«رحلة طويلة قطعتها سامية محرز منذ الطفولة في المدارس الأجنبيّة بالقاهرة، حيث نفّرتها المناهج الحكوميّة المقرّرة على جميع طلبة الجمهورية من الأدب العربي، ثم في جامعات الولايات المتحدة حيث بدأ تصالحها مع جذورها، إلى أن استقرت أخيرا في الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة لتقوم بتدريس الأدب العربي ذاته! إحدى المحطّات الهامة في رحلتها كانت الشاعر الرومانسي الكبير ابراهيم ناجي، جدّها لأمّها. ولدت بعد وفاته بعامين ودرست شعره على مضض في المدرسة ولم تعره اهتماما إلى أن ورثت من خالتها أوراقًا له بعضها خطابات ومذكّرات شخصيّة ومسودّات لبعض أهم قصائده من بينها قصيدة «الأطلال» والبعض الآخر ترجمات أدبيّة ومشاريع كتب غير مكتملة في الطب كلها لم يطّلع عليها أحد قبلها، ألقت الضوء على جوانب مجهولة ومطموسة من حياته: معاناته الماديّة وصراعاته مع البيروقراطيّة وعلاقاته العاطفيّة التي طالما حرصت عائلته على إبقائها طى الكتما?. وكانت النتيجة هذه الزيارة الحميمة بين الحفيدة الناقدة وجدّها الطبيب الشاعرتنبئ في طيّاتها عن تشكّل علاقة جديدة بينهما. كتاب بديع يمثّل إضافة هامّة لكتابات سامية محرز السابقة في النقد الأدبي والترجمة». صنع الله إبراهيم
سامية محرز ؛ أستاذة الأدب العربي ومديرة مركز دراسات الترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة .صدر لها العديد من الدراسات والمقالات في مجالات الأدب والنقد الثقافي ودراسات الترجمة إلى جانب عدة كتب باللغة الإنجليزية من بينها الكاتب المصري بين التاريخ والرواية: دراسات في أدب نجيب محفوظ، صنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني (1993) الحروب الثقافية في مصر: السياسات والممارسات (2008) أطلس القاهرة الأدبي (2010) حياة القاهرة الأدبية (2011) وبالاشتراك مع لفيف من المتخصصين في الترجمة ودراساتها كتاب في مكان الآخر: دراسات عبر تخصصية في مجال ?راسات الترجمة من القاهرة (2019). هذا الكتاب هو أول عمل لها باللغة العربية.
أحببت كثيراً علاقة الكاتبة، حفيدة ابراهيم ناجي، بجدها الطبيب الشاعر، فالكتاب رحلة شخصية تتعرف فيها الكاتبة علىه، وتتطور هذه العلاقة من شكلها الجاف الرسمي التي تكاد تكون إجبارية بحكم القرابة، إلى علاقة ود وحب وإحترام. كانت سامية محرز الكاتبة، مثلنا جميعاً، تمقت جدها، شاعر الأطلال، بسبب النصوص من شعر ابراهيم ناجي التي اقرَت علينا إجباراً في المدرسة، فإنها لم تقابله قط لأنه مات قبل ولادتها، لكنها عزفت على أن تتعرف عليه إنساناً وأديباً وطبيباً، من خلال إرثها من مذكراته الشخصية، وحكايات والدتها و خالتها عنه، بنات إبراهيم ناجي.
أعجبني كثيراً الخوض في حياة الشاعر والطبيب والزوج والجد، والدفاع عنه دون طمس للحقائق أو تجميلها ودون إنتقاص من انسانيته، أو حرمانه من حقه في الخطأ. كما لفت إنتباهي وجود توتر الأجيال حتى بين أعظم الشعراء، فيعرض الكتاب الجيل الأكبر من الشعراء مثل العقّاد وطه حسين كنُقاد لاذعين لشِعر ناجي، الأصغر سناً ومكانةً حينذاك، والاستخفاف به. أخيراً، لطالما تسائلت عن العلاقة بين الطب والأدب. هل هي مجرد صدفة أن أطباء كثيرين مُحبين للأدب، بل وأدباء مرموقين أنفسهم؟
السبب الوحيد إني لم أعطي هذا الكتاب 4 نجوم (مع العلم إني أعطي القليل من الأهمية للتصنيفات النجمية على أي حال) إنه يفتقر للتشويق، فإنه مائل للكتابة الموضوعية التقريرية.
هذا الكتاب به الكثير حقًا من الجديد الجميل عن إبراهيم ناجي، مما لم نعرفه عنه من قبل، فرغم أن الحفيدة، واضعة هذا الكتاب، لم تعاصر جدّها، غير أن حادثة وقوع تلك المفكّرة الواحدة من مذكرات جدّها في يدها، مع مجموعة من مسوّدات القصائد بخط يد الجدّ، أضاف لمسة فريدة إلى زيارتها الحميمية إلى تاريخ جدّها.
