كان الدافع المبدئي لقراءة هذه القصيدة الرائعة أنني كنت أحاول قراءة أشياء مختلفة عن طلب العلم والحث عليه فوجدت هذه القصيدة التي يدور نصفها الأول عن نصائح يقدمها الناظم لولده لحثه على طلب العلم. ولكن المفاجأة كانت عندما بالصدفة كنت أجلس صباحا بمفردي بين كتبي وقلت لنفسي هيا نقرأ النصف الأخير من هذه القصيدة وننتهي منها، فإذا بي أقرأ أبياتا شديدة التأثير والجمال، وإذا بالدموع تتساقط من عيني بغزارة. يا ربي ما هذا! إن هذه هي المرة الأولى التي أبكي فيها عند قراءتي شعراً. أنتقل الكاتب من نصح ولده إلى نصح نفسه أو بالأحرى ذم نفسه التي ترى أنها أهلا لأن تنصح غيرها رغم أنها مليئة بالذنوب، اخترقت تلك الأبيات قلبي ولا أظن أنني سأنساها. ربما أقوم بحفظ القصيدة كلها من أجلها إن شاء الله.
في رأيي -المتواضع- هي أعذبُ ما نُظم شِعرًا.. بدايـة قرائتي لها كانت منذُ سنةٍ ويزيد ومن حينها صارت أحب الأشعار إلى قلبي. لا أملُّ أبداً من قرائتها ولا من سماعها..
ونـادِ إذا سـجدتَ لهُ اعترافاً بـمـا ناداهُ ذو النُّون بنُ مَتّى ولازِم بـابَـهُ قـرعـاً عَسَاهُ سـيـفـتحُ بابَهُ لكَ إن قَرَعتا وأَكْـثِرْ ذكرَهُ في الأرضِ دَأباً لِـتُـذْكَرَ في السماءِ إذا ذَكَرتا
ستجني من ثمار العجزِ جَهلاً وتَصْغُرُ في العيونِ إذا كَبِرتا وتُـفـقَدُ إن جهِلتَ وأنتَ باقٍ وتُـوجَدُ إن عَلِمْتَ وقدْ فُقِدتا وليسَ لِجاهلٍ في الناس مَعنىً ولـو مُـلكُ العراقِ لهُ تأّتَّى ومـا يُـغنيكَ تشييدُ المباني إذا بـالـجهل نَفْسَكَ قد هَدَمْتا فـلـيـستْ هذِهِ الدنيا بِشيءٍ تَـسُـوؤكَ حِـقْبَةً وتَسُرُّ وَقتا وغـايَـتُـها إذا فكَّرْتَ فيها كَـفَيئِكَ أو كَحُلْمِكَ إن حَلَمْتا سُـجِنْتَ بِها وأنتَ لها مُحِبٌ فـكـيفَ تُحِبُّ ما فيه سُجِنتا وتُطعِمُكَ الطَّعامَ وعن قريبٍ سـتَطْعَمُ منك ما مِنها طَعِمْتا وتـشـهـدُ كلَّ يومٍ دفنَ خِلٍ كـأنـكَ لا تُـراد بِما شَهِدتا فـلـيـس بنافعٍ ما نِلتَ فيها مِنَ الفاني ، إذا الباقي حُرِمتا ولا تضحك مع السفهاءِ لَهواً فإنكَ سوفَ تبكي إن ضَحِكتا وكيفَ لك السُّرورُ وأنتَ رَهْنٌ ولا تَـدري أَتُـفْدى أم غَلِقْتا وسَـلْ من ربك التوفيق فيها وأخلصْ في السؤالِ إذا سألتا ونـادِ إذا سـجدتَ لهُ اعترافاً بـمـا ناداهُ ذو النُّون بنُ مَتّى ولازِم بـابَـهُ قـرعـاً عَسَاهُ سـيـفـتحُ بابَهُ لكَ إن قَرَعتا وأَكْـثِرْ ذكرَهُ في الأرضِ دَأباً لِـتُـذْكَرَ في السماءِ إذا ذَكَرتا ونَـفـسَـكَ ذُمّ لا تذممْ سِواها بِـعـيبٍ فهي أجدرُ مَنْ ذَممتا فـلـو بكت الدِّما عيناك خوفاً لِـذنـبـكَ لم أقلْ لك قد أمِنتا ولـو وافـيتَ ربكَ دون ذنبٍ ونـاقـشكَ الحِسابَ إذا هَلِكتا ولـم يـظلمك في عملٍ ولكن عـسـيـرٌ أن تقوم بما حملتا ولو قد جئتَ يومَ الفَصْلِ فرداً وأبـصـرتَ المنازلَ فيه شتى لأعْـظـمـتَ الندامةَ فيه لهفاً عـلى ما في حياتك قد أضعتا
أقل ما يقال عن القصيدة رائعة أو لا مثيل لها سوى نونية أبي الفتح المسماة "عنوان الحكم". اشتملت القصيدة أبيات تحث على طلب العلم وبَيَّنت الفضائل والأخلاق التي يجب على المرء أن يتحلى بها في أمر دينه ودنياه وتعامله كله. هذا باختصار ويوجد على الشبكة شرح للقصيدة مسموع من ثلاثة مجالس للشيخ عبد العزيز الطريفي يشرح فيه نصف القصيدة في ثلاث ساعات تقريباً وهناك شرح مرئي للشيخ سعيد الكملي يقع في خمس ساعات ونصف تقريباً.
من أجمل أبيات القصيدة:
"وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا فَراجِعها وَدَع عَنكَ الهُوَينى فَما بِالبُطءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا
قرأتها و سمعتها فوق ال ٥٠ مره لمدة شهر حتي حفظتها و هي افضل ما نظم في الشعر و في طلب العلم. و كان الشيخ ابو الحجاج بن سورا يأخذ طلبته بحفظها فهي اكمل و اشمل دليل لطالب العلم يعمل بها و لأشتمالها علي المعاني التي لا ينبغي ان تغيب عن المسلم.
و تشهد كل يومٍ دفن خلٍ كأنك لا تراد بما شهدتا ولم تخلق لتعمرها و لكن لتعبرها فجد لما خلقتها إن هدمت فزدها انت هدماً وحصن امر دينك مااستطعتا ولا تحزن علي مافات منها اذا ما انت في اخراك فزتا
قصيدة جد جميلة من جهة المعاني ومن جهة اللغة وكل شيء ——- القراءة الثالثة مع شرح الشيخ سعيد الكملي زادها جمالا على جمالها اللهم ارزقنا التوفيق والعمل بما تعلمنا