لماذا أصبح "معنى الحياة" يمثّل أزمة للفرد المعاصر؟ ترتبط أزمة المعنى في العالم الحديث بنشأة وتطورات الفردانية، والتمركز حول الذات، وهذا الكتاب يتتبّع بالوصف والتحليل سياق هذه الأزمة وجذورها الفكرية والاجتماعية، ويكشف عن مظاهرها في الثقافة الغربية المعاصرة، في الرواية، والفن، والتحليل النفسي، وفي علاقات "الحب"، وأنماط التدين، وفي تحوّل دلالات الألم والوحدة والموت ويطرح معالجة نقدية لآثار تغيّرات الوعي بالذات والجسد والزمن على معنى حياة الفرد، كما يرسم ملامح المكانة المتميزة للإجابة القرآنية على سؤال المعنى
هذا ليس مجرد كتاب قرأته، إنه صديق لطيف ورفيق ليالٍ طويلة آنسني فيها وأسعدني، منذ كم لم أحظ بكتاب أعتبره صديقا! منذ كم لم يجتمع في قلبي فرح بكتاب وخوف من الانتهاء منه كما اجتمعا هاهنا؟! منذ فترة قرأت بحثا موجزا للمؤلف بنفس الاسم (معنى الحياة في العالم الحديث) وكان عيبه الوحيد في نظري أنه لم يكن أطول، أذكر أني تمنيت ساعتها لو توسع المؤلف في بحثه وأفاض في الشرح، ولذلك فإن الإعلان عن صدور كتابنا هذا كان بمثابة فرح صغير بتحقق أمنية لم أبح بها
كتابة مراجعة عن مثل هذا الكتاب مغامرة صعبة، أولا لأن الكتاب ثري جدا في أفكاره ورؤيته، وثانيا لأني تأثرت للغاية بنقولات المؤلف واقتباساته وحتى هوامشه (وما أدراك ما الهوامش!) وكذلك المقتطفات التي صدر بها كل فصل من فصول الكتاب، كل ذلك كان رائعا، مما جعل صفحات الكتاب كلها تقريبا محددة بالقلم الرصاص ومحاطة بالتعليقات غريبة الأطوار :)) لكني سأحاول عرض الكتاب بإيجاز لتثبيت أفكاره الرئيسية في ذهني وللتعريف بها لمن سألني عنها من الصديقات
يبدأ الكتاب بمدخل نظري يشرح فيه المؤلف مفهوم معنى الحياة وحاجة الإنسان الفطرية لفهم هذا المعنى والاحساس به والبحث عنه إن فقد، وكيف ساهمت الحداثة في تجريد العالم من هذا المعنى، ثم يعرض المؤلف بعض المواقف الحياتية مثل الملل والألم والموت التي يشعر فيها الإنسان بحاجته إلى فهم المعنى من وراء حياته والتي تضطره بعد ذلك للإجابة عن سؤال المعنى بما يوافق تصوره عن الحياة والكون، هذه الإجابات عن سؤال المعنى هي آخر ما نجده في مدخل الكتاب النظري
الفصل الأول بعنوان (الأنا في العقود الأخيرة) وفيه يرسم المؤلف خارطة تمهيدية للظروف التي تأزم ضمنها سؤال المعنى واعتبر أن التحول الواسع نحو التمركز الذاتي، وتضخم موضع الأنا في بنية الهوية والسلوك، وهوس الإنسان المعاصر بتحقيق ذاته منقطعا عن أي روابط روحية واجتماعية هو من أهم أسباب تفجر أزمة المعنى في عالمنا الحديث
الفصل الثاني بعنوان (الذات الحديثة: الجذور والآثار) يعود المؤلف إلى الوراء محاولا استكشاف الجذور التاريخية لأزمة المعنى الحديثة خاصة فيما يتعلق بإثبات الذات وتأسيس الهوية الشخصية، فيعرض نموذجين رأى كل منهما في الباطن الفردي تميزا يمكنه من الوصول للحق سواء كان سماويا في حالة أوغسطين أو أرضيا في حالة ديكارت، ثم يتتبع مفهوم الذات وعلاقتها بالهوية والمعرفة في (بنية النظرية القانونية والسياسية الحديثة، وفي الاهتمام بدراسة الانفعال والعواطف في الفلسفات الحديثة، وفي الحركة الرومانتيكية وأثرها في ترويج فكرة الأصالة ثم كيف تجلى ذلك عبر فنون الرواية وأدب الاعتراف واليوميات وشبكات التواصل الاجتماعي) ثم يختم الفصل بملامح التكوين النفسي لفردانية تحقيق الذات وقد كانت رغم إيجازها مهمة وكاشفة حقا
الفصل الثالث بعنوان (مآزق الأصالة) وفيه يعرض المؤلف طبيعة العلاقة بين (الأنا) و(النحن) في فردانية تحقيق الذات ومخاطر حصر تحقيق القيمة والهوية في الاختيار الذاتي للفرد، ثم يعارض ذلك بشرح مدى ارتباط الفرد بالمجتمع في تكوينه من خلال تمثله لللغة وبنائه لسرديته الذاتية (قصة حياته ورحلة سعيه بتبسيط مخل) وفي نهاية الفصل يعرض لملمحين أساسين من ملامح أزمة المعنى وهو حاجة الإنسان الحديث وجوعه للاعتراف، وفردنة مشكلات المجتمع العامة ونفسنتها أي ردها إلى أسباب فردية ومحاولة علاجها كحالات نفسية، هذا الجزء كان مهما جدا لفهم كثير من سلوكيات الناس في مجتمعاتنا المعاصرة
الفصل الرابع بعنوان (الطريق نحو الجسد) وفيه يعرض المؤلف أثر النسبوية المعرفية والأخلاقية (حيث لا حقائق دائمة وصارمة وإنما معايير مختلفة من شخص لآخر للحكم على الأشياء) وأثر النزعات العدمية (وتجلياتها في الآداب والفنون) في التركيز على الجسد كموقع أخير لتحقيق اليقين والمعنى، وفي هذا الإطار يمكن فهم الإقبال على العمليات التجميلية وشيوع الوشوم والاهتمام المحموم باللياقة البدنية ومراقبة الوزن ومحاربة الشيخوخة واللهاث وراء المغامرات الرياضية الخطرة وتحقيق الأرقام القياسية
