يمثِّل هذا الكتاب واسطةَ العِقْد في الجهود العلمية الوافرة التي بذلها روزنتال، فلا جرم ظلَّ هذا الكتابُ مدةً طويلةً هو المرجع الأول لمن أراد الإلمام بالملامح الأساسية للفكر السياسي الإسلامي، والوقوف على عناصره المكوِّنة، ومعرفة ما طرأ على فنونه المختلفة من ألوان التطور.
وعلى الرغم من تشكيك الدكتور حامد ربيع -رحمه الله- في صدق بواعث روزنتال واتهامه له بالتحيز إلى ديانته اليهودية، فلم يكن بوسعه إلا أن يُقِرَّ بالمكانة المرجعية الممتازة التي احتلها هذا الكتابُ؛ حيث قال قبل أربعة عقود: «إننا إذا أردنا أن نبحث عن عرض علمي للفكر السياسي الإسلامي في واقعه العربي، لما وجدنا سوى موقفٍ ندين به لعالم يهودي، أي «روزنتال». فقط في ذلك المؤلَّف نستطيع أن نجد عرضًا كاملًا بطريقة علمية تأبى إلا التحليل الوضعي المحايد ولو شكليًّا لمختلف عناصر الفكر السياسي الإسلامي».
#قراءة_2024 (9) إرفن روزنتال: الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى، ترجمة: د. أسامة شفيع السيد (رحمه الله)، د. أحمد محمود إبراهيم (حفظه الله)، نماء، 2020م، 469ص. ............................ قبل أن تُقدِم على قراءة هذا الكتاب يجب أن تعرف أنك أمام تحفة فنية رائعة، ستأخذ كل وقتك وتركيزك وتجعلك في عالم آخر مليء بالمعلومات الهادفة، ويجب أن تعلم أولًا أنك لن تقرأ كتاب واحد لمترجم واحد إنما ستقرأ عدة كتب من خلال ما كتبه المترجم في الهامش إما إضافة على كلام المؤلف أو تعليق عليه، أو نقد لبعض المواضع، وفي الحقيقة هذه الهوامش أثرت الكتاب بوفرة معلوماتها وإعادة النص إلى أصله من منبعه. ومن عادتي في المراجعات السابقة الحديث أولًا عن الكتاب ومؤلفه ثم عن الترجمة، لكن سأغير هذه العادة مع هذا الكتاب فقط، وأتحدث عن الترجمة والمترجم أولًا. #الترجمة: قلت قديمًا: إن ترجمة المتخصص للنص هي أنفع للقارئ وللمؤلف وللنص نفسه، فهذه الترجمة هي ترجمة مبذول فيها جهد كبير جدًا، ولغة فصيحة جزلة، جمعت بين سهولة اللفظ ومتعة السرد، والأمانة العلمية، ولا عجب في ذلك فالمترجمين من أهل الفصاحة واللغة والتاريخ. قدم المترجم للكتاب مقدمة قوية يجب على من يتصدر للترجمة أن يتعلم من هذه المقدمة، فجاءت في حوالي 60 ص تحدث فيها عن الفكر السياسي الإسلامي قديمًا وحديثًا، والتحولات التي طرأت عليه، فتحدث عن الحكم والخلافة والدولة والسلطة وموقع الشريعة في الحكم الإسلامي، ثم تناول التراث الإسلامي ووضح أنه يشمل المؤلفات المكتوبة عن الدولة والخلافة ليس كما يظن البعض أن التراث هو كتب الحديث والفقه والمخطوطات، وقسم التراث إلى أربع أنواع: كلام سياسي، وفقه سياسي، والآداب السلطانية، والفلسفة السياسية، ثم تحدث عن المؤلف وجهوده في دراسة الفكر السياسي الإسلامي، فتحدث عن حياته ومؤلفاته، وأهمية كتابه هذا فهو مرجع مؤسِس في هذا الباب. وتناول الكتاب بالعرض والنقد وبين أهميته ثم انتقده في بعض الأمور مثل: اختيار مؤلفات في كتابه دون غيرها، وإهماله علم الكلام وكتب الشيعة، وإنه ركز على بعض كتب المؤلف دون غيرها وكان لابد الاطلاع على كتب المؤلف جميعًا لمعرفة فكره ورأيه في الفكر السياسي. مقدمة المؤلف هذه تصلح أن تكون بحث أكاديمي كامل الأركان كمقدمة للفكر السياسي الإسلامي، فرجع إلى مصادر أصلية في كتابة المقدمة، وعرفنا بهذه المصادر وأهميتها واتخذ الأمانة منهجًا له، حيث ذكر أنه اعتمد على تقسيم أمحمد محزون في التراث الإسلامي. إن كان المترجم قد أعاد بناء نصوص الكتاب من مصادرها الأصلية مثل الرجوع إلى