صدر عن وحدة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ماكس فيبر مقالات في علم الاجتماع الاقتصادي Essays in Economic Sociology، وقد حرره ريتشارد سويدبرغ، وترجمته إلى العربية ابتسام خضرا، ثم راجعه عمر سليم التل (جاء الكتاب في 524 صفحة).
تحتوي كتابات ماكس فيبر إحدى أكثر المحاولات تطورًا وجاذبية لإنتاج علم اجتماع اقتصادي. وقد اختار عالِم الاجتماع الاقتصادي وتلميذه، ريتشارد سويدبرغ، الأهم من كتاباته الكثيرة وجعلها متاحة أول مرة في كتاب واحد، فانتظمت مختارات كتابه حول الموضوعات التالية: الرأسمالية الحديثة وعلاقاتها بالسياسة، والقانون، والثقافة، والدين، مع قسم مخصص للأوجه النظرية لعلم الاجتماع الاقتصادي.
على الرغم من أن أعمال فيبر كُتبت قبل نحو قرن، فإنها تحمل خاصية الأصالة الكلاسيكية، وسيجد القارئ فيها أفكارًا اقتصادية عدة لا تزال تنطبق على عالمنا الراهن، منها مناقشة فيبر ما نسميه اليوم "رأس المال الاجتماعي"، وتحليله المؤسسات المطلوبة لتأمين حسن سير الاقتصاد الرأسمالي، ومحاولته الأكثر عمومية لإدخال البنية الاجتماعية في التحليل الاقتصادي.
يبين هذا الكتاب أن ما حفّز فيبر على بحثه في علم الاجتماع الاقتصادي هو الإنجاز الذي يتشارك فيه اليوم اقتصاديون وعلماء اجتماع كثر: يجب أن يتضمن تحليل الظاهرة الاقتصادية فهمًا للبعد الاجتماعي. وبفضل المنهجية التي اتبعها سويدبرغ، محرر هذا الكتاب، يكتشف قارئ هذه المختارات الأهمية والصلة الدائمة لمساهمة فيبر في علم الاجتماع الاقتصادي.
تشابكات الاقتصادي والمجتمعي رُتِّبت المقالات - المطالعات الواردة فيه؛ بحيث يمكن قراءتها مباشرةً وعلى الترتيب، ويمكن أيضًا استخدام هذه المقالات للتدريس بالتسلسل نفسه. ويتضمَن هذا الكتاب مسردًا بمصطلحات فيبر الأساسية في علم الاجتماع الاقتصادي. وتعرِّف مطالعات القسم الأول، الرأسمالية الحديثة، القارئ برؤية فيبر العامة للرأسمالية الحديثة وأصولها، وتقدِّم أيضًا المؤسسات الاقتصادية الأساسية للرأسمالية. ويضيف القسم الثاني، الرأسمالية والقانون والسياسة، إلى مادة القسم الأول بالتركيز على العلاقة بين الاقتصاد والسياسة (بما فيها القانون) في الرأسمالية الحديثة. ويتابع القسم الثالث، الرأسمالية والثقافة والدِّين، في الطريق ذاته، بأخذ الظواهر الثقافية، ولا سيما الدينية، في الاعتبار. أما القسم الرابع، الجوانب النظرية في علم الاجتماع الاقتصادي، فهو ذو طبيعة أميل إلى التجريد، ويحتوي مطالعات أصعب، ولذلك وضعناه في نهاية هذا الكتاب. القرّاء الذين يعرفون بعض جوانب عمل فيبر، أو الذين يرغبون في اكتساب فهم دقيق نظريًا لعلم الاجتماع الاقتصادي كما يراه فيبر منذ البداية، نوصيهم بدراسة المقالة السادسة عشرة. فهي عبارة عن مقتطفات من محاولة فيبر وضعَ أسس نظرية لعلم الاجتماع الاقتصادي، في الفصل الثاني من كتاب الاقتصاد والمجتمع، "فئات الفعل الاقتصادي السوسيولوجية".
