبراهيم عبد المجيد كل جزء من روايته بعبارة محفوظيّة النزعة والهوى: "رأيت في ما يرى النائم"

الجزء الأول | العائد إلى البيت في المساء

{رأيت في ما يرى النائم أنه كان هناك فارس عظيم، عرف بوجود مدينة خيالية. ركب فرسه، وذهب إليها، فوجدها محاطة بأسوار بلا أبواب. ظل ينادي أهلها، ولا أحد يرد. يأتي الليل فينام، ويأتي النهار فيصحو، ينادي ولا أحد يرد. مرّ به العمر، ولم يدرك أبدًا أن المدينة الخياليّة بلا سكان}

في الحكاية الأولى، أو أول أجزاء الثلاثية، يروي لنا إبراهيم عبد المجيد سيرة الخوف من البراح وافتقاد ألفة الجُب! يغوص الكاتب في وجدان بطله الحائر، وربما كانت حيرة الكاتب نفسه نهرًا شقّ منه رافدًا صبّ حيرته في نفس المكتوب.
كيف لسجين ألا يتأقلم مع الحرية، وهل من خلاص لهذه الأزمة العربية الخالصة؟ نحن لسنا امام متلازمة ستوكهولم، بل إننا أمام ظاهرة اسـتأثرت بها الشعوب العربية حسب ظني، فالسجين مُطلق السراح هنا لا يتعاطف مع السجان، لا يفتقده، لا يحقد عليه ولا يسامحه في ذات الوقت، إنما هو يشعر بالغربة حين ترحل الأسوار بعيدًا عنه! لذلك يحيطُ الحرّ نفسه بالطيوف والتخيلات، أفاعي وجنيّات ونسوة ندّاهات يطللن من شرفاتهن ليسرقن الحياة من قلوب الرجال العابرين، وسائق يحمل اسم الولي "إسماعيل الامبابي" يبزغ في كل الطرق والأزقة ليعيد مجدي إلى بيته، في المساء.

في غضون ذلك نتعرف إلى المحامي عبد الله، صديق مجدي الأقرب، رجل القانون الرافض للعمل في قضايا السياسة، والذي يحاول بدوره انتشال مجدي من محنته. ثم تنتشر في البلاد ظاهرة المنادين، أولئك الذين يجوبون الطرقات في المساء ويصرخون بما يشق دثر الصمت والليل ويمسّ القلوب:
"يا عدرا يا أم النور، سايبانا ليه في الضلمة؟"

البطلة هنا هي زينب زوجة مجدي، الأنموذج الأمثل للمرأة المصرية بكل ما تختزنه بين ضلوعها من قوة وعشق وإيثار واستعداد أبدي للزود والدفاع عن رجلها وعائلتها، كانت زينب امرأة لها سنام جمل فتيّ، وضروع ناقة مدرارة الحليب، وكانت هي المرأة التي صانت، والمرأة التي صبرت، والمرأة التي رقصت واحتفلت وجرعت النبيذ في حفل رأس السنة الذي أقامته في أرض الجمعية!

كانت زينب هي عمود الخيمة وحامية القطيع، وكان لها الفضل الأول في إبعاد الأفاعي السارحة على الحيطان من مخيّلة زوجها. الفضل الثاني الذي كان له أثر عظيم على استعادة الحياة لشيء من مجدي، لا العكس، يعود إلى الإرث الذي تركه أباه له. أرض خلاء في منطقة السادس من أكتوبر، هبة الله التي شاء أن يرثها مجدي حتى تكون نواة خلق عالم بديل لذلك الذي لم يعد يألفه. يقرر مجدي أن يتشارك مع مقاول في بناء عمارة فوق أرضه فيمنحه نظير كلفة البناء حصة من بيع الشقق، وأبو رقية هو المقاول، وزوجته المنتقبة التي يصر إنها جنيّة تتبادل القبلات مع سمير التايه في حفل رأس سنة مقام في إمبابة، والسائق إسماعيل الامبابي لا يختفي حتى بعد أن يشتري مجدي سيارته، والمنادون يواصلون مناجاتهم لأم النور، والأمن في تأهب مستمر، ومجدي يحاول طرد أشباحه والتخلص من ذاكرته التي تشتل الخوف في طريقه وأمام عينيه أينما مضى وكلما أسبل جفنيه.

لكن الذاكرة تأبي الإمّحاء، فرفقاء السجن يعاودون الظهور في المساحة الضئيلة بين الحلم والواقع، ويشغلون الحيز الضيق بين البصر واليقين، والشرطة تقبض على من ينادي العذراء المقدسة خوفًا من الفتنة الطائفية، والمحامي يدافع عن بعض المضبوطين منهم، بينما يهيم مجدي في طرقات أرض الجمعية ووسط البلد، يبحث عن أثرٍ من الحياة التي لفظته قبل خمس سنوات في قبو معتم، حتى ينتهي القسم الأول من الثلاثية بعودة أخرى إلى البيت... في المساء.

