يحل كثيرًا من التساؤلات القائمة في الساحة؛ تساؤلات طالما دارت في أذهان كثير من المهتمين بالشأن السياسي -لا دينيين، وإسلاميين- ابتداءً من الإجابة عن تعريف فاصل للحركة الإسلامية، وانتهاءً بكيفية الخروج من المأزق الراهن ببعث الرسالة القرآنية من جديد، وتجديد كل أمور الدين، وإخلاص العمل لله وحده. ولعل هذا الكتاب بداية سلم في طريق الدعوة إلى الله لنصل بها إلى درجة الكمال، التي يرضاها الله ورسوله. وقد سرد مؤلفه ما ورد في مصدري التشريع الإسلامي -القرآن والسنة- مما يتعلق بالربط بين الدين والسياسة مثبتًا بالأدلة الصحيحة.ـ
ولد د. فريد الأنصاري بإقليم الرشيدية جنوب شرق المغرب سنة 1380 هـ = 1960م.
حاصل على: > إجازة في الدراسات الإسلامية من جامعة السلطان محمد بن عبد الله - كلية الآداب - فاس.. > دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة محمد الخامس - كلية الآداب - الرباط.. > دكتوراة الدولة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة الحسن الثاني - كلية الآداب المحمدية..
* عضو مؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية.. * أستاذ كرسي التفسير - الجامع العتيق - مدينة مكناس.. * رئيس لقسم الدراسات الإسلامية - كلية الآداب - جامعة مولاي إسماعيل - مكناس.. * أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة - جامعة مولاي إسماعيل - مكناس.. * رئيس وحدة الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة، بقسم الدراسات العليا - جامعة مولاي إسماعيل - مكناس..
= بعض إنجازاته العلمية: التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، أبجديات البحث في العلوم الشرعية، المصطلح الأصولي عند الشاطبي
= بعض إنجازاته الأدبية: ديوان القصائد، جداول الروح، ديوان الإشارات
انتقل إلى رحمة الله مساء الخميس 5-11-2009م بمستشفى سماء بمدينة إستانبول
كتاب نفيس وتأسيسي لكل طالب علم وناشط سياسي إسلامي، فمؤلفه رحمه الله أستاذ متخصص في أصول الفقه، ومراقب مخضرم للحركات الإسلامية المعاصرة. يضع يده على الجرح بنباهة ملفتة، ويعرّي أصحاب الشعارات البراقة، ويتركهم أمام جهلهم وسطحيتهم وتناقضاتهم التي جنوا بها على الدين بدلا من أن ينتصروا له. ينبغي تعميم قراءته ومدارسته بين الحركيين، والجهاديين منهم على وجه الخصوص.
يناقش الشيخ موضوع هام، وهو (الحركات الإسلامية و مدى تضخم الجانب السياسي لديها على الجانب الدعوى) معترفاً أنه موضوع حساس جداً وحساسيته تأتي من جهتين: ١- عدم الإستعداد لتقبل النقد الذاتي لدى بعض قيادات الحركة الإسلامية إلا قليلاً. ٢- أنه يعالج موضوع لا يطرقه في العادة إلا المخالفون للمشروع الإسلامي من اللادينيين رغبة منهم في تجريد الدين من السياسة تكريساً لمقولتهم المشهورة (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)
》الكتاب يحتوى على عدة مباحث .. أستطيع اختصارها بنظرة شمولية إلى ٤ أفكار أجدها أساسية، وهى :
♡ أولاً: موقع الأحكام السياسية على خارطة الدين من حيث الأهمية واهتمام الشرع بها .
الأحكام السياسية هى التشريعات المتعلقه بتدبير الشئون العامة للدولة على المستوى الدستوري والإداري والتنفيذي - و هو ما سماه الفقهاء قديما " بالأحكام السلطانية" - فنجد أن النص الشرعي (القرآن الكريم و السنة النبوية) لم يتطرق إليها، و هذا مما يُسمى عند الأصوليون " بالمسكوت عنها" . و(المسكوت عنه) مصطلح دال على أن السكوت هنا مقصود شرعاً، فعدم التشريع في هذا السياق تشريع، وهذا يستفاد منه إحالة هذا الأمر كله على الاجتهاد نظراً لارتباطه بالعادات والاجتماع البشري العمراني أساساً، ولذلك كان مَوكولاً إلى المسلمين أن يطوروا نظام الحكم على حسب متطلبات الزمان وأهله، ويُكَيفوه حسب مقتضيات العصر على أساس واحد هو حفظ مقاصد الشريعة الضرورية والحاجية والتحسينية . إذن الشأن السياسي لا يكون بالنسبة لجوهر الدين من حيث هو دين إلا وسيلة لا ركناً ولا غاية، لذا عندما يصبح الموقف السياسي هو المقياس الذي عليه يصنف مستوى التدين لدى هذه الحركات الإسلامية يكون ذلك دالاً بالقطع على الإنحراف عن المعنى الإسلامي للدين والتدين .
♡ ثانيا: الطبيعة الوجدانية للتدين وأثر الانجراف وإطلاق العنان لها
التدين في حقيقته الجوهرية تجربة وجدانية، فالدين يعتمد قدراً معيناً من التوجيه العاطفي الوجداني للمتدينين قصد الانخراط بصورة إيجابية في العمل الديني، وهذا مُعطى أساسى لفهم النفسية المغالية فى الدين أو ما يسمى بالغلو فى الدين، والغلو يعني المبالغة في تضخيم بعض الجوانب في الدين على حساب أخرى مثل: قَلب ما هو مندوب إلى ما هو واجب، أو ما هو مكروه إلى ما هو حرام، أو ما هو وسيلة إلى ما هو غاية . وقد رصد الشيخ بعض تطورات الواقع المحيط والذى كان له أثر نفسى وجدانى أدى إلى الغلو في الدين لدى بعض الإسلاميين فى العصر الحديث منها: ١- نفسية رد الفعل على تأسيس الدولة العبرية بفلسطين ثم الهزائم العسكرية للدول العربية في مواجهتها ٢-الظلم السياسي الدموي الذي مارسته الأنظمة الحاكمة المستبدة على الدعاة ببعض البلاد العربية . ٣- ظلم النظام العالمي الأمريكي للشعوب الإسلامية خاصة بعد أحداث نيويورك. ٤- رد الفعل المنافس للمد الماركسي. ٥- التأثر بالفكر الشيعي (الثورة الإيرانية) ٦- التأثر بالجهاد الأفغاني وذلك ببروز الإتجاه الإسلامي المنادي بالحل العسكري في إصلاح البلاد والعباد . ٧- تدهور الوضعية الإجتماعية . ٨- الجهل بالإسلام وغياب التوجيه الفقهي للحركات الإسلامية وذلك بالخطأ الذي مارسه بعض العلماء المتمثل في محاربة شباب الصحوة الإسلامية مما أدى إلى قطيعة بين الصحوة الإسلامية وعلماء الأمة .
♡ ثالثاً: أخطاء الحركات الاسلامية والدعوة إلى إعادة ترتيب الأولويات.
لقد أتى زمن على قطاعات من الحركة الإسلامية نسيت فيه كتاب الله تعالى، وهجرته هجراناً غريباً ثم صارت إلى تقديس مقولات فكرية اجتهادية، كان لها دورها الفقهي في زمانها ومكانها، فتغير الزمان وربما حتى المكان، ولكن كثيراً من الإسلاميين لم يغيروا تلك المقولات؛ فأصبحت بين أيديهم أوثانًا تُعبَد من دون الله ..حلت نصوصها محل القرآن، وحلت شروحها محل السنة . كما أن حصر العمل الإسلامي في الشأن السياسي يسلب الإنسان التفكير الكلي وهذا أخطر، ذلك أن علاقة الشأن السياسى بالدين - في الإسلام - هى علاقة الجزئي بالكلى، لذا فتدبير الكلى الدينى من خلال الجزئي السياسى هو قلب للميزان و للأولويات وتشويه للعمل الدعوى. فالدعوة يجب ان تكون هي الغاية الكبرى من الوجود التنظيمي للحركات الاسلامية، والتنظيم يجب أن يكون في خدمة الدعوة لا العكس كما هو حاصل في كثير من الأحيان اليوم.