طبيعة الرأسمالية كان اهتمام فيبر الرئيس، طوال حياته، يتمثل في دراسة الرأسمالية الحديثة أو العقلانية، وتحديد طبيعتها وخصائصها وأصولها التاريخية. وتشكل المقالتان، الأولى والثانية، أنموذجين لجهود فيبر المبذولة لتحديد طبيعة الرأسمالية الحديثة (للاطّلاع على جهوده لإيضاح أصولها التاريخية، ينظر الفصل 11). المقالة الأولى في هذا الكتاب مأخوذة من التاريخ الاقتصادي العام، وهي مقالة مهمة وسهلة القراءة، فيها يناقش فيبر، أساسًا، خصائص الرأسمالية الحديثة، مركِّزًا خاصة على الجوانب التالية: المحاسبة العقلانية لرأس المال Rational Capital Accounting ، وحرية السوق Freedom of the Market، والتكنولوجيا العقلانية Rational Technology، والقانون القابل للحساب Calculable Law، والتتجير Commercialization. ويعرِّج فيبر فيها أيضًا على بضعة مواضيع أخرى، كظهور الشركات المساهمة.
أما المقالة الثانية، "روح الرأسمالية"، فمأخوذة من كتاب الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، لكنها تركِّز على البعد الثقافي في الرأسمالية الحديثة. ولئن كان كتاب الأخلاق البروتستانتية يحتوي نقاشاتٍ ومواد دينية معقدة تجعله صعبًا على القارئ اليوم، فإن هذا المقطع بسيط ومباشر، ويتناول المسائل الاقتصادية، أساسًا؛ حيث يُبيِّن فيبر بدايةً روح الرأسمالية الحديثة ويميِّزها من روح الرأسمالية التقليدية. لكنه يناقش أنماطًا أخرى من الرأسمالية، ولعل القارئ يرغب في مقارنة هذا التصنيف للرأسمالية بالتصنيف النهائي الوارد في بحث "فئات الفعل الاقتصادي السوسيولوجية مواد عن اثنتين من أهم مؤسساتها: "السوق" (المقالة الثالثة) و"بدايات الشركة" (المقالة الرابعة). لا يسعى فيبر لوضع نظرية في كيفيَة تشكُّل الأسعار - إذ شعر أن ذلك من مهمات علم الاقتصاد النظري - بل يناقش السوق بما هي أحد أشكال التفاعل الاجتماعي. وبعبارة أدق، يذهب فيبر إلى أن السوق تتألّف من نوعين اثنين من التفاعل: التنافس في ما بين المُشتَرين من جهة وفي ما بين الباعة من جهة أخرى، والتداول بين مشترٍ معيّن وبائع معيّن. ومن خلال ربطه السوق بالدور الذي تمارسه التشكيلات الطبقية والمكانة الاجتماعية في المجتمع الحديث، ينجح فيبر في إضفاء دينامية على تحليله للسوق.
أما المقالة التي تتناول بدايات الشركة فمأخوذة من كتاب التاريخ الاقتصادي العام. وهي موجَزة جدًا، وتستكمل تحليل ظاهرة الشركات المساهمة الواردة في الفصل الأول. وتركِّز المقالة أساسًا على دخول المسؤولية المحدودة Limited Liability في الحياة الاقتصادية، والذي حدث أول مرة في المدن - الدول الإيطالية خلال العصور الوسطى، ويمثِّل هذا حدثًا مهمًا جدًا في تاريخ التنظيم الاقتصادي. مع ذلك، لم يكن للشركة أن تصبح بحق التنظيم الثوري الذي أصبحت عليه لاحقًا في ظل غياب العقلية الرأسمالية الحديثة (كما يقول فيبر في المقالة الثانية).
تُعدّ المقالة التي تختتم القسم الأول والتي جاءت بعنوان "الطبقة والمكانة والحزب"، من الكلاسيكيات الثانوية. على نحو ما في المقالة التي تتناول السوق، يناقش ف...
Maximilian Carl Emil Weber was a German lawyer, politician, historian, sociologist and political economist, who profoundly influenced social theory and the remit of sociology itself. His major works dealt with the rationalization, bureaucratization and 'disenchantment' associated with the rise of capitalism. Weber was, along with his associate Georg Simmel, a central figure in the establishment of methodological antipositivism; presenting sociology as a non-empirical field which must study social action through resolutely subjective means.