الفصل الخامس بعنوان (اختلاق المقدس والأديان البديلة) وهو أحب فصول الكتاب إلى قلبي وأشدها تأثيرا في نظري، فكرة الفصل الرئيسية أن الإنسان بفطرته يحتاج إلى أن التدين والتأله والتقديس، وإذا كانت الفلسفات الحديثة حاربت الدين وحاولت تنحية الإله من مركز الوجود الإنساني ونفت المقدس فإنها لم تستطع قط نفي هذه الفطرة الإنسانية وبالتالي وقعت في اختراع مقدسات وأديان بديلة تلبي شوق الإنسان الغريزي لكن بلا التزامات ولا تضحيات يعرض المؤلف لمحة عامة عن سياق اختراع المقدسات والأديان البديلة ثم يعرض أشهر نماذجها متمثلة في الأديان السياسية (الشيوعية والاشتراكية كمثال) وتقديس الانتماء الوطني وتأليه الدولة القومية وتقديس السوق والفلسفات القديمة والروحانيات البديلة والتحليل النفسي بوصفه دينا وأخيرا الملامح الدينية في بعض الرياضات المعاصرة (هذا الجزء لطيف جدا ومهم أن يقرأه المهووسون بتشجيع كرة القدم :))
الفصل السادس بعنوان (المشاعر والرومانسيات المعاصرة): إذا كان المؤلف في الفصل الخامس عرض بعض المقدسات البديلة فإنه في هذا الفصل والذي يليه يركز على مقدس بديل معين ويناقشه باستفاضة فيبدأ بشرح الحيز الكبير الذي استغرقته المشاعر والأحاسيس والوجدانيات من اهتمامات الذات المعاصرة وأثر ذلك في تحول الدين عند البعض إلى تجربة عاطفية، ثم يبين موقع الحب في الثقافة الحديثة وعلاقته بأزمة المعنى وارتباط ذلك بزواج الحب وطبيعة العلاقات العاطفية الجديدة ومن ضمنها علاقات الأبوة والأمومة، ويشير أخيرا إلى أزمات علاقات الحب وآثارها على الذات والهوية والمعنى
الفصل السابع بعنوان (الفن والمعنى المؤجل) وفيه يركز المؤلف على مقدس آخر يحاول أن يحل محل الدين في الثقافة الروحية المعاصرة ألا وهو الفن، وهو يبدأ الفصل بعرض علاقة الفن بالدين عبر التاريخ، ثم كيف استقل الفن بقيمته بعيدا عن الدين ليتحول إلى غاية ومصدر للمعنى وكيف قدسه المعاصرون لكونه يؤجل سؤال المعنى ويلهي الإنسان عن التفكر فيه والتعاسة بسببه، أبرز ما لفت نظري في هذا الفصل كان رؤية أئمة الدين المسلمين للفن ممثلا في سماع الغناء والمعازف ومقارنتهم ذلك بأثر القرآن والذكر في النفوس وانفعال الإنسان بذلك
الفصل الثامن بعنوان (المعنى والزمان) وهو فصل ماتع يشرح فيه المؤلف كيف يساهم الوعي بالزمان في إحساس الإنسان بمعنى حياته وكيف اختلف هذا الوعي بالزمان في العالم الحديث بسبب التطورات التقنية في وسائل الاتصال والمواصلات وحركة المال والأعمال، أيضا يشير المؤلف إلى محاولات الروحانية المعاصرة لحصر وعي الإنسان بالزمن في اللحظة الآنية وتجاهلها لذكريات الماضي ومخاوف وأمنيات المستقبل وأثر ذلك في فقد الإنسان للمعنى، كما يوضح أهمية البناء السردي المعتمد على تتابع الزمان واتصاله بين الماضي والحاضر والمستقبل ومساهمته في إيجاد معنى الحياة
الفصل التاسع بعنوان (من المعنى إلى التعبد): أخيرا نصل إلى إجابة شافية عن سؤال معنى الحياة، إجابة ترتكز بشكل أساسي على السردية القرآنية التي يتضح من خلالها غاية الوجود ومعنى الحياة في ظل التصورات الإسلامية عن الدين والإيمان، إجابة يلخصها المؤلف في براعة شديدة بأن معنى الحياة لا يتحقق على جهة الكمال إلا بالإذعان والاستسلام لمقتضى العبودية بتصحيح القصد والإيمان بالرسالة وضبط بوصلة القلب على جهة العلو طاعة ومحبة وإخلاصا وتوحيدا
ثم الخاتمة الأجمل على الإطلاق التي تستحق كل فقرة فيها أن تقرأ بتأمل وتمعن وتفكر وتكرر قراءتها مرة بعد مرة، تلك الخاتمة التي توافقت نهايتها مع شعوري تجاه هذا الكتاب منذ بدأت قراءته، شعور الفرح الذي لازمني طول الوقت رغم عمق المأساة الكامنة بين سطور الكتاب وأطروحاته ونظرياته وأفكاره، فرح بالفهم الصحيح لما يجري من وقائع وسلوكيات حولنا فتتسرب آثارها إلى نفوسنا وتتسلل إلى قلوبنا، فرح لأن هذا الفهم الصحيح المتبصر المترابط صادر من عقلية عربية مسلمة متشربة لمعاني الوحي ومنطلقة من مرجعيته في تصوراتها للأمور وتقييمها لها وحكمها عليها لقد ختم هذا المزيج الهائل والمتناغم من الأفكار والنظريات والاقتباسات والمعاني والانتقادات بقول المؤلف: (فعلى المؤمن أن يتمسك بالحق، وأن يعلل نفسه ويتصبر ويقاوم، فإن الزمان قصير، ولا مفر له من هذا الطريق، وسيصل إلى نهايته يوما ما، فليجاهد ما استطاع ليكون وصوله حينئذ في موكب الفرح)
نعم، فلنجاهد ما استطعنا ليكون وصولنا حينئذ في موكب الفرح
بادئ ذي بدء، تزيح الظروف من حولنا بما تثوره براكين حرب غزة الأغطية عن سؤال المعنى، فيبدو السؤال أقوى حضورا، والجواب أكثر وضوحا وعنفوانا، فالسؤال في عصر الحرب لا كعصر السلم، ومواجهتنا لصور الصبر والثبات توقعنا في حرج إقامة الحجة علينا، فلم يعد سؤالا نزجي به أوقاتنا، ونستطيب التفلسف حوله بإجاباتنا، فما يتكشف من زيف للقيم الحداثية، وما يتولد من ثبات عن القيم الإيمانية، يصفعنا بجواب نقي صافٍ لا تشوبه شهوات الرخاء.
بخصوص الكتاب، كما كاتبه، ثري الأفكار، متنوع المراجع، متعدد المواضيع، شديد النفع لتعلقه بكثير من المسائل العصرية. والكتاب النافع هو الذي بعد إغنائه بمضمونه، لا يضن عليك بمراجعه الثرية، فالاقتباسات التي ملأت الكتاب تدفعك للتعرف على مصادرها، وبقراءة كتاب غني كهذا أن�� في الواقع تضم إلى مكتبتك عشرات الكتب.