وقد أحببت جانب المذكرات والرسائل وحديث الحفيدة عن جدّتها (زوجة ناجي) - أكثر بكثير من جانب النقد التطبيقي التي حاولت الحفيدة، أستاذة الأدب العربي، ممارسته على شعر جدّها أو حياته، ومن هنا أحسّ أن الحفيدة قد بالغت كثيرًا لتقول إنّ سبب فصل جدّها من عمله في أخريات حياته إنما يرجع إلى طبيعة الصراع والتنافس داخل المجال (الطب) واعتقاد جدّها الخاطئ - من وجهة نظرها- في أنّ هذا المجال عادل وقائم على الإعلاء من القيمة الفردية للشخص، ولهذا لن يضرّه - في اعتقاده - الجمع بين الطب والأدب، إذ أن الحفيدة ترى أن جدّها بهذا الجمع قد تحدّى حدود وقيَم المجال (الطب) ولهذا فقد طُرد منه بفعل قانون الصراع والتنافس الطبيعي بين أفراد المجال الواحد – وهذه رؤية غريبة صراحة، فهناك نعم صراع وحقد وتنافس بين أفراد جميع المجالات، وهي تحدث وستحدث بينهم بغضّ النظر عن أيّ شيء آخر، حتى لو التزم كل أطرافها بأقصى درجات الولاء لطبيعة المجال وحدها، غير أنه من المعروف – وهو ما لم تتعرّض له الحفيدة بحال – أنّ إبراهيم ناجي فُصل من عمله في أخريات حياته، ليس لجمعه للطبّ مع الأدب، ولا لإعلائه القيمة الفردية، وإنما ببساطة كان الذي فصله لا ينتمي لهذا المجال في الأصل! فهو خرج من وظيفته بعد قيام الثورة، وفي خضمّ حركة التطهير التي قامت بها إدارة الثورة لضمّ جميع ولاءات أجهزة الدولة لها، وذلك في مختلف مناصب الدولة، وإبراهيم ناجي كان يشغل منصبًا حكوميًا كبيرًا: "مدير إدارة طبيّة"، وكان أيضًا في نفس الوقت ذا صلات برجال دولة العهد الملكي ووزرائها الذي كان يمدحهم في تلك الفترة التي كان فيها موظفًا حكوميًا كبيرًا، وقد مدح كذلك، بشعره، جلالة الملك نفسه – وهذا أمر كما يُرى لا علاقة له تمامًا بالمجال والقيم والصراع والتنافس بين أفراده، وإعلاء القيمة الفردية والجمع بين الطب والأدب، فهذه كانت حركة تطهير ثورية وعمياء فحسب، يؤيدها بالتأكيد ذهول وبكاء إبراهيم ناجي في أخريات حياته – كما قال للأستاذ وديع فلسطين – وتكراره له أنه لا يعرف أبدًا سبب الاستغناء عنه بهذا الشكل! فهل، يا تُرى، وجدّها هو الدائم الشكوى من وجود الصراعات في "المجال" والحقد والغيرة، وعلى علمٍ تامّ بأن أفردها يأخذون عليه جمعه بين الأدب والشعر، هل، يا ترى، قد تناسى كل هذا فجأة عند وقوع الكارثة عليه ليقول إنه لا يدري فيمَ فصل؟! كلاّ، ولكن لأن، فعلاً، هذا الأمر بالفصل قد جاء من خارج هذا المجال تمامًا،وبسلطة عسكرية!
وكذا حزنت كثيرًا للشكل الذي عرضت فيه الحفيدة لصالح جودت، وتصويره بهذه الصفات البشعة والتأكيد عليها مرة بعد أخرى، فقد وصفته بالادعاء والاختلاق والتلفيق، وبغيرته من جدّها ضمنًا أيضًا! وهذه كلّها تهم واهية ومتحامل فيها كثيرًا، فهي تعلم أن جودت كان رفيق جدها، وصديقه، ولم يمنع هذا الفارق من العمر بينهما قط – وكما حاولتْ الحفيدة الإيهام بذلك – في منع نشوء صداقة عميقة مرتبطة بينهما حتى أخريات حياة ناجي، وقد كان لهذه الصداقة شهود كثير، أحمد رامي مثلاً - التي تجلّه المؤلفة وتثني عليه كثيرًا ولم تتعرّض له بكلمة سيئة، مع أنه هو السبب أيضًا في فضيحة ديوان ناجي الذي نُشر بعد وفاته - ولكن هذا كلها لم يمنعها من تصوير صالح جودت بأنه جاهل مدّع لم يعرف جدّها حقًا وكذب عليه، وربمّا بالغ في شأن صداقتهما (والمعروفة للجميع كما قلت!) ولكن لماذا؟!
فأشهر هذه الاعتراضات التي جابهت بها الحفيدة شهادة ناجي، هي أنها أخيرًا عرفت من هي ملهمة الاطلال، وصاحبة الاهداء في ليالي القاهرة، مَن هي "ع. م"، ولم يكن ذلك من جهد منها، بل مصادفة، فعائلة الملهمة كانت تعرف من زمان أن "ع" المنتسبة إليهم، هي ملهمة الأطلال، وذلك لأنها كانت لا تني في أعوامها الأخيرة من المباهاة والإعلان لأيّ كان من أنها هي ملهمة الأطلال الشهيرة بعد غناء أمّ كلثوم لها، ولذلك ففي لقاء عابر حضرته الحفيدة مع أحد أفراد أسرة الملهمة، أخبرها ببساطة بالحقيقة المعروفة في نطاق أسرته ومعارفها، أن "عليّة محمود الطويّر" هي ملهمة الأطلال، هي "ع. م"، وأن جميع أفراد أسرتهم يعلمون بذلك! – فتضيف الحفيدة هذا الاكتشاف كأنه من نتائج سهرها الدائم وبحثها عن حقيقة جدّها! – وابتسمتُ صراحة، لأنها في خضمّ هذا الزهو والفخر بإنجازها، راحت تكذّب صالح جودت و"تفضح" تلفيقه لقصة الملهمة.
ولكن صالح جودت لم يصرّح باسم الملهمة في كتاباته من الأصل، فقد قال الثلاثة الأحرف الأولى فقط، ع م ط، وهي أحرف صحيحة، ثم حكى قصتها كما يعرفها، ولكنها – أي الحفيدة – اعتمدت على شهادة محقّق ديوان جدّها، حسن توفيق، وقوله إنه سأل جودت في جلسة خاصة عن من هي "ع . م"، ليقول له إنها "عنايات محمود الطويّر"، فتثور الحفيدة وتقول هذا كذب صريح كما ترون، بل الفتاة المقصودة هي أختها "عليّة الطويّر" – وثانية قد ابتسمت أنا هنا! – نعم الاسم هامّ، ولكن صالح جودت لم يبتعد كثيرًا عن المرمى، ولعلّه خلط في ذلك اللقاء مع محقّق الديوان (أو ربما لسبب آخر سيأتي ذكره بعد قليل في هذه المراجعة) كما أن أكثر تفاصيل صالح جودت الأخرى لم تُنكر، فقد قال إنه تقّدم لزواجها – أي ناجي – ورُفض، وهو ما لا تنكر حدوثه الحفيدة حسب شهادة فرد الأسرة الآخر التي قابلته، ومع إنكار ابنة الملهمة حدوثه، (وأعلم لدرجة اليقين أنه لولا شهادة فرد الأسرة لكانت الحفيدة قد اتهمت جودت بالكذب والمبالغة في حكاية عرضه الزواج عليها هذه، طبعًا!- ولكن الله رحمه من تهمة جديدة!) - ولا تنكر أيضًا قول صالح جودت إنّها كانت – أي الملهمة – كثيرًا ما تتحدّث عن أنها هي الملهمة الحقيقية، فعائلتها قالت ذلك أيضًا عنها، ولكنها – أي الحفيدة – وفي غرابة، تقول إنّها سألت الأسرة عن اسم صالح جودت، فأنكروا أنهم سمعوا بهذا الاسم في أصدقاء والدتها المقرّبين، ولذلك فجودت كاذب! طيّب، ولكن ما قاله عنها صحيح، ألم تقل أسرتها إنها كانت تباهي في كل وقت بأنها الملهمة الحقيقية؟ وألا يمكن فعلاً أن جودت – بكلّ نقاطه الحقيقية التي قالها في هذا الشأن (وهي كثيرة) – قد سمع فعلاً الأمر منها في جلسة كان حاضرًا فيها، وهو هو الصديق الذي كان لا يفارق والدها في سنواته الأخيرة، وهي هي التي كانت تباهي بهذه العلاقة! – على أنه من الطبيعي حقًا، والصحّي كذلك، هو ألا يأخذ أيّ أحد أقوال أيّ أحد على على التسليم التامّ، لا عن كذب فيها أو اختلاق، ولكن ببساطة لأن الشهادة شخصية، تختلف باختلاف وجهات النظر، وحسب مصادر المعرفة.
