قرأتُ فهرس الكتاب منذ أكثر من عام لأستشفَّ منه محتواه، فطُبِعَ في بالي أنهُ كتابٌ تربويٌّ وَصْفِيٌّ متدرجٌ ومتخصصٌ في الأخلاق، والفصول فيه معنونةٌ بعناوين هي فعلًا "سيماء الصالحين"، ولكبر حجم الكتاب ظاهرًا أجلتُه حتى مؤخرًا، ولما بدأتُ في قراءته عرفتُ أنّهُ ليس كتابًا وصفيًا أبدًا، بل سرديًا!
لم أفهم الأمر منذ البداية رغم أن المقدمة وضّحت طبيعة الكتاب، وإنما فهمت أسلوبه بعد أن مشيت في الفصل الأول مسافةً ليست بقليلة.
الكتاب مقسّمٌ إلى ستة عشر فصلًا، يدور كل فصلٍ حول محورٍ واحد فقط (تهذيب النفس - الإخلاص - صلاة الليل - التواضع - التسامح - التوكل - الإباء وعزة النفس - خدمة الناس، وغيرهم)، وفيه يُدرِجُ المؤلف عشرات القصص الحقيقية التي حدثت للعلماء والعرفاء والأعلام الذين عاشوا في زمن قريب جدًا من هذا الزمان، في حياتهم داخل بيوتهم وخارجها وخصوصًا في الحوزات العلمية.
كنت أشعر وأنا أقرأ هذه الصفحات كما لو أنني مرافقٌ وشاهدٌ على كل القصص، أمشي في أزقة النجف وقُم، أشم رائحة البساطة والزهد والعز، أسمع أنين العاشقين ليلًا وأرى سيول دموعهم، فكيف لا يتغير شخصٌ وضعوه بين كل هؤلاء الصالحين؟
وقفتُ مرارًا وقفة زين العابدين عليه السلام -من دون مقارنة- على عمل أمير المؤمنين قائلًا: "من يقدر على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؟"، فأيني من عبادة هؤلاء الأولياء؟ لكن هذا بالذات ما يضفي الأمل إلى الفكرة، فهم بيننا ويتكررون في كل زمان ومكان، والطريق إلى السلوك معهم ليس مستحيلًا ولا مسدودًا!
ذكرني الكتاب بسجن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، أولئك الذين كانوا معه وتخلّقوا بأخلاقه رغمًا عنهم كانوا يخضعون لضغطٍ إيماني كبير يعيد توجيه الإبرة المغناطيسية في بوصلة الفطرة إلى الله، إلى الله وحده، هكذا بالضبط يتفاعل القارئ مع الكتاب، فهو حيث يضع نفسه في هذا الوسط الإيماني يجد نفسه مرغمًا على التأثر به، وأعتقد أن هذا الكتاب لو كان لا ينتهي وكان القارئ كل يومٍ يقرأ منه فاتحًا باع قلبه له لأصبح واحدًا من الذين يقرأ عنهم فيه.
احتوى الكتاب الكثير من الأسماء لشخصيات لم نألفها، لا لأنها مغمورة بل لأننا المغمورون في بحرٍ من التقصير الفادح تجاه الذين لولاهم لما وصلتنا هذه العلوم والجواهر الثمينة، هنا أحب التنويه على أنني لم أعرف كل شخصية من أول قصة، لكن تكرر الشخصيات في كل فصل ثبَّتها في ذهني، ولم تثبت جميعها بالطبع لكثرتها، لكن الفائدة وصلت، بقي عليَّ القول أن بعض الصفحات تضمنت قائمةً من الأسماء التي لا أعرف معظمها، وكانت قراءتها هكذا فقط بالنسبة لي أمرًا لا معنى له، وأعتقد أن الذي يعرفهم ستختلف قراءته لأسمائهم وسيرى المعنى في إدراجهم بالتأكيد، وعلى كلٍّ لم تكن هذه الصفحات بالأمر الجلل لأنها كانت تعد على أصابع اليد الواحدة.
الكتاب أصلًا كتب لأجل طلاب الحوزات والعلوم الدينية، وكان مناسبًا لي تزامنًا مع دخولي في هذا المجال، لكني لا أراه مختصًا بهم ولم أشعر بعدم مناسبته لمن لم يكن منهم، بل أراه مناسبًا للجميع، ويتفاوت الأمر بين شخصٍ وآخر مع تفاوت رؤيته الشخصية لحياته وتكليفه.
وأخيرًا أذكر قول الله عز وجل ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، فإذا كنت تريد خطوَ خطوةٍ نحو الامتثال لأمر الله في هذه الآية… اقرأ الكتاب.