الجزء الثاني | طريقان للهروب

{رأيت في ما يرى النائم أن فرقة من الموسيقيين تعزف وسط صحراء خالية من البشر، وقد جلست على الأرض حولهم الذئاب والضباع والثعالب سعيدة تصفق، بينما فوقها وتحت السماء آلاف الطيور ترفرف بأجنحتها راقصة، والمر ساقط من السماء، لكن، لا أحد يبتل بالماء غيري، ولا أثر للمطر على الأرض}

نتابع في القسم الأكبر من هذا الجزء قصة تفرعت من بحر الحكاية الرئيسة، حكاية لبنى، الزوجة الهاربة من أبي رقية، المقاول السلفي المصاب بولع اقتناء النساء، وصاحب الصلات الوثيقة بالأمن. تقترب الحكاية من مدارات شريكها؛ مدرس الجغرافيا سمير التايه، فنعرف المزيد عن حكاية قبلته الأولى مع نور، الفتاة المصرية التي عشقها وأصيبت في ثورة يناير ثم غادرت مصر للأبد، ليظل التائه على تيهه طيلة السنوات التالية، حتى ليلة رأس السنة في بيت مجدي وزينب، حين أدار النبيذ والخمر رؤوس السهارى فكانت قبلته للبنى بمثابة ميلاد جديد لكليهما.

فلبني، أو أم رقية، لم تكن يومًا زوجة لأبي رقية، ولا هي أم لرقية، إنما هي واحدة من محظيات الشيخ المقاول المتنفّذ، جلبها من إحدى دور الأيتام بعد بلوغها السن المناسبة، إلى ڤيلته في أكتوبر حيث يحتفظ بالجواري والمحظيات، قبل أن ينقلها إلى شقته في أرض الجمعية في امبابة لترعى رقية، التي هي حتما ابنة امرأة أخرى. أغرق جسدها بالوشوم والرسوم ولم يتوقف عن وصفها بالجنيّة حتى آمنت بالأمر وصدقته.

أما سمير، فقد تحرر من كل متاعه دفعة واحدة عقب القبلة، تخلص من عمله وأقاربه وبيته وتاريخه، وانتزع لبنى من ظلمتها إلى براح منشود طال انتظاره. يقرر أن يخلق أسطورته وتغريبته الخاصة، تأسره حكاية عزيزة ويونس من السيرة الهلالية. يرتحل سمير ولبنى غربًا، يشقان فوق الرمال سيرتهما الجديرة بأن تروى بعد قرون، والخطة هي التسلل إلى ليبيا وتتبع الشموس الغاربة وصولًا إلى المغرب، حيث يركبان البحر إلى الأندلس كما يصر سمير على تسميتها وكأنها لن تسقط.

رجل تائه، وامرأة مأسورة يلتحمان ويتداخلان في لجة عشق ولوثة شوق كأنهما آدم وحواء وقد أمرا بإعادة اكتشاف الأرض!
أيقن إبراهيم عبد المجيد أن آدم وحواء بما عمّرا به الأرض من بشر قد حادا عن مهمتهما وفشلا في تنفيذ مشيئة الرب، فجعل من سمير ولبنى نواة خلق جديد موازٍ ومتداخل مع الخلق القديم.
أحببت كثيرًا شخصية سمير، التعاطف مع الاسم لا أنكره، بيد أن سميرًا قد حقق في رحلته هذه ما يصبو إليه كل رجل على وجه الأرض، وما صبا له كل رجل تستقر رفاته في باطنها، الحرية والبراح وإعلان الغرام والانشقاق عن أطر العادة والشب فوق أسوار المسموح، استعر غرام سمير ولبنى في أرحام التاريخ في مطروح، وفي كل بقعة خطواها في هذه الرحلة التي باركتها آلهة الحب، وكأنهما بالتحام جسديهما يعيدان الحياة إلى الحجر، ويشهدانه على أن ثورة الحاضر مشتعلة جامحة لن تتسع لها كتب التاريخ. لهذا كان اسم المهرب الأول الذي أسهم في نقلهما عبر الصحراء إلى ليبيا: أبو زيد الهلالي!

أما المقاول المطعون بهروب زوجته من الحرملك العصري، فلا يتوقف عن تتبع أثرها دون تدخل أو جنوح إلى انتقام، يستبدل بها امرأة أخرى يشاع بين ساكني بناية أرض الجم��ية إنها جنيّة أخرى ، خطّافة رجال لا ريب.

