What do you think?
Rate this book


165 pages
First published January 1, 2011
ومن ظن أن هذه الرؤية الشرعية عار أو أن فيها عيباً أو عملاً لا يليق فقد قبّح ما استحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفض ما أمر به وظن أنه أغير منه على الشرف والأخلاق، ومن فعل ذلك فربما خرج من دين الإسلام.
إننا تركنا قواعد الإسلام، فتركنا الفلاح والنجاح.
مِن أظهرِ الخلاف بين الزوجين ألّا يكون بينهما مشاكَلة ومماثلة، كأن يكون فقيراً وتكون هي غنية، فتعيّره بفقره وتترفع عليه بمالها، أو أن يكون تاجراً غيرَ متعلم وتكون متعلمة. على أن المتعلمة العالمة حقاً لا يُنتظَر منها إلا كل خير، ولكن البلاء في هؤلاء اللائي يحسبن أنفسهن متعلمات وإن كن لا يفتحن في السنة كتاباً ولا يفهمن شيئاً، ولا يعرفن إلا تنكيد حياة الزوج وإضاعة ماله في الكسوة والزينة والولائم والاستقبالات...وخير منهن الأمية الجاهلة!
الأصل في الزوجية أن تقوم على المحبة والتسامح، وليست شركة تجارية يؤدي كلٌّ من الشركاء ما يجب عليه ويأخذ ما يحق له ويمضي في سبيله.
أن تعرف أن لزوجك عليك حقاً وأن لولدك عليك حقاً، وأن تؤدي لكل ذي حق حقه. صحيح أنك تروح العشيّةَ إلى دارك تعبانَ ضجران وأن لك أن تستريح وتهدأ، ولكن لا تنسَ أن المرأة في تعب كتعبك وضجر كضجرك، وأنها ترقب مجيئك لتأنس بك وتلجأ إلى كنفك وتتخلص بك من هَمّ ((العفاريت))، فأعطِها ما تطلب منك تُعطِك ما ترجوه منها. لا تعطها المال ولا الهدايا، بل الوجه الطلق والثغر الباسم والتحية الحلوة. إنك مهما كنت في تعب وجاءك ضيف عزيز فإنك تتلقاه بالسلام والابتسام، فلماذا يكون هذا الضيف أحق ببِرّك وخيرك من امرأتك؟
والمرأة إذا اطمأنت إلى دين زوجها وخلقه لم تُحصِ عليه أنفاسه وتعدّ عليه كلماته، والرجل إذا وثق من عفاف امرأته ودينها وميلها إليه وتعلقها به لم يتبع خطاها ويرصد حركاتها.
والمرأة العاقلة هي التي تنظر ما الذي يرضى زوجها فتفعله، وعلى الرجل -كذلك- أن يبتغي مسرَّتها ورضاها وألّا يغترّ بهذه السُّلْطة ويحسب أنه صار كسرى أنوشروان فلا يعرف إلا الأمر والنهي، وألّا يكون ظرفه ولطفه للناس فقط، فإن في الناس من يكون خيره للغرباء وشره للأهل.
فالزوج العاقل الحازم من لم تُلهِه حلاوة العسل التي تدوم له شهراً عن مرارة العلقم التي ستبقى دهراً طويلاً، ومن لم تشغله اللذة الجسمية العاجلة عن السعادة الروحية الآجلة. فلينتبّه لهذا الأزواجُ، فمن هنا منشأ الخطر.
ولقد لبثت قاضياً ومستشاراً في محكمة النقض (التمييز) سبعاً وعشرين سنة، فوجدت أن أكثر حوادث الطلاق سببها غضب الرجل الأعمى وجواب المرأة الأحمق، والأمر على الغالب تافه لا يستحق الاهتمام.
قد تثور الثائرة بين الزوجين لغيرما سبب واضح، كأن يكون الزوج متألماً في نهاره أو مصاباً بمصيبة لا يحب أن يسوء بها أهله، فيدخل مقطباً من حيث لا يشعر، فتحسب الزوجة أن ذلك موجَّه إليها فتغضب وتُعرض، فيَأْلَم الزوج في نفسه ويظن أنها رأته في مصيبة فأعرضت عنه بدلاً من أن تعطف عليه وتواسيه، وينأى كل واحد منهما عن الآخر ويوسوس له الشيطان، حتى يصبحا متنافرَین حقاً.
وهذا مشهد مشهور يتكرر تمثيله دائماً، وداء يعتاد الأزواجَ في كل حين، ودواؤه الناجع كلمةٌ يقولها أحدُهما يشرح بها حاله ، وقهرٌ لهذه الكبرياء الخبيثة التي تمنعه من هذه الكلمة.
والأزواج العقلاء يكون بينهما من الخلاف والشقاق ما لا مزيد عليه، فإذا جاءهما ضيفٌ أو زارا أحداً أظهرا المودة والمحبة. يجب أن تبقى الخلافات الزوجية بين الزوجين فقط. ربما يغضب الرجل فيقول لزوجته ما لا يسرّها، ولكن ذلك يبقى بينه وبينها، فإذا جاء ذِكْرُها أمام الناس أثنى عليها. والمرأة تصنع مثل ذلك، قد تقول له ما يكره، ولكن إذا ذُكِرَ أمام الناس تمدحه وتثني عليه.
والله لم يخلق اثنين بطباع واحدة، لا الصديقين ولا الزوجين، فليكن الزوجان متباعدَين قليلاً حتى لا يظهر الاختلاف بينهما، وليكن بينهما شيء من الكُلفة والرسميات كما يكون في عهد الخطبة وأوائل الزواج، ولتكتم عنه بعض ما في نفسها، فإنه ما تكاشف اثنان إلا اختلفا، وما زالت الكلفة إلا زالت معها الألفة، لأن المرء يتظرّف ليظرف ويتلطف ليلطف ويساير الناس ليحبه الناس، فإن لم يفعل ثقل عليهم.