على قدر اتساع سؤال المعنى وتعدد موضوعاته، جاءت مباحث الكتاب متنوعة متعددة، نظرا لتعدد بواعث ومحركات السؤال: الملل، الألم، الموت.. إلخ، فسؤال المعنى يبدو سؤالا لا مفر منه، أو كما يقول برناردشو: "في الوجود كارثتان؛ تحدث الأولى عند عدم إشباع رغباتنا، وتحدث الثانية عند إشباعها"، وكذا سؤال المعنى نصطدم به في جميع الأحوال. يعرج الكاتب على موضوعات مثل الفردانية، والمراهقة، والمعالجة النفسية، والمآزق المتعلقة بالهوية والأصالة، والفلسفات العدمية، والنسبوية، ودين السوق الاستهلاكي، ونحوه من الأديان البديلة. عن الحب، وتقديس الذات، والفن، والكثير من الموضوعات المشتبكة بسؤال المعنى، والواقع أن تشعب موضوعاته يصعب على القارئ مهمة تلخيصه لو طلب منه ذلك، بل وتصنيف موضوعاته لتعددها وتنوعها. ما يبدو واضحا بشكل متكرر على مدى الكتاب، أن المحاولات البشرية لـ"الحفاظ على أي معنى مطلق دون وجود إله هو ضرب من العبث"، وأن الملل هو العقوبة الأبدية للبشرية حينما تسعى لإبطال "ما هو لاهوتي، وهكذا يأفل المعنى من العالم". وأن خلق الفرد لأنظمة بديلة يقيم بها حياته -ممارسات صحية مثل الصيام المتقطع، ويوغا، وجراحات تجميلية، ووشوم، انتماءات رياضية..إلخ- ما هي إلا محاولات لاستبدال المعاني اللاهوتية بأخرى في سبيل ذات/واقع مثالي (قيم مطلقة غير قابلة للتحقق=محاولة لإقامة فردوس أرضي). وينطبق مثل هذا على النظم المستحدثة، فما هي إلا أديان متنكرة، فإنها في حقيقتها تقدم نظاما من الغايات النهائية التي تجسد معنى الحياة، وخطة للخلاص، وفردوسا موعودا. فلم تعد الشركات الضخمة تكتفي بالصناعة والإنتاج، "وإنما تود أن تصبح كنائس الغد، تعبر عن القيم وتصنعها". وهاهي النظم المادية تعد بسعادة أبدية ومستقبل موعود، وتقيم شريعة يعاقب مخالفها بعقوبات تستند لمعاييرها، ويوصم فيها بالصلاح والفساد (وهما معنيان مطلقان)، كما تسعى لتخليد أبطالها بالتماثيل والدروع، وتحتفي باستشهادهم في سبيلها عبر إقامة شعائر رمزية، لا تختلف هي الأخرى عن بقية الأديان. والفرد مع ذا لا يتخلى عن الدين تماما، بل هو بحاجة لرمزيته في صناعة تراث، أو عرض متحف، أو حكاية رواية، ويستفيد من بعض شعائره كأداة تحفيز واستثارة وجدانية، إن المحرك الأساسي في ذلك كله "تسيد مفهوم التجربة" وقوة حضوره. يفسر الكتاب بشكل بديع بواعث المحاولات الآدمية لتحقيق الشعور الكامل بالألم واللذة (الممارسات الجنسية الغريبة، جرح اليد، المغامرات الجريئة والاستكشافات)، وأنها محاولة لتهييج الرغبة في الوجود، أو كما عبر عنه ميشيل كروا: "الإحساس بالموت يوقظ الإحساس بالحياة". كذلك يلفت النظر لمفهوم الحب وكثرة تداوله وحضوره في العصر الحاضر كمفهوم مطلق ومقدس بديل يعاش من خلاله تجربة متعالية، وتحميله مسؤولية "استنقاذ معنى الحياة"، فعندما تفرغ الثقافة المعاصرة الفرد من محتواه، يطلب من الجسد أن يملأ الفجوة، فإشباع الشريك إثبات على وجود معنى للمرء، فلو استطاع أن يبعث هذه المشاعر فيه، فهو يثبت أنه حي ذاته. كما يتميز بتكريس "الأصالة الذاتية" فالعلاقة العاطفية تدور حول شخصين، لا وجود للوالدين ولا الأقارب، وإنما هي علاقة ذات صبغة ذاتية عميقة ومعقدة في غالب الأحيان، قوامها التحقق اليقيني من المشاعر و"الأصالة العاطفية". والنموذج الثقافي المهيمن يخلط بين العلاقة العاطفية والصلة الروحانية، والنتيجة الحتمية لهذا المزيج المشوه هي "خيبة الأمل". من المصائب التي أشار إليها الكتاب حالة "الاستهلاك الديني" وتحول المعتقدات والأفكار الروحية إلى قائمة خيارات متاحة للتجربة، إما على مستوى دين واحد، أو أديان متعددة، فكما يتيح لنا سوق العصر الحاضر تنسيق اللباس والأثاث كما نحب ونشتهي، فإن هذا التشهي انسحب كذلك إلى طبيعة التدين، إما على مستوى الأديان وانتقاء الإنسان منها ما يشتهيه، أو على مستوى الدين ذاته، في مذاهبه وفتاواه. يلفت النظر كذلك إلى تشابك العلاقة بين الفن والدين، في كونهما تكريسا للانتباه "لما هو مستتر ويمكن أن يظهر"، فهناك مساحة ما غيبية تقع داخل هذين المجالين، تسبب شوشرة ولبساً يوقع صاحبها إما في التوسل بالأول إلى الثاني، أو الاكتفاء به عنه. ولأن الفن في الحداثة أضحى معبرا عن الأصالة، تحول الخلق الفني إلى نموذج لخلق الذات، وانقلب الفنان إلى بطل، ونبي، وخالق للقيم الثقافية. وشاع الاعتقاد بغائية الفن، واشتهر شعار "الفن للفن"، وأضحى دينا بلا كهنوت، نجومه رموز تعبد، وأعياده المهرجانات السينمائية -الكي بوب أنموذجا-. وبسبب مضامينه الانفعالية والوجدانية يوفر إشباعا روحيا مؤقتا، أو واهما، فتكون مهمته حينئذ "تأجيل المعنى بصورة دائمة، وتكريس النسيان للالتزامات الوجودية، والاحتياجات الروحية الحقيقية." من الأمور التي تطرق لها أيضا أزمة فقدان "الوجود" في اللحظة الحاضرة، فقد لحق الحاضر الماضي والمستقبل في اتسامه بالاضمحلال والفقدان، خاصة في العقد الأخير مع ظهور شبكات التواصل، ونمط الإنتاج المتسارع، فلم يعد المرء قادرا على الإمساك حتى باللحظة الحاضرة، لذا استجد مفهوم "الحنين" للحاضر، وتحوله للحظة افتراضية. لذا يسعى الإنسان المعاصر إلى محاولة السيطرة على الزمن المفقود، بإيقاظ وعي متفرد بالصغائر، وتحويل الدقائق اليومية إلى تجارب فياضة بالشعور، ليتمدد الحاضر فيها إلى أقصى حد. إن محاولة البحث عن معنى والعثور عليه ليست تجربة ثانوية في حياة الإنسان، بل هي أصيلة أصالة وجوده، ولا عجب من وصف أحد المحللين النفسيين لمرض العصاب بأنه "معاناة كائن بشري لم يكتشف بعد ماذا تعني له الحياة". لذا اتسمت المجتمعات المتدينة -وإن تردت أحوالها المادية- بالقدرة على الصبر وتحمل الآلام، مقابل رفض المجتمعات المعلمنة لها بوصفها انتهاكا لحقهم المكفول في السعادة. فهذا الفقد لمعنى الألم أحاله لظاهرة مرعبة وغير محتملة.
