«السَّيْر» في ثنايا الإسكندرية، للراوي، ولمجموعة من الشباب العشريني، لحظة التحوُّل العنيفة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ بحثًا عن خلاص صعب. السير في الشوارع، الميادين، المقاهي، المطاعم، الأسواق الشعبية، معارض الفن، تجمعات الفنانين، معامل تحميض النيجاتيف وطباعة الصور، مقابر الماضي والحاضر، السينمات، الحمَّامات الشعبية، البارات، المتاحف، محالّ بيع الأسطوانات، الروايات، ألبومات الصور، والرسائل. "تنقيب" في ذاكرة المدينة وأبطال روايتها بدون أي رغبة في الوصول إلى بداية خيط أو نهايته. فالخيوط كانت مقطوعة بسبب عنف لحظة التحول.
شكلت خطوط السير المتقاطعة، لأبطالها، مسارات متشابكة، تشبه المتاهة، بلا بداية ولا نهاية. تحوَّلت المدينة، في نظر الراوي، إلى قطعة نسيج عتيقة، تتناثر عليها بقع من الصدأ. كل بقعة تخفي تحتها مصائر وحيوات تلاقت، ثم تفرَّقت، كساها مرور الزمن اللون الأصفر. رواية تسعى للتنقيب في «متاهة الزمن»
ولد علاء خالد فى الاسكندرية عام 1960 واتجه فى البداية إلى دراسة العلوم الطبيعية . بدأ طريقه الأدبى فى الثمانينات بعد دراسة للكيمياء الحيوية فى جامعة الاسكندرية . وانطلاقا من التناقض بين الشعور بالأمان والشعور بالغربة داخل ثقافته أخذ علاء خالد ينشر نقده لمجتمعه متمنيا المشاركة فى إنجاز وطن ثقافى جديد .بمجلة "أمكنة" أسس مجلة ثقافية تمثل استثناء، ليس فقط من خلال مقالاتها غير التقليدية، وإنما أيضا لأنها تقيم علاقة وثيقة بين النص والصورة. اشتهر علاء خالد بديوانه الأول الجسد عالق بمشيئة حبر 1990 . وفى هذه القصيدة النثرية الطويلة كشف المؤلف عن تجارب طفولته . وفى هذا الديوان يعرف علاء خالد كيف ينير - وبحساسية خاصة - أزمات الحياة بوصفها لحظات تجذر واقتلاع وكيف يربطها بصورة توضح وتبين الطريق إلى الاستقلالية الشخصية . ومن بين الأعمال النثرية التى صدرت له حتى الآن يمكن الاشارة بصورة خاصة إلى كتابه خطوط الضعف . فى هذه السردية يقيم علاء خالد علاقة بين عناصر أوتوبيوجرافية وبين لحظات تاريخية لواحة " سيوة " . فمن خلال المواجهة والمحاذاة بين الذاكرتين الشخصية والثقافية يتطور حوار بين المبدع وخط الزمن الذى تعكس الرحلة عبر الصحراء إبانه طريقة حياته
ارتكاز على "برولتاريا العميان" وعصاهم للسير في متاهة المدينة النفسية والجغرافية والتاريخية والفنية وتلمس تنوع وتغير الطبقات الاجتماعية، ارتكاز كمدخل أساسي لسؤال ما هو الفن والموهبة؟
أولى قراءاتي لأستاذ علاء خالد كانت مجموعته القصصية " طرف غائب يمكن أن يبعث الأمل" و أكثر ما لفت انتباهي فيها، قصة بحس سردي تلتقط تفاصيل حياة المكفوفين وتعقدها، وعندما شرعت في قراءة المتاهة وجدتها تبدأ بهذا العالم فتساءلت ما الجديد الذي سيأتي به علاء خالد وتخوفت من التكرار، والحقيقة لم يمهلني الكثير فكلما توغلت في المتاهة وجدتني أسير في دروب متشعبة في عالم العميان والامتيازات التي تحملها طبقة دون أخرى في هذا العالم ومنه كان الانطلاق إلى عوالم الفن التشكيلي بشكل خاص متمثلة في مجموعة أصدقاء تهتم بالفن أطلقت على نفسها "جماعة حمير" فترة الثمانينات تيمنا " بجمعية الحمير المصرية " التي أسسها الفنان زكي طليمات سنة 1932 والتي ضمت أعضاء كثيرون وصل عددهم إلى 35 ألف عضو منهم فكري أباظة و طه حسين و السيد بدير والفنان التشكيلي سيف وانلي وصولا إلى الفنانة نادية لطفي و التي أصبحت آخر أعضاء الجمعية كان من أهم أهدافها: الانتماء للوطن وإنكار الذات ومحو أمية المرأة وفتح العيادات الطبية في الأحياء الشعبية واستصلاح الأراضي البور وتمليكها للشباب. قدامى الجمعية كانوا يحملون درجة "حامل الحدوة" و"حامل البردعة"، أما المستجدون فكانت درجتهم "حرحور".
