بدأ يفكر بحياته، وبكل الذي سيخوضه هذا الرضيع. أراد أن يعيد أهم محطات أيامه حتى يخرج منها بقيمة، شيء يستحق أن تدفع الرعب الذي يطلبه العيش كثمن له، ولكنه ارتبك عندما لم يسترجع إلا عدداً لا نهائياً من العصريات التي كان يجلس بها في الديوانية، حيث الأضواء مطفأة، أشعة الشمس الناعسة تمر من خلال النافذة العملاقة، يجلس على الكنبة الأرضية، يشرب الشاي والقهوة، ولا يفكر بشيء، وكأنه ينتظر حدوث شيء ما. ربما إن سأله الصغير الآن: كيف ستكون الحياة؟ سيخبره هزاع: عصريات عديدة خالية، وانتظار لشيء لن يحدث. يا لهذه الكآبة، سيقول الطفل، هذا ما خرجت منه في حياتك، هذا ما ينتظرني؟ وسيخبره هزاع بأن المرء لا يخرج بشيء بتاتًا، هي لحظات قليلة تتذكرها في النهاية، ذكرى لك وأنت جالس وحدك في مكان ما، ذكرى فحسب، قد تكون خيالًا، لن تتأكد أبدًا. إنها لحظات ورؤى هشة لا تستطيع تمييزها حتى. وعندما تموت؟ يسأل الطفل. سيجاوب هزاع بأنهم درسوه عن ذلك، في المرحلة المتوسطة ربما، قيلت حكايات كثيرة ولكنه غير مطمئن، وبالكاد يتذكر.
" إن العالم يتحول في الذهن إلى مجموعة من الصور والمفاهيم أي يتحول من وجود عيني محسوس إلى وجود ذهني متخيل، ثم يتحول من هذا الوجود الذهني المتخيّل إلى دلالات صوتية فرموز كتابية."
في مجموعته القصصية الأولى يتحدث فيصل الحبيني عن "إمكانات الإنسان في الفخ الذي أصبح العالم تجسيداً له." موضحاً أن الأنا يحدد بواسطة جوهر إشكاليته الوجودية . كما ركز على البحث عن جوهر الحالات الإنسانية؛ التي تدور حول إشكالات فكرية، حول أنطولوجيا الكائن والوجود، العبث، والحرمان من المعنى، في تأملات نافذة للكيان النفساني. و بإضاءة الطابع اللاسببي واللامتوقع، بل الغامض للفعل الإنساني. "فالإنسان ليس مجرد كائن لساني بل باطني كذلك؛ لديه حياة باطنية."
ميزة النصوص هي الانفتاح على إحالات عدة، ما يفتح أبواباً للتأويل ، فعلى سبيل المثال : تلمس الأثر النيتشوي؛ نظرية أو فلسفة العود الأبدي، في قصة" هزاع الذي أنجب والده ." واذا نظرنا من جهة المعنى ؛ فنقول: " ان المعنى يعود ولكن كاختلاف وليس كتطابق هوية- فالمعنى يأتي ثم ينصرف، ثم ينتقل إلى مستوى آخر وهكذا دواليك.." ومن المنظور النفسي ؛ هي الذات المخترقة للزمان في إسقاطاتها اللاشعورية.
في "سأل نفسه سؤالاً"، نستشف (ألغاز والتباسات حالنا الإنسانية)، إذ يبدو التباس الأنا، والتباس هويته، أول ما يحضر في الذهن، في محاولة لتأويل النص.
أما في "أوحى الإنسان لنفسه" فكانت تدور عن وهم مركزية الذات، والتنافر الإدراكي.
"لقد قتل نفسه وهرب"، مبنية على مشهدية السينما والصورة الفيلمية، وهو ما ميّز هذه القصة .
من الثنائيات المتداولة في بعض النصوص : العقل،الوهم ، الواقع،المثال، الذاكرة،الخيال، وعي الذات، الرمز. إضافة إلى فنيات اللغة الرمزية في التعبير .