في سياق موازٍ، نتابع مجدي هبة الله وقد شرع في بنيانه الجديد، كان بنيان الإنسان الذي يتشكّل في قلب مجدي يطاول البناء الحجري الذي شيده وأدرّ عليه الملايين. أراد هبة الله أن يصنع بيت البهجة في عمارته الجديدة، بيت البهجة للفنون، مركز لتعليم الموسيقا والفنون للأطفال ملحق بمكتبة يودّها هائلة تسمح بالاستعارة وتتيح القراءة للكافة، وزينب سعيدة مع الطفلين المبتهجين ببراح لم تعرفه أرض الجمعية.

وكلما خرج أحد رفقاء السجن، اعترت مجدي لهفة للتواصل معه، وزينب خائفة متوجسة تود أن تبتر جسورًا لم تزل ممتدة بينه وبين الزنزانة، فهذا رفيق الأمس يعمل في أحد مقاهي هايبر وان في أكتوبر، وذاك الآخر هو شقيق أحد الرفقاء يود أن يجالسه عقب حملات تدعو الناس للنزول للضحك المستمر في الميدان، مظاهرة للضحك خشي شقيق السجين الذي سجن لأنه يضحك أن يتهم باضطلاعه فيها. هكذا تظل الذاكرة حية رغم أن رغبة الحياة عادت واشتعلت جذوتها في صدر مجدي، وهذا الأخير يمضي قدمًا في تشييد عالمه الفاضل الجديد، دون أن يتخلى عن رفقاء سنوات السجن، الذين تعلم من مجالستهم ما لم يتعلمه طوال ثلاثة عقود قضاها حرًا. يساعد هذا ويقابل ذاك ويُشق صدره كلما سمع عن واحد منهم وقد ضل السبيل أو مات أو ظل دائرًا في ساقية الأيام الخمس والأربعين.
نعرف أن سمير ولبنى عبرا إلى ليبيا المشتعلة بالثورة والانقسام والحرب، تحقق لهما ما أرادا من هروبٍ مثّلا بحكايتهما طريقه الأول، في حين ظلت طريق الهروب الأخرى عصيًّة على مجدي وزينب، فالهروب من الذاكرة أكثر وعورة من الهروب من الوطن والكون برمته، طريق مخاتلة ملآنة بذيول الماضي التي لا تتوقف عن قطع الطريق.

الجزء الثالث | لأن في الدنيا نساء

{رأيت في ما يرى النائم أن المدينة خلت في النهار من قوات الشرطة. امتلأت بهم الميادين في الليل بعد أن ينصرف الجميع. سألت لماذا؟ أجابوني أن من يأتون في النهار يصيبهم الخرس، لكن، في الليل تنبعث من الأرض أصوات، يمتلئ بها الفضاء، ولا بد أن نعرف من هم أصحابها}

"فتش عن المرأة"، تلك المقولة الحائرة بين ألكسندر دوما وبونابرت وفرجيل، والتي تقال لوصم المرأة بأنها أصل الشرور، يعارضها هنا الكاتب السكندري الكبير بإخلاص عظيم.

يتوالى خروج السجناء، يختفي المنادون للعذراء، ترتفع بناية مجدي هبة الله ويعرف من العيش رغدًا يدفعه إلى التفكر في شأن العمل في المقاولات، كان مجدي وزينب قد تركا عملهما في المدرسة الحكومية إثر انتقالهما من أرض الجمعية إلى مدينة السادس من أكتوبر، يلتحق الولد والبنت بمدارس خاصة، ويتوافد الأطفال على بيت البهجة لتعلّم الموسيقى والرسم. أراد مجدي أن يشيّد حياة محاطة بأسوار البهجة، استبدل بالقضبان معزوفات الموسيقا وألوان الرسم، كأنه بذلك يحقق هروبًا نوعيًّا من الذاكرة عبر خلق ذاكرة جديدة عامرة بالبهجة، وهل في حياتنا ما يخلق البهجة قدر صخب الأطفال وانشغالهم بالفنون؟

تتكرر محاولات المُفرج عنهم للعودة إلى السجن، يواجهون ذات الصعوبات التي واجهها مجدي ويجاهد ليجد منها فكاكًا، خصوصًا مع تسرب الشخوص من إطار الذاكرة المحتجزة في الفعل الماضي، إلى الحياة السارحة في زمن المضارع، فها هو الشاب اليساري حسام وهدان يعاود الاتصال به عقب إخفاقه في إقناع المسؤولين بإعادته إلى الزنزانة، والفنان السكندري فخري يطالب المحكمة بعدم الإفراج عنه.
ثم يرسل فخري فنانًا تشكيليًّا ذائع الصيت ليقيم أول معارض الفن التشكيلي في بيت البهجة، تشرق شمس الفنون وتنقشع غمامة الذكريات عن سماء مجدي، ويشتري أو لوحة، وهي لوحة فخري لحب عمره، الفنانة السكندرية الراحلة سلوى، يرتدّ مجدي إلى محاورته مع فخري حين قال له الأخير في السجن:
"هل تعرف يا مجدي لماذا تستمر الحياة؟ لا تقل لي من أجل الأبناء وهذا الكلام، نحن نواصل الحياة، لأن في الدنيا نساء".