♡ رابعاً: البيان الدعوي القرآني
إن (البيان الدعوي القرآني) هو محاولة للعودة بالأمة من جديد إلى القرآن الكريم، وتجديد الوعى برساليته كخطاب إلهي لكل الناس، واحترام مراتب الأولويات فى النهج الدعوى كما هي مُرتَّبة في التشريع الإسلامي، وذلك بطلب القرآن قبل السلطان، والعمل للدين قبل الدولة، وعدم الافتتان بالوسائل عن الغايات.
قسم الكاتب هذا الكتاب إلي أربعة فصول في كل فصل عدة مباحث .. و أنا أقسم الكتاب إلي 3 أقسام (مقدمة ، رأي الكاتب في العمل السياسي الإسلامي ، مشروع الكاتب المقترح في تجديد الدعوة و الخطاب ) وعلى هذا التقسيم سأبني رأيي :
1- بالنسبة للقسم الأول تناول الكتاب مفهوم الحركة الإسلامية و ماهي طبيعتها و سبب نشوئها ، نقل الكاتب آراء الكثير من الباحثين حول هذا الموضوع إلا أن رأيه في هذا الفصل كان جميلا و مقنعا .
2- أما القسم الثاني و هو الأهم و هو صلب الموضوع و به سمي الكتاب ، فلم يعجبني الكاتب في تناوله لهذه المسألة على الإطلاق - حتى أنني هممت لعدة مرات أن أتوقف عن قراءة الكتاب- وشعرت بأن الكاتب قد خلص إلي رأيه ثم بدأ يبحث عن الأدلة ! .
الفكرة الررئيسية لهذا الفصل و التى يريد أن يوصلها الكاتب -كما فهمتها- "هو أن العمل السياسي ليس هو مفتاح ولا هو الأساس لأي إصلاح إسلامي" .
و أما الطريقة التى سيثبت فيها الكاتب رأيه فهو كما قال أنه " علينا أن نتبين موقع المسألة السياسية في نصوص الشريعة ومقاصدها أولا ، و حجم ما تشغله من مساحة في كلياتها الشرعية من جهة ثانية ، و لمعرفة ذلك لابد من بيان المرتبة الشرعية للأحكام السياسية في الدين أولا فقها و أصولا ."
و أرى أن الكتاب لم يوفق في كل ماذكر فلم يتبين موقع المسألة في نصوص الشريعة و لا في مقاصدها و لا حجم ما تشغله من مساحة في كلياتها الشرعية و لنفرض جدلا ان ما ذكره الكاتب كان صحيحا - مع أنني أخالفه في أغلب الاستنباطات التى أوردها و كذلك في الأدلة و الأصول التى غفل عن ذكرها - فإن هذا المنهج في قياس مدى صلاحية "أي عمل" ليكون مرتكزا من مرتكزات الإصلاح و نرى كمية النصوص الدينية التى تناولته أراه في نظري منهجا يحتاج إلي إعادة النظر . أو على الأقل يضاف إليه منهج آخر ألا وهو "السنن" و التجارب البشرية و مدى تأثير "هذا العمل" في إصلاح الشعوب و الأمم من الناحية التاريخية بغض النظر عن النصوص. فإن أثبتت السنن و التجارب البشرية على "مفتاحية" هذا العمل في الإصلاح و النهوض فلا نغفله لأنه لم يرد في النصوص و كأن الإسلام جاء مخالفا للسنن و التجارب ؟
وقبل أن أستأنف ، أحب أن أوضح مقصود الكاتب من "الأحكام السياسية" إذ أنه عرفها بأنها (كل التشريعات المتعلقة بتدبير الشؤون العامة للدولة ، على المستوى الدستوري و الإداري و التنفيذي ) ..و هذا هو ما سماه الفقهاء قديما بـ "الأحكام السلطانية " أو "السياسة الشرعية" أو بصيغة معاصرة هي "القوانين الدستورية و الإدارية" التى تكون تحت بند "القانون العام" في اصطلاح القانونيين . انظر ص 69 ومابعدها
و أحب أن أتوقف هنا بعض الوقفات مع منهج الشيخ لأبين بعض الجوانب التى أرى أنه لم يوفق فيها ، فإنه -رحمه الله- قد قسم مراتب التشريع الإسلامي إلي ثلاثة أقسام :
أ- أصول التشريع و كليات الاحكام و هذه الأصول تستقى من القرآن و السنة مبينة و موضحة لها ولا تكون السنة منشئة أو مؤسسة لها . ب- الفروع و الجزئيات ، و هي ما تفردت السنة بتشريعه تأسيسا . ج- الوسائل والتبعيات ، و هي ما أهمله الشارع و سكت عنه مع مع وجود المقتضي لتبيينه و تشريعه .
ثم بين أن "الأحكام السياسية" لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة و عليه فإنها تقع في المرتبية (ج) و تركها الشارع للإجتهاد فلا تستحق من الإسلاميين كثير عناء و تعب في تحصيلها و السعي نحوها . و لا يخفى ما في هذا الإستشهاد من خلل من عدة أوجه أهمها أن الشارع قد نص على أصول هذه "الأحكام السياسة" في القرآن فهي يجب أن توضع في المرتبة (أ) ، فالنصوص متكاثرة في مسألة الشورى و العدل و الحرية و الطاعة و التأمير و حرمة الأخذ من المال العام و أن لا ندلي بالمال إلي الحكام - و إن كان معنى "الحكام" في أغلب النصوص الواردة في القرآن هو القضاء و قد أكد على هذا المعنى الكاتب أكثر من مرة و هو يرمي إلى أن النصوص التى ترتب امور القضاء ليست من "الأحكام السياسية" و أنا أقول بل إنها من أس الأحكام السياسة و هذه المواد توضع في "القوانين الدستورية" و تفصل في "القوانين الإدارية" و هي استقلالية القضاء و الفصل بين السلطات و أن القضاء سلطة من السلطات الثلاث في الدولة ..فأمور القضاء هي من أس القانون الدستوري ..- فكما رأيت هذه النصوص و المبادئ العامة متكاثرة في القرآن و السنة فعليه فإنها تستحق المرتبة (أ) إن كان لهذا التمييز أثر في بيان "مفتاحية العمل السياسي في الإصلاح" و أما التحجج بأن النصوص الواردة في هذا الباب عامة و تشمل غيرها فهذا صحيح و لكن عدم تفصيل هذه الأسس و المبادئ العامة لا يرجع إلي كونها غير مهمة و إنما يرجع إلي طبيعتها و إلي علم الشارع أن هذه الأمور تتطور مع الزمن و تختلف آلياتها إلا أن هذه الآليات يجب ان تحقق هذه المبادئ .. و أما الأمور التى لا تقبل التطور فأثبت الشارع تفاصيلها في القرآن و هذا من إعجازه و ليس في هذا دليل على "مفتاحية هذا الأمر المثبت في القرآن على تفاصيله في الإصلاح" فمثلا في القرآن ذكر مفصل للميراث و مقداره و لمن يوزع .. فهل يقول أحد أنه ينبغي علينا أن نهمل العمل السياسي لأنه لم يرد بالتفصيل في القرآن و هذا دليل على عدم أهميته في الإصلاح و أنه ينبغي علينا أن نصب تركيزنا على فقه المواريث لأن النصوص فيه كثيرة و مفصل تفصيلا وافيا في القرآن و دليل على أنه أمر "مفتاحي" للإصلاح ؟
و تكلم عن أمور أخرى في أن النصوص الواردة في السياسة الشرعية جاءت في معرض الإخبار عن المستقبل و لا يستفاد من هذا حكم شرعي ؟ فحديث (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت ) فلا يستفاد من هذا النص الحث على منهج النبوة و إنما فيه مجرد بيان لما سيأتي و لسنا بمطالبين أما هذا النص بأي شيء ! .. حسنا و هل حديث البخاري (سيأتي زمان على أمتي يستحلون الحر و الحرير و الخمر ..) فهل نقف متفرجين في هذا الامر أم أن في هذا النص قرينة على التحرك و إعادة الأمور كما يريدها الشرع و إن تبني هذه الفكرة بإطلاق سيوقعنا في إشكالات اخرى من فساد آخر الزمان و انتشار العقوق ووو فهل نقف و نقول إنما هو "وصف خبري لما سيكون عليه الحال بعد النبي صلى الله عليه و سلم " كما يقول الكاتب ؟
ولم يخلو الأمر من إقحام بعض النصوص في غير مواضعها أو إنشاء نتائج خاطئة على مقدمات صحيحة أو تخيير القارئ بين أمرين تبني منهج التكفير و الثورة أو التسليم بالواقع !