كتاب مكثف، يتفجر مراجعاً، وينضح إشاراتٍ وموضوعات، مرشح جيد لنوادي القراءة، والنقاشات الجماعية.
مخرج: "جميع مشاكلنا الإنسانية وآلامها التي لا تطاق تنتج عن محاولات الإنسان المستمرة ... أن يحقق في هذه الأرض كمالا يمكن أن يوجد فقط في عالم آخر".
كتاب جدير بالقراءة، وجهد بحثي مميّز. "معنى الحياة" بكلّها وبأجزائها. بمبتدئها ومنتهاها وتبدّل أحوالها؛ سؤال يشغل كل عقل ويُشاغل كلّ قلب. كان الجواب جزءًا من أساطير تروى، أو من كتب إلهية تتلى، أو من اتفاقات مجتمعية مضمرة. فكان بذلك الجواب -مهما ثقل السؤال- حاضرًا أو ممكنًا، وكان عبء إيجاده موزّعًا، وخطر الخطأ فيه محتملاً. غير أنّ الحداثة بدّلت الحال، فأقصت الدين، وقتلت الأساطير، وجاء ما بعدها(أي؛ ما بعد الحداثة) فأجهزت على الأيدلويجيا، واستسخفت السؤال، وهزأت بكل ادعاء، وعزلت الفرد وحمّلته المسئولية الكاملة؛ فثقل كاهله، وصارت حياته خاوية من المعنى، فبئست بذلك معيشته. يستعرض الكتاب كل ذلك، ويعرض للمحاولات التي سعت لخلق المعنى أو تجاوزه بالاحتيال أو الاستهزاء. وجاء الفصل الأخير ليعرض إجابات الإسلام عن أسئلة المعنى. الكتاب غني جدا بما حواه من أفكار واقتباسات، وهوامشه وافية، وأسلوبه سلس رائع. وقد ذكرني الكتاب بقول يُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنه (لا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية). وهذا حالنا في زمن الحداثة وما بعدها، فلا يقدر لنور الهدى قدره من لم يخبر التخبط في الظلمات. وفي هذا الكتاب بيان ومثال على مثل هذا.
حين يُطرح سؤال "المعنى" يخيل للقارئ أنّ المجتمعات المسلمة مُحصنة من حيرته، غنية عن إجابته لأنها تستند إلى عقيدة الإسلام والتي جاءت لتجيب عن أكبر سؤالات المعنى. وهذا صحيح لو أنّ المجتمعات المسلمة ظلت بمنأى عن التغيرات التي جاءت بها الحداثة ومفرزاتها. يشير الكتاب إلى أنّ المجتمعات العربية المسلمة قد لا تكون تعاني من غياب المعنى بنفس الحدة لدى المجتمعات التي أقصت الديانات وإنما كان " لضعف الاعتقاد الايماني وتراخي الصلة بالله والانغماس في المزاج الفرداني الجديد وتضخم قيمة المصلحة الذاتية" آثارها "المشوشة" على الفرد وتعرضه لفقدان المعنى باستمرار. (الآن احتفظ بهذه الفكرة إذا كنت تتساءل لماذا علي "كمسلم" أن أقرأ كتابًا عن المعنى).
لدي تقدير خاص لأولئك الذين يقتربون من الظواهر المهيمنة على المجتمعات البشرية ويحسنون استيعابها وتفسيرها، وهذا ما يتيحه لك هذا الكتاب؛ نظرة علوية للمجتمعات الحديثة وأزماتها والأهم إدراكك أن ما كنت تظنّه مشكلتك وحدك وصراعك مع ذاتك ومجتمعك يتضح انه مشكلة أجيال بأكملها. وأنّك بالفعل ضحية لأفكار ونمط حياة معاصر ومدمّر على كافة المستويات! بدءًا من مشكلات الطفولة، المراهقة وأزمة منتصف العمر. الجسد، الحب، المكان والزمان. مواقع التواصل وتضخم الذات الحديثة والتسويق للذات وغيرها من تمظهرات الحداثة والتي يدور في فلكها الفرد الحديث دون إدراك لسياقاتها الكبرى.
يتتبع الكتاب أزمة المعنى من خلال تقصي "الموجة الفردانية الجديدة" ونشأتها وآثارها. مروراً بمحاولات الحداثة لإيجاد بدائل عن الأديان للإجابة عن سؤال المعنى في (فصول مدهشة). وينهي الكتاب بالإجابة عن سؤال المعنى في القرآن، والإشارة إلى الحاجة للأديان. مادة الكتاب ضخمة لكن ممتعة والمراجع كثيرة ومثرية، ويجدر الإشارة إلى براعة الكاتب في "نسج الاقتباسات" وتضمينها. -حتى أعياني في مرحلة ما تتبع الحواشي أو حتى إدراك إذا كان المكتوب يعود للكاتب أم اقتباس لكاتب آخر.- لا أحسن غالباً كتابة مراجعات الكتب وقد أغفلت عن ذكر الكثير مما جاء فيه ولكن هنا كتاب عظيم يستحق أن يُشير المرء إليه ومجهود جبار؛ بارك الله لمن بذله.
ويتم دفعك نحو الفردانية في التفكير والاعتقاد والإيمان؛ أن تُقاد في هذا العالم الحديث على أن تكون مكتفياً بذاتك، الوهيبي في هذا الكتاب يقدم بحث متكامل عما يحدث بنا في هذا العالم الحديث، قد لا تكون القراءة الوحيدة لهذا الكتاب كافية صحيح، لكنها قادرة على أن تضع أمام عينيك مفاتيح للتفكير السليم. ماذا بعد القراءة ؟ المعنى في الحياة أن تكون لحياتك معنى، حقيقةً لا مجاز. #أبجدية_فرح 5/5 🌷📚 #candleflame23bookreviews #معنى_الحياة_في_العالم_الحديث #عبدالله_الوهيبي
ورقة بحثية فلسفية عميقة وجميلة وتستحق أن تُقرأ مرة أخرى . . "فإنك إذا أحببت الشخص لله كان الله هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك تصورت محبوب الحق فأحببته، فازداد حب ك لله" ابن تيمية
عسيرة على الذين ركبوا موجة معنى الحياة لأنهم شاهدو عنها فلمًا يسوّق للعبثيّة المنظّمة أو تصفّحوا مجلّة مصوّرة زاهية الألوان لأن هذه المقالة ليست اختزاليّة وعظيّة بل تشريح وتفكيك رصين وهادئ
الذين جاؤوا من منظور نفسي وتعجبهم أفكار العلاج بالمعنى سيجدون في المقالة متعة وفائدة وصعوبة، وإجابات لغير أسئلتهم
يؤكد ويحصر لنا أن معضلة الإنسان الأساسية تكمن في طبيعته التناقضية المرهقة، كون جزء من جوهرنا أرضي والآخر سماوي! والعقل الحديث يرى أو يأمل بل ويصارع أن لا تكون الآلام من طبيعة الأمور! كتاب رائع، وكثيف حد الإرهاق اللذيذ، ولمثل كثافة مراجعه لا يقرأ لمرة واحدة.