لكن الضباب لا يلبث أن يعاود حجب الضياء. يموت الشيخ يسري عقب خروجه من السجن، ويموت الضاحك بسام في السجن إثر نوبة ضحك شديدة، ويلقى قايد باي مصرعه إثر فتوحات نسائية أخرى. في ذات الوقت يتم الإفراج عن عيد محدّث النباتات، والشاعر حازم سمرة، يهيم الأول على وجهه في الصحراء، وينخرط الثاني في كتابة الشعر.
تغزو الخيالات عقل مجدي هبة الله من جديد، فتطل عليه النسوة العاريات من الشرفات، ويعود طيف السائق الذي يحمل اسم الولي للظهور. تتعاظم الشكوك، وتحتشد غيوم الذاكرة مرة أخرى.

على الجانب الآخر من العالم، يتابع مجدي وزينب وصول سمير التايه ولبني إلى المغرب ثم الأندلس، تكتمل تغريبة الهروب بوصول العاشقين إلى غايتهما فيقررا الذوبان في عالمهما الجديد، ذلك العالم الذي شقا طريقه وشيّدا معالمه بعشقهما الجامح. يتوقفان عن الكتابة على الفيسبوك ويتركان سيرتهما لتتخلق كأسطورة في عقول العوام. حكاية عاشق اختزل حياته بين قوسين، أولهما قبلة، وآخرهما قبلة.

في ذات الآونة، تعود إلى طرقات القاهرة أصوات المنادين:
"يا عدرا يا أم النور سايبانا ليه في الضلمة؟"

وتأتي خاتمة الرواية في احتفال آخر برأس السنة. في مدينة السادس من أكتوبر هذه المرة، ذات الحضور القديم من أرض الجمعية في إمبابة، وقد انضم لهم أهل الفن ممن اجتذبهم بيت البهجة، ينخرط الجميع في احتفالية بأمل واهن لم يتوقف عن النبض، أمل بغدٍ مغاير لما كان، غد يشكل ذاكرة بديلة تزيح ما راكمته سنوات التيه والشقاء. وفي ذات المشهد الختامي البديع، يحتفل المسجونون برأس السنة، في الميدان الذي اضحى فارغًا، مهجورًا ومنسيًّا...

ختام

عمل إبداعي يحمل عبق الذكريات القريبة، وعصارة الخبرة، يزاوج بين الألم والأمل في إطار واحد، فيدق عدة إجراس لن يسمعها إلا العقلاء. كان إبراهيم عبد المجيد رحيمًا بدور النشر المصرية السابحة في أفلاك المسموح حين حمل روايته هذه، وعبر البحر رفقة شخوصه، ليسلم حكايتهم إلى دار المتوسط في إيطاليا.
رواية بديعة جريئة، لم يجرؤ كاتب مصري على كتابة كهذا منذ الثورة. حكاية يتدفق سردها لما يجاوز سبعمائة صفحة حتى تنتهي أوراقها والقارئ لا يمانع مواصلة القراءة وتتبع مسارات هؤلاء الشخوص والاستزادة من حكاياتهم.

وللمتصيدين أقول: لسنا أمام رواية سياسيًّة، لكنها رواية إنسانية صارخة، لا تدخل في صدام مع شخص بعينه، بقدر ما تعرض صدام الإنسان مع نفسه، مع أفكاره، مع واقعه المرهق، ومع الوتيرة المتسارعة لزمن لا يمنح فرصة لالتقاط الأنفاس.

مجدي هبة الله شخص غير مسيّس، وجد نفسه في المكان الخطأ دون ذنب أو جرم، لكنه اكتشف العالم الحقيقي في أفكار صحبة السجن على تضادها، ووجد لديه القدرة على التعاطف مع الجميع. استطاع مجدي هبة الله أن يقبل الجميع بمختلف ميولهم وأفكارهم؛ الأمر الذي لم تنجح في بلوغه الغالبية الساحقة منا حتى اليوم.

هذه رواية تهتف بالتسامح وحب الحياة، وتفتح مصاريع السماء رغم البلاء على آفاق حلم لن يغيب، حلم التعايش والتعافي من آثار النكبات وما أكثرها.
رواية ترفع رايات الحب كمسلك وحيد للنجاة.
كلمة الحب، تلك الكلمة العذبة المطاطية تظل قابلة للتمدد واحتواء كل ألوان الحب، حب زينب لمجدي وإصرارها على استعادته من الجب المتخيل، وإعادة غرسة في تربة جسدها المعطاء، حب سمير ولبنى المغلف بالجموح، الرافض لكل ما جاء في قواميس العقل وسنّته العادة، حب فخري لسلوى، حب الأطفال للموسيقا والرسم، حب عيد للنباتات، حب حازم للشعر، وحب حسام للتجوال في شوارع خلت من المارة، وحب قايد باي للمغامرة...
ذلك الحب الذي ينبغي أن نعيده إلى البيت، فيفتح طرقات الهروب من وجع الذاكرة، ويستمر، لأن في الدنيا نساء.

