تُعتبرُ نظريّة المؤامرة من بينِ أهمِّ القضايا الرّائجة في عصرنا هذا، خصوصًا في ظلِّ الثّورة المعلوماتيّة التي كسرت جميع الحواجز وأخرجت المعلومة خارج أطرها الكلاسيكيّة، لتفقد بذلكَ مصداقيّتها وحقيقتها. في هذا الكتاب يحلّلُ «جان وليم فان بروجين» نظريّة المؤامرة من زاوية علم النّفس، فيقدّمُ نماذج كثيرة من نظريّات المؤامرة التي سادت في وعي جانبٍ كبير من المجتمع ويقوم بتحليلها من منظورٍ سيكولوجي، كما يتطرّقُ إلى دورها في انتشارِ ثقافتي التّدجين والاستلاب وأثرها على الخطابِ السّياسي وبروز التّيّارات الشعبويّة في العالم التي غزت الفضاء السّياسي بفضلِ نظريّات مؤامراتيّة مجانبة للواقع وللحقيقة. كتابٌ يحتاج إليه القارئ اليوم ليعيد النّظر في عديد المفاهيم والأدوات التي اعتدنا استغلالها في تحليل الواقع وتفكيكه.
رغم اختلاف تعريف نظريّات المؤامرة، فإنّ التّعريف الذي أفضّله هو: "المؤامرة هي اعتقاد أنّ عدداً من الأشخاص الفاعلين يتّفقون معاً في سرّيّة تامّة على تحقيق هدف خفيٍّ، يُنظر إليه على أنه هدفٌ غير قانونيّ أو خبيث". من خلال هذا التعريف المطلق، يمكن أنّ تتّخذ نظريّات المؤامرة أشكالاً عديدة تتجلّى في الكثير من مجالات الحياة العامّة. فقد يؤمن الناس بنظريّات المؤامرة في تصوّرهم للحكومة أو المؤسسّات الحكومية مثل وكالة الاستخبارات، أو تعاملهم في فروع الصّناعة بأكملها مثل صناعة الأدوية، أو حول البحث العلمي مثل تغيّر المناخ وحتى الزّلازل، أو حتى بشكل متطرّف تجاه نظريّات علميّة محددة، يعتقد بعض النّاس أنّها تمس عقيدتهم، أو عاداتهم الاجتماعية. ومن أهمّ العوامل التي تساعد على انتشار نظريّات المؤامرة على نطاق واسع هو احتماليّة أنّ تكون صحيحة بالفعل. بعض المؤامرات قد تتحوّل في الواقع من مرحلة الإمكان إلى مرحلة الوجوب، لتكون وقائع محققّة. ولعلّ من أشهرها تجربة توسكيجي لمرض الزُّهري بين عامي 1932 و1972 عن طريق خدمة الصحّة العامّة الأمريكيّة لدراسة التطوّر الطبيعي لحالات مرض الزُّهري، إذ تظاهر العلماء بتقديم رعاية صحّيّة مجّانيّة للرّجال الأمريكييّن من أصل إفريقيّ. وقد شمل الأمر 399 رجل مصاب بمرض الزُّهري الذي لم يكن له علاج حينها، ولم يكن هؤلاء الرجال دراية بحالتهم، و201 رجلاً سليماً. استمرت التجربة 40 عاماً، وحجبت الحقيقة عن أولئك الرّجال، فلم يعلموا أنهم كانوا مجرّد فئران تجارب، وفي النهاية قضوا نحبهم بهذا المرض. باختصار يتناول المؤلف (جام ويليم فان بروجين) في هذا الكتاب نظريّات المؤامرة من زاوية سيكولوجيّة، باعتبار أنها من بين أهمّ القضايا الرّائجة في عصرنا، خصوصاً في ظل الثورة المعلوماتيّة التي كسرت جميع الحواجز وأخرجت المعلومات من أطرها الكلاسيكيّة، لتفقد بذلك مصداقيّتها وحقيقتها.