لم يُبِح الله الطلاق ليكون لعباً ولهواً، والفقهاء قد نَصُّوا على أنه إذا طلق الرجل زوجته بلا ذنب منها ولا تقصير وكان يعلم أن هذا الطلاق سيؤذيها في النفس أو المال (كأن تبقى أرملة لا يُقبَل الرجال على خطبتها لكبر سنها أو يصيبها العوز والفاقة) كان آثماً بهذا الطلاق معاقَباً عليه عند الله، لأنه ظلم، وقد حرم الله الظلم.
حسبنا تفكيراً برؤوس غيرنا، حسبنا نظراً بعيون عدونا، حسبنا تقليداً كتقليد القرود، ولنعد إلى أنفسنا، إلى عربيتنا وإسلامنا، إلى طهرنا وعفافنا.
ولكن الذي أبَيتُه لنفسي وعوّدتهم [أطفال مدرسة] على إبائه هو الذل أمام الجبّار الظالم خوفاً من جبروته، وأمام الغني أملاً بغناه، وأمام ذي المنصب من أجل منصبه.
فقلت لها: الأولاد مفطورون على الصدق، فإذا كذب الطفل فإنما يكذب لسوء التقدير...أو يكذب الأطفال (وذلك هو الغالب) خوفاً من عقوبة الآباء والأمهات.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
ثالثاً: أن ترك الصيام نقصٌ في الإيمان.
وثم قاعدةٌ مفيدة، وهي: أنه إذا نودي الإنسان بوصفٍ؛ فإنه يزداد وصفه هذا بحسب زيادته فيما وُجه إليه.
فإذا قلت: يا طالب العلم احفظ ما تقرأ؛ فإنك إذا ازددت في الحفظ؛ فإنه يكمل فيك وصف الطلب للعلم، فكذلك الأمر ههنا. فقوله عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾، فيه مناداةٌ بوصف الإيمان، فإذا صام العبد ازداد إيمانه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
وقوله:﴿كَما﴾: الكاف للتشبيه، و(ما) مصدرية؛ أي: ككتابته على الذين من قبلكم، وهذا التشبيه في أصل فرض الصوم لا في الكيفيات، ولهذا التشبيه فوائد، منها:
٢-التخفيف على المكلفين من هذه الأمة، فالصوم عبادة فيها مشقة، والشاق إذا عم سهل تحمله، كما قال ابن القيم رحمه الله، واستشهد عليه بقول الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي..
على إخوانهم لقتلت نفسي..
وما يبكون مثل أخي ولكن..
أعزي النفس عنه بالتَّأَسِّي..
ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ اليَومَ إِذ ظَلَمتُم أَنَّكُم فِي العَذابِ مُشتَرِكونَ﴾
٣- ومن فوائد التشبيه: إثارة العزائم لاستكمال الفضائل، فإذا كانت الأمم الغابرة مكلفة بالصيام، فلا يليق بنا أن نتخلف عنهم، بيد أننا خير أمةٍ أخرجت للناس.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
هذه هي الحكمة من فرض الصيام، فقوله (لعل) هنا للتعليل؛ أي كي تتقوا.
وههنا قاعدة، وهي:
أن (لعل) إذا جاءت بعد الأمر فإنها للتعليل، كقوله تعالى: ﴿وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ﴾
ومن ذلك سيأتي قوله عز وجل: ﴿...فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾، وهذا كثير في القرآن.
وذكر بعض المفسرين أن (لعل) في القرآن دائماً للتعليل، وأنها بمعنى (كي)، وهذا ليس على إطلاقه، وإنما يكون إذا جاءت بعد الأمر.
﴿أَيّامًا مَعدوداتٍ فَمَن كانَ مِنكُم مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾
وقوله عز وجل: ﴿أَيّامًا مَعدوداتٍ﴾ نعتٌ لأيام، ومعدودات جمع مؤنث سالم، وجمع المؤنث السالم من جموع القلة، فأفاد قوله: ﴿مَعدوداتٍ﴾ تأكيد قلة الأيام.
﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
﴿شَهرُ رَمَضانَ﴾
والشهر اسمٌ للمدة من الزمان، وهي ما بين الهلالين، وسمي الشهر بذلك لاشتهاره.
وشهر رمضان مذكر، وكل شهرٍ فهو مذكر إلا الجماديين، قال ذلك الفراء.
وسمي رمضان بذلك اشتقاقاً من الرمضاء، وهي الحرارة؛ لأن هذا الشهر صادف موسم الحر عند تسميته، كما سمي ربيع لموافقته موسم الربيع، وجمادى؛ لأنه وافق وقت جمود الماء، ورجب لترجيب العرب إياه؛ أي: تعظيمهم له، أو لقطع القتال فيه، وذو القعدة للقعود عن الحرب، الخ، والتسمية عند العرب تكون لأدنى ملابسة، فظهر بذلك أن تسميته برمضان قديمةٌ قبل الإسلام.
﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ﴾
القرآن: اسمٌ لكلام الله تعالى، وهو علم على الكتاب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
والقرآن: مصدر قرأ -بالهمز-، كالغفران والشكران، وهو بمعنى المقروء، كالشراب بمعنى المشروب، والكتاب بمعنى المكتوب.
﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
ثم قال تعالى: ﴿...وَمَن كانَ مَريضًا أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيّامٍ أُخَرَ﴾
أعاد هذه الجملة لئلا يتوهم أنها منسوخة، فالرخصة باقيةٌ للمريض والمسافر، وأما التخيير بين الصوم والفدية فمنسوخ.