والغريب، المتناقض، والذي يدعم هذه النقطة السابقة كثيرًا، أنها، وهي التي كانت تتّهم صالح جودت، لم تستطع إلا أن تأخذ في فصل آخر بجميع شهادته في بيان حقيقة شخصية "زازا"، تلك التي كتب جدّها عنها في سنواته الأخيرة، فقد أخذت الحفيدة، حرفيًا، كل شيء قاله جودت عنها، دون أي مصدر آخر، ولكنها مع ذلك كانت تبدو – أي الحفيدة – وكأنها متأفّفة من هذا الاعتماد التام (وهذا لأنها ببساطة لا تملك مصدر آخر، وكانت تتمنّى أن تلعب المصادفة العابرة -لا البحث الجادّ- دورها فتجد معلومات أخرى عن زازا، فتأخذها وتكذّب صالح جودت كالعادة - وهو ما لم يحدث لسوء حظّها، ولرحمة الله بصالح جودت مرة ثانية) – ولذلك وبكلّ حديثها عن أنه لا وجود "لأدلة ملموسة" على "رواية" صالح جودت عن شخصية زازا،، وبكلّ أسئلتها المتشككة في ذلك الفصل، إلا أن صاحب نصيب الأسد عن شخصية زازا الحقيقية في هذا الفصل هو صالح جودت نفسه، أو على الأقل لم يتناقض ما قاله قط مع وصف الرواية لها، بل كانت جميع القرائن الخفيفة التي عرفتها من والدتها عن زازا تشير بجلاء إلى صحة رواية جودت وأمانته في النقل وصلته القوية الحميمية بجدّها – وقد رأيتُ أنا هذا ردّ اعتبار معنوي – غير مباشر – لصالح جودت - رحمه الله - من افتراءات الحفيدة عليه.
ومن سوء الظنّ هذا أنها لم ترد أن تنصفه في أبسط الأشياء، فصالح جودت يقول عن زازا إنّها: "شابة وسيمة السمات، أنيقة الروح، ..، وكانت لونًا فريدًا من النساء لا تستهويه نزعة الجسد"، وإبراهيم ناجي يصفها في الرواية ويقول إنها صورة رائعة من الجمال، سمراء فارعة، قوامها رائع وجبينها أشمَّ، وفي قصيدته عنها يقول إنها جاءت إليه في خريف شيخوخته كالربيع الذي يمحو اصفرار الروض، فتقارن الحفيدة بين صورة غلاف الرواية المجهولة (وهي رواية أُكتشفت ونُشرت عام 2011 وأُختيرت صورة غلافها المثيرة لدواعي تجارية ليس إلا) لتقول عنها إنّ صورة الغلاف الحسّية تعارض وصف صالح جودت لزازا بأنها "لا تستهويها نزعة الجسد"، ثم تقول بسوء ظن واضح: "كما ادّعى من قبل معرفة بـ ع. م، معرفة شخصية، فاتضحّ لي لاحقًا أن كلامه مجرد ادّعاء" – طيّب، لم يكن "مجرّد ادّعاء" كما قلت سابقًا، ولكن صالح جودت هنا أيضًا في وصفه لزازا لم يبعد قط عن وصف إبراهيم ناجي لها، كلاهما كان كلامهما عن زازا وصفاتها يتعارض مع صورة الغلاف الحسّية للرواية المنشورة عام 2011، وكلاهما بطبيعة الحال ليس له أي شأن باختيار هذه اللوحة، لأنهما كانا في رحمة الله– لحسن الحظ!
هذا ومما يرتبط بقصة زازا تدوينة أخيرة كتبها ناجي في دفتر مذكراته التي عثرت عليه الحفيدة في مقتنيات خالتها، وكانت هذه التدوينة تقول: "مرّت سنة تقريبًا لم أخط حرفًا بها، وهي سنة بعشر، عرفت فيها سعادة وعرفت شقاءً، عرفتُ فيها سعادة غامرة، واستعدت صحتي فيها، وعدت شابًا .. عرفت ع . م وهذه صورة التدوينة، لأهمية ذلك:
ويلاحظ هذا الشطب على الحرف الأخير ثم كتابتها م، والحفيدة مقتنعة كثيرة وبإسهاب بأن جدّها كان يقصد أن يكتب عرفت ز، أي زازا، وليس عرفت ع. م والتي هي علية محمود الطويّر، ملهمة الاطلال، وأسهبت كثيرًا في محاولة إيهام القارئ أن المشطوب هو حرف الزاي! ولكن الميّه تكذّب الغطّاس، أو أنظروا أنتم، وسترون أنه مكتوبًا بوضوح بالغ أن الحرف الأول كان "ع" وبمسافة كافية وبشكل غير محشور تمامًا ويوحي مثلاً أنه أُضيف بعد تعديل ثانٍ وشطب! - ثم نقطة واضحة - ثم زاوية قائمة لحرف ما تحوّلت فجأة إلى حرف الميم، أي أنه كان سيكتب حرف له زاوية قائمة، وبالتأكيد ليس هذا شكل حرف الزاي المائل، فلم يكن ناجي يريد قطعًا أن يكتب "عرفتُ ز!" – ثم لماذا يقول اسمها سرًّا، ما هو كتب رواية كاملة اسمها زازا، فما كنّى عن اسمها ولا أخفاه، مثلما فعل مع عليّة محمود الطويّر، الذي كان دائمًا ما يذكر حرفيها الأوليين: ع. م – ولديّ صراحة تفسير بسيط لدرجة ساذجة، وهو أنه كان يريد أن يكتب ع. ط، أيّ عليّة الطويّر، والزاوية القائمة هي بداية حرف الطاء، قبل أن ينتبه إلى أنه كان يكتب من قبل أول حرفين من اسمها واسم والدها، لا اسمها ولقبها، كما يفعله الناس عادة، والله أعلم!