و من أغرب ما ذكره الكاتب و الذي دفعني إلي التعجب أشد العجب أنه بعد سوق الأدلة على عدم جواز الخروج على الحاكم - وهنا لا أدري كيف يناقض الكاتب نفسه ، فمرة يقول انه لا نصوص في هذه المسألة و نراه الآن يسوق الأدلة و النصوص حول هذه المسالة و لكنها تصب في خدمه فكرته !- ثم ذكر حديث -لست متأكد من صحته- (ألا إني أُوشك أَنْ أُدعَى فأُجِيب... فَيلِيكم عُمّال من بعدي يقولون ما يعلمون ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً ثم يليكم عمّال من بعدهم يقولون ما لا يعلمون ويعملون ما لا يعرفون، فمن ناصحهم ووازرهم وشدّ على أعضادهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خالطوهم بأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن بأنه محسن وعلى المسيء بأنه مسيء) ... ثم قال "وليس في هذا النص إلا ما يدل على وجوب المهادنة للسلطان الجائر!" ص83 و في موضع آخر قال مستغفلا التاريخ و ما لا يخفى على أحد ، أنه عندما انتقلت الخلافة إلي الوراثة "لم يثر ضد ذلك أحد من العلماء و لا أثر عن أحد من أئمة المذاهب إنكاره بل كان هناك إجماع سكوتي على جواز ذلك" ! يالله ، أين نذهب بثورة الحسين و ابن الزبير و الحرة و القراء و سعيد بن جبير و ضرب مالك على فتواه و قتل أبي حنيفة و اتهام الشافعي ...
و أشار في عدة مواضع على عدم أهمية العمل السياسي في الإصلاح هو قلة المهتمين من الفقهاء بهذا الباب و هذا أمر صحيح إلا أنه لا يعني عدم أهميته ، و هو يرجع إلي أمرين أولها حساسية الموضوع و انتكاس الوضع السياسي مبكرا ، ثم إننا بحاجة إلي تناول هذا الموضوع و الإعتناء به لأنه يحتاج إلي تجديد و الأمر الأهم أننا أحوج من السابقين بتجديد هذا العلم وفق المبادئ القرآنية لأن الدولة الآن "تغولت" و لم تكن كالسابق تهتم بالأمور الخارجية و المجتمع يدير نفسه بنفسه من خلال "مؤسسات المجتمع المدني" أما الآن فكل الخيوط بيد الدولة الحديثة .
يكفي هذا و إن كان لدي المزيد حول هذا الفصل و الذي أرى ان الكاتب لم يوفق فيه بتاتا .
اما الفصل الاخير و هو "نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية . لماذا و كيف ؟ ففيه لفتات جميلة و إرشادات ينبغي على الدعاة أن يأخذوها ويطبقوها و يرى الكاتب أننا بحاجة إلي التركيز على تربية المجتمع أكثر من تركيزنا على الجانب السياسي و أظن أن الكتاب قد كتب هذا الفصل بعد فترة طويلة من كتابة الفصل السابق لان فيه بعض الأمور المتعلقة بالجوانب السياسية من الممكن تقبلها و النظر فيها . و فيه من اللفاتات الإيمانية الشيء الجميل :)
أختم بالقول أنني لا أرى بأس من أن يرى أحد أن الأولوية ينبغى أن تكون في تربية المجتمع عن العمل السياسي و لكن الذي أزعجني في هذا الكتاب أنه يتناول العمل السياسي و يسفهه و يرى بعدم أولويته من خلال تاصيل شرعي لا من خلال التجربة و النظر و التفكر و في هذا ما لا يخفى من ظلم و بهتان و عدم انصاف .
لعل الناظر إلى عنوان الكتاب، يظن من الوهلة الأولى أنه كتاب يبحث في الشأن الدعوي و بالذات ما طرأ عليه من العمل السياسي و آثاره السلبية. ولكن ما إن تبدأ في قراءة الكتاب حتى تكتشف أن الكتاب يأصل المسألة السياسية في فكر و ممارسة الدعوة الإسلامية المعاصرة بكل أطيافها و أشكالها. وهو ما يدفعنا أن نقول أن الكتاب يقع في خانة "أصول الفقه السياسي" بامتياز. وهو بلا شك خطوة رقم واحد لكل من أراد أن يشكل أساس صلب و مقدمة قوية في فهم الواقع السياسي للدعوة الإسلامية.
و نظرة سريعة إلى بعض العناوين التي جاءت في الكتاب: * في مراتب التشريع الإسلامي * في الفقه السياسي الإسلامي القديم * في الفقه السياسي الإسلامي المعاصر
الكتاب ملأ فراغا كبيرا، حيث جل ما تقرأ في الفقه السياسي لا يتناول إلا المسائل و الوقائع القديمة دون أي إجابات عن المشاكل المعاصرة. حقيقة، الكتاب يعطيك رؤية واضحة جدا في فهم اللغط و الجدال الذي يدور حول أشكال ادارة المجتمعات في أيامنا و هو ما يطلق عليه (الدولة) ، و ما مرتبة و أولوية هذا كله في حراك الصحوة الإسلامية.
رحم الله الدكتور فريد الأنصاري وكم دعوت له وأنا اقرأ الكتاب
القراءة لفريد الأنصارى متعة لا حدود لها .. سبحان الله الواحد كل ما يقرأ أكتر يستعجب ، ما هو يا إما احنا مبنقرأش يا إما بنقرأ لمجرد القراءة بدون فائده .. الكتاب فيه كمية فوائد رائعه ، ونصائح لتجنب أخطأء وقع فيها غيرنا .. واحنا ماشاء الله بنقع فيها بالملى .. ربنا يرزقنا الفهم .. أنصح جداً بقراءته
مما قاله :
عندما يصبح " الموقف السياسي" - وإنما هو اجتهاد محض كما قررناه - هو المقياس الذى يصنف مستوى التدين، لدى هذه الحركة الإسلامية أو تلك; يكون ذلك دالاً بالقطع على (الإنحراف) عن المعنى الإسلامى للدين والتدين !