مشكلة معظم المجموعات القصصية، ومنها تلك المجموعة، أن القصص لا تكون على نفس المستوى من الإبداع والتميز الكاتب يملك اسلوب مميز بالفعل، هناك قصص أكثر من رائعة تستحق التحية مثل "لن يتأخر أبوك كثيراً" وقصة "نسترجع أحلامنا في تسكعاتنا الأخيرة"، وهناك قصص أخرى بلا معنى، باهتة من حيث الفكرة والمحتوى مثل ثمن العالم عشرون فلساً بشكل عام الكاتب يجيد اختيار أفكاره، المعالجة سيئة أحياناً وجيدة أحياناً أخرى، هناك استطراد وتطويل ومط غير مبرر في معظم القصص وبخاصة في القصة الأخيرة، كان يمكن اختصارها للنصف دون أي تأثير على الفكرة، ويبدو أن الكاتب لا يدرك أن القصة القصيرة كفن تعتمد على التكثيف والايجاز كما أن هناك نقطة ضعف واضحة أخرى في العمل وهي عدم اجادة الكاتب لاختيار عنواين قصصه والتي جاءت طويلة أحياناً بشكل غير مبرر وغير معبرة عن أحداث وفكرة القصة
تمّ ترشيح هذه المجموعة للنقاش في نادٍ لقراءة القصة. عنوان محايد، وكاتب كويتي شابّ، لم أقرأ له من قبل ولا سمعت باسمه. كلّ ذلك كان كافيًا ليزرع في قلبي سوء الظنّ، وتوقع عملٍ مملّ ومزعج. وتحفّزت للسيناريو الأسوأ، خاصة مع "حشر" هذه القراءة في جدول القراءة المُعدّ سابقًا. وكانت المفاجأة! مجموعة قصصية من ثلاث عشرة قصة، أفكارها عميقة، وأسلوبها مدهش ذكي، وصياغاتها الأدبية جميلة. وباستثناء قصتين من المجموعة، فأنت أمام عملٍ مدهش ورائع. يشي بموهبة أدبية حقّة ومختلفة. أحبّ القصص القصيرة التي تدعوك للتفكير المطوّل. وتشعرك كلّ واحدة منها بالامتلاء، حتى لكأنّها رواية كاملة. وهذه القصص كانت من هذا النوع. أرى أنّ كل قصة تستحق النقاش منفردة على مستوى الفكرة والأسلوب والصياغة. وإن كان هناك تشابه بين روح القصص، فإنما هو تشابه بصمة الإبداع، لا تشابه التكرار المملّ أو المفلس. متشوّق لما سيكتبه "فيصل الحبيني" لاحقاً، ومتردّد أمام قراءة عمله الثاني الموسوم بالسوداوية المفرطة. ملاحظة واجبة حول بعض الجمل التي جاءت في صورة ضعيفة الصياغة هنا وهناك، بسبب اختلاط العامية في تعبيراتنا مع الفصيحة، فجاءت لا فصيحة متقنة ولا عامية دارجة. كما وردت بعض الكلمات التي كتبت بصورة خاطئة، وجب تداركها في الطبعات اللاحقة.
هناك حالة من الإستحواذ الذهني لا تستطيع الفكاك منها إلا من خلال إنهاء قراءة هذة المجموعة القصصية في جلسة واحدة إن أسعفك الوقت وإن لم يسعفك فستبقى حبيس هذة الحالة على إمتداد فترة القراءة حتى تفرغ منها بالكامل، لأكون صادقاً مع نفسي أنا لست من جمهور المجموعات القصصية أو القصص القصيرة وما شابه ذلك لأنها تترك المجال مفتوحاً لفهم القارئ للمعنى المتواري خلف كل حكاية وإنطباعه الخاص فيها عقب الإنتهاء منها على عكس الرواية أو الأشكال الأخرى من أشكال السرد الأدبي التي يقدم الكاتب في معظمها مفاتيح الحكاية ومغاليقها للقارئ حتى لا يترك مجالاً للغموض أن يتسرب إلى نفسه، فمعالم الحكاية وتفسيراتها واضحة منذ البداية وحتى النهاية وحتى إن كان هناك مجال مفتوح لتأويلات القارئ فتجده لا يتجاوز أن يكون حيزاً ضئيلاً من مجمل الحكاية فأنا كما يقول "الحبيني" واصفاً "مرزوق" في ورطته "لا أحد يستطيع تحمّل ثقل اللافهم، فالتفسير الخاطئ أكثر أماناً من الجهل".