** وهناك تفسير مخيف آخر خطر لي وأنا أكتب هذه الحروف، أكتبه لأجل تسجيل هذه الشطحة! وهي أن ناجي رحمه الله كان يقصد بحرفي ع. ط أخت عليّة: "عنايات الطويّر"، تلك التي ذكرها جودت وخلط بينها وبين أختها عليّة، في حواره مع حسن توفيق، أدري، أدري، ولكن لنتأمل هذا الاحتمال العجيب، فناجي قال: "عرفتُ ع. ط"، ثم شطب على الطاء قبل أن يتمّها وكتب ميم، ربما لأنه ولأول وهلة لم يرد أن يخلط بين اختصار اسم ملهمته باختصار اسم اختها، وخاصّة أن الاثنتين تشتركان في حرف الاسم الأول، خاصة أن كلمة "عرفتُ" هنا، وفي هذا السياق، يُستبعد أن تعني فعلاً معناها العادي، ولكن إن كانت تعني المعنى الآخر وهو أنه تعرّف على ع في "معرفة حميميّة" لأول مرة، فستبدو تبدو غريبة قليلاً إذا قال عن حبيبته السابقة وملهمته الشهيرة وحبّ صباه وأول شبابه، وبعد مرور أعوام طويلة وبعد زواجه من أخرى وإنجابه منها، وبعد زواجها من آخر وإنجابها منه، إنه أخيرًا قد عرفها! – ولكن إن كان يعني الأخت عنايات وليس عليّة، ففي هذه الحالة فهذا الغموض في التدوينة الأخيرة لناجي له ما يبرره لدخول لاعبة جديدة في ملعب غرامه الأخير في شيخوخته، لاعبة غير متوقعة تمامًا! - وله ما يبرر أيضًا خلط صالح جودت في حواره مع حسن توفيق! **
وأعود للسياق الأول، وأسأل نفسي، ثم من هذا الذي سيكذب ناجي عليه في مذكراته! على نفسه؟! أيكون قد قابل ز، أي "زازا"، ولكنه لا يجرؤ على كتابة اسمها رغم أنه سمّى روايته وقصيدته بنفس هذا الاسم، زازا، ولكنه في مذكراته يشطب اسمها ويكتب اسم مهلمته الأخرى! – ما هذا التفكير الغريب الذي انساقت إليه الحفيدة ولأجل فكرة محددة كانت تريد إثباتها في نفسها! ما يمكن الفكرة خطأ! – هذا ليٌّ لذراع النصوص صراحة!
..
وكان مما أخذته الحفيدة أيضًا على صالح جودت، أنّه، وبمعونة من العقّاد كاتب مقدّمة كتابه عن ناجي، قد اختزل جدّها في صورة الشاعر الرومانسي الرقيق، وتجاهل جوانب حياته الأخرى الخصيبة - مع أن الأمر لا يستحق كل هذا، فعنوان كتاب صالح جودت: "ناجي: حياته وشعره"، وجودت نفسه شاعر مثل جدّها (ولم يتهمه قطّ بسرقة أشعاره كما حاولت الإيحاء بذلك، وإنما كان كلامه فقط أنهما كانا يقولان الشعر في فترة واحدة وفي مدينة واحدة (المنصورة) فاختلط أمرهما على الناس في بداية أمرهما- فحسب! – وهذا قبل انتقالهما للقاهرة وقبل الشهرة- فالإيحاء من الحفيدة بأن جودت كان يتهم جدّها بدافع الغيرة والندّية هو سوء ظن بالغ ومعيب) – كما أن العقاد قد تناول في مقدمته جانب الشعر وحده من حياة ناجي لأن الأدب هو مجال تخصّصه – لا جهلاً منه ولا ترفّعًا ولا غضًّا من إنجازات جدّها الأخرى خارج الشعر - وقد أطلق عليه العقاد لقب: "شاعر الرقة العاطفية" – وهذه ليست تهمة كما ترى الحفيدة، وليست مخالفة لرأي أي قارئ لديوان ناجي، ثم أنها بشهادتها نفسها، فإنّه – ورغم كل سخطها على قيام صالح جودت والعقاد بحصر جدّها في دور الشاعر الرومانسي، وبكل حديثها المعارض عن إنجازات جدّها الأخرى اللامعة في الكتابة والطب وإلقاء المحاضرات النفسية والفلسفية – قالت في فصل آخر، وببساطة بالغة، وكأنها لم تنتبه لما قالته من قبل، قالت إنّه ربما يكون سبب دعوة المجلس الثقافي البريطاني لجدّها للسفر إلى فلسطين والأردن، قد يرجع إلى أنه "شاعر رومانسي لا تشوبه النزعة السياسية" – طيّب؟!
أما أنا لن أعلّق، ولكني أرغب أن أحكي حكاية إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وهو من أشهر مغنّي وموسيقيّ الدولة العباسية، فقد حضر يومًا مجلس يحيى بن أكثم، فجعل يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن، واحتجّ، وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر، ثم أقبل على يحيى بن أكثم فقال له: "أعزّ الله تعالى القاضي، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟" - قال: لا - قال: "فما بالي أقوم بسائر العلوم قيام أهلها، وأُنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه!" – وهنا يردّ عليه أحد الجلساء في ذلك المجلس: "أأنت كالفراء والأخفش في النحو؟ أفأنت في اللغة كالأصمعي وأبي عبيدة؟ أفأنت في الأنساب كالكلبي؟ فأنت في علم الكلام كأبي الهذيل والنظّام؟ - وإسحاق بقول في كل هذا أن لا – ليقول الرجل في النهاية له: "فمن هاهنا نُسبت إلى ما نُسبت إليه؛ لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه، وأنت في غيره دون أوفى أهله!"