يوضح فيه الشيخ رحمه الله مكانة ومرتبة العمل السياسي في الاسلام بعد تتبع لنصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا الشان والتي اعتبرها في المرتبة الثالثة حيث انيط بها الاجتهاد ولم يحدد الاسلام فيها طريق وبناء علي ذلك تتبع الشيخ الاجتهاد فهذا الشان علي مر العصور مثبتا فيه ان الاجتهاد كان هو السبيل في ذلك وعليه قدم الشيخ اطروحته في التغير من القران الي العمران لا العكس (وبذلك ببعث الدين مرة اخري عن طريق العناية بمتن الرسالة (القرآن ولذلك لبعث الدين مرة اخري في المجتمع الاسلامي لخلق ارضية قابلة للمشروع الاسلامي وتخليص الوجه الي الله في الدعوة والتخلي عن حصرها في المفهوم الحزبي الضيق (او بمعني اخر ان التغير يبدا من افراد المجتمع (الانسان (أعطني مجتمعا متدينا اعطك دولة إسلامية بالمعني السياسي للكلمة ) وعلية فلم ينكر الشيخ مفتاحية العمل السياسي كطريقة للتغير وانما اراد ان يبين موضعة من حيث الرتبة والوظيفة
قضية الشيخ ومشروعه الدعوي أصبحا واضحين بنظري، لكن هذا لا يمنع من متابعة القراءة له كون أطروحاته تحمل في طياتها فوائد جمة وردا لشبهات أو معالجة لقضايا ونوازل دعوية أو استشرافا ورؤية مستقبلية يمكن الإستفادة منها كنت أتمنى لو فصّل الشيخ أكثر في موقفه من العمل السياسي، ولكن لعله فعل في كتبه اللاحقة ساءني بعض العبارات في كلام الشيخ يُمكن (وإن كنت شبه قاطع بذلك) أن تفهم على أنها نوع من الإرجاء
كتابٌ لابد منه لأبناء الحركات الاسلامية : '' البيان الدعوي و ظاهرة التضخم السياسي '' للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله . تلخيص : سعيد بن المرزوق النعمي . يحوي الكتاب على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة . الفصل الأول: الحركة الإسلامية والبيان الدعوي: المبحث الأول: ما الحركة الإسلامية؟ الحركة الإسلامية هي: كل خطاب وجودي تقصد الحركة أن توصله إلى الآخر بوعي أو بغير وعي. مما يتعلق بذاتها الفعلية، وسائر وسائلها التعبيرية المختلفة. بدءا بوجودها العددي والتنظيمي؛ إلى خطابها اللغوي الطبيعي ـ بتعبير اللسانيين المحدثين ـ إلى سائر أشكال التعبير الوجودي الأخرى، من برامج تربوية ودعوية، وأعمال اجتماعية، وتحركات سياسية، أو نضالية، ومخيمات تأطي��ية، ومسيرات جماهيرية ...إلخ. كل ذلك ونحوه مشمول بمعنى (البيان). المبحث الثاني: في الطبيعة (الدعوية) للحركة الإسلامية: لفهم ظاهرة الحركات الاسلامية ينبغي أن نفهم أمرين أساسين من طبيعة هذا الدين: الأمر الأول: هو أن الإسلام دين (وجودي)، لكن طبعا؛ ليس بالمعنى الذي جاءت به الفلسفة الفرنسية لمصطلح (وجودية)، مع (جان بول سارتر) ومدرسته. كلا. وإنما (وجوديته) بمعنى: أنه يقدم تفسيرا خاصا للوجود، ويضع الإنسان في موقع معين منه. مجيبا عن الأسئلة الوجودية الخالدة: (من أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟ ولماذا؟). والأمر الثاني: هو أن الإسلام دين (دعوي) بامتياز ،فالإسلام ـ بطبيعته ـ دين (حركي) غير (سكوني). من حيث إنه يبني كل قضاياه العقدية والتشريعية على كلية كبرى هي: (الإصلاح) للناس وبين الناس. سواء كان ذلك بمنطق الدعوة إلى الله عموما، أو بمنطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصا. الفصل الثا��ي: الأحكام السياسية في مراتب التشريع الإسلامي: المبحث الأول: في مراتب التشريع الإسلامي: إن علماء أصول الفقه، منذ القديم، قد نبهوا إلى قاعدة تشريعية عظيمة، متعلقة (بمراتب التشريع). ومفادها أن ما كان من أصول الدين الاعتقادية أو العملية، إنما يكون أصل تشريعه في القرآن. ولا يترك منه للسنة إلا ما كان من قبيل البيان والتفصيل، من توضيح الهيآت وبيان الكيفيات. وذلك شأن الإيمان بالله واليوم الآخر، والصلاة والصيام والزكاة والحج؛ من الواجبات، وكذا شأن الربا، والخمر، والميسر، والزنى، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح على النصب؛ من المحرمات، ونحو هذا وذاك. وأما ما تفردت السنة بتشريعه تأسيسا، من الواجبات والمحرمات، فإنه لا يكون من الأصول والكليات، وإنما هو من الفروع والجزئيات، بالنسبة إلى ما ورد في القرآن من التشريع. وذلك كأحاديث النهي عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وذوات السموم، ونحو ذلك. وأما ما سكتت عنه النصوص جميعا من الكتاب والسنة، وأحيل على الاجتهاد، فإنما هو من المرتبة التشريعية الثالثة! ولذلك كانت ظنية كلها، بل لا محل للقطع فيها البتة! وكانت محل خلاف في الغالب، ومجال قبول ورد، ومتسعا للنظر المتجدد أبدا! المبحث الثاني: في المرتبة التشريعية للأحكام السياسية: نغامر ابتداء بتقديم الدعوى قبل أدلتها! فنقول: إن (الأحكام السياسية) لم تنل من التشريع الإسلامي ـ في الغالب ـ إلا المرتبة الثالثة! كل ذلك دال بالقطع على أن الإسلام قد وضع الإطار العام لقيام الدولة! ـ بمعناها الشامل ـ وذلك بتشريع العمومات فيما تحتاج فيه إلى عمومات، وتشريع الخصوصات فيما تحتاج فيه إلى خصوصات. إلا بابا واحدا ووحيدا: هو باب الإمامة الكبرى وأحكامها الأصلية، المتعلقة بمنصب الخليفة، ومؤسسة الخلافة وهيكل الدولة، وشكل السلطة، وهو المسمى اليوم (بالقانون الدستوري). أو بعبارة أخرى: الأحكام السياسية بالمعنى الحديث للكلمة، أي (فن حكم الدولة)، هذا وحده لم ينل من التشريع القرآني إلا مجملات نادرة! ومن التفسير السني إلا إشارات عابرة! ومن الاجتهاد الفقهي إلا النزر اليسير! كيف ينص القرآن على أصول الواجبات، من الصلوات والزكوات والصيام والحج، وينص على المحرمات من المطعومات والمشروبات، بل ينص على المندوبات، من الأذكار والعمرات والصدقات ونوافل الصلاة...إلخ. مما هو مقصود له أصالة أو تبعا، وينص على أحكام الإرث والأسرة مفصلة تفصيلا؛ ثم لا ينص بعد ذلك على أحكام السياسة؛ كيف يصح ذلك إلا أن تكون هذه الأحكام غير مقصودة له أصالة على الأقل؟ إن قول العكس يحتاج من قائله إلى نقض هذا الاستدلال! وبيان سر غياب النص التشريعي القرآني! وخلوه من أي حكم صريح في شأن اعتبره بعضهم (أصلا) من أصول الدين! وما كان لأصول الدين إلا أن تكون نصوصا قرآنية. فأصول العقيدة الإسلامية لا تؤخذ إلا بالتواتر، كما هو معلوم عند جمهور العلماء. الفصل الثالث: الاجتهاد السياسي الإسلامي والنفسية الصدامية لدى الحركة الإسلامية المعاصرة: المبحث الأول: في الاجتهاد السياسي الإسلامي: 1ـ في الفقه السياسي الإسلامي القديم: لم يتفق الفقهاء المسلمون على شيء في المسألة السياسية، عدا حكم (وجوب) تنصيب الخليفة، الثابت عندهم بالإجماع كما رأيت. واختلفوا فيما دون ذلك اختلافا شديدا! لما للموضوع من طبيعة اجتهادية، لا نص فيها من ناحية؛ ولما للمسألة (السياسية) من حساسية عصبية من ناحية أخرى. 2 ـ في الفقه السياسي الإسلامي المعاصر: المفكر الإسلامي اليوم يبحث في التراث فلا يجد ـ على مستوى النصوص ـ إلا عمومات (الشورى) القابلة لأي فهم، ولأي تنزيل! ولا يجد على مستوى الفقه السياسي إلا مثل ما بيناه من (أحكام سلطانية) مرتبطة بالتاريخ الذي كان! فكان أن تفرق الإسلاميون في ذلك أحزابا ومذاهب، كما تفرق الذين من قبلهم. فمن كافر بالديموقراطية كنظام للحكم، ناسب لها إلى (الطاغوتية)، و(الجاهلية)؛ فلا يقابلها إلا بالرفض والإنكار، غاية ووسيلة! إلى مؤمن بها إيمانه بالشورى القرآنية، إذ هما عنده اسمان لمسمى واحد! ثم إلى مؤمن بها كأداة ـ فقط ـ من أدوات الشورى، لا ككل الشورى! فإلى مستعمل لها على أنها من إكراهات الواقع، ومخلفات الجاهلية، التي يجب تجاوزها، ولكن بعد العبور عليها! فالسياسة حرب، و(الحرب خدعة)! المبحث الثاني: في الحركة الإسلامية المعاصرة ونفسية الصدام السياسي: (أهم) علل الغلو الديني ـ ولا نقطع بعدم وجود غيرها ـ في العصر الحديث هي كما يلي: 1ـ نفسية رد الفعل على تأسيس الدولة العبرية بفلسطين، ثم الهزائم العسكرية للدول العربية في مواجهتها. 