راوي متاهة الإسكندرية العليم انخرط كعضو شرفي في "جماعة الحمير" أو كحرحور، يقف على الهامش، ويمنحنا تأملاته عن عالم العميان أثناء تأديته للخدمة العامة في "جمعية الأمل للمكفوفين" ومنه تتفرع الحكايات عن الفن ضمن جماعته التي احتك بعض أعضائها أيضا بالمكفوفين وبالحياة في الإسكندرية، في عالمين متوازيين "بروليتاريا العميان" و كما أطلقت الجماعة الفنية على نفسها "بروليتاريا الحمير" -التي تحتدم تساؤلاتها الوجودية عن العالم- يسبر السارد غور النفس البشرية ويحاول اكتشاف نقاط عماها و بؤر الإبصار والبصيرة من خلال الحواس والسير في متاهات المدينة وطبقاتها الاجتماعية مستخدما عصا مجازية للكشف عن علامات إرشادية أثناء السير.
يقول الراوي العليم
"كان جزء من جاذبية عالم المكفوفين بالنسبة إلى سامي وسميحة والآخرين، ليس فقط مساعدتهم، ولكنهم كانوا يشكلون تحديا لهم كفنانين: كيف يكون الخيال بلا ألوان ولا صور؟ كانوا يريدون الاقتراب من هذا العالم الذي لا يعرف اللون ولا الشكل، ليصلوا لمعنى نقي للتشكيل، لمادة الخيال الحقيقية التي تقف وراء الشكل واللون. ربما الخيال الذي يقف وراء الصوت، وراء الرائحة.
إغراء يستحق الرحلة والتضحية، أن نكون كلنا عميانا ونرى كيف سيكون العالم، كيف سنعيش، ربما سنستقل بجزء صغير منه، نقضي فيه عمرنا، ككهف أفلاطون لا نرى إلا خيالات" تنطلق الرواية من سؤال مادة الخيال الحقيقية المعنى النقي للتشكيل وتقع جماعتها الفنية في نقاشات تحتدم، تتقاطع، تصطدم تؤلم حد البكاء وتظهر تناقضات النفس البشرية في تعقدها، صداقتها، غيرتها، صراعها الطبقي البرجوازي / البروليتاري ويحرك الإحساس بالذنب والتضحية أعضائها في محاولة للنجاة من حالة الموت التي خيمت على المجتمع كمحاولة للنجاة بالصدق في الفن وبه. يسير الراوي بنا في متاهة الإسكندرية وتتداخل حياته الشخصية مع حكايته عن المدينة كماكيت للماضي وطبقاته المتعددة التي عاش بينها كشاهد، بين الحقيقة والخيال.
تتمثل الحركة في الرواية كهجرة داخلية أو هجرة معاكسة تبحث عن قصص الآخرين الذين شكلوا نسيج المدينة، الآخر المختلف كطائفة، عرق، دين، جندر فنجد حكايات عن مقابر اليهود وتنوعها، السريان، الشوام، الأرمن وغيرهم، وترصد حركتهم الدائمة وتأثيرهم وتأثرهم بالمدينة في فترات انتعاشها، ثم تحولات التأميم وما بعده، وتلتقط أثر الهجرات الداخلية والخارجية لأعضاء جماعتها الفنية وتتشعب لحكايات أسرها.
توثق الرواية لفناني الإسكندرية من تشكليين كسيف وأدهم وانلي وغيرهم، تتغير ذائقة الجماعة، تتلمذ، تسخر، تحاكي أو تحاول التفرد بإبداعها الفني الخاص، تنتقد قومية الفن التشكيلي، وتلتقط تحولات المجتمع والعالم وأثر الحداثة والتقنيات على أصالة الفن، تزييفه، استغلاله لممارسيه واستغلال بعض ممارسيه لتلك التحولات، لنقف أمام الأصل والتقليد مرتبكين.