وهذا هو إبراهيم ناجي، تمامًا، ففي كل مجالاته الأخرى غير الشعر لم يكن فيها إمامًا ولا مبدعًا، وإنما هو شيء وسط، في الطب والأدب والفلسفة والترجمة، مثل الكثير غيره من أبناء جيله المثقفين، وهي تعرف ذلك لو كانت منصفة، ولكن جدّها في شعره الرومانسي بلغ القمّة، وديوانه شاهد بكل ما فيه من رقّة ورومانسية، وهو أخلد آثاره، فعلامَ العتب إذن وكلّ هذا السخط أمام أمر معروف لا يجحده أحد – وهو مع ذلك ليس بالأمر الهيّن في الميزان، فلولا شعره الرومانسي، ولولا شعره الرقيق، ولولا شعره الكاشف عن نفسه الضعيفة أمام الهوى والملذّات، ولولا شعره المنكسر الذليل أمام سطوة الحبّ وشهوته، لما تذكّر أحد والدها أصلا ونفض الغبار عن سائر آثاره المتواضعة الأخرى (بالقياس إلى آثار أعلامها في نفس المجالات) – كما أن إشارتها إلى مقال العقاد الذي هاجم فيه جدّها في مبتدأ ظهور أمره في الثلاثينيات، لتتعجب كيف لهذا الرجل أن يقدّم كتاب عن جدّها، هي إشارة سيئة الظن، لأن العقاد غيّر قوله عن ناجي بعد أن ثبّت أقدامه في الشعر، وفي مقاله الثاني عن ناجي والذي قاله بعد مقاله الأول بثلاثين عام تقريبًا، نرى الفرق بجلاء، فمقاله الثاني عنه هو ثناء وتقدير، وإعلاء من قيمة الشعر الرومانسي والرقة العاطفية، وليس هذا بالشيء الهيّن في الشعر.
..
ونقطة أخيرة:
ومن ضمن الأوراق التي عثرت عليها الحفيدة في تركة خالتها رحمها الله، أوراق فيها مشروع ترجمة سونيتات شكسبير، ترجمها ناجي نثرًا، ولم تُنشر، وكذا لم تتمّ أو فُقد أكثر من خمسين سونيتة منها، والمضحك الغريب والذي لا أكاد أصدّق حدوثه إلى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، أنّ الحفيدة نقلت ترجمة للسونيتة رقم 55 قام بها جبرا إبراهيم جبرا، ثم ترجمة أخرى لنفس السونيتة قام بها سركون بولص، ثم ترجمة أخرى لنفس السونيتة قام بها بدر توفيق، ثم ترجمة أخرى لنفس السونيتة قام بها عبد الواحد لؤلؤة، ثم ترجمة أخرى "عاميّة" لنفس السونيتة قامت هي بها مع طلّابها في فصل دراسات الترجمة! – وترجمة ناجي؟ لا، ليس لها وجود لأنها لم تعثر عليها ضمن الأوراق التي عثرت عليها، أمر ساخر! –لا، ولكنها استطردت ببساطة وجاءت بكل هذه الترجمات "الأجنبية" الأخرى للسونيتة التي لم يترجمها ناجي في الأوراق التي معها، مع أجل فقط أن ترفع خسيستها (المثل سبق على لساني، ولا أعنيه بحروفه، وإنما أقصد فقط أنها جاءت بكل هذه الترجمات لكي تمهّد لقدوم ترجمة طلّابها العامية التي تحسبها الأقرب إلى روح النص الشكسبيري، والتي أنهت بها هذا الفصل الغريب!) والمضحك حقًا أنها وقد وضعت صور بعض الأوراق التي عثرت عليها من هذا المشروع إلا أنها لم تكتبها بخط الطباعة قط! فصورة منها بخط يد ناجي تصلح للقراءة إلى حد ما، ووضعت صور أخرى بحجم صغير ضئيل يستعصي على النظر إليه وفكّ رموزه لكثرة الشطب فيه، والحفيدة تدرك ذلك، فهي تقول أن هذه الأوراق المترجمة تبدو وكأنها غير منقّحة، لكثرة الشطب بها، وربما لهذا لم تر – مثلما لم تر خالتها – داعيًا قويًا لنشرها، لنقصها من ناحية، ولعدم تنقيحها من ناحية أخرى، وقد كان هذا الفصل حقًا مثال للثرثرة والاستطرادات البعيدة عن موضوعه، ونهايته التي أتت دون أن نتعرّف على أسلوب ناجي في ترجمته ولا أي دراسة لهذه الترجمة ولا أي اقتباس لها أصلاً، كما ذكرت! – مقابل احتفائها طبعًا بصنيع طلّابها في ترجمة السونيتة 55 باللغة العامية!
وختامًا، فقد أحببت الكتاب، من حبّي لناجي من قبل، وأنصح به للجميع، حتى لمن لم يسمع أو يقرأ حرفًا لناجي من قبل، وقد مرّت فترة قراءتي له سريعًا وفي وقت هانئ (وكذاكَ أيامُ السرورِ قصيرةٌ) غير أني لم أحب كثيرًا من استطرادات كاتبته أو الحفيدة أو دراساتها أو، وهذا أسوأ ما في الأمر، دور الحماية التي لعبته باتقان لحماية جدّها، فالمذكرات التي عثرت عليها لم تُنشر كاملة، بل مرّت لنا من خلال مرشح الحفيدة ودورها الرقابي، وبالقدر التي تريده تمامًا، وربما كان هذا تنفيذًا منها لرغبة والدتها التي قالت لها، كما حكت لنا، وهي تخوض في علاقات ناجي المتعددة: خفّي شوية يا سامية، بلاش تقولي كده!