لا يخفى على أحد الجهد البحثي الرصين والمتقن الذي قدمه الكاتب في هذا العمل سواء من وفرة الاقتباسات أومن الهوامش أو من التحقيق لدرجة أنه قام بتوليف جمل كاملة مترابطة من الاقتباسات واضافته لحروف العطف فقط كي تكمل الصياغة .. لم أقرأ حقيقة منذ فترة كتاب بمثل هذه القوة في الطرح والتفصيل حتى أنك تكاد لا تجد ماتعترض عليه فكل فكرة يطرحها فتعارضه عليها تجد لها تفسيرا في مكان آخر بمثل ماكنت تظن .. كتاب يغوص كثيرا في كل مناحي الحياة كأنك تشاهد عملا سينمائيا منذ نشأة الخلق حتى النهاية وكل ما على هذه الأرض من أخبار وحكايات وتقلبات .. اعتراضي الوحيد أن الفصل الأخير الذي عنونه ب ( من المعنى إلى التعبد) لم يأتي بمثل قوة الفصول السابقة وكأن الكاتب استفرغ وسعه فيما سبق حتى أجهد في النهاية .. لكن لا يزال عمل يستحق الإشادة والقراءة والعودة إليه كلما شعرت بغياب بعض المفاهيم واستنكارك لما يحصل حولك فعد إليه حتى تفهم وتدرك فتستذكر ..
ورقة بحثية ممتازة فعلا، والهوامش في غاية الأهمية كذلك، أظن هرجع لكتير من الإحالات بها. موضوعها: الاتجاه الإنسانوية الثاني، عند لوك فيري خاصة، بعد طرح الاتجاهات الفلسفية المختلفة وتاريخ سؤال البحث عن المعنى بشكل موجز، ونقد الإجابات المطروحة وبيان خلل النتايج حتى لو اتفقنا ف بعض المنطلقات، أظنها مفيدة لكل مهتم بمسائل المعنى والأثر الحداثي والعلماني. وأترك هنا مقالة بخصوص الإنسانية في مقابل الدين، وهل ممكن فعلاً خلق روحانيات وقيم بلا خلفية دينية والكاتب عرج عليها بالفعل ف مساحة جيدة يعني، ورغم اتفاقي مع الكاتب إنها مسألة تحتاج بحث أكبر لكن أعتقد المقالة جيدة في تصور مبدئي بالإضافة لمحتوى البحث: https://www.braheen.com/mag/2nd/51-hu...
من أكثر الكتب شمولية في تناول الذات الحديثة. كتاب واسع أثقل عقلي كثيرًا واستمتعت بالقراءة فيه رغم بعض مواضع الصعوبة، وسأضع نبذة مختصرة عن كل فصل بطريقة فهمي لموضوعه:
-الأنا في العقود الأخيرة: وفيه يناقش الكاتب العملية التحولية التي طرأت على النفس البشرية في الفترة الأخيرة. فبعد ما أحدثه هذا التحول في الوسط المعرفي، الثقافي، التقني والاجتماعي كان لا بد أن يخلف انعكاسًا سلبيًا على استقرار النفس الإنسانية وهويتها، وأن ينتج بدوره هذه الأنا الحديثة المضطربة. والمناقشة في هذا الفصل تتم على ضفتي النتائج والأسباب.
-الجذور والآثار: إذا كان ما أثار هذا الاضطراب في صورة الذات؛ فأدى إلى تمجيدها أو وضعها في محل العبث والعدم هو التحول الحادث في النموذج الحداثي، فلا بد أن نعود قليلًا إلى الوراء حيث المفاهيم التي يدار عليها هذا النموذج الحداثي؛ مفهوم العقلانية، الفردانية، والحرية فنبحث في الجذور والأثر. ويتم التوضيح في هذا البحث على إثر نموذجين؛ الأغسطيني والديكارتي.
*في هذا الفصل في الفقرة السابعة على وجه الخصوص: وقف الكاتب على صورة الذات الحديثة في الأعمال الأدبية، كالسِير وتسجيل اليوميات والرواية الحديثة.
-مآزق الأصالة: بعد البحث في الجذور علينا الآن أن نتخيل الصور التي تبلورت فيها الذات الحديثة. في منظور البعض تبلورت صورة النفس ك فردانية هوياتية بصفة شخصية أثناء سؤالها عن المعنى فانتهى ذلك بتطلعها إلى فردانية وإلى حرية تجعلها تنعتق عن أي سلطة تقيدها، هذه الحرية تمثلها الأنا وتخلو منها أي شائبة لنحن. لكن من منظور آخر يُرَى أن الصورة الذاتية الحديثة لم تنشأ بصورة ذاتية خالصة بل تحت غطاء من التأثير المجتمعي، فالإجابة على سؤال المعنى لا يخلو من تعريفات مستمدة من الخارج مثل الأسرة، رأسمالية المجتمع.. إلخ مما يجعله يشعر بالصلة والاعتراف.
*وفي هذا الفصل في الفقرة الثالثة وقف الكاتب على أثر اللغة على التكوين الذاتي.
-الطريق نحو الجسد: نبدأ في عرض النتائج التي ترتبت بعد هذا الطريق الطويل من الرؤى والاضطرابات.. على المستوى النفسي، على سبيل المثال نشأت حالة من السيولة النسبوية، تلوثت القيم والغايات، وعرف المنهج الشكي، العدمي.. وكل شكل يجعل الفرد ينعتق عن صلب الحياة. *وعاود هنا الحديث بشكل مفصل عما أحدثه هذا الأثر في الأدب المعاصر. أما على المستوى الجسدي، فالجسد هو الآخر لم يسلم فتمت ممارسة أفعال عليه هي أقرب للعدوانية، بل هذه الرؤية الحديثة للذات مع الغياب القيمي في ظل الحداثة ليس ببعيد عنها أن ترفض فيه النفس الجسد وسيره العمري الطبيعي، أو تسعى لمحاولة تشييئه وجعله عوضًا عن الغياب الروحي.
