درست فيه بعض ما نال العربية في هذا العصر من تغير بجذورها على اللغات الأوروبية، مبنى و معنى. وقدمت بين يديه مدخلَا بينت في ارتباط اللغة بأهلها على كل حال يكونون عليه، وكيف كانت العربية في الجاهلية وكيف صارت في الإسلام وما انتهت إليه في عصور الضعف، من تأثر بالتركية تأثرَا أعلها، وبدل حسنها ثم تماثلت من علتها في القرن الرابع عشر الهجري ثم ما آلت إليه بحذوها على الإنجليزية و الفرنسية، وعلاقة ذلك بما لبس العرب من قشرة حضارة الغرب. ثم درست الدخيل، وغلبته على ألسنة المثقفين والعلماء، وأسباب ذلك النفسية و الحضارية، واستعلانه في الحياة العامة: الأسواق، والشوارع، وأسماء المتاجر، والسلع، والفنادقن والمطارات، والمطاعم، والتعليم، والتقنية.. إلخ
لكل لغة قوانين تنظّم خطابها وكتابها، وبدرجة قرب لغة من أخرى في شجرة اللغات أو ببعدها، تتقارب تلك القوانين فيما بينها أو تتباعد، لذلك نجد من تشابه لسان العرب مع أقربائه لسان السريان ولسان العبرانيين، كما نجد تقارب الإنكليزية مع أخواتها الأوروبيات، كذلك نجد تباعد لغاتنا عن لغاتهم، فلا يتواصل كل منا إلا بوسيلتين: (١)التراجمة، (٢)تعلّم لغة الآخر.
يثبت الدكتور مختار الغوث في كتابه (مسخ الهوية)، وهو الكتاب السادس في سلسلة (الحرب الباردة على الكينونة العربية)، أن ما جرى على لغة العرب من سياسات الترجمة والتعليم خلال قرن من الزّمن مسخ قوانينها الأصيلة المتوارثة منذ أكثر من خمسة عشر قرناً، فما عادت العربية عربية فصيحة، إنما صارت تتابع قواعد اللسان الأوروبي المتغلّب ولكن بأصوات عربية، فصرنا نتكلم ونكتب ونفكر كالأعاجم، وتماثلت أساليب كتابتنا بأساليبهم، وخطاباتنا بخطاباتهم، ولعل سبب ذلك -وهو ما كرره المؤلف كثيراً في مؤلفاته الست- شهوة تقليد المغلوب للغالب.
في هذا الكتاب نتف من التصحيحات اللغوية التي لا غنى عنها لكل كاتب، وأرجو أن ينال الكتاب -بل السلسلة كلها- ذيوعاً لا يدع بيت مدر ولا وبر إلا لطمه.
ربما لا يصح مني انتقاد الكاتب على مجهوده الضخم في تأليف هذه السلسلة، إلا إنني بعذ الفراغ من قراءتها وجدته مملا في بعض الفترات، وذلك أن الكاتب -هداه الله- يكرر ويمطط في كثير من الأفكار الرئيسية، ربما كان الأسلم أن يختصر السلسلة في أقل من ذلك.