في كتابها (إبراهيم ناجي.. زيارة حميمة تأخرت كثيراً) -والذي صدر حديثاً من دار الشروق (٢٠٢١م)-، تتحدّث (سامية محرز) عن جدها لأمها الشاعر الأديب الشهير (إبراهيم ناجي) والتي لم تلتقِ به، حيثُ توفي فجأة في عيادته وهو في الرابعة والخمسين من عمره في ١٩٥٣م، وولدت هي بعد وفاته بعامين. وتذكر كيف أنها منذ صغرها ترى صورته معلقة في الصالون، ولا تعرف من هذا الشخص ولماذا صورته معلقة! بل إنها بعد أن عرفت أن هذا هو جدها التي درست بعض قصائده في المدرسة، زاد النفور لشخصيته، فقد كانت لا تريد أن يعرف أحد من زميلاتها أن هذا الشاعر هو جدها. لكن بعد ذلك بسنوات طويلة ترث من خالتها التي رحلت لأمريكا واستقرت فيها وتوفيت هناك في عام ٢٠١٢م، مسودات جدها، بما فيها من مذكرات شخصية وترجمات ورسائل، فتعمل لتخرج لنا هذا الكتاب الجميل الذي يسرد لنا سيرة (إبراهيم ناجي) التي لا نعرفها. أكثر ما استوقفني في الكتاب، اهتمام (إبراهيم ناجي) بالكتب وحُبّه لها، وأنها أغلى ما يملك، تقول حفيدته بأنه كتب مقالاً بعنوان (ناجي يؤرخ لحي��ته) يتحدث فيه عن علاقته بالكتب ومحبته لها، وتم نشر المقال في جريدة (الجمهور المصري)، وكان مما قال في آخره: "هذه هي الرحلة.. رحلة العمر. من يريد أن يؤرخني يُلقي نظرة على المكتبة، يقرأ تواريخها، يقرأ الهوامش والتعليقات، يقرأ على صفحتها الأولى أين وكيف ولماذا اشتريت.. لقد عشتُ اقرأ، وقد أسقط في الميدان والكتاب في يدي". والغريب أنه توفي بعد كتابة هذا المقال بأربع وعشرين ساعة فقط. وقد قالت حفيدته أنه في هذا المقال قد وصف مكتبيه في العيادة وفي المنزل وصفاً تفصيلياً لما تحتويه من كتب في مجالات الأدب والشعر القديم والحديث بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية وحتى الألمانية والطب وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وموسوعات علمية متعددة، وحتى كتب عن لعبة الشطرنح التي كان قد أتقنها بل وألف لها كتاباً. وفي نفس المقال السابق يذكر كلاماً جميلاً عن الكتب وكيف أنها رافقته طوال مراحل حياته، وكيف كانت اختياراته في الكتب وكيف تصنيفه لها في مكتبته، ووصفها بأنها تُشكل (رحلة العمر)، فكان مما قال: "لقد نشأت مكتبتي معي. أخذت في تكوينها في مطلع الشباب، وقبل ذلك التكوين الجِدي كانت مكتبتي رفوفاً متناثرة، لها أفرعٌ قرب السرير، وبجانبه وتحته، وعلى الكراسي والأرائك والموائد. وأحياناً تتراكم الكتب في السرير بحيث لا تكاد تترك مكانا لقارئها. وحين فتحتُ عيادة امتدت الأفرع إليها... هكذا سارت الأحوال حتى اقترح نجّار من عملائي أن يعمل لي مكتبة صغيرة، وفعلاً، قام بعمل شيء، طوله متر وارتفاعه متران، وزعم أنه مكتبةٌ، فلم أجادله، وقلت له ضاحكاً: لا بأس، سنبني الطابق الأعلى ثم ننشئ على التدريج بعون الله قطعا متشابهة وبنفس الحجم حتى تتم المجموعة. وأخذتْ المكتبة تنمو على هذه الطريقة الطابق الأرضي فالأعلى.. قطعة قطعة. وكلما زادت الكتب بنينا لها منزلاً جديداً بنفس الطراز. ولم أكن أعني لشراء الكتب لذاتها، بل من أجل مواضيعها، لا يُشترَى كتابٌ جزافاً ولا لمجرد الشراء. كنت حريصاً في انتقاء كتبي كما يحرص المرء على انتقاء أصدقائه... ولقد تركت مكتبتي على سجيتها، أي إني جعلت الكتب فيها سجلاً لقراءتي وتفكيري، فهذا كتاب طب يجاوره كتابٌ في الأدب، يجاورهما كتابٌ في التاريخ، ويسند الثلاثة كتابٌ ضخم في الفلسفة. لم أبوب هذه الكتب، ولم أجعل كل مجموعة متشابهة على هذه كما تصنع المكاتب. وإنما كنتُ أكتفي -بعد انتهائي من الكتاب- بوضع رقم عليه وتاريخ، وربما وضعت بداخله ملخصاً صغيراً لمحتوياته ثم أكتب اسم الكتاب ورقمه في فهرس عام للمكتبة". والغريب أن حفيدته كانت تتساءل أين اختفت مكتبته الهائلة، ولماذا لم يبقَ من تراثه إلا هذه الصورة. سألت والدتها فلم تجد جواباً أكيداً منها، لكن بعد سنوات طويلة وبعد وفاة خالتها في ٢٠١٢م تستلم إرث جدها التي احتفظت به خالتها، لتعرف أن المكتبة قد بِيعت بعد وفاته بعامين بـ ٧٠ جنيهاً لأجل تسديد ديون (إبراهيم ناجي)، بيعت لرابطة الأدب، ولكن حتى رابطة الأدب تفككت وانحلت بعد ذلك ولا يُعرف مصير كتبه. وهذا هو الجزء المؤلم من القصة، كما يحدث كثيراً، ضياع وتفرق المكتبة بعد وفاة صاحبها إلا القليل ممن يحرص من الابناء والأحفاد على الحفاظ عليها. كتاب رائع جداً جداً.. عرّفني بالشاعر (إبراهيم ناجي) وعشقه للكتب، وحبه لزوجته من خلال مراسلاته لها، وعرفني بمدى معاناته في تهميشه في وظيفته والمعاناة التي عاناها والديون التي تراكمت عليه وأثقلت كاهله وأرقته. أبدعت المؤلفة في سرد هذه السيرة. نعيم_الفارسي
أود أن أقول أن هذا الكتاب جميل، وأن المصادفة الجميلة التي قادت د.سامية محرز إلى يوميات جدها كانت مصادفة رائعة بحق، بل تبدو لي الآن لحظة سحرية بحق، تجعل الدكتورة تهتم بالبحث والنقيب والنقد والسؤال والمراجعة والبحث، وتخوض تلك التجربة الشيقة لتكتب كتابًا هامًا فريدًا من نوعه، مختلفًا عن كل ما قرأنا وعرفنا عن كتب السير الذاتية، كل ما في الأمر أنه يخص جدها الشاعرالكبير إبراهيم ناجي، من جانب، ولكنه يخص مصر ومثقفيها وكتابها في فترة زمنية من أخصب وأهم فترات حياتها، ولا تتوقف عند سرد وعرض تلك الفترة وما حولها، ولكنها تنطلق بنا إلى اللحظة الحاضرة... حتى مصادفة قراءتي وتعرفي على هذا الكتاب كانت جميلة جدًا، ولعلي أعود إليه بالتفصيل .. قريبًا . شكرًا د.سامية .. ولكل الكتيبة التي عاونتها من الأصدقاء والكتاب النقاد، وأسرة لتحرير، حتى خرج الكتاب إلينا. .
