(...) وعبرت الشارع لألقي بالقمامة في السلة الكبيرة المخصصة لها فرأيت شرطيا يستعد لقنص كلبة تدلت أطباؤها مثقلة بالحليب، كانت تأكل من كوم الزبالة الذي تكدّس قرب السلة الكبيرة. ركضت نحو الشرطي لأخبره أنها أم لجراء صغيرة تخفيها بالجوار، وأنها غير مؤذية بالمرة … لكنه بدل أن يتمهل قليلا وهو يراني ألوّح له بيدي من بعيد قرر أن يطلق نحوي رصاصا كثيفا وبدا لي أنه كان منتشيا وهو يفعل ذلك، فلقد رأيت ظلال ابتسامة على وجهه ولمعة في العين لا أخطئها. وخطر لي وأنا أسقط على الأرض بينما كنت أراه يتقدم نحوي مزهوا أن غايته منذ البداية من تصويب سلاحه في ذاك الاتجاه لم يكن من أجل قتل الكلبة ولا حتى بدافع قتلي وإنما كان بغرض تجريب السلاح، أما أنا أو الكلبة فمجرد أهداف صغيرة يثبت لنفسه من خلالها أنه صار يجيد التصويب ويتقن الرمي. وعندما صرت مستلقية على الأرض ورأيت الكلبة تركض مبتعدة، تمنيت أن تهديها غريزتها للذهاب إلى مدخل العمارة حيث يوجد طبق عظام الدجاج وبقايا الطعام التي وضعته ابنة المرحوم ناصر النقاش والذي يفترض أني سأكتب نعيه هذه الليلة. وخطر ببالي أني لن أموت لعدة أسباب من بينها أنه ينبغي أن أكتب الخبر وأني لست مستعدة للموت بعد، والأهم من ذلك كله أني قمت للتو بعمل جيد ونجحت في إنقاذ حياة عائلة من الكلاب، ولا شك أن السماء ستنقذني على نحو ما، من يدري ربما ستوقظ ضمير الشرطي الذي أطلق عليّ الرصاص وتجعله يتصل بالإسعاف سريعا. ورأيت الشرطي يقترب مني ويضع كفه تحت رأسي ليرفعه قليلا، يبدو أن ضميره صحا فجأة، تهيأ لي أنه كان يرغب في إنقاذ حياتي ولكنه أدار عنقي، كان يود الوصول إلى قفل السلسلة الذهبية التي تحيط به وما إن تمكن منها حتى ترك دماغي يرتطم بالأرض، لم ترسله السماء إذن، لعلّها أرسلت الشاب الآخر الذي وصل أخيرا، أظنه كان جنديا من ثكنة مجاورة خرج ليتثبت حقيقة الأمر عندما سمع صوت إطلاق الرصاص، ويبدو أنه شاهد الشرطي وهو ينتزع شيئا ما من رقبتي ، لأني سمعته يهدده بأن يشتكيه إلى رؤسائه، فكرت أن هذا الجندي طيب وهو من سيقوم بدور الملاك الحارس ولكنه وجه سلاحه نحو الشرطي وهدده بقتله إن لم يعطه القلادة، فتحاملت على نفسي وحركت يدي لأنبهه إلى وجود ساعة ثمينة في معصمي، عندها تركه وانحني فوقي لينتزع الساعة، بعدها ابتعدا عني وصار يتحدثان بهدوء ثم سمعتهما يضحكان، وشعرت مرة أخرى أني قمت بعمل جيد لأني استطعت أن أنقذ حياة الشرطي الذي أطلق علي النار منذ قليل بينما كنت أحاول أن أنقذ حياة الكلبة التي كان سيقتلها رغم أنها لم تفعل شيئا سوى أنها كانت تأكل من القمامة حتى تتمكن من إرضاع جرائها التي ولدتها بالجوار، لهذا أجّلت موتي وقررت أن انتظر ما ستفعله السماء لأجلي حتى تنقذني، رغم أن كل ما يحدث إلى حد الآن يعتبرا جيدا جدا لأحظى بميتة لائقة. (مقتطف من مجموعة ميتة مبتكرة للرائعة بلقيس خليفة )