الماوردي وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم وعدم الاكتفاء بما ذكره المؤلف حيث كان يعدل كلامه أحيانا ويذكر في الهامش ذلك؛ فإنه لم يتلزم بهذا المنهج في ملحق الكتاب عند حديث المؤلف عن بعض الآراء التركية في العلم المدني حيث تناول رسالة قوجي بك ونصيحت نامه لمجهول ودستور العمل لحاجي خليفة، فالمؤلف أخطأ في ترجمة بعض المصطلحات العثمانية والمترجم نقل النص الأجنبي كما هو ولم يرجع إلى النص العثماني أو العربي المترجم حيث تمت ترجمة رسالة قوجي بك ودستور العمل من عدة سنوات. #الكتاب: قدم المؤلف كتابه بمقدمة تاريخية عن الإسلام، وقلد فيها الفكر الغربي حول تأثر الإسلام بالديانة اليهودية والمسيحية في كثير من عقائده، وذكر أن الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى هو نموذج كلاسيكي للسلطة في الإسلام فتحدث عن الخلافة من حيث نشأتها ومقاصدها وطبيعة الحكم الإسلامي، ومدى تأثر كتّاب الفكر الإسلامي بالفلاسفة ومؤلفات "مرايا الأمراء". ركز المؤلف على عصرية التأليف أي الزمن الذي كُتبت فيه هذه المؤلفات وأن كانت بهدف معين فكتاب الماوردي كان للدفاع عن سلطة العباسيين ضد البويهيين، وكتاب الغزالي كان للدفاع عن السلاجقة التابعين للخلافة العباسية وذلك للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، وركز كذلك على المصطلحات الواردة في هذه الكتاب ودلالتها مثل: سلطان، خليفة، إمام، وعرض الاختلافات بين هذه الكتب التي عرضها من ناحية نظرتها إلى الخليفة ومدى الحفاظ على هذا المنصب، وتطور هذه المؤلفات حيث بدأت تستفيد من كتب الفلاسفة بعدما كان مرجعها الكتاب والسنة. إن كانت هذه المؤلفات تتحدث عن الخلافة والدولة ووحدة الأمة الإسلامية والالتفاف حول ولي الأمر من دون الاهتمام بذكر الرعية فإن صلاح الراعي من صلاح الرعية؛ فإن المؤلفات التي جاءت بعد ذلك ركزت على الإنسان وحقوقه وواجبته تجاه الدولة. تناول المؤلف نظرية ابن خلدون في الدول بالتحليل والبحث، وتحدث بإعجاب عن سياست نامه لنظام الملك، وتأثره بالفرس وسرده نماذج من حكامها، وفي القسم الثاني تحدث عن الفلسفة السياسية والمقارنة بين الفكر الفلسفي والخلافة، ومحاولة الفلاسفة المسلمين التوفيق بين الفلسفة والشريعة، فتحدث عن الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد، ثم تحدث عن الفكر السياسي عند الدواني، وإن كان المؤلف قد ذكر أن هذا الكتاب "رؤية تمهيدية" إلا أنه تعمق في كثير من التفاصيل خاصة في قسم الفلاسفة لأنه أوفر مادة عنده. وأخيرًا، يعد هذا الكتاب من المصادر الرئيسة في الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى، وكنت أتوقع أن يكتب المؤلف خلاصة أو نتيجة في نهاية كل فصل يلخص فيها الفصل بشكل جميل مثلما دأب عليه المستشرقون لكنه لم يفعل، كما يخلو الكتاب من المصادر والمراجع سواء للمؤلف أو للمترجم. وأنصح المهتمين بهذا الجانب من المؤلفات الرجوع إلى مصادر المترجم في المقدمة والرجوع إلى الكتب الأصلية التي رجع إليها المؤلف للوقوف على هذه الموضوع برمته، وكتاب أمحمد محزون رائع وبسيط في أسلوبه. د. محمد عبد العاطي محمد 6/ 3/ 2024م سوهاج المحروسة
This entire review has been hidden because of spoilers.
So boring that I am forced to abandon the book eventually after reading 200 pages. The writer fails to present the material in a conceivable way. No background no social context is provided. There must be better books out there on the same topic.