في محاضرته سيرة الرواية المحرمة ضمن برنامج قراءات نجيب محفوظ، تحدث أ/ محمد شعير عن الشاعر صالح جودت، ووقف طويلًا عند كتابات صالح جودت التي مهدت الطريق لازمة قراءة أولاد حارتنا خاصة مع نشره ما سماه برأي القراء والذي كان يشير إلى الرواية باعتبارها تجاوز على المقدسات، تطرق أ/ شعير إلىرحلته إلى العنوان الذي ادعى صالح جودتأن مرسل الرسالة منه ولكنه لم يجد هناك أحد بنفس الاسم ويحب الأدب وكتب أيضًا كما أشار صالح جودت في الجريدة ردًا على منتقديه لهذه الأساليب الصحفية الرخيصة. ما دفعني لقراءة كتاب ابراهيم ناجي هو إشارة أ شعير إلى أن المسألة لم تكن تتعلق بمحفوظ ذاته قدر ما تتعلق بطبيعة شخصية صالح جودت والذي من الممكن ان يكون انطباعه بالنسبة لي مثل مصطفى بكري، لا يتردد في خلق الحواديت والأسانيد الباطلة لتمهيد قصتة أو إثبات وجهة نظره، وأشار إلى أن سامية محرز في كتابها الجديد عن جدها إبراهيم ناجي به الكثير من تلك الأمو. ربما كانت محبتي لمحفوظ ، وغضبي من لقراءة الظالمة لاولاد حارتنا هو أحد أسباب تقززي من أمثال صالح جودت ولكن ما نجده في هذا الكتاب أسوأ..!
جمعت الصداقة بين صالح جودت وإبراهيم ناجي كصداقة نخبة مثقفة يجمعها الشعر، وبعد وفاة إبراهيم ناجي المفاجئة، اتخذ صالح مكانة باعتباره مؤرخًا موثوقًا به يمكن أن يخبر الناس عن حياة إبراهيم ناجي وهو ما يحدث غالبًا في اغلب الدراسات التي تتناول حياة إبراهيم ناجي، ولننا نفاجئ بشخص مختلف يمثله ناجي نفسه، شاعر رقيق وكاتب مرهف وطبيب ذو مبدأ وضمير حقيقي يدفع ثمن أفكاره الخاصة التي لم تكن تسعها المنظومة الحكومية، ودفع ثمن رحيل الأصدقاء وتفرق الناس من حوله.
قرات لسامية محرز منذ سنوات كتابها أطلس القاهرة، وهو الأمر الذي لم اكن أعي وقتها أهمية هذا العمل، ما الغاية في ان تجمع كاتبة وباحثة الروايات التي تتحدث عن القارهة في كتاب واحد وتأخذ مقاطع منها، ما الفكرة وما قيمة المجهود لهذا العمل.. ولكن بعد سنوات من اهتمامي وتخصصي في الأدب أدركت ضرورة الاعما التي تمهد للباحثين الكتابة النقدية، وهو ما يقوم به الكتاب بامتيار خاصة لأي باحث يرغب ف حصر الأعمال الادبية عن القاهرة في زمن قريب.
إبراهيم ناجي الشاعر الطبيب والأديب الراقي هو جد أ سامية محرز رئيسة قسم الترجمة في الجامعة الأمريكية في هذا الكتاب تقوم برحلة في حياة إبراهيم ناجي باعتبارها كاتبة وناقدة وباحثة أدبية، بالإضافة إلى رغبتها في معرفة الوجه الحقيقي للجد الذي كان مثارًا للاحاديث خاصة الحياة النموذجية التي كان يحياها بجانب الاحاديث عن مغامراته النسائية المتعددة، تأخرت هذه الرحلة لان الجد كان صورة نموذجية من جهة ولأن المصادر الأولية لم تتح ابقوة تدفع إلى تمهيد تلك الرحلة.
الكتاب مزيج بين الكتابة الذاتية والغبداعية، والبحث عن المصادر والتقصي وراء أصحابها، وحديث عن نظرية الأدب ودور الطبيب ووظيفة المترجم فضلًا عن تقديمه أعمال إبراهيم ناجي المظلوم باعتباره شاعر الاطلال وفقط.
رحلة موفقة للغاية استمتعت بكل فصولها رغم عدم ولعي بابراهيم ناجي من قبل
So my sentiments about this book are mixed. It is an intimate family tracing book ( and there are a few of those now in Egypt). I liked best the bits that are more about the author’s grappling with herself and her relation to/ conversations with her family, and I felt that the bits in which the text is analysed were a bit dry. Towards the end I found a casual reference to my own grandfather and therefore felt complicit somehow in this fragmented network that keeps promising us with an an archive of ourselves and our place in the world.
Having fortunately attended a wonderful presentation at Bibliothek Egypt about the book: “Ibrahim Nagi” by the Author, Dr. Samia Mehrez, made reading the book so much more enjoyable.
In the words of Dr. Mehrez, the book was not intended to be written as a biography of the renown poet, her grandfather, Dr. Ibrahim Nagi. Instead, she set out to compose a vey capturing narrative (which she referred to as a very belated intimate visit), based predominantly on personal notes and records left by her grandfather (who died before she was born) and a great amount of research that she conducted in preparing the book. Through her extensive research, she skillfully filled-in the gaps that were left in the personal notes that she found in 2 envelopes that were kept by her aunt “Doheya” for many decades after the passing of Dr. Nagi.
From the book we learn a great deal about the struggles and achievements of the multitalented and multicultural Dr. Nagi as he swims against the current in his vocation as both a medical doctor and a writer/poet at different phases during his short life.
Dr. Mehrez, through her extensive research, has not only unearthed what was previously unknown about her grandfather but also debunked false information that was previously circulated about him.
Like many, the only thing I knew about Dr. Nagi was that he was a poet and that he composed the poem “El-Atlal” that the Egyptian famous diva “Om Kolthoum” sang many years after his death.
After reading the book one is left with a wealth of knowledge about the achievements of this larger than life man whose contribution to both the literary and medical fields was enormous and worthy of recognition.
Kudos to Dr. Mehrez for producing a brilliant narrative that is very well worth reading.
