أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرد ينتهي نسبه بثمالة، وهو عوف بن أسلم من الأزد.(ولد 10 ذو الحجة 210 هـ-286 هـ/825 م) هو أحد العلماء الجهابذة في علوم البلاغة والنحو والنقد، عاش في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). كان المبرِّد واحدا من العلماء الذين تشعبت معارفهم، وتنوعت ثقافاتهم لتشمل العديد من العلوم والفنون، وإن غلبت عليه العلوم البلاغية والنقدية والنحوية، فإن ذلك ربما كان يرجع إلى غيرته الشديدة على قوميته العربية ولغتها وآدابها في عصر انفتحت فيه الحضارة العربية على كل العلوم والثقافات، وظهرت فيه ألوان من العلوم والفنون لم تألفها العرب من قبل. ولد المبرد بالبصرة، ولقب بالمبرد قيل: لحسن وجهه، وقيل: لدقته وحسن جوابه، ونسبه بعضهم إلى البردة تهكما، وذلك غيرة وحسدا. تلقى العلم في البصرة على يد عدد كبير من أعلام عصره في اللغة والأدب والنحو منهم: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، وكان فقيها عالما بالنحو واللغة، وأبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان المازني الذي وصفه "المبرد" بأنه كان «أعلم الناس بالنحو بعد سيبويه»، كما تردد على الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، وسمع منه وروى عنه حتى عد من شيوخه، وأخذ عن أبي حاتم السجستاني، وكان من كبار علماء عصره في اللغة والشعر والنحو، كما تلقى عن التوزي -أبو محمد عبد الله بن محمد-، وكان من أعلم الناس بالشعر.
هو كتاب لطيف، يقع في ١٢٥ صفحة ملأه المبرد بالأخبار والأشعار، ولم يتطرق إلى اللغة والنحو. فهذا الكتاب كل ما فيه أدب، ثم الكامل جعل فيه المبرد الأدب والنحو، ثم المقتضب جعله للنحو خالصًا. ذكر حسن الخلق وما قيل فيه، وغرائب اللغة، وأشعار العشاق، وأخبار الأجواد، وما قيل على البديهة، وما قيل من المراثي، وذكر أخبار المعمّرين، ووصف الشيب، وطرائف من نوادر تصحيف المصحّفين، وختم بأبيات وأخبار عن الجمال والصباحة. وقد سجلتُ أغلبَه ورفعته على قناة مداك العروس على اليوتيوب. وهذا نقل من الكتاب:
كان لُقمان بن عاد تزوّج عدة نساء كلهن خانته في نفسه، فقتلهن، فلما قتل أُخراهنّ ونزل من الجبل كانت صُحْر ابنته أول من لقيه فقتلها، وقال: وأنت أيضًا امرأة. فضُرِب بها المثل [فيمن يؤخذ بلا ذنب] قال خُفاف بن ندبة:
وعباسٌ يُدِبّ ليَ المنايا وما أذنبتُ إلا ذنبَ صُحْرِ
وقال عروة بن أذينة:
أتجعلُ تهيامًا بليلى إذا نأت وهجرًا لها ظُلمًا كما ظُلِمَت صُحْرُ ؟
بسم الله. فوائد انتقيتها من الكتاب، والكتاب كثيرُ الفوائد، حسن اللطائف، وإنما أنقل ها هنا ما استجدته منها واستملحته، وما يَسمح به المقام:
1- «وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: من أخذه اللهُ بمعصيته في الدنيا فالله أكرمُ من أن يُعيدَها عليه في الآخرة، ومن عفا عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يأخذه بها في الآخرة. فيقال: إنّ هذا أحسن حديث رُوِيَ في الإسلام». [ص١٧]. 2- «وحدّثني التوزيّ، قال: رأى رجلٌ من العرب بنيه يركبون الخيل باقتدار، فأعجبه ذلك منهم، فحاول مثلَ ذلك مرّة أو مرّتين، فأعجزه الوثوب، فقال: مَنْ سرّه بنوه ساءته نفسه». [ص٧٢]. 3- «ويدخل في هذا الباب قصة صُحْر التي يُضربُ بها المَثَل، وهي صُحرُ بنتُ لقمانَ بن عاد، وكان لقمان تزوّج عدّة نساء كلّهن قد خانتْه في نفسه، فَقَتلهنّ، فلما قتل أُخراهن ونزل من الجبل كانت صُحْرُ ابنَتُه أوّلَ من لقيه، فقتلَها، وقال: وأنت أيضًا امرأة. فضُرِبَ بها المَثَل». [ص٨٦]. 4- «ويروى أنّ وفودًا دخلت عليه [= يعني: على عمر بن عبدالعزيز]، فتحفّز فتًى منهم للكلام، فقال عمر: كبّروا، أي: ليتكلم أكبركم، فقال الفتى: إن قريشًا لَيُرى فيها من هو أسنّ منك! فأطرق عمر ثم قال: تكلم يا فتى» [ص٨٩]. 5- «ويروى أنّ رجلًا قال للرشيد: إني أريد أن أعِظك وأُغلِظَ لك في القول، فقال الرشيد: يا هذا! ليس ذاك لك، قد بعث اللهُ من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌّ مني، فأمره أن يقول له قولًا لينًا». [ص٩٤]. 6- «ويروى أن عبد الله بن العباس -وكان من الأجواد- أمرَ لسائلٍ سأله بعشرة آلاف درهم، فصُبّت في حجْره فتخرّق ثوبه، فبكى، فقال له: أعلى قميصك تبكي؟ فقال: لا والله، ولكن على ما يأكل التراب منك. فقال: شكرك أحسنُ من صنيعتنا، يا غلام أعطِه مثلها» [ص٩٨]. 7- «وحدّث أبو عبدالله محمد بن سلّام الجمحي، قال: رأيت أعرابيًّا من بني أُسيِّد أعجبني ظرفه وروايته، فقلت: أيهما أشعر عندك؟ [= يعني: جرير أشعر أم الفرزدق]، فقال: بيوت الشعر أربعة: فخر ومدح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، فالفخر قوله: إذا غضبتْ عليك بنو تميمٍ حسبتَ الناس كُلَّهُمُ غِضَابَا والمدح قوله: ألستمْ خيرَ من ركب المطايا وأندَى العالَمين بطونَ راحِ والهجاء قوله: فغضَّ الطرفَ إنك من نُمَيْرٍ فلا كَعْبًا بلغْتَ ولا كلابا والنسيب قوله: إنّ العيون التي في طرفها مَرضٌ قتلننا ثم لم يُحيينَ قتلانا...». [ص١٠٩].
وتمّ الفراغ من الكتاب فجرَ السبت، ٥/رجب/١٤٤٧هـ، والحمد لله ربّ العالمين.