2 ـ الظلم السياسي الدموي، الذي مارسته الأنظمة الحاكمة المستبدة، على الدعاة. 3 ـ ظلم النظام العالمي (الأمريكي) للشعوب الإسلامية: خاصة بعد أحداث نيويورك الشهيرة: (11شتنبر2002م)، 4 ـ رد الفعل المنافس للمد الماركسي. 5 ـ التأثر بالفكر الشيعي (الثورة الإيرانية أولا، وحزب الله اللبناني فيما بعد). 6ـ التأثر بالجهاد الأفغاني. 7 ـ تدهور الوضعية الاجتماعية. 8 ـ الجهل بالإسلام، وغياب التوجيه الفقهي للحركات الإسلامية. الفصل الرابع: نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية: لماذا؟ وكيف؟ المبحث الأول: تجديد البعثة والمضمون (الوجودي) للدين: إن (تجديد) الدين، الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو راجع إلى تجديد الوجدان الديني لدى المسلمين، أكثر مما هو راجع إلى تجديد قضاياه، وإن كان شيء من ذلك قد يكون مقصودا بالتبع. ولكن المعنى الأصيل قائم أساسا؛ على معنى (البعثة) للأمة! (إن الله تعالى (يبعث) لهذه (الأمة) (...) من (يجدد) لها (دينها)!) المبحث الثاني: الدعوة إلى الله؛ لا إلى الأحزاب والهيآت: من تلبيس إبليس على بعض الدعاة المنتمين إلى جماعات منظمة هو أنهم صاروا ـ من حيث يدرون أو لا يدرون ـ يدعون إلى الانخراط في عملهم التنظيمي على أنه دعوة إلى (الله)! مما أدى إلى انحصار العمل الإسلامي ـ من حيث أرادوا توسعته ـ في دائرة الذين لديهم استعداد تنظيمي من الناس وقليل ما هم. المبحث الثالث: بعث الرسالة القرآنية: حقيقة الدعوة الإسلامية: تبليغ القرآن للناس. فإن قيل: إن القرآن اليوم قد بلغ إلى العالم بأسره؛ فيلزم عن ذلك أن الدعوة قد استنفدت أغراضها! قلت: ليس التبليغ المقصود مجرد إيصال النص وحسب! ولكنه تبليغ مفاهيم الإيمان به إلى الناس. الإيمان من حيث هو إحساس ووجدان، وبقدر درجة الإيمان وفيض الوجدان يكون التبليغ. فالداعية إذن مبلغ متفاعل متأثر لا مردد للنص أو مستظهر له وكفى! كلا! إن أغلب المسلمين اليوم لا يعرفون القرآن! نعم ها هو ذا المصحف في كل مكان؛ ولكن قل من يعرف (القرآن)! ومن هنا وجب على الدعاة أن يقوموا بالتعريف به! فمن عرف القرآن عرف الله؛ ووصل إلى غاية (الرسالة)! ومعرفة الله هي القضية الوجودية الكبرى. وهي أساس مشكلة المسلمين اليوم! (أفلا يتدبرون القرآن؟ أم على قلوب أقفالها؟)(محمد:24). وقلب مقفل مغلق لن يرى من الآفاق شيئا! سيبقى في حدود (أشيائه)، تافه الشعور والإحساس حتى يموت، كما تموت البهائم! لا يدري من حقائق وجوده شيئا! المبحث الرابع: التجديد الديني ومراتب الأولويات الدعوية: إن أكبر تحد تواجهه الأمة اليوم ـ وضمنها حركات الدعوة الإسلامية نفسها ـ على مستوى التدين الصرف؛ هو التحدي الأخلاقي! بالمعنى (الإسلامي) لكلمة (أخلاق)، كما سيأتي بيانه. أي من حيث هي انتماء حضاري. لا بالمعنى السلوكي العارض. ومن هنا نرى أن أولى الأولويات الدعوية للمشروع الإسلامي المعاصر إنما هي الدعوة الخلقية بالمعنى التعبدي الشامل لكلمة (أخلاق) انطلاقا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) . خلاصة : فخلاصة البيان القرآني للدعوة الإسلامية أنه: عمل لتجديد الإيمان في النفس والمجتمع، عقيدة تقوم على التعرف على الله والتعريف به، ربا خالقا له الأسماء الحسنى. وله ـ بمقتضى ذلك ـ حق على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وأن عبادته تعالى حركة شاملة في النفس والمجتمع. الصلاة أبرز مظاهرها وسيلةً وغايةً. والقرآن هو جوهر الرسالة الربانية التي تضمنت كل ذلك؛ إذ بمقتضاه نشهد أن محمدا رسول الله. فكانت سنته مسلكا عمليا يهدي إلى الله، ومرجعا يرجع بالناس إلى القرآن: رسالة الله إلى العالمين. ذلك الحق إن شاء الله، (فماذا بعد الحق إلا الضلال)(يونس:32).
الحمد لله أن وفقني لقراءة كتاب الفجور السياسي قبل قراءة هذا الكتاب لو قرأ قاريء ﻷول مرة لﻷنصاري رحمه الله و كانت بدايته هذا الكتاب لحسبه من مشايخ الصوفية أو السلفية المنعزلين !! لكن ﻷني قرأت كتابات لﻷنصاري رحمه الله و قرأت له-على سبيل المثال ﻻ الحصر - و هو ينبهر بشجاعة بديع الزمان النورسي و هو يصدع بالحق في وجه أتاتورك في قلب مجلس المبعوثين التركي و هو يتحدث عنه حينما دعم الحزب الديمقراطي "حزب عدنان مندريس" ؛ مما يلزمني أن أقول أن عاطفة الرجل الجياشة و حرصه على دعوة اﻹسلام أثرت على تحيزاته في صياغة بعض مواضع الكتاب. بداية أتفق و يتفق كل منصف أن اﻷنصاري رحمه الله أصاب في تشخيص و تحديد مواطن القصور في الدعوة اﻹسلامية الممثلة في الحركات اﻹسلامية المعاصرة من تضخمزائد للعمل السياسي مقابل انحسار دعوي و تأصيلي ، بل من الممكن أن نزيد و نقول أن اﻷمر صار مقلوبا عند بعض الحركات و صار اﻷساس هو اﻷعمال السياسية ثم يتم التأصيل -أو بعبارة أدق التلفيق- الشرعي لهذه اﻷعمال و ما "صلح الحديبية" و اﻷفعال التي تمت من خلال اسقاطه على اختيارات هذه الحركات عنا ببعيد. اسمتعت للغاية بالجزء اﻷول في شرح الشيخ لكيفية تحقيق المناط و اﻷحكام الفقهية . لكن لا أعتقد أنه رحمه الله عرض كل ما يمكن عرضه في هذا المجال. و التحيز هو أمر طبيعي ؛ حيث يعمل العقل البشري بشكل يركز فيه على تفاصيل محددة و يهمش و يستبعد تفاصيلا أخرى وفقا و الخريطة اﻹدراكية لدى هذا العقل "تعريف الدكتور المسيري بتصرف يسير" و يبدو أن عقل اﻷنصاري رحمه الله كان تركيزه على اسقاط أي أساس يدعو لتقديم العمل السياسي على العمل الدعوي ؛ فناقض الكاتب نفسه في مواضع كثيرة. و كان النمط المتناقض المتكرر محاولات التقريب بين أنظمة الحكم في الدولة الحديثة و تقسيمات السلطات فيها و أنظمة الحكم و القضاء في اﻹسلام. و ختم الكاتب الكريم هذه التناقضات بأن ذكر في آخر مبحث بالكتاب أنه يمكن للدولة الحديثة بأجهزتها أن تصطبغ بالصبغة اﻹسلامية و هو مفهوم كان كامنا في استشهاداته في اﻷجزاء اﻷولى من الكتاب في البرهنة على اسقاط أولوية العمل السياسي = اختيار الحاكم و تغييره و محاسبته من مراتب الشريعة بالكلية!! و كما عاب الكاتب على الحركات ا���سلامية ما سماه بنفسية رد الفعل كان هذا حاضرا في ردوده على الكثير من قادة الحركة اﻹسلامية في المغرب خاصة الشيخ عبد السﻻم ياسين رحمه الله و الذي غلب على مبحثين كاملين الرد على كتاباته و نقدها.
عند تقييمي النهائي للكتاب كنت أريد أن اكتفي بنجمتين اثنين فقط لتشخيص الكاتب موطنا حقيقيا من أمراض الدعوة اﻹسلامية المعاصرة و هو ما تشهد عليه الظروف الجارية و للجزء اﻷول المتميز. لكني زدت بنجمة ثالثة لما رأيته من أسلوب راق في مخاطبة من ينتقدهم و هو ما نفتقده كثيرا.
رحم الله اﻷنصاري و غفر لنا و له و هدانا سواء السبيل.