-اختلاق المقدس، الأديان البديلة: ثم بعد كل هذا، فهذا الإنسان يظل في نفسه غور لا يستطيع سبره إلا بالرجوع إلى شيء يجعل لحياة معنى. هذا الشيء إما أن يكون الدين الصحيح، أو سيبدأ الإنسان في البحث عن شيء آخر يستطيع أن يمركز حياته حوله؛ كأي دين بديل أو مقدسات خرافية أو حتى جماعة سياسية ما.
-المشاعر والرومنسيات المعاصرة: المشاعر لا تنفصل عن علاقة الذات بنفسها بل بالوجود، وأول علاقة تربط بين المشاعر ونشأة الذات الحديثة يمكن ردها إلى الفصل السابق حيث يتم اعتبارها كبديل أو تديورها في إطار ديني فيتسلك الإنسان بطقوس شعائرية تعطيه هذا الزخم الروحي، وكلها محاولات يبحث من خلالها عن المعنى. فهذا الفصل تدرس فيه المشاعر بطريقة واسعة، وأهم شعور ركز عليه هو الحب (رائع).
-الفن والمعنى المؤجل: ويتم دراسته بدوره نوع آخر من البدائل التي يلجأ إليها الإنسان في محاولات الإثراء الروحي، ثم علاقته المتداخلة بالدين. ويتم التعليق أيضًا على الرؤى التي طرأت عليه بعدما تشكلت الذات الحديثة وما آل إليه ذلك في مكانته ومفهومه.
-المعنى والزمان: من حيث تأثير الذات الحديثة على الزمن: فالنزعة الفردانية أسقطت الروابط الاجتماعية، فأصبحت قابلة للتخلي عن الماضي والاعراض عن المستقبل والتركيز فقط بالحاضر الآني. ومن حيث تأثير الزمن على الذات الحديثة: فحياة السرعة المترتبة على الحداثة أدت إلى شيوع الطبيعة الاستهلاكية الفورية، واللهث وراء السعادات المؤقتة.. إلخ من آثار أدت إلى تآكل هذه الذات.
-من المعنى إلى التعبد: وهو الفصل الآخير الذي يحاول فيه الكاتب تجميع ما يرتكز عليه للإجابة عن أسئلة المعنى، في إطار النص القرآني.
أطروحة عظيمة ومتكاملة الأبعاد، ليس في سؤال المعنى في العالم الحديث فقط، إنّما استشفيتُ من بين السطور تفسيرات لكل الظواهر الغريبة التي نشهدها اليوم.. فالتمحور الغريب حول الذات والأنا والتركيز المستميت في حالات الجسد والسعي للشعور بمشاعر متطرفة ومبالغ فيها واللهث خلف الحب والرغبة في دوام شرارته واختلاق ممارسات فكرية ودينية عجيبة كلّها ليست إلّا محاولاتٍ بشريّة وقاصرة لإشباع الحاجة إلى العبادة، والتي هي جواب المعنى الحقيقيّ. أجمل ما في الأسلوب أنه يحترم عقل القارئ ويُثريه بأدلة وبراهين من واقع التجربة الانسانية الحديثة، فهو لا يفرض رأيه عليك بجمود، بل يدلّك على الخيوط التي نسج منها الحقيقة.
أشكر المؤلف الأستاذ عبدالله الوهيبي على جهده الواضح في هذا الكتاب وسعيدة أنه فيما بيننا أناس بمثل هذا الوعي لحاجات المجتمع الفكريّة، اسأل الله له التوفيق والسداد وجزيل الثواب.
لو اخترت كتابا واحداً لأقرأه في هذه الدنيا -بعد كتاب الله وسنة نبيه عليه صلاوات الله وسلامه- لإخترت هذا الكتاب! ففيه من الخلاصة ما تكفي لحل العلل وفهم دواخل النفس ما لم اجده في كتاب آخر.
يتقدم الكتاب بإهداء إلى كل صديقٍ حميم. وانا كقارئ مبتدئ يتحسس طريقه في الظلمات أقول للشيخ عبد الله الوهيبي جزاك الله خير الجزاء عن هذا الصرح الع��يم، هذا الكتاب غيّر لي مفهوم حياتي وجعلني استبصر ما كنت منه أحيد وعنه أتعامى، فلقد جعلت من هذا الكتاب صديق حميم لن ألبث إلا ان أصاحبه واتفاعل معه وأعايشه.
والآن إلى قراءة ثانية أكثر تأني مصاحبة بالمراجع، تليها مراجعة منهجية.
جزا الله كاتب هذا الكتاب وناشره وكل من قام على العمل به خيرا كثيرا
أنهيت الكتاب منذ أسبوعبن بعد قراءة استمرت قرابة شهرٍ كامل، ولا زلت عاجزة عن مراجعته موضوعيًا لفرط الدهشة المصاحبة لما وجدته فيه من إجابات لأسئلة طال بحثي عنها لسنوات وسنوات، تجدد شعوري هذا المساء بعد مجلس نديم الذي نوقش فيه الكتاب مع مؤلفه.. لطالما دعوت الله أن يدلّني ويرشدني لما يُسكت صوت هذه الأسئلة ويرضيني منها بجواب حكيمٍ متزن، فكان أن سخّر لي بفضله قراءة هذا الكتاب.
أطروحة عظيمة وتجربة قرائية مختلفة أزعم أنها ستغير في قارئها شيئًا.. وما أحوجنا إليها في هذا الزمان المتسارع الذي تفلت فيه المعنى من كافة أطرافه، شكر الله للوهيبي وتقبّل منه
هذا الكتاب عمل جبَّار مُتكامل، وكاتبه مُتمكن بارع لم يترك شاردة ولا واردة تختصّ بموضوع الكتاب إلا وأدرجها وعرَّج عليها في بحثه الكثيف الماتع. تميّز هذا الكتاب بنظرة تحليلية واسعة لموقف الفرد المعاصر تجاه أزمة المعنى، والفرد الغربي هو المعنيّ بهذه التحليلات، لكنك ستجد أن الفرد العربي المسلم ليس بمنأى عنها. ولم يقف الكاتب عند حدود سؤال المعنى، بل وتجاوزها إلى ما هو أعمّ وأشمل، فغاص في مظاهر المجتمعات الحداثية ومشكلاتها وثغراتها وتجلياتها. ومع أن الكتاب لا يعدّ ضخمًا -حوالي 400 صفحة- إلا أن كل كلمة منه بوزنها ولها قيمتها، ولو أفرد الكاتب لكل فكرة أشار إليها ما تستحقه من الحديث المُفصل لجاوزت الصفحات الألف، وربما أكثر..
إن مثل هذا الكتاب هو ثمرة فكر ألمعي أريب ونفس جادة مهتمّة، إنه عمل يتجلى فيه الإحسان.