في محبة إبراهيم عبد المجيد، ولتفرد عوالمه، نقرأ رواياته، هذا الرجل الذي يتلقى اليوم علاجه في سويسرا إثر معاناته مع متاعب صحية أليمة، يجب أن يكرّمه القراء وتتابع الدولة حالته، فقد اكتظت الذكريات في حقائب كاتبنا المصري الكبير، حتى اعتلّت فقرات ظهره وأسلمته لمباضغ الجراحين، فاستبدل بالقلم عكازًا...

إن قراءة هذه الرواية الملحمية هي أفضل دعاء يمكن أن يمنحه القارئ لكاتب يحبه، والسماء التي وهبت من أسرارها نفحة الخلق لحملة الأقلام الذين اصطفاهم الخالق بموهبة فطرية، لن تبخل على العم إبراهيم بالشفاء، ولن ترد الدعاء الذي يتصاعد من طرقات المحروسة ويطال أبوابها الزرقاء.

فيا فاطر النور من رحم السماء، ويا عدرا يا أم النور، أعيدوا لنا عم إبراهيم وقد زالت آلامه، وشُفي قلمه الموجوع، وتحررت ذاكرته، وفقراته، مما يثقلها...
وماتسيبوهوش في الضلمة ❤

#محمد_سمير_ندا
Profile Image for Sama ziada.
473 reviews84 followers
May 10, 2022
العائد إلى البيت في المساء
طريقان للهروب
لأن في الدنيا نساء.

ثلاثية جديدة للكاتب إبراهيم عبد المجيد تختلف إختلافا كليا عن ثلاثيته الأولى الإسكندرية فثلاثية الأسكندرية تحكي عن مكان واحد واختلافه عبر الزمن في فترة زمنية طويلة
أما ثلاثية الهروب من الذاكرة فهي ثلاثية الزمن الواحد لأشخاص عدة عاصروا نفس الظروف
بمعاصرتهم للثورة وما تلاها وتعرضهم للسجن السياسي
فهي تحكي عن قصة مجموعة من الأفراد تعرضوا للسجن بدون جريمة واضحة ويتمدد لهم مدة الحبس في كل مرة ثم يخرجون فلا يدروا لماذا سجنوا ولماذا خرجوا؟
ومن هنا تبدأ اللحظة الحقيقية للرواية لحظة خروج مجدي واحدا منهما وعودته للبيت في المساء
فكيف تغلب على الليل وظلمة السجن وأشباحه؟

في الجزء الثااني قدم لنا الكاتب طريقان للهروب من أشباح اليأس إحداهما بخلق نوافذ جديدة داخل البلاد للتطلع إليها وآخرى بالهرووب من البلاد وكلاههما نجحا وترك لنا الإختيار

إستعرض الكاتب الكثير من الأفكار والأراء لمجموعة المساجين الذين كانوا في مجملهم نماذج للمجتمع فمنهم الأصولي والوجودي والشيوعي والحالم والعدمي والإنسان البسيط وإستعرض معنا آرائهم ومناقشاتهم

ناقش الكاتب متلازمة إستكوهولم التي تعرض لها المساجين وكيف أنهم أرادوا العودة للسجن بعد خروجهم منه.
وكعادة إبراهيم عبد المجيد أعطى للمرأة مكانة كبيرة فجعل أن الحياة نفسها تستحق أن تعاش لأن في الدنيا نساء، بل جعل هنا أن طريقان الهروب نجحا بالعنصر الأنثوي وكلاهما وصلا لطريق النجاة بسبب أنثى.
من الملاحظ أن الثلاثية إبتدأت وإنتهت في نفس التوقيت وهي ليلة رأس السنة، فكانت بداية خروج البطل واحتفاله بالخروج هو ختام الليلة الأولى، واحتفاله وعودته للحياة هو ختام الليلة الثانية، فكيف تم التغيير؟

موتيفا الرواية كانت هنا عدة بداية من رؤية الثعابين، شخصيية إسماعيل الإمبابي، الموسيقى الكلاسيك، الجنس، الفيسبوك.