هذه أول مرة أتعرف فيها على شيخنا الدكتور فريد الأنصاري، وأحمد الله على تعرفي على بعض آثاره، وأشكر من كان السبب، جزاه الله خيراً. ثم كان هذا الكتاب موضوع نقاش جلسة صالون آفاق بأسيوط! الجلسة كانت ساخنة نوعاً، وجرى فيها نقاش، لم يسع إتمامه في لحظته، ولم يسع استيفاء عناصره ساعتها، فكتبت بعض النقاط على دعوة مناقشة الكتاب على الفيس. أبرز الموضوعات متعلق بالسؤال الجديد القديم عن العلاقة بين االدين والدولة، ودخول مصطلحات مثل العلمانية، وأصلها، ومدى فهمنا وتطبيقنا لها في عالمنا العربي، والتباس العلاقة بين المصطلحات الدينية كما في الإسلام وشبيهتها في الثقافة الغربية المستمدة من أصول مسيحية. وتبقى الفكرة الأساسية في الكتاب عن مسار تعجب البعض من عدم إقرار الإسلام لنظرية أو نظام حكم واضح في نصوصه مثلما هو الحال في الثقافات الأخرى، وهذه يجيب عنها المرلف طوال الكتاب حتى لقد يخطئ البعض موقع ومعنى الإجاب منبئا عن سوء فهم أصحاب هذا التعجب للإسلام، فإذا أراد أحدهم كلاما آخر في هذا فليرجع إلى معالم سيد قطب. ثم الكتاب يحذرنا من منزلق آخر، وقد وقعنا فيه فعلاً- أو وقعت فيه ما تسمى بالتيارات الإسلامية: ألا وهو أن نعيش بسياسة رد الفعل، فننظر لحالهم ونقول هذا يصلح وهذا لا يصلح، ونناقشهم فيما يطرحونه كأنه مسلمات، والأولى أن نقدم ما عندنا واضحاً، فلا يجروننا إلى مستنقعاتهم، تاركين نحن صفاء ما عندنا دون أن ننيرهم به.
الكتاب يحتوي على مقدمة وأربعة فصول : في الفصل الأول يتكلم عن تعريف الحركة الإسلامية وعن الطبيعة الدعوية للحركات الإسلامية قال رحمه الله في نهاية الفصل "إن حركة الصحوة الإسلامية الحديثة إذن ؛ تعبير إجتماعي عن مكنون المجتمع الديني : إنها (بيان دعوي) ، وتعبير اضطراري ؛ فما كان لها إلا أن تكون ؛ إذ غاب من يعبر عن الدين وقت الحاجة . (وفي الفصل الثاني تكلم عن المكانة التشريعية للأحكام السياسية (والفصل يحتاج لمعرفةجيدة بعلم الأصول وقد يبدو صادمًا للبعض إذ يخلص فيه في النهاية إلى أن الإمامة ليست من أصول الدين وإنما هي من الفروع وليست غاية في ذاتها بل هي من الوسيليات والباب يحتاج لمراجعة ثم الفصل الثالث وتكلم فيه عن الاجتهاد السياسي الإسلامي وعن النفسية الصدامية لدى الحركات الإسلامية المعاصرة فكان مما قال رحمه الله : عندما يصبح (الموقف السياسي ) _وإنما هو إجتهاد محض كما قررناه _ هو المقياس الذي عليه يصنف مستوى التدين ، لدى الحركة الإسلامية أو تلك ؛ يكون دالًا بالقطع على الإنحراف عن المعنى الإسلامي للدين والتدين ثم الفصل الرابع والأخير وهو فصل نفيس تشد إليه الرحال خطه يراع عالم رباني ورجل قرآني وودت لو نقلت كل حروفه ونشرتها ...كلمات عاية في الروعة والدقة والبصيرة "نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية لماذا ؟ وكيف ؟ "
جمال الكتاب يتجلى في الطريقة التي كتبت به، في محاولته رحمه الله في جمع الصف الإسلامي، فتراه يستشهد بأقطاب الحركات الإسلامية، مع معرفته بما عندهم من سقطات، لكن الغاية التي كان يسعى لها فريد - رحمه الله - كانت عنده أجلّ من أن يجمد كثيرًا أمام هذه الزلات، بل تخطاها، وربما ألمح إلماحة سريعة لبعضها، لكنه كان يسعى لجمع شمل الصف الإسلامي، كان كعادته رحمه الله متلطفا جدا بالمخالفين له.. يدعو إلى الله على هدى وبصيرة.. !
أقرأ هذا الكتاب اليوم بعد أن ودعنا فريد قبل أن يشهد هذا الثورات التي عصفت ببلاد المسلمين، وبعد أن ضيع الإسلاميون كثيرا جدا من مكتسباتهم، بعد أن تعلموا الدرس ببذل الدم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله أن يوحد صفوفنا وأن يبصرنا بالحق.. آميــن
موضوعي لأبعد الحدود رغم تحفظي واختلافي مع ما قال في أمر الخروج على الحاكم إلا أنه يضع أيدينا على مواطن الخطأ في بعض التصورات وما كان من أخطاء عملية في السلوك الدعوي والسياسي بين العاملين في الحقل الإسلامي المعاصر محذرا من مغبة تجاوز إصلاح المجتمع إلى مرحلة إصلاح مؤسساته قبل الأوان وجعل الأولى هي الأساس حتى لو تزامن الاثنان في نفس المرحلة الزمنية.
يشكل الكتاب لي دافعا لقراءة مجموعة من الكتب المتعلقة بموضوعه كي تكمل الفكرة وتتبلور إذ أن لدي ملاحظات على بعض النقاط ولكي أقرأ رأي من انتقدهم الكاتب.
الكتاب الأول للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله في سلسلة "من القرآن إلى العمران"، وهي سلسلة مهمة ومفيدة جدا. كنت قرأت قبله عدة كتب من هذه السلسلة، وهذا الكتاب من أكثرها إثارة للعملية النقدية الشعورية.. لا أقول إن مثل هذه المواطن في الكتاب كثيرة، لا، إنما هي أكثر مما في الكتب الأخرى للشيخ، أعني المواطن التي تتوقف فيها في الموافقة. وفي الكتاب فوائد وتأصيلات دعوية وعلمية قد لا تجدها أو قلّ أن تجدها إلا عند الشيخ الأنصاري، رحمه الله تعالى.
العهد بالكتاب بعيدٌ. أذكر أنه وضَّح -من بداية الكتاب- مشروعَه وهو عبارة عن صورة أخرى لِمَن قال: "بتصحيح الأحاديث يتمكَّن الدين"، أو بمجرد "التربية في المساجد"، ونحوه. كذلك فريد الأنصاري قال ما معناه أنَّ القرآن يبني الإنسان فيمتد أثر هذا البناء إلى كل شأن، ومنه الشأن السياسي. وهذا -ربما لقلة اطّلاعي- أظن ليس له سابقةٌ في التاريخ، ولم تقُم أمةٌ بهذه الطريقة. حتى الأئمة رحمهم الله، لمَّا افترضوا شغور الزمان عن الإمام وانقراض حَمَلة الشريعة وقدَّموا لذلك حلولاً، لم يتخيَّلوا أن يكون الحال كما الآن؛ أي وجود تسلُّط خارجي مع اختراق ثقافي حضاري يُفرَض سُلطوياً، لا ضعفاً داخلياً فقط. فهل مجرد التذكير بالأعمال التعبّدية هو الحل الذي سيغيّر كل المجالات؟ إن نعم، فلا أدري لمَ كثيرون ممن يأخذون بطريقة الأنصاري يسوقون خبرَ الغزالي رحمه الله واعتزاله قتال الصائلين للذكر على سبيل الذمّ، ومثله خبر الذين عكفوا على قراءة البخاري عندما وطئت خيل الصليب الأزهر! فهذه من تلك لكن بأسلوبٍ مُعدَّل. لِنَضربَ مثالاً: في محج قلعة في داغستان كان الناس يختبؤون بالكهوف -من كفار الشيوعية- لحفظ القرآن، لكن هل كان هذا كافياً في أي تمكينٍ للدين أو إصلاح كل المجالات كما يزعم فريد الأنصاري، مع أنَّ قصصهم وقصص غيرهم من المسلمين الإيمانية ومحافظتهم على المصحف والمسبحة، قد تكون مما يزيد الإيمان وهي قصص وعظية قد يقصُّها فريد في مجالسه، لكن في الحقيقة هي حفظ وجود الدين فقط، وهذا عظيم ومقصد مُراد، لكن ليس هو المؤثّر في التغيير. بل الجهاد (العمل) هو الذي أحيا الدين في تلك البلاد وجعل له أنياباً يغرسها في الأرض، فحتى لو ضَعُف يبقى أثر هذا العمل صورةً يبني عليها وارثو الراية. فرحم الله شاملاً وخطَّاباً وسليم خان وألا عمر السيف وجزاهم عن الإسلام خيراً. وأزعم - لجهلي- أنَّ مشروع فريد الأنصاري هو كله عبارة عن رد فعل لِمَا رآه من أخطاء وأغلاط لا نجادل في وجودها، حتى وصل لمرحلة الإعجاب برموز النورسي، وتجربة غولن بالتغيير، مع تعظيم شديد للشخصين، فوقع بما أنكر على غيره، وقوعاً أطمّ وأدهى! وأظن لفهم مشروع الأنصاري وفهمه هو نفسِه وتقلّباته يجب الاطّلاع على تجربة غولن التي «سَحَرَت» الأنصاري كُليَّةً، وصيَّرها نموذجاً إن لم يكن بمَقَالِهِ فَبِحَالِهِ!