إحدى عبارات الرواية عن الفن: " اليد لا تكرر نفسها مهما كانت قوة التقليد، في كل محاولة هناك اختلاف أو خطأ، وهو ما يميز روح الفنان عن الآلة فالإتقان عند الفنان هو طريقته في تجويد خطئه، وليس تجنبه" لا يغفل الراوي اجتياح التيار الديني كأحد تحولات المجتمع التي توغل حيث العلم في الجامعة وبالتبعية تأثر الفن ومنه يتفرع إلى دين الفن في قوله: "أنبش في تراب الإلحاد الثقافي لألتقط فكرة أو حالة أو متعة ولكن ظل إحساسي بالدين حميما."
" لم يكن الله حاضرا ربما، ولكنه لم يكن غائبا. دين الفن كان يسمح بحريات لا حصر لها، بدون أن نشعر بأي ذنب اقترفناه"
في هذا السياق تحضر قضية أحد الفنانين وقضيته المعروفة في الجامعة عن رسم المويلات العاريات ويوضح الجدل الدائر عن تلك القضية ويتفرع إلى الحضور الجندري للمرأة كمركز للوحات الفنانين
كان الفن في هذه المتاهة كرحلة بحث عن الخلود كما في ملحمة جلجامش
متاهة سير في مقابرها بمحاذاة الموت ربما بحثا عن الحياة.
قلم علاء خالد هو قلم شديد الخصوصية ..شديد الإحترافية .. يكتب ليعلقك بماض ذهب وتود لو استرجعته معه ، وعشت كل هذا التاريخ .. سبحت معه في تفاصيل الإسكندرية -المدينة التي أعشق - وإن لم أعش بها .. و التهمت تاريخ مصر المعاصر في ثنايا الحكاية .. لم أعن بالشخصيات كثيراً وإن كان قد حاكاها بدقة ، مثلت لي الخاتمة حبكة نهائية تماست مع حياة الكاتب الحقيقية نوعاً ما ..
ربما عرف علاء خالد روايته الأخيرة بدون قصد، أو هكذا يخيل لي عندما قال الراوي في نهاية صفحاتها: (أشعر بأن الشارع مكان لتبديد الذكريات المؤلمة وسط الناس والصخب والزحام)، ربما يكون هذا تعريف من تعريفات كثيرة لعمل مثل هذا.
يسيطر على العمل تبديد الوحدة في الاندماج وسط جماعات، فتجد أن أبطال الرواية يهربون من خذلان الفن، والحب، والموت إلى الاندماج وسط جمع من الناس، حتى بالرغم من العنف البين بين أفراد الجماعات، لكن ماذا يفعل المرء ليبدد الوحدة؟ لا أعتقد أن هناك طريقة أمثل من مما صوره علاء.
هناك ملمح آخر يدل على أن الشاعر يجب عليه كتابة الرواية، وهذا ملمح تجده في شعر علاء التسعيني وهو سيطرة البصرية على الكتابة، وهنا يصور علاء إسكندرية بحرفية شديدة الذكاء، تجد أنه لا يذكر البحر مثلًا، لا يذهب إلى التكرار السخيف والممل بتكرار وجود البحر، وكأن مدينة كبيرة مثل هذه، بها البحر وليس بها أرواح.
عمل مركب وشديد الجمال، له أوجه عديدة، وربما تواتيني الشجاعة في الاشتباك معها في يومًا ما، أو الاشتباك مع كتابة علاء في العموم.
عن المدينة والأزقة والمساجد والمقابر والموت والتحولات الكبرى والكوزموبوليتانية الضائعة تأتي سيرة الإسكندرية. وعن كل ذلك تحدث الكاتب علاء خالد في روايته متاهة الإسكندرية.
موضوع الرواية ترصد الرواية لحظة مفصلية من التحولات التي شهدتها مدينة الإسكندرية في نهاية السبعينات، وتدور أحداثها حول جماعة فنية أطلقت على نفسها اسم جماعة الحمير وتُعدّ نفسها امتداداً للجماعة الفكرية التي أُسست في الثلاثينات وضمت نخبة من الفنانين والمفكرين المصريين. ويشكل الإطار العام للرواية تجول الأبطال بين حواري وأزقة الإسكندرية يرصدون ويسجلون بكاميراتهم المدينة.