"الحبيني" هنا جعلني أعيد النظر في رأيي أعلاه حول المجموعات القصصية، فمجموعته هذة كانت مشوقة وجاذبة منذ البداية مع حكاية "مرزوق" وإنتهاءاً بحكاية "فهد"، هناك حالة شبيهه بالفنتازيا أو السحر الخاص في طريقة "الحبيني" في السرد والتي أضفت طابع من الدهشة على حكايات هذة المجموعة بالكامل، كذلك سحر التعبيرات البديعة التي تسيطر على لغته في الكتابة، فهو يكتب بمزاج عصري ذو طابع تقليدي في شكله النهائي.
الحكايات التي راقت ليّ كثيرة، ولكن التي تفوقت من بينها كانت حكاية "جابر" طابع الشخصية الواحدة المنزوية على نفسها والصوت الخلفي الذي يسرد الحدث جعلها تستحوذ على تفكيري حتى عقب الإنتهاء منها، فاتحة الكتاب مع "مرزوق" فكرة إعادة الخلق بتسميه الإبن والحفيد، ومسألة عائق الخلود، والثقل الذي يرمى على عاتق المولود من خلال هذة التسمية، حكاية "لقد قتل نفسه وهرب" الرمزية فيها كانت دعوة مفتوحة للتأمل، الطابع التقليدي في حكاية "شاهة" و"خلفان" وكأنها إستدعاء لحكايا الجدات التي يمطرونها على أحفادهم من وحي الذاكرة، وحكاية إستدعاء "بوجاسم" من الموت في مرحلة جامعة بين الحلم والواقع، والقفلة مع "فهد" و"الذكريات" وإعادة نفس الفكرة الأساسية الموجودة بالحكاية الأولى بنمط جديد ونسق مختلف. قراءة خفيفة ولها رمق شبيه بغشاء الموت والذي إرتكزت عليه معظم حكايات هذة المجموعة. "الحبيني" قلم واعد بالفعل.
صفحة تلو أخرى سُتسرق من ذاتك وأنت تقرأ ، أو اقول وانت تعيش ؟ كم مره نعيش نحن الذين نقرأ ؟مئات المرات ،وما بالك إذا وانت تقرأ ثلاثة عشر قصه كل واحده منها كافيه لتكون حكاية عن الحياة ؟! حكايات متصلة منفصله ، لا برغبة من الكاتب بل لأن الحياة جُبلت هكذا. .متشابهة قصصنا مهما اختلفت . القصة الاخيره كانت كفيلة بأن امنح المجموعة نقطتها الخامسه ، انا لا استطيع مقاومة الاحساس الكامن وراء هذه الكلمات ..مطلقا
مأزق الكيان قراءة في مجموعة أبناء الأزمنة الأخيرة لـ فيصل الحبيني
للقصة نطاقها الخاص ، الحدود المرنة لقالبها ، فكرتها المكرسة ، و طرائق تقديمها المتنوعة عناصر تتمكن من طرق قلق المتلقي ، فتزعجه - الإزعاج الملازم لمعايشة الحدث - و تسحبه لعالمها . في مجموعة " أبناء الأزمنة الأخيرة " للأستاذ فيصل الحبيني و الصادرة عن منشورات تكوين عثرت على تميّز التقديم ، فرغم أن الإصدار عبارة عن مجموعة قصصية ، تتفرد فيه كل قصة بعناصر خاصة ، و ظروف خاصة ، و أحداث خاصة ، إلا أن كل القصص كانت تضج فيها روحا واحدة ، بمعنى أنها كانت تتشكل في مأزق الكيان : - قبول الوجود - معرفة الذات - و كشف الجوهر ما بين الأصول و الفروع . الكاتب طرح هذه الأفكار عبر صراع التلاقي بين الأبوة و البنوة . يقول في نص ميثاق الشاب الأخير : " أولئك الصغار ، الذين يؤمن كل منهم بأنه ذاك الشاب الأخير نفسه ، حصيلة فكرة البشرية ، رسول الجين الأقدم ، و لا أحد يشاركه تلك البطولة "* *المجموعة ص ١٠ . حتى في بعض القصص التي لم تكن تمس الفكرة تماسا مباشرا ، نجد أن النص يلتف حولها ، مثلا في قصة مأساة الدكتور أسامة الراس التي لا تتعرض لعلائق مباشرة بين الآباء و الأبناء بصورة نمطية ، لكنها أيضا تقدّم فكرة أبعد للأبوة ، فالدكتور أسامة أب نتاجه ، صانع مكانته ، سمعته و إنجازاته ، هو أب ذلك كله . و في قصة ( لا تقل لهم أنه قلمي ) نلمس ذلك أيضا ، فمحور القصة يقدّم قضية مختلفة ، لكنه يعود و يظهر أن " جابر " شخصية النص الغامضة ، رجل متخلٍّ عن أبوته و زاهد بها . لا أن��ر أن كل قصة من المجموعة كانت كيانا مائزا ، و كان لكل منها اشتغال خاص بها يعطيها هوية متفردة ، لكن يبقى أنك حين التلقي تدرك أنك في صحبة روح واحدة .