"نظريات المؤامرة هي نتيجة لميل الناس الطبيعي إلى تصنيف العالم إلى "نحن" مقابل "هم"، وفي محاولة لحماية مجموعاتهم الاجتماعية من التهديدات الخارجية، تلقي نظريات المؤامرة باللوم على الإجراءات السرية للجماعات الخارجية غير المتشابهة." هذا الكتاب يبحث في الأمور النفسية التي تجعل فئات معينة من الناس تؤمن بنظريات المؤامرة أكثر من غيرهم، تنطوي الأسباب تحت عدة أفكار ناقشها الكاتب باستفاضة: الفكرة الأولى: "نظريات المؤامرة متجذرة في تشويه العمليات المعرفية الشائعة والوظيفية، ولا سيما إدراك الأنماط وكشف القوة الفاعلة" القصد من ذلك أنّ مشاعر الخوف وعدم اليقين تؤدي بالفرد إلى استنباط مؤامرة ما تُحاك ضده أو ضد جماعته، بشكل مفرط أحيانا أو وهمي. كما يحدث بعد الأوبئة والكوارث الطبيعية أو الحروب.
الفكرة الثانية: "نظريات المؤامرة متجذرة في الصراع داخل المجموعة" فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي عادة ما ينتمي إلى مجموعة ما، خشية الإقصاء أو الاستبعاد الاجتماعي _الذي ينشط مناطق الدماغ نفسها التي ينشط فيها الألم الجسدي_ وما ينشأ عن الانتماء من تصنيفات "نحن" و"هم" والإيمان البديهي بتفوق الجماعة أخلاقيّا على الجماعات الأخرى فتحدث الصراعات بين المجموعات بسبب: ١. "أن الناس يربطون هويتهم الخاصة بشكل أقوى بالمجموعة". ٢. "أنهم ينظرون إلى المجموعة الخارجية على أنها تهديد".
الفكرة الثالثة: "نظريات المؤامرة متجذرة في الإيديولوجيات القوية". يؤمن الأشخاص الذين يؤيدون الإيديولوجيات المتطرّفة في نظريات المؤامرة أكثر من الذين يؤيدون الإيديولوجيات المعتدلة، فالتطرف يؤدي بالأشخاص إلى عدم قبول الآراء البديلة من حولهم من خلال مقياس "الصحيح والخاطئ" الذي يعتمد بشكل كلي على معايير الفرد وقيمه الذاتية والتي تشكل أساس معتقداته الأيديولوجية.
ذكر الكاتب بعض الأحداث العالمية التي نتج عنها نظريات مؤامرة عديدة، مثل تفجير البرجين في ١١ سبتمبر من عام ٢٠٠١ وقتل الرئيس جون كيندي عام ١٩٦٣، وحرب الخليج الثانية التي احتلت فيها العراق الكويت، والأوبئة العالمية "مثل كوفيد-19 في العصر الحالي"، والمؤامرة المتخفية خلف اللقاحات التي يظن البعض أنها تسبب مرض التوحد، وغيرها.. فبعد كل فاجعة عالمية لا بد أن تظهر العديد من المؤامرات التي يتم تناقلها وتصديقها في كثير من الأحيان. في النهاية استطاع الكاتب أن يورد العديد من الحلول التي نحد من خلالها من سطوة نظريات المؤامرة.
أظن أن هذا الكتاب بحاجة إلى تذييل عريض أو إعادة كتابة، وربما على المؤلف مراجعة نفسه في عدم أخذ موقف وهو في صدد البحث عن شيء. تمنيت لو أن المترجم غطى بعض هذه النقاط وكتب عنها، فما بين العام 2016 و 2017 والوقت الحالي حدث الكثير مما يغيّر النظرة تماما في هذا الكتاب.
الظروف العالمية الحالية تستدعي إعادة النظر في كل المسائل المطروحة والمعلّقة، ولاسيما وأصحاب المؤامرة الحاليين صاروا صريحين بخصوص مؤامراتهم وجادّين في تصريحاتهم التي تتخذ من الأكاديمية وجهة ووسيلة وتشريعا.
هل يمكن للأكاديميات المزعجة البحث في سيكولوجية المتآمرين من مثل أصحاب المنتدى الاقتصادي ومنظمة الصحة والصهيونية الذين هم أعداء البشرية كاملة؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى كتابة دقيقة، لا من يفكر ويحمل همّا تجاه الإنسانية.
من خلال صفحات الكتاب اثارت اهتمامي فكرة ألا وهي إن إنتاج نظريات المؤامرة يتم كرد فعل طبيعي لعدم الشعور بالامان وهذا الاحساس يزيد احساس التنميط الطبيعي لدى البشر فيبدأ برؤية الغير موجود وربط الغير مترابط