الكاتب يعتقد ان الفردانية individualism خطأ دون ان يثبت وجهة نظره. يقول بان الانسان من غريزته الفطرية ان يؤمن بالدين (دون اثبات ذلك) ويظن ان الغرب جعلوا السوق الحر، الرأسمالية، والاراء السياسية الاخرى كافكار مقدسة. انتقد الكاتب التحليل النفسي وصرف الادوية النفسية لظنه انهما يحاولان انقاذ الذات االتي تبحث عن المعنى دون الدين.
الكاتب في نهاية هذا الكتاب الطويل المليء باقتباسات فكرية لم يقنعني باي فكرك حاول ان يوصلها. لا انصح بقراءة الكتاب
دفعت إلى هذا الكتاب دفعاً، وكأنما هناك يد خفية تحثني على المضي، فقبل معرض الكتاب السابق كنت قد أعددت قائمتي السنوية التي لا أضيف لها أي عناوين جديدة، و إذا بي أتصفح صفحة تكوين - وهو من أحب المراكز إلى قلبي- لمعرفة موقع المركز في المعرض، فتقع عيني على هذا العنوان الجديد، فيأسر قلبي ويشدني، فأكسر القاعدة و أضيفه إلى القائمة، ذهبت في اليوم الأول فلم تنتهي عملية طباعة الكتاب، فعدت في اليوم الثالث ليتكرر الموقف، وعادتي أن أكره الكتاب بعد التعلق وهذا الشيء يجعلني أتراجع عن شراء أي كتاب يتعبني في البحث خوفًا من سقف التوقعات الذي يرتفع. لكنني تجاهلت العادة وعدت مرة ثالثة في اليوم الرابع وحصلت عليه. و يالله ! كيف لهذا الكم الهائل من الجمال والتغيير و الدهشة و القوة أن تجتمع في كتاب واحد؟! كيف أن تستطيع هذه الصفحات أن تلملم شتات في قلبي وتيه في نفسي كنت أخوضه منذ زمن؟! كيف لمقدمة أن تبرهن على أنني لن أبقى كما أنا عندما أنتهي من الكتاب؟! كنت متيقنة من ذلك ، كنت أعرف أنه سيصبح كتابي المفضل للأبد - مع العلم أنني أكره المفضلات - وفاز بذلك حقًا. كتاب كبير في المعنى، قريب في المغزى. قريب جدًا جدًا لدرجة أنه لامس قلبي. شكرًا أ. عبدالله و شكرًا تكوين. أرجو من الله أن يكتبه في ميزان حسناتكم 💕
يعيش الإنسان في يومنا الحاضر معضلة وجودية صعبة. فما معنى الحياة التي نعيشها؟ وما الهدف الذي نسعى لتحقيقه؟ هل صارت الحياة الفردية الذاتانية هي الاختيار الأمثل؟ أم أن الانضواء تحت ظل الجماعة هو القرار الأفضل؟ أم ان الحال وسط بين الأمرين؟ هل باتت القيم والأخلاق وحتى النظم السياسية، سائلة؟ تفتقر إلى الثبات وتتغير بسرعة نكاد لا نفهمها. ما أوجه المقارنة بين مجتمعاتنا الدينية والمجتمعات الغربية من حيث السعي لفهم معنى الحياة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تجد نقاشات مستفيضة حولها في هذا الكتاب.
الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر .. بين محاولات وتخبطات الإنسان الحديث الباحث عن معنى وتعلّق متجاوز لأحداث حياته يتمسك به لئلا ينجرف للعدمية الحتمية التي تنتظره، نحمد الله على دينه الذي كفانا التعطش للسّردية في الماضي والمستقبل وعلّمنا أن القلب ما خلق ليشتغل بأمور الدنيا ، فكانت تطلعاته أبدية متجاوزة للزمن لا يستحقها إلا خالق الكمال وأحق من اتصف به..
قراء تحليلية بديعة للمشهد المعاصر تجاه سؤال المعنى وكيف أن كل الإجابات التي نشاهدها ونحسّها في عالم اليوم بدأت صغيرة وضئيلة لا تحسها الأقدام. حتى كبُرت وصارت عقيدة قائمة بذاتها.
ومن مشاهد الإحسان البديعة في كتابة هذا الكتاب هو أن الوهيبي قبل بداية كل فصل يكتب تمهيد وتلخيص للأفكار الرئيسة وهذا ساعدني كثيرا في الفهم والاستيعاب ومواصلة القراءة بذهن صاف. كتاب دسم رائع ومدهش يأخذك من بين شكوكك ليبدأ في سرد كل جذور إحساسات الانسان الحديث وعقيدته المشوهة وتعبيراته المتغيرة ونظرته وتأملاته في نفسه وذاته وأناه وماضيه وزمانه الآني ومستقبله الغامض الذي ينظر إليه بعين تَأمَل وعين تجزع. يقرأ عليك حكاية حكاية الانسان المعاصر وكيف تشكل بهذه الصورة وكيف أن كل الأشياء التي أسهمت في تصييره, كلها بلا استثناء, ساهمت في تشتيته عن سؤال معناه, وإن لم تشتته فهي تخدره بأجوبة لا تسمنه ولا تغنيه عن جوعه تجاه ربه. فأصبح يتوهم في كل الأشياء ألوهية تداوي آلامه وتسكّن جراحه.
الكتاب عبارة عن مدخل نظري ثم ثلاثة فصول تناولت الذات والأنا الحديثة قدم الوهيبي فيهما جذور وأسباب التعاطي مع هذين المفهومين بشكلهما الحالي -كيف انتصرت الذات وصارت هي المركز\السماء\الأرض, وكل ما عداها غبار يشوش صفو الحقيقة-
ثم الفصل الرابع بدأ بمَنطَقة العدمية والنسبية استنادا من مقدمة انتصار الذات ومركزيتها وفردانيتها وكيف شاعت وتفشت هذه الرؤى في الأدب المعاصر ويرجّح الوهيبي أن تسيّد هذا الموقف ماهو إلا تعويض عن حاجة الانسان لشيء ميتافيزيقي يؤمن به بعد أن تكسّرت أعمدة الدين. وقدم في هذا اعتقاد الفيلسوف الوجودي نيكولاي برديائف في أن العدمية تعوّض اضمحلال المطلق وموت الغيبيات. وذكر أيضا تعبير آخر في هذا المعنى كتبته نانسي هيوستن:
"في عالم الحداثة الذي زال عنه السحر صارت العدمية كنيستنا الحديثة, وبات أتباعها الحاملون فوق رؤوسهم هالات الألم المطلق هم مسحاؤنا المرتدون للصليب, وقديسونا المعذبون, وشهداؤنا الصابرون العظيمون المعظمون. ونحن نشاركهم وحدة الشعور في انتشاء جمالي بالشقاء ونشعر بالامتنان لهم لأنهم يعبرون عن صعوبة أن يكون المرء حيا"
ثم تتابع وتقول:"وبدلا من الذهاب للكنيسة للاستماع للقس وهو يشرح لنا معنى آلامنا, فإننا نشتري كتبا ونشاهد عروضا تؤكد لنا أن هذه الآلام حتمية. وأن كل شيء بؤس وشر واضطهاد ونحن نضحك ونصفق لأن ذلك يقال ببلاغة."