تكررت أيضا بعض السمات الأخرى في النصوص ، أو لنقل أن النصوص تقاطعت في بعض القضايا ، و بعض تراشيح القلق الإنساني ، كفكرة الموت و الفناء في غالبية النصوص ، و كفكرة استعداء الزمن و خصومته في نص : هزاع الذي أنجب والده و نص سأل نفسه سؤالا .
و في الغالب كانت النصوص من مدرسة اللاوعي ، و التي - بتناقض مبهر - تحفر في وعي المتلقي ليدرك أنه في مواجهة مع الذات ، أو أمام المرآة .
لقد صورّت النصوص قلق الحائرين ، التائهين في أسئلة المآل و المصير و ماهو كائن ، فهزّاع القلق من موت يحتمه حضور حفيده أو حضوره الموازي ، أو حضوره المكرر ، يقوده القلق إلى الاعتكاف في الصمت و الظل و السلبية الظاهرية ، و قد تكررت هذه الصورة مع شخصية مبارك في قصة نسترجع أحلامنا في تسكعاتنا الأخيرة ، فمبارك ، الأب المنعزل ، جليس الديوانية ، الهائم في الصحراء ، يحمل في ذاكرته قلق المُقبل و الجزاء ، و الخوف من إيصاد باب الغفران . و كذلك نجد والد شاهة قلق من ألا يأخذ أحد عزاءه ، ليظهر القلق مرة أخرى في هواجس الشخصيات .
النصوص في مجملها ضمّنت ذاكرة الطفولة كـ محرك أساسي لعجلة الأحداث و أحيانا لاستيعاب الصورة ، و قد قال البعض : " أن الإنسان طفولته " و قال المهتمون في علوم الأخلاق و السلوك : " أن الصفات النفسية للإنسان تتكون في العشرة سنين الأولى ، و تودع للأبد في قلبه " و هذا ما ظهر بقوة في القصص المختلفة ، حيث شكل نزيف الذاكرة السحيقة جزء كبيرا من متن الحكاية ، فهزاع الهارب من ظل والده ، و ذياب و شاهة ، شخصية نص ( لقد قتل نفسه و هرب ) كلها شخصيات شكلت تضاريسها أثقال الطفولة .
- عنوان المجموعة و عناوين القصص :
أجد أن عنوان المجموعة قدمها كما يليق ، و حافظ على تلك الرابطة بين النصوص ، و أعطى ذلك الانطباع بالروح الواحدة . حتى أنه أحالني إلى متلازمة " عيال آخر زمن" ، مما شكّل تماسا مع بعض السطور في المجموعة .
أيضا بعض النصوص ماكانت لتكتمل لولا العنوان ، فلم يكن العنوان عنصرا فائضا ، بل مكملا للنص ، و جزء أساسيا لهضمه .
- روح الكاتب :
أشعر أن هنالك علاقة طردية بين كون القصة معجونة من طين الحياة و ملحها و بين تأثر المتلقي ، تلك القصص التي تحمل همه و هواجسه هي التي تلج إلى بؤرة الروح ، في هذه المجموعة شعرت أن روح الكاتب المفكر كانت طاغية ، و كانت القصص ملئى بالأسئلة ، لكن رغم ذلك لم يشّكل هذا البُعد التأملي حاجزا للتلقي الحميم ، لنقل أن الكاتب حافظ على جوهر المعناة رغم تقديمه بروح الفنان .
ظهرت تلك الروح بتركيز أكبر في بعض النصوص ، مثل أوحى الإنسان لنفسه ، و نص لقد قتل نفسه و هرب .
أحببت مجموعة ( أبناء الأزمنة الأخيرة ) ، وجدت قراءتها تجربة تضيف للمتلقي الكثير .