ما بين داريل وعلاء خالد: الرواية تعتبر الرصد المقابل لرباعية الإسكندرية لداريل، فكما أن الأولى رصدت الإسكندرية ذو الطابع الكوزموبوليتان ورصدت المنشية ومحطة الرمل كأحد الأحياء العريقة التي شهدت هذا الطابع. رصدت متاهة الإسكندرية غياب هذا الطابع الكوزموبوليتان وسجلت مناطق بحري والسيالة وغيرها من الأماكن ذات الطابع السكندري الأصيل، وتبحث عن غياب الجاليات التي كانت تذخر بها الإسكندرية وتنقب عنهم بين المقابر، كشاهد أخير على هذا الوجود. فعاشت الإسكندرية بعدها في متاهة أو كما قال الأستاذ إبراهيم عبد المجيد " الإسكندرية في غيمة".
إستند الكاتب على مجموعة من الأحداث الحقيقية كحادث كفر الدوار.
الزمن: الرواية لم تمشي في خط زمني واحد، بل الأحداث تتحرك من لحظة إلى آخرى ولكن في نفس الحقبة " السبعينيات والثمانينيات"
الشخصيات هي مجموعة من الأصدقاء أطلقوا على أنفسهم جماعة الحمير. ولكنهم مختلفي الخلفيات الإجتماعية والثقافية والتوجهات الفكرية. فأصبح هناك ثراء فكري كبير داخل العمل، أثرى الرواية بالعديد من الأفكار التي كانت سائدة في هذا الوقت. بل أظن أن حالة اللاتناغم التي كانت سائدة أحياناً بينهم، هو تجسيد لغياب الروح الأصيلة التي كانت سائدة في مدينة الأسكندرية حتى السبعينيات، من توافق جميع الأفكار بداخلها. فإختلافهم هو جزء من الحالة التي وصلت إليها الإسكندرية في هذا الوقت.
تريكَّة أعجبتني: لقد ظل البطل يبحث طوال الرواية عن غياب التناغم والتجانس في نسيج المجتمع السكندري، وغياب روح المدينة الكوزموبوليتانية الأشهر في العالم، التي قتلتها الروح التي كانت سائدة بأن هذه الجاليات هي المعادل للإستعمار ولا وجود لها ويجب طردها. ولكن ما حدث أن غياب هذا التجانس وهذه الروح، إرتد علينا بروح آخرى من الإقصاء الديني والفكري شهدته الإسكندرية بعد ذلك.
عشت فعلا في أعماق اسكندرية الثمانينات بروحها وأشخاصها ومعالمها، شخصيات حقيقية ومتنوعة، لغة شاعر دون افتعال، غوص في عالم الفنانين بتناقضاته وتشابكاته، فقط كان العيب حين تتوقف الرواية لعدة صفحات وتتحول لما يشبه مجلة أمكنة من وصف متصل لأماكن وأحياء في الاسكندرية دون علاقة مباشرة بالرواية، عمل مميز لكاتب مميز
الجزء الثالث من ثلاثية الاسكندرية … علاء خالد كاتب له لغته الشعرية التي تنسج اسكندريه من خلاله ومجموعة من الشباب في مقتبل العمر خلال فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي…اسكندرية علاء تختلف عن اسكندرية داريل او ادوار الخراط فهي اسكندرية فترة شبابه فترة التحولات العنيفة… لها طعم خاص، قريب من القلب..
أحببت هذه الرواية كحبي الباقي أعمال علاءخالد لكن هذا العمل كانت محبتي ضعفين حبي للكاتب وحبي لموضوع الروايه الذي جاء بانوراما لمدينة الأسكندرية موازيا لبلوجرافيه بطل الرواية تجولنا في شوارع الاسكندرية من السياله لبحري لشارع فؤاد مرورا بالشلالات والازريطه وتجولنا في محطة الرمل بشوارعها صفية وسعد زغلول إلي سان ستيفانو وبولكلي وجلسنا في داليدس وقهاوي سيدي جابر وهبطنا بمقابر قوم الشقافه ومقابر اليهود وصادقنا فنانين هذا البلد وانضممنا لجمعياتهم وشاركناهم فرحهم واحباطهم وطموحهم وعانقنا تاريخ الستينات والسبعينات والثمانيات من القرن الماضي لقد كانت رحلة رائعة
لوانت بتحب اسكندريه فالروايه دي هتعجبك جدا.. حسيت وانا بقرأها اني محتاج امشي ورا الراوي واجرب كل الأماكن الي راحها و كل الاكلات ال اكلها... الروايه عن مجموعه من الفنانين المعروفين بجماعه الحمير... ايوة جماعه الحمير 😁 و علاقتهم مع بعض و علاقتهم مع الاحداث في وقتهم ووالخلفيه طبعا الإسكندرية بسحرها و جمالها..