فريد الأنصاري تربويٌّ جيد، لكنه ليس صاحب مشروع تغييري، لذلك لمَّا تتبَّع المعظّمين لطريقته الآن، هم ممن يريدون اعتزال الصراع السلطوي، لأسباب حق أريد بها باطل. ففريد وأضرابه، يضربون -كما يقول الشيخ أبو قَتادة- الأمثال للجهاد (مثلاً لا حصراً)، فإذا لم ننتصر في بُقعة، قالوا: انظر، ما انتصرنا، يجب أن نغيّر هذه الطريق. وهذا هو الإخفاق الحقيقي! فالتغيير الحقيقي، والتمكين للدين فعلاً لا يمكن أن يكون بمجرد بناء الإنسان وتشكيله قرآنياً إن لم يُصاحب هذا التشكيل عمل. الإشكال أن يكون هذا التشكيل/التربية هو شرط صحة في العمل، لكن نقول أنَّ التربية هي عملية مستمرة دائمة؛ ((إنكَ امرؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ)) وهذا كان بعد الهجرة والجهاد وأثناءهما. فلا يوجد تربية وتزكية تصل بك إلى مرحلة معينة ثم تتوقف وتبدأ بعدها مرحلة العمل. ونقدُه لبعض أمراض الحركة الإسل��مية مهمٌ جداً، وتنبيهاته وتشذيبه لحركة الحركة الإسلامية لا بُدَّ أن يكون حاضراً، هذا لا جدال فيه! ونقده لتعريفات الباحثين والدارسين للحركة الإسلامية بديع جداً، جداً، ودفاعه عن أصل وجودها يحسُن أن نرجع له، لنتذكّر دائماً سبب النشأة الذي قد يغيب عنا تحت وطأة "الحدث السياسي المتسارع" أمَّا محاولته الحثيثة لنزع أي أهمية ومنع أي حضور للسياسة في النصوص، فقد أبعدَ النجعة، ولو قال قائلٌ أنه حرَّف وحوَّرَ، يُبدي ويُخفي كثيراً، لَمَا أغلظَ القول إن شاء الله. فكأنه -في هذه الجزئيَّة خاصةً- اعتقدَ ثم شَرَعَ يستدلُّ.
يُنكَر انكماش الجانب الدعوي والوعظي عند الجماعات، وهو أمر مطلوب داخلياً حتى، لصقل اللياقة الإيمانية عند الأفراد العاملين، لكنه ليس بحد ذاته عملاً تغييرياً، كما يحب الأنصاري تصويره (أو كما أنا فهمت منه)، وهنا سؤال: أين مشروع فريد الأنصاري؟ نعم، تلقّفه أناس كأحمد السيد وأعادوا تدويره، وتراه كثيراً في ثنايا كلام أحمد عبد المنعم، لكن أين التغيير الذي فعله مشروع فريد الأنصاري؟ أين مشروعه الذي ذكر أنه انقطعَ له؟ أين الذين قاموا بتفعيل هذا المشروع عملياً؟ أين أثره في التغيير الذي قال أن طريقته ستغيِِّر كل المجالات؟ وما أجزم به إن شاء الله، أنَّ فكرة «المركزيات» ما هي إلا تَفريعٌ على ما كتبه الأنصاري هنا، وهي فكرةٌ -عند الأنصاري أو غيره- غير دقيقة، لأسبابٍ يطول ذكرها، لكن أهم ما يَعيبها عند هؤلاء أنها انتقائية، وكلٌّ «يُمَركزُ» ما يراه مناسباً لمذهبه التغييري، إن كان هناك تغيير أصلاً. هنا حاشية: إن قيلَ هم لا يريدون التصريح لأنهم يخافون التضييق، فالأحسن لنا ولهم ألا يُصدِّروا أنفسهم أنهم مُصلحون يرومون تغيير الواقع وتحكيم الدين، فمن لازم ذلك المعاداة والتضييق، وهم بذلك أدرى. بل مَن «ورثو» مشروعَه في بلده، ذراعٌ خلفيٌ «للمخزن»؛ فلا ترى لهم صَدعاً، ولا إنكاراً، إنما اجترارٌ للمشاريع الإصلاحية الهزيلة التي هي من الأمراض الضاربة في الأمة، فهم يَدٌ تَثبيطيَّة لا تغييرية أو تحريضية.. وكله في إطار الدعوة طبعاً -_-
وأذكر أني شاهدت قديماً مجلساً للأنصاري له كلام فيه عن العَلَم المغربي والسياسة في البلد إن لم أَهِم وفيه من المدح والتأويل لشكل العَلَم والنجمة وأنها تعبّر عن الإسلام، ما يعجَب له المرء أن يخرج من رجلٍ بعقله، ولا يظلمه مَن يُسمّيه بعدها رجل سلطة! طبعاً لا أقول هو هكذا، لكن مَن لا يعرف الرجل، ويسمع كلامه... فهو أرادَ الخروج من الخطأ الذي يراه وهو تضخّم السياسي (وهو خطأ عند الجماعات الإصلاحية والتربوية التي تتأوَّل الحديث فيما يُسمى بالسياسة ولكن هي غارقة فيها، وهذا لا يُنكره متابع عارف بأحوال الإسلاميين الإصلاحيين عامةً وطرقهم)، فصار فريد السياسيَّ نفسه ويُلمّع -متأوّلاً- ظلماً وكفراً بحجة التخفيف منهما، فلا هو أصلحَ ولا هو تركَ الناس يُصلحون، وما كسبَ إلا عاراً وثلماً لتاريخه لا يُمحى.
نهايةً، "التضخّم" الذي يَعيبه، حقُّه أن يُعاب، ورأينا الجماعات السياسية المَحضة كيف انمسخَت عن دينها ورساليّتها، لكن كذا التضخّم الذي عنده كذلك حقُّه أن يُعاب. وكما في التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، يقع الأنصاري في ما ينكره على غيره. فأرادهم ألا يدخلوا المعتركَ السياسي -ليس بحجة عدم جواز الدخول، بل لعدم الأولوية بالأساس- ثمّ هو صار «مصلحاً» من الداخل، والداخل العميق حتى! يُنكِرُ «تضخّم» جانب معيَّن، وهو ضخَّم جانباً واحداً اعتبره طريق التغيير الوحيد، وهذا الطريق -لوحده هكذا معلَّقاً- ليس له سابقة في التاريخ أصلاً!
زيادةٌ أخيرة: الصلاح الذاتي الساكن لا يُغيِّر، فكَم رأينا من أهل عبادةٍ أحذيةَ طواغيت، وكم رأينا من مُتنسّكين كانوا أول الناس ركونًا لظلمٍ وكفر! وهذا صاحب الحِكَم العطائية، رغم كل ما كتب عن الترفّع عن الدنايا وتجريد التوحيد، وما نُقل عنه من صلاح «ذاتي» كان أكثر الناس وأولهم شكايةً لابن تيمية عند السلطان.