الرواية من الأدب الواقعي، تكاد لا تحتوي على رمزية ما،
صاغها الكاتب بكل البراعة والوجع.
Profile Image for Islam El Shamy.
207 reviews13 followers
July 23, 2024
كيف للعائد ان يهرب من قسوة ماضي وتجربة مريرة مر بها دون ان يقترف اي ذنب ، كيف يخرج من اسر خيالات و اوهام تلاحقه تذكره بما مضي يجيب عن ذلك المبدع ابراهيم عبد المجيد بطريقان للهروب اما بالخروج الي الفضاء المتسع للحياه بحثا عن الشغف او بالهجرة المثيرة اكتشافا للحياة في جانب اخر من الحياة.
في روايته الجديدة كعادته يخلق عالما حقيقا واقعيا بكل مشاعره و احداثه و شخوصه منبها لتغيرات اجتماعيه كارثية بسرد ممتع ومشوق تكا�� لا تريد ان تنتهي من قراءته.
Profile Image for Ahmed Tarek.
45 reviews13 followers
April 5, 2022
كانت رحلة طويلة وجميلة ومشوقة مع مجدي و زينب
كالعادة إبراهيم عبد المجيد واسلوبه المشوق و العميق اللي ميتزهقش منه رغم طول الرواية
وداعاً مجدي و زينب
Profile Image for مروان عثمان.
Author 3 books26 followers
June 24, 2022
كان من أسباب حماسي لقراءة ثلاثية الهروب من الذاكرة، بعيدا عن حبي لروايات إبراهيم عبد المجيد، إنها عصرية عن مصر (الجمهورية الجديدة)، وكنت عايز اشوف ازاي ثلاثية مكتوبة بشكل مكثف يخلي النطاق الزمني لأحداثها في سنة ونص تقريبا (الثلاثية كلها بتبدأ في منتصف ٢٠١٨ وبتنتهي بنهاية سنة ٢٠١٩)
لكن يمكن ده نفسه هو السبب اللي خلاها محبطة بالنسبة لي، بعيدًا عن عدم فهمي لسبب تقسيم الأحداث على ثلاث روايات، أرى إنه كان من الممكن الاستغناء عن كثير وكثير من الرغي بين الشخصيات بدون هدف، والوصول إلى رواية واحدة حلوه ومتماسكة ومعبره عن العصر في نفس الإطار الزمني (بتبدأ بخروج البطل من السجن وتنتهي ليلة رأس سنة ٢٠١٩).


بل أرى إنه كان المفروض مش بس الاستغناء عن رغي واستطراد كتير في كل مناحي الحياة، يمكن كذلك الاستغناء عن شخصيات كاملة ظهورها كان كويس في الأول لكن مع الدخول في الأحداث بتكتشف إنه مكرر وبلا هدف (زي سواق التاكسي اللي كل شويه بيظهر للبطل).


ممكن الاستغناء تمامًا عن الخط الدرامي الخاص بقصة هروب لبنى مع سمير التايه، اللي بيشغل الثلاثية تقريبا من نص الرواية الأولى، ثم بيكبر فبياخد نص الثانية، لحد ما يوصل في الثالثة لاحتلال مساحة كبيرة من الورق وهما بيتابعوا حالة طرفي رحلة الهروب من خلال بوستاتهم على فيسبوك بهدف الضحك لا أكثر، وهي في رأيي محاولة لاستعادة نفس اللعبة القديمة اللي عملها إبراهيم عبد المجيد في رواية (في كل أسبوع يوم جمعة) واللي خلاها في رأيي أفضل رواية بتتكلم عن عصر انتشار الانترنت وتأثيره في مصر، لكنها هنا محستش إن لها داعي يجبره على حشرها وسط الأحداث.


أخيرًا معجبنيش اعتماد إبراهيم عبد المجيد الفج هنا على الخطابة والمباشرة في الهجوم على السلفيين وأفكارهم، خصوصًا في رواية المفروض بتنزع إلى السيريالية في جزء كبير من أفكارها، بينما الهجوم على الأفكار السلفية فيها كان مباشر جدًا، وأحيانًا غير مفهوم في منطق الرواية نفسه (مفيش سبب يخليك تفرض منطق إن شخص سلفي بيدق وشم على جسمه، أو بيشرب نبيذ ليلة راس السنة، خصوصا لما بتكتشف في الاخر ان ده قائم بذاته وملوش غرض ولا تأثير على الأحداث)، وللكاتب نفسه رواية أخرى المفروض بتدور في قلب بؤرة الوهابية وبتهاجم أفكارها لكن من غير مباشرة ومن غير يمكن ما تيجي على ذكرها، هي رواية البلدة الأخرى، اللي كانت عبقرية وممتعة لإنها معتمدة على الأحداث.
Profile Image for A.I. Shoukry.
Author 4 books44 followers
August 22, 2022
لا اقرا الكثير من الروايات فربما اقرا رواية او روايتين في العام. قدرا قرأت الهروب من الذاكرة. و اقول قدرا لان الكتب و الكتاب هم اقدار القراء. فهناك الملايين من الكتب و مئات الألاف من الكتاب و لكن ان تقرأ ذلك الكتاب تحديدا ما هو إلا قدر بحت
فلا يغرنك عقلك بأنه قراره.