انتهيت والحمد لله من قراءة كتاب "إبراهيم ناجي : زيارة حميمة تأخرت كثيراً" للكاتبة سامية محرز. ينتمي الكتاب إلى فئة السيرة الذاتية ممزوجة بالتاريخ و التوثيق ، وهذا النوع من الكتابة أقرب إلى قلبي. تسرد الكاتبة رحلتها في البحث عن وثائق ومخطوطات نادرة ل جدها إبراهيم ناجي شاعر الأطلال ، و معلومات عن حياته لأول مرة تعلمها كقارئ عن هذا الشاعر الرقيق. ينقسم الكتاب إلى عشر فصول :
١_ هو الدكتور ناجي بيعمل ايه عندكم ٢_ واحد شارع حسونة النواوي ٣_ماتبقى لهم ٤_هومة وسومة ٥_ من (ن) إلى (ع) ٦_ journal de vie ٧_ إبراهيم ناجي {سوبر ستار} ٨_صديقي شكسبير ٩_ طبيب العائلة ١٠_ الوداع
أفضل جزء في الكتاب هو الجزء الخاص بالرسائل المتبادلة بين ناجي و زوجته، كانت رسائله شاعرية في منتهى الرقة والجمال. مايعيب الكتاب هو نظرة الكاتبة للتعليم الحكومي وتحيزها لتعليم المدارس الأجنبية. ف ليس كل من له المقدرة ف التعليم بالمدارس الأجنبية أن يصبح جاهلاً ب الادب العربي ،والادب لن يُكتَسب بالمدارس وإنما بالإطلاع والقراءة.
لكن دعني أقول أنه كتاب لطيف وممتع تسافر عبر الزمن لتعرف مصر و إبراهيم ناجي عبر العصور . أسلوب الكتابة سهل .
تأخرت زيارة سامية محرز لجدها وحياته لحكمة أظنها لتوثيق علاقته بها عبر السنين، ولينضج حبها والرابطة الممتدة بينهما عبر الزمن، أحببت جداً اللغة الحميمية والتي لم تتخل عنها حتى عند الحياد، والحديث عن عيوب جدها، وحكاويه الشخصية التي أعتبرتها أمها وخالتها كشفاً للأسرار والخصوصيات، حتى حديثها عن علاقة جدها وجدتها ربما لو كانت عرفته قبل لم يكن بهذا النضج في الطرح والتوازن، حزنت على أن الشاعر لم يحز المجد في حياته رغم كل مابذله من جهد في عمله كطبيب، وكذلك مثقف صحي، وأديب وشاعر، لكن ليرحمه الله ويخلف عليه بجنات النعيم، ويبارك في ذريته. أتمنى لكل من أراد الكتابة في مجال السير الذاتية التعلم من سامية محرز، الحميمية والموضوعية، والجدية في البحث والانصاف كذلك رغم صعوبة الموضوع.
كان ممكنا أن يكون الكتاب على مستوى كتب مشابهة مثل البدايات لأمين معلوف والبحث عن عنايات الزيات، ولكن دخلت الكاتبة في حالة الحشو الزائد والاطالة، اضافة لتغيير طبيعة الكتاب من البحث في حياة ابراهيم ناجي ليتحول لبحث نقدي في مجال الكاتبة ، يتبحر ويتوسع حتى يدخل بنا لمقارنة ترجمات شكسبير المتعددة والفرق بينها، وهو ما يبتعد بالكتاب عن الحالة المتوقعة منه
تقفي لسيرة ذاتية وعائلية يكشف العديد من الأمور من الماضي والحاضر. أعجبني التناول، ولكن في الفصول الأخيرة غلب طابع الاشتباك النظري من منظور النقد الأدبي على الزيارة الحميمة، من الفصل مع شكسبير، أو تموضع الطبيب/ الشاعر. بالرغم من أهمية هذه الاشتباكات، إلا أنني أحسست أنها مقحمة على الزيارة الحميمة.
كتاب رائع أضاف الكثير الى معلوماتنا عن ناجي : الشاعر الكبير. كان ناجي من الشعراء الذين أثروا فيّ- ويمكن في آخرين من جيلي (جيل الستينات) وقد حضرت عدة ندوات حين أسس الدكتور شوقي السكري "ندوة ناجي" في الستينيات وجر ى فيها نقاش الأدب والفن على أرقى مستوى
حبيت بداية الكتاب حتي وصلنا لجزء النقد التحليلي الأدبي للأعمال، يمكن تفيد وتصحح مفاهيم مغلوطة عند الدارسين والمؤرخين ولكني لم استفد منه كقارئة. كنت أتمني التركيز اكتر علي شخص ابراهيم ناجي وتفاعله مع الناس اللي حواليه. كان نفسي اقرأ اكتر عن زوجته، جدة الكاتبة.
كثرت الأقاويل والقصص خلف حياة ابراهيم ناجي، من ملهمته في قصيدة الإطلال إلى مشاريع طبية ودراسات في علم الاجتماع، تخوض الحفيدة التي ولدت بعد وفاته بعامين في ورث امها وخالاتها الذي كان عبارة عن خطابات ومسودات ومذكرات شخصية، تخرج عن الصمت الذي اختارته العائلة وتروي لنا عن ناجي الإنسان المرهف والمبدع.
من قراءات الميري من يوم مصدر بقول يعني هعرف إيه مهم عن ناجي ، بعدين تلاقي حكايات عائلية على حياته والي مش مهتم بيها أوي ، رغم حبي لشعره الي قريته وانا في ثانوي. الغلاف جميل وفيه حاجة في الكتاب من قبل ما تقرأ تشد.مش مهتم أوي بيه وفي نفس الوقت عايز أجرب ،ولما افتح الكتاب من اول سطر يكون صعب أوقف لأنه مكتوب بجمال حتى لو متعرفش أو مقرتش شعره هتحب تقرا الكتاب ده الي مكتوب بجمال وصدق وصراحة قوية. كتاب بينتقد ويكشف ومش بيجمل بل في الاول بتعرف إن الحفيدة كانت زعلانة أنها شبهه على أساس أنه مش جميل مع انه من رأيي ملامحه معقولة و وأنا بدور على الكتاب ل��يت صورة قديمة للكاتبة وكان شكلها لطيف وجميل وزعلانة من شهرته وأنه بيتدرس بعدين رحلة في حياته وأعماله لحد ما توصل أنه بقى صديق ليك وليها الكتابة الجميلة دي دائما بتبهرني وهو كتاب بسيط وجميل ومختلف في أسلوبه والأهم ممتع ورفيق جميل ممكن يهون عليك أي ليلة
This entire review has been hidden because of spoilers.