إحدى هذه القصص تحمل مادةً خصبة جدًّا لمشروع رواية. الحبيني قاصّ جيّد، يعرف المواضع المناسبة التي يكتب عنها. عليه فقط أن ينتبه حتى لا يقع فريسة في مصيدة (التشابه). سعيد جدًّا بسبب اكتشافي لقلم شابّ آخر من الأدب الكويتي، والذي اعتبر نفسي محظوظًا لأنّني تعرّفت إلى العديد منهم خلال قراءات هذه السنة.
القصة التي تأخذك بعيدا لماض تعرفه، لوجوه مألوفة، لأحداث قريبة جدا. القصة التي تنساب بإيقاع خاص، ونفس فلسفي، ساخرة تارة وغامضة تارة أخرى. تاركة لك نهايات مغايرة، وشخصيات تجزم أنها لأحد جيرانك أو أقاربك أو زملائك! هذه القصة تستحق الاحتفاء. كقارئة كنت واثقة من جمال لغة فيصل ومن قدرته على رصد أعماق شخصياته، ما أذهلني بعد قراءة العمل هذا النضج الفني في كتابة القصة القصيرة رغم أنها مجموعته الأولى! ونجاحه في الاحتفاظ بثيمة واحدة لعمل يناقش في معظم نصوصه مفهوم (الأبوة) الشائك، من عدة زوايا. القصص بعضها طويل نسبيا، وجود الصور لم يكن عنصرا مؤثرا بالنسبة لي كقارئة. العنوان مناسب رغم أن عناوين القصص جاءت أكثر جاذبية. قصص تعلق بذاكرتك لا بأحداثها بل بشخصياتها الاستثنائية. وبالذات (هزاع) و(جابر) و(شاهة). وقدرة الكاتب على رصد تفاصيل مذهلة وتحويلها لمادة بصرية وكأننا نشاهد لقطات سينمائية برتم بطيء عن مجتمعنا. ومع كل لقطة نجزم أننا كنا داخل المشهد لا خارجه!
في أبناء الأزمنة الأخيرة حالة اجترار عنيفة ومؤثرة للماضي بمرارة الحقيقة، هو عملٍ لا يسمح المجال لأي احتمال للمستقبل أن يكون ممكناً! قراءة يستسلم فيها القاريء بسهولة ليُفصَل عن الواقع فور ولوجه فيها، قصص قد تبدو مكررة للوهلة الأولى لكن أسلوب فيصل الحبيني المتفرد جعل منها مميزة بسرد التفاصيل والزاوية التي خرجت منها. قراءة لا تحتاج الى الكثير من الوقت لإنهائها المسألة كلها في استيعاب الجرعة الزائدة القابعة في المعاني المدهشة والعميقة.
عرفت عن هذه المجموعة وكاتبها من مقابلة له على منصة الانستجرام والحق أني لااستطيع الا إبداء إعجابي بها رغم أني لاأهوى الأدب الروسي :) فيصل سطّر بالعربية المتقنة جدا ، أعني لغة أدبية فصيحة قصصا من واقع عاشه ، شهده أو ربما سمع عنه بأسلوب تشيخوف ، ديستوفسكي حتى .. كلاهما معا، على الأقل هذا ماشعرته انا من الصفحات الأولى - قد اكون مخطئة ولكنها قراءتي - وهذا بالطبع لا يقلل ابدا من قيمة الكتاب بالعكس تماما ولكنها ذائقتي الخاصة . أكثر ما اعجبني وسيبدو ذلك غريبا ، أعلم .. عناوين القصص فهي كما يصفون " خارج الصندوق " ، فلنقل عناوين غير مألوفة ، فمابين " أوحى الإنسان لنفسه " "سأل نفسه سؤالا" " لاتقل لهم أنه قلمي " وجدت بعضا مني في " نسترجع أحلامنا في تسكعاتنا الأخيرة " .
فيصل قلم يعرف تماما مايريد ، أتمنى أن يبقى في مضمار القصة القصيرة لانه بالتأكيد سيرفع من شأنها .