قرأت لكاتب الهروب من الذاكرة الاستاذ ابراهيم عبد المجيد ثلاثة كتب من قبل و كلها ليست روايات رغم أنه بالأساس كاتب روائي.

الكتاب الاول عن رحلته مع الكتابة و هو كتاب ما وراء الكتابة؛ الثاني كتاب أنا و السينما و جلي من اسمه موضوعه؛ و الثالث كان اسمه الأيام الحلوة فقط و هو عن الأيام الحلوة التي قضاها الكاتب مع المثقفين و الكتاب. يتضح من اسمه أن الكاتب إختار أن يكتب عن الأيام الحلوة فقط و لا يذكر مساوئ الناس - و هي كثيرة - عكس كثير من الكتاب غيره. يعكس ذلك التوجه في الكتابة شخصية الكاتب و التي اتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

الرواية تقع في ثلاثة أجزاء متساوية لقصة واحدة عن سجين خرج للحرية و محاولاته هو بالأخص و أصدقاءة المساجين للعودة للحياة الطبيعية.

يقع الكتاب في أكثر من سبعمئة صفحة و قد أنتهيت منه في ثلاثة أيام ؛ اذ صادف شراءه بدايتي للاجازة قصيرة ليومين أردت أن استريح فيها لتمتد لبضعة ايام أخرى بعد ان امسكت بالكتاب و وجدت نفسي ترتاح من تعب القاهرة بينما أنا اسير بين صفحاته.

الم اقل لك ان القراءة قدر القارئ.

لربما سرعتي في القراءة ونهمي لكلمات الكاتب صادفه هوى في نفسي و اصابت ذكريات لجيل بأكمله عانى ولازال يتعافى من جراء أحداثها . فهل تتخيل أنه قد فات على ثورة يناير و ما تلاها من أحداث احدى عشر سنة؟

ليس موضوع الكتاب بالأساس ثورة يناير و لا احدثتها على الاطلاق و لكن تماس صفحاتها و شخصياتها مع احداث مررنا بها كلنا في اخر عشر سنوات.

الهروب من الذاكرة؛ و كم منا يريد ان يهرب من ذكرى مرت به أو ذكريات سواء كانت احداث شخصية أو عامة و بالأخص حينما تكون هذه الاحداث صاحبها الاحزان و الانكسار و فجوة الامل و الحقيقة و تحطم الاحلام على جدار الواقع.

الجزء الاول جاء بعنوان العائد إلي البيت في المساء و هو عن خروج البطل من السجن و بدا اعتياده الحياة الجديدة. الجزء الثاني بعنوان طريقان للهروب و هو عن طرق هروب الأبطال من ذاكرتهم كل بطريقته. الجزء الأخير بعنوان لأن في الدنيا نساء. و هي جملة بديعة لكل من خاض او يعيش قصة حب سواء كانت سعيدة او انتهت بنهاية مؤلمة. فيمكنك ان تكمل جملة "لأن في الدنيا نساء" بملايين النهايات. قد تتنوع الكلمات و تقل و تكثر و لكن بالتاكيد لن تخلو من المشاعر. فمجرد ذكر كلمة نساء قد تنساب بعدها كلمات كالحب و الكره، العشق و الهوى، الخيانة و الوفاء، الانوثة و الامومة و كل ما يحمل قاموس اللغة من خليط الغموض و العاطفة و القوة.

اسلوب الرواية سلس و بسيط و في لغة عربية سهلة و ليس به العامية كما يفعل الكثير من الكتاب الجدد. الكاتب ملم بسبل التواصل الحديثة و وظف الشبكات الاجتماعية في توصيل افكار و كلمات على لسان الابطال رغم ان الكتاب مكتوب بطريقة الراوي العالم. كما تستطيع ان تتفهم و ترى خلفية الكاتب من خلال اختيار الشخصيات و أفكارهم و امكان الأحداث .

من منا لم يفكر في الهروب يوما سواء كان الهروب من ذكرى او الهروب من الواقع؛ من منا لم يفكر في سيناريوهات مختلفة في حياته في فرص ضيعها او احلام لم يحققها او الام في الماضي لا يريد ان يتذكرها و يظل يفكر ليلا ماذا لو لم تحدث.

من منا يستسلم لواقعة في اكثر الاحيان و يرضخ بل و يطلب و يتجرع المزيد من الالام يوميا لمواصلة حياته الرتيبة خوفا من التغيير. و قد تتذوق للحظات التغيير و لكن تطوق نفسك إلى الدعى و تطلب المزيد من الركون و السكون و الظلام.