ومن نافلة القول أنَّه لا يُقصَد الحَطُّ من كتاباته، فهي لا شك عظيمة، وفيها تجديد من أوجهٍ كثيرة، لكنها مُتمِّمَةً للحراك الإسلامي الجِهاديّ، لا بانيةً!
الحمد لله رب العالمين وبعد: الشيخ فريد الانصاري رحمه الله هنا وقف وقفة القاضي والحكم بين مختلف الجماعات الإسلامية التي ظهرت على الساحة وقال ما لم تستطع قيادات تلك الجماعات الاعتراف به أمام العالم الإسلامي بعد ظهور فشلها جليّا أمام الجميع، بل زادت الطين بلّة وأخذتها العزة بالإثم حتّى كبّدت العالم الإسلامي خسائر جمّة وخاصة الدول التي حلّت بها الشيخ _ورغم ثنائه على بعض رؤوس تلك الجماعات_ إلاّ أنه واجههم بالحقيقة..حقيقة الأخطاء التي وقعوا فيها (كالغلو في التكفير، الدعوة إلى التنظيم لا إلى الله، الوقوع في شَرَك تحزيب الإسلام، عدم احترام الأولويات في المنهاج الدعوي وذلك بطلب القرآن قبل السلطان والعمل للدين قبل الدولة، الولاء والبراء على التنظيم، الجهل بالإسلام وغياب التوجيه الفقهي...الخ) هذا ورغم تحفظي على بعض النقاط التي ذكرها الشيخ رحمه الله إلاّ أنّي أحمد له شجاعته وجرأته في قول كلمة الحق وألمس في كتاباته الصدق في طلب الحق وإن جانب الصواب في بعض المسائل ولو أخذت الجماعات الحزبية بنصائحه وبنصائح العلماء الربانيين كابن باز والعثيمين والألباني رحمهم الله لجنّبت المسلمين فتنا عظيمة عصفت بهم وآخرها الربيع العبري أسأل الله أن يهدي الجميع . . . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وددت لو انه لم ينتهي ، كتاب عبر عن كل ماجال في خاطري في هذه السنين الاخيرة ، يبدوا ان نفس الاشكالات و نفس الانحرفات تحدث تكرار في اقطار و ازمنة مختلفة فيما يخص الحركة الاسلامية ، مما يخرجها من هدفها الدعوي الى الانكباب السياسي و التنظيمي ، الدكتور فريد الانصاري الذي عايش الحركة الاسلامية منذ نشأتها في المغرب و تطورها لمدة ثلاثين سنة ، يضع خبرته و رؤيته لمواضع الخلل وكيفية الرجوع الى الطريق القويم وليس ذلك الا بالعودة الحقيقة الى القرءان كونه الدستور الدعوي الاول و الأخير
يوما ما قالت الدكتور هبة رؤوف عزت أن القرار السياسي يحتاج لجلوس بين المشرع والسياسي وعالم السياسة والمخطط لصناعة قرار سليم .. فى الحقيقة لم أدرك أن هذا الرأي واضح إلا بعد قراءة هذا الكتاب .. الكتاب فى الحقيقة هو كما تحدث عنه الدكتور هو الجزء الثاني من كتاب الحركة الاسلامية بالمغرب .. فى الحقيقة تناول كتاب مثل هذا ومعالجته يجب أن يؤخذ بمحمل تشريحي بحت يتم فيه فصل مقاصد الكاتب عن فقه تنزيله وتأصيله .. والقارىْ من بين العوام قد يظن بالدكتور ظن السوء إذا ما قرأ دون وعي وادراك المقصد الحقيقي من وراء الكتاب .. إن الكتابة هو بمثابة يد تضع الدور السياسي فى كيانه المحدود والملتزم جدا داخل النطاق الدعوي .. وهو أيضا عقل يفكر فى الدعوة بشكل مختلف .. بارك الله لنا فى أهل المغرب العربي .. اللهم بارك فى المرابطين
اعجبتني فكرة الكتاب في توجيه الدعاة للاهتمام بالتربية والدعوة قبل الاهتمام بالعمل السياسي
ولم يعجبني على الاطلاق تهوينه من الشأن السياسي: فالدولة الحديثة اصبح لها القدرة على توجيه ليس فقط الاقتصاد والسياسة والمجتمع بل اصبح لها تحكم مباشر على العقول بما تملكه من سلطة التحكم بالعقول عبر المدارس والاعلام وارى دعوته المبالغ فيها للاهتمام بالدعوة دون السياسة علمانية مستترة
أعطنى مجتمعا متدينا .. اعطيك دولة اسلامية كتاب اكثر من رائع والقراءىة لدكتور فريد لا حدود لمتعتها !! الكتاب يؤصل لمفهوم السياسة فى الاسلام ومكانتها التشريعية ويناقش بعض الغلو الذي نشأ فى التيار الاسلامي , ولولا شيوع روح الجبر فى الكتاب لتم !!
باختصار (التضخم السياسي) .. عبر (استقراء) الكتاب ككل نجد أن الكاتب جاء بالظاهرة السياسية مبيّنًا مكانها في الدين بداية حيث بيّن أنها شيءٌ ثانوي -بل ثالثي- في هرم الأحكام الشرعية بين أصول وفروع. قسّم الكاتب كتابه إلى أربعة فصول:
أولها بدأ بتبيين ملامح الحركات الإسلامية ككل ومن ثم عرض آراء الكثير من الدارسين للحركات الإسلامية بين مسلمين وغير مسلمين وبيّن ما فثها من تحليلات سطحية وتحليلات تنطبق على أي حركة في العالم. ثم بيّن الطبيعة الدعوية للحركات الإسلامية عامة من حيث هي نوع من الجهاد وأنها إشباع للرغبة التدينية بالقيام بالدعوة إلى الله وتجديد الدين في الأنفس والمجتمع
في الفصل الثاني بيّن مراتب التشريع الإسلامي من حيث أصول وفروع ومسائل اجتهادية وبيّن أن العمل السياسي إنما تتضمنه المرتبة الثالثة
في الفصل الثالث سرد الكاتب فصولًا من الاجتهادات السياسية الإسلامية سابقًا وأن الفثهاء لم يتفقوا في شيء عدا وجوب تنصيب خليفة للمسلمين (بالإجماع لا بالدليل) وأن جمهور أهل السنة رضي بالشورى (أهل الحل والعقد) ورضي بالعهد (تولية خليفة لخليفة بعده كما فعل أبو بكر مع عمر رضي الله عنهما) واستدل كثيرًا بأقوال الإمام الجويني في هذا الفصل من كتابه (غياث الأمم)، وخلص الكاتب في الأخير إلى أن فقه السياسة الشرعية هو في أغلبه مأخوذ من التجربة التاريخية للخلافة الإسلامية ثم بيّن أننا اليوم لو عدنا لفهم السياسة كما كانت في عهد الخلافة تلك فلن نجد سوا عموميات الشورى القابلة لأي فهم وأي تنزيل وأن كل الأحكام الموجودة متعلقة بالتاريخ الذي كان وقتها وليس الآن، ثم بيّن إشكالات في مفهوم الحاكمية عند المودودي وسيد قطب -رحمهما الله- وإشكال الخلط بين الإمامة والحكم بما أنزل الله عند القرضاوي فإن هذا الإشكال يؤدي لتكفير من لم يحكم بما أنزل الله تهاونا أو خوفا وحتى من رضي بالعمل في الدولة التي لا تحكم بما أنزل الله وهذا مخالف لما عليه اعتقاد أهل السنة والجماعة وقام بنقض إشكالات أخرى لعدّة شخصيات إسلامية أخرى في الجزء الثاني من هذا الفصل وضّح النفسية الصدامية لدى الحركات المعاصرة وأسبابها النابعة من غلو في الدين ووضح أسباب هذا الغلو وركّز على نموذج الثورة الشيعية الأيرانية وأثرها في هذه النفسية الصدامية
أما في الفصل الأخير فقد دعا لتجديد خطاب الحركات الإسلامية من خطاب يدعو للتنظيم إلى خطاب يدعو للدين وبيّن أن القرآن هو أساس هذا التجديد وأنه يقوم على خلق مجتمع متدين كامل لا على خلق تنظيم متدين، وأن الأخلاق هي أساس هذا التجديد
وختم كتابه بتبيين أن الأولوية الأولى في هذا التجديد هي للصلاة فهي الركن الأساسي في الدين ومنها المبتدأ وإليها المنتهى.