ثم انتقل في الفصل الخامس لكل المعاني البديلة التي تسد الاحتياج الفطري للآدمي تجاه الدين والديانة والتعبد مثل تأليه الوطن والتحليل النفسي والأديان السياسية وحتى الصوت الداخلي والضمير.
"إن تاريخ زماننا يدل بأنه عندما كف الناس عن الإيمان بالله أسرعوا إلى صنع آلهة جديدة لهم من السلطة, التطور, العرق الأمة أو الدولة, وباسم آلهة من هذا النوع كانوا ينقعون الأرض بالدم... إن نحن وجدنا السعادة في مكان, فإننا نجدها فقط عندما ندمج أنفسنا في شيء أكبر منا" ليونارد هوبهاوس
الفصل السادس كان خاص للرومانسيات المعاصرة والحب والمشاعر والفصل السابع كان للفن قدم في هذين الفصلين حيثيات وأسباب ارتقاء الحب والفن في الحياة المعاصرة إلى منزلة أقرب إلى -التأليه- وكيف يعيق (الحب والفن -بمنزلته المقدسة الحديثة-) صفاء جواب المعنى في الحياة المعاصر.
"اعتماد الانسان الحديث على شريك الحب هو نتيجة فقدان الإيديولوجيات الروحية, كما في اعتماده على والديه أو معالجه النفسي يحتاج المرء أحدا ما, أيدولوجية فردية للتسويغ من نوع ما, تحل محل الأيديولوجيات الجماعية المتقهقرة.. هو إصرار من المرء على معنى لحياته. إن لم يكن لديك رب في السماء, بعدٌ خفي يسوغ للبعد المرئي, فإنك ستأخذ ما تطاله يدك وتحل مشكلاتك به." المحلل النفسي إرنست بيكر
الفصل الثامن والتاسع وهما أقرب الفصول لفؤادي وروحي في الثامن أدهشتني سردية الزمان وكيف بدأ الأفق الزمني لدى الانسان الحديث بالضمور وانفصل عن ماضيه وتشتت عينيّ فؤاده عن التطلع فخرج بذلك عن تعريف الانسان الذي يتذكر ويتطلع ويأمل. وصار أشبه بالحيوان الذي لا يملك إلى لحظته الآنية التي هي بالنسبة له كل شي!
أما الفصل التاسع كان مثل الفجر بعد ليل طويل بارد وقارص وفيه يبرهن على الحاجة الماسة للدين في الجواب عن معنى الحياة وكيف أن الألم والموت يشاركان في رص جواب المعنى وكيف أن معنى الخلود في التصور الإسلامي يشبع الرغبة الملحة التي تدق وتدق.
سؤال المعني سؤال ملح علي الإنسان كونه يحمل الضعف والهشاشة في بنيته تمر به مواقف يتجلي فيها ذلك يصيبه الملل والسأم ويكابد الألم ويفزعه الموت لكنه أخذ يتراجع عن الشأن العام بعد ضمور التدين العام وتلاشي سلطة الكنيسة وتذويت هذا السؤال بتأثير الأطروحات الليبرالية، جاءت الإجابة عنه مختلفة بعضها كانت بالنفي والتشكيك باعتبار عبثية هذه الحياة والأخر تجاهل السؤال بوسائل التشيت والإلهاء وكانت هناك إجابات إثباتية لم تخرج عن حيز الإنسانية بدوافع معلمنة، في تسعة فصول تناول فيها الكتاب جذور هذه المشكلة في الفصل الأول وضح كيف تضخمت الذات تحت تأثير الحداثة التي ترتكز باستمرار علي الهدم والبناء وعدم الثبات وأصيبت بفورة نرجسية حتي أصبحت هي منتجة الواقع، في الفصل الثاني تناول جذور المؤدية لذلك بالثورة العقلية عند الفلاسفة التي بدأت بالكوجيتو وتطورت مع هيجل وكانط وروسو، الفصل الثالث يتناول مآزق هذه الأطروحة والصراع الذي اشتعل بدوره داخل الفرد مقابل المجتمع، ثم في باقي الفصول يوضح محاولة اختلاق مقدسات بديلة تحاول وضع الإنسان في مكانة أعلي وتوفر له نوعًا من العزاء عن غياب الغاية الكبري في حياته لينتهي في الفصل الأخير بالانتصار للدين الذي يجعل الإنسان ضمن سردية يعرف فيها البداية والنهاية ويحدد موقعها ومقتضيات وجودها ويضفي له معني في حياته يصبره علي بؤسه ويمنحه الأمل بالتعويض الأخروي
كتاب ممتاز جدا ومهم في مثل هذه المرحلة لكثير من الناس وأخص من هم في مرحلة الشباب.
عبدالله الوهيبي قسم الكتاب الى تسعة فصول وكانت تتحدث في مجملها عن التفسير الحداثي لمعنى الحياة من عدة وجوه.
الكتاب يساعدك على التعرف على التغير في تفسير كثير من موضوعات الحياة في فترة ماقبل الحداثة وفي فترتنا الحالية، يوجد كثير من التشوش الذهني عند الكثير من عدة مفاهيم وجودية متعلقة بالمعنى بالذات اذا اصبح البحث عن المعنى متعلق بأمر مادي بحت، اذا كنت انت احد هؤلاء الاشخاص فالكتاب راح يقدم لك مساعده كبيرة.
اخيرا، الكتاب مفتاح لكثير من المراجع اللي ممكن تفيد الشخص في الإستزادة والبحث أكثر عن هذا الموضوع.
أحد الكتب القليلة التي أثرت تأثيرا مباشرا على حياتي وقراراتي، استغرقتني قرائته سنة وأربعين يوم، تشربته وناقشته وانتقدته مع العديد ممن هم حولي، وكتبت تعليقات حتى اني أخجل أن أعيره أحد لكثرة ما كتبت على الكتاب. أشكر المؤلف على ما أثاره في عقلي وحياتي من تغيير، وأهنئه على ماوهبه الله من علم وقدرة واستطاعه في جمع ماجمعه وتسطير ماكتبه.
اكتفي بإقتباس تغريدة الشيخ عبدالرحمن قائد على الكتاب
قال ابن عبد الهادي عن كتابه في مسألة الجهر بالبسملة: هو كتاب متعوبٌ عليه. وأقول عن كتاب أخي وصديقي الأستاذ عبد الله الوهيبي "معنى الحياة في العالم الحديث": هذا كتاب متعوبٌ عليه، مفيد ممتع، والجمع بينهما قليل،