تواكب توقيت الرواية مع رغبتي في الراحة بعد تعب فصارت صفحاتها تنسال بين يدي على ضفاف البحر الرائق ليزيد فوق الجمال جمال. لربما ليس بالرواية الاروع و لكنها في نظري جميلة و تستحق الجائزة. و هكذا حال الدنيا في الكتب و النساء و كل شيئ. انها اقدار و ظروف سمحت و ارادة نفذت لتصل بك الي تلك الحالة من التفكر و الهيام و الراحة في الكتاب و النساء و الافكار
Profile Image for Mohamed Shawara.
709 reviews17 followers
July 17, 2023
الهروب من الذاكرة - الكتاب الثالث

بدأت في قراءة الجزء الثالث من ثلاثية الكاتب ابراهيم عبد المجيد "الهروب من الذاكرة" والذي يحمل اسم "لأن في الدنيا نساء". كنت قد قرأت الجزء الثاني من عدة أسابيع وكان جميلاً كالجزء الأول - وبصراحة عاوز أخلص الثلاثية علشان أشوف غيرها!

الرواية على العموم فيها لمحة سياسية مستترة خلف حوارات "مجدي" بطل الرواية وبين أصدقائه - فزمن الرواية بعد سقوط حكم الرئيس "محمد مرسي" بعام أو اثنين.

تحس ان الكاتب بيوصف كل فتفوتة في الرواية وده اللي مخليها طبيعية وجميلة فعلاً - مثلا: "صَحِبَتْها إلى البلكونة، تحمل مَقْعَداً آخر غير الموجود" - يعني لازم يكتب عنها وهي بتجر الكرسي وراها للبلكونة، أيوة، هي ديه طريقة الكاتب وأسلوبه اللي بيخليني أحس بكل حاجة بيحس بيها أبطاله!

الرواية بين يدينا - الجزء الثالث من الثلاثية - في العموم عن مجدي ثانية وقد علمنا من الجزئين السابقين حكايته وخروجه من السجن في تهمة سياسية لم يرتكبها، وكيف خرج ليفاجىء بعالم غير الذي عاشه وبناس مختلفة وبذهول عمن حوله - وكيف بنى عمارة على أرض وبأموال ورثها هو وأخوه من والدهما.

الرواية جميلة رغم ما فيها من تجاوزات! فكعادة الكاتب يتجاوز كل الخطوط، الحمراء منها والصفراء :) بل وكان في هذا الجزء تحديداً ألفاظاً نابية لا أعلم كيف مرت من الرقابة!

اقتباسات:

"كيف صار لكلِّ مَنْ عرفهم في السجن طعم حقيقي للبشر؟ وكيف خرج ليرى الناس كلَّهم بلا طعم؟"

"عادي في مصر. لن ينزل أحد الميادين. الناس زهقت خلاص، وكلّ واحد بيقول ياللا نفسي. جرِّب تتحدَّث عن الثورة أمام أيِّ شخص سيقول لكَ، يا عمّ، فُكَّك من وجع الدماغ هذا، لقد فعلناها من قبل، والنتيجة الجنيه عام، وغَرَّقْنا."

"لم أعد أعرف هل ما حولي حقائق أراها أم نُكتٌ سخيفة؟! يبدو في بلادنا أن الحقيقة هي أكبر نكتة في العالم"

"السرور ليس من حولنا، ولكنْ، من داخلنا"

"أحلامه في السجن كانت أكثر، رغم أن السجن يمكن أن يكون أنسب مكان للكوابيس. ربَّما لم تداهمه الكوابيس، لأن أكبر كابوس هو أن تكون في السجن وبلا سبب أيضاً"

وبهذا أكون قد قرأت الثلاثية وإلى لقاء قريب مع الكاتب المبدع "ابراهيم عبد المجيد".

#فريديات
Profile Image for Dina Sarhan.
512 reviews49 followers
February 10, 2023
بالرغم من حبي العظيم لابراهيم عيد المجيد الا انى لم اخرج بشئ من هذه الثلاثية
أيضا هناك بعض الشخصيات التى تركت نهايتها مفتوحة ولم نعلم ماذا حل بها ف النهاية
هناك أيضا مط وتطويل ف بعض الاجزاء من الثلاثية. لا داعى له ولن يخل بالبناء الدرامى للعمل
اخيرا الألفاظ الجريئة جدا والايحاءات المبالغ فيها والوصف الصريح
لكن العمل يلقي الضوء على مصر ف فترة ما بعد الثورة وماذا حل بشبابها
2 reviews1 follower
February 11, 2023
رواية من ثلاثة اجزاء
واضح ان الاستاذ ابراهيم كان متاثر بالمسلسلات العربي في التطويل
فيها تطويل و استرسال لم ادرك الهدف منه كما لو كان مطلوب من الاستاذ ان العمل يكون اكتر من الف صفحة مثلا
على العموم قراءة مسلية اخدت مني حوالي اربع شهور كل شوية اتركها و اخلص كتاب تاني و بعدين ارجع اكملها اشوف آخرتها ايه
Displaying 1 - 9 of 9 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.