هذه رسائل شاعر عاش حياة مليئة بالشعر وبالصراع الفكري ، كما كانت حياته صراع من أجل أن يكون الانسان ،، في عصره ، في موقع اكثر تقدماً واستجابة للحياة . ولذلك فهي ، إن لم تكن تؤلف جزء مهماً من أدب الرصافي فإنها ، بلا شك ، تشكل « وثائق ادبية » تجـسـد مـواقف الرجل ، وترسم آفاق تطلعه وواقع علاقته بعصره : شخصیات ، ورجال فكر وقلم ، وحياة بمعطيات كثيرة وكبيرة . فهي ، بهذا ، صورة من صور الحياة والتفكير لرجل موقف .
وإذا كـانت هذه « الرسـائل » قـد ظلت مطوية مع بعض المطوي من تراث الرصافي الفكري . فإنها اليوم ، وبجهد الباحث القدير الأستاذ عبد الحميد الرشودي ، تخرج ، في صورتها هذه ، مشكلة إضافة جديدة الى مكتـبـة الرصافي ... وقـد حرص مـقـدمـهـا على تقديمـهـا بالصـورة الـعلـمـيـة الـتي تحلهـا مكانـتـهـا بين « كتب الرسائل » في أدبنا العربي الحديث - على قلتها وأهميتها .
وهذه « الرسائل » بما تقدم من دقائق حياة كاتبها ، تضع أمام قارئها العديد من حقائق تلك الحياة التي عاشها شاعر ومفكر كان له دوره الشـعـري والفكري والسياسي في الـحـيـاة في النصف الأول من هذا القرن ، بما كان له من شعره وفكره ومواقفه من جرأة بلغت ذروتها في كثير مما كتب وقال ، فبلغ درجة عالية من الشجاعة العقلية التي علمته الصبر والثبات في واقع حياة عرف منها ، اكثر ما عرف : استبدادها معه ، وقوتها عليه .. وهي ، الى جـانـب هذا كله ، جـزء من تراث ثـقـافـي وفكري لنا أن نتعامل معه بما هو جدير به من اهتمام ... فهي « وثائق » ولكنها وثائق قيم حياة ومبادىء فكر كان الرصافي حريصاً على تأكيدها في ما كتب .
معروف الرصافي وهو معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري، شاعر عراقي من أب كردي ينتسب لعشيرة الجبارة التي تسكن مدينة كركوك، وأم تركمانية من عشائر القره غول والتي يرجع أصولها إلى قبيلة الشاة السوداء التركمانية التي حكمت العراق وقسماً من إيران زمناً ماقبل العثمانيين.
ولد في بغداد عام 1877/1945م، ونشأ فيها حيث أكمل دراسته في الكتاتيب، ثم دخل المدرسة العسكرية الإبتدائية فتركها، وأنتقل إلى الدراسة في المدراس الدينية ودرس على علماء بغداد الأعلام كالشيخ عبد الوهاب النائب، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ قاسم البياتي، والشيخ عباس حلمي القصاب، ثم أتصل بالشيخ العلامة محمود شكري الألوسي ولازمهُ أثنتي عشرة سنة، وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء وسماهُ شيخهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مقابلاً لمعروف الكرخي.
وعين الرصافي معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ عبد الوهاب النائب، شمال الأعظمية، ثم نقل مدرساً للأدب العربي في الأعدادية ببغداد، أيام الوالي نامق باشا الصغير عام 1902م، وظل فيها إلى أعلان الدستور عام 1908م، ثم سافر إلى استانبول فلم يلحظ برعاية ، ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة سبيل الرشاد عام 1909م، وأنتخب عضواً في مجلس المبعوثان عام 1912م، وأعيد أنتخابه عام 1914م، وعين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام 1920م، وعاد إلى بغداد عام 1921م. ثم سافر إلى الإستانة عام 1922م، وعاد إلى بغداد عام 1923م، وأصدر فيها جريدة الأمل، وأنتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام 1923م، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام 1924م، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام 1927م.
ولقد بني لهُ تمجيداً لذكراه تمثالاً في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند التقاطع مع شارع الرشيد المشهور قرب سوق السراي والمدرسة المستنصرية الأثرية.
توفي الرصافي بدارهِ في محلة السفينة في الأعظمية ليلة الجمعة في ربيع الثاني عام1364هـ/16 مارس 1945م، وشيع بموكب مهيب سار فيهِ الأدباء والأعيان ورجال الصحافة ودفن في مقبرة الخيزران، وصلى على جنازتهِ الشيخ حمدي الأعظمي، وشهد الصلاة عليه الشاعر وليد الأعظمي، ولقد قالوا في تأبينهِ قصائد كثيرة.