#ذاكرتنا لاتحتفظ الا بالسطور التي نضع تحتها خطا #الحياة .. قراءة متواصلة لحكايتك دفعة واحدة #القصة لاتكشف إلا ساردها فحسب أما الحدث فله أشكال بعدد سارديه ولذا لااحد يمكن أن يتأكد تماما ماهي القصة #أهمية القصص ، الحفاظ على العالم من النسيان
عادةً لا أفضل القصص القصيرة. لكن هذه المجموعة استثناء. قصصها مدهشة جدًا، تتركك تفكر مليًا بعد كل واحدة منها، تقاوم الأثر الذي يرتسم على محياك لكن لا جدوى. أثر فيصل لا يزول :)
لا أعرف ما يمكن أن أكتب عن هذه المجموعة القصصية، جُل ما أعرفه أنها أعجبتني جداً، وأن كون العمل القصصي الأول لكاتب ما بهذا المستوى ليس بالأمر الهيّن؛ من الوارد أن تجد كاتباً أبدع في روايته الأولى، لكن القصة من أصعب الفنون الأدبية ولا يقدر على الإبهار فيها إلا القليل!
ثمن العالم عشرون فلسًا؟ المقصود هنا هو ثمن رسالة لا تتعدى كلماتها الستة وثمنها عشرين فلسًا ولكنها قادرة على تغيير حال ونفسية شخص رأسًا على عقب
لن يتأخر أبوك كثيرًا، القيود الوهمية التي تخلقها الرغبة في إتباع النظام والقوانين، ولكن ماذا إذا كان الضحية هو ابنك؟
لقد قتل نفسه وهرب، شخصية بلا هوية تتحدث مع منتحر في انتظار الشرطة. تقتل الوقت بالحديث عن سيرة المنتحر الذاتية التي يغلب عليها التكرار وعدم التجديد أو الابتكار. قصة عادية لشخص عادي تكالبت ضده الأفعال التي مر بها في حياته لينتحر في النهاي��. ولكن أكثر ما أعجبني هو سؤال الشخصية الغريبة للمنتحر عما إذا كان يسأل عن صاحب تلك السيرة ومن خطها من البداية وما نهايتها؟ وهل صاحبها موجود من الأساس؟ الرمزية هنا واضحة للغاية
مأساة الدكتور أسامة، لها أكثر من مغزى، الدكتور الذي يذهب إلى الشرطة من أجل الإبلاغ عن اصطدام سيارته بالرصيف وكيف يؤثر عليه رد الفعل
لا تقل لهم أنه قلمي، ميزة فيصل إنه يجعلك تشعر بأنك أمام قصة قد تبدو عادية في بدايتها ولكن بمرور الصفحات تجد نفسك تندهش وحاجبيك يتقوسان من غرابة ما تقرأه. هذا ما شعرته هنا أمام قصة جابر الغريب الذي لا يُعرف عنه شيء مما يثير ضيق من حوله ولكن القلم يعلم كل شيء!
لأنه حرك عينيه فحسب، حلم ذات يوم بموته وعدم وجود أحد في عزائه، هنا اتخذ قراره المصيري الذي سينغص حياة ابنته التي مازالت جنينًا في رحم أمها، سيربطها بهذا القرار حتى وفاتها دون أن يحضر عزائها أحد!
الشاب الذي يقف إزاء إشارة المرور، من هذا وماذا يفعل هنا وأي حمامة يقصد؟ هل مجنون بالفعل أم أولئك المتربصين به هم المجانين لأنهم لم يفهموا مقصده؟
تعرف أمي الطريق جيدًا، لا أعلم لماذا تذكرت الآن فيلم آسف على الإزعاج، هناك شيئًا من روحه في تلك القصة التي تجعلك تشعر بالدوار، من الحي الحقيقي؟ الأم أم الأب؟ من الشبح الذي توهمه الابن؟ شبح والده كما يظن؟ أم هلوسة؟ هل ما ذكره عن والده المتوفي ووالدته الهاربة حقيقيًا؟ أم أن لا شيء من ذلك حقيقي؟ هل كل هذا مزيف من الأم التي اعتادت على الزيف لحماية أطفالها من مرارة الفقد؟ كل الاحتمالات واردة
حكاية هزاع الذي أنجب والده، قصة غرائبية جنونية للغاية، هل يُعاد الإنسان في نسخ أخرى؟ وماذا يحدث إذا كانت تلك النسخ أمامك؟ أن يلد الابن أباه الميت ثم تعاد الكرة مجددًا إلى ما لا نهاية، ولكن ماذا لو كان النسخ وقع بينما الشخص الأصلي حي ويرى نسخته الشبيهة أمامه؟ مولود جديد يراه ويحمله ليحدث الانشطار في النفس، جنون!
نسترجع أحلامنا في تسكعاتنا الأخيرة، وكأن فيصل أبى أن ينهي مجموعته المتميزة إلا بأكثر القصص طولًا وإرهاقًا، قصة مبارك الرجل الذي اعتاد زيارة الصحراء قبل أن يهده المرض، ليعيد اكتشافه ابنه الذي ينغمس معه في أيامه الأخيرة محاولًا سبر أغوار ذاكرته العامرة بالشخصيات، هنا مبارك وأخويه فهد ونوارة، هل أصابهما الجنون فعلًا؟ أم أن للقصة بعدًا آخر سيتضح في النهاية؟ إنها قصة تفهمها في البداية بطريقة وفي أوسطها بطريقة وتنهيها بطريقة مختلفة عن هذه وتلك!
أبناء الأزمنة الأخيرة مجموعة قصصية رائعة تفوح منها رائحة الحداثة، بها الكثير من الحنين الذي يخيّل إلي أنني عاصرته. في حين أن ردة الفعل المعتادة لكتاب جيد هو رغبتنا في عدم انتهاءه، كنت أتطلع للقراءة الثانية وأنا في منتصف الكتاب. مزيج القصص المنشورة رائع، فبعضها درامي سهل الفهم رغم غزارته، والآخر ساخر وخفيف، والقليل رمزي ويحتاج لجلسة أو اثنتين لفهمه تماما (رغم اعتقادي باستحالة ذلك). بعض الانتقادات التي قرأتها للمجموعة القصصية تطالب الكاتب بالتقليل من «الحشو» والاسترسال بالوصف لكنني ممتن لهذا القرار، فسرد القصص جميعها من دون استثناء ممتع، وعلى عكس كتباً كثيرة قرأتها في السابق، أراني سعيد في رحلة القراءة ذاتها أكثر من الوصول إلى رسالة كل قصة، بل لا أبالي كثيراً إن لم أفهم مغزى بعض القصص لاستمتاعي الأكمل في قراءتها. المفردات المستخدمة دائما مثيرة، وتركيب الجمل في قمة الحرفنة. لا يمكن أن يكتب هذا الكتاب إلا قارئ محب للعربية بالدرجة الأولى قبل اتقانه أدوات الصف والترتيب. كأعمالي المفضلة من ستانلي كيوبريك وديفد لينش، أبناء الأزمنة الأخيرة رائع في إثارته ورمزيته وكل ما كان مبهم.
مجموعة قصصية مربِكة، كُتبت بلغة انسيابية على الرغم من بعض التفاصيل التي أزعجتني. وكعادة القصص القصيرة، تحتاج لقراءتها مرارًا لكي تفهم رسالة الكاتب، ولعلّك تقرأها مرارًا ولا تفهم. القصة الأخيرة هي المفضلة بالنسبة لي، وجدتها الأكمل والأكثر جمالًا، ومناسبة لِأن يكون ختام المجموعة "مسكًا". بإذن الله لن تكون قراءتي الأخيرة لمؤلفات الكاتب.
تمّت💕 يمكن هذه وحدة من أعظم المجموعات القصصية التي قرأتها، مش عارفة أوصفها، بس بتترك كل قصة و جواك أسى، وبحس كنت ع وشك البكاء رغم إنه كل نهايات القصص كانت مفتوحة بس مؤلمة بنفس الوقت. بعتبر فن القصة القصيرة من أصعب أنواع الكتابة لأنها بتتلخص بالجمالية و الإيجاز على حدّ سواء.
برأيي أجمل ما تقدمه القصص القصيرة هي نهايتها ؛ لأنها لا يجب أن تكون برتم اعتيادي ، وهذا ما نجح به فيصل الحبيبني في القصص التي قدمها . أحببتها كثيرًا و رأيتها تبتعد عن كونها تقليدية وبنفس الوقت تحاكي المجتمع الكويتي بالخصوص ، هنالك ما لم أفهمه ولكن ما فهمته كان كافيًا لأن يشعل في عقلي تساؤلات أعرفها ولكن ربما تغيب عنا ، وقدرة الحبيني على أن يكتب قصص قصيرة بإمكان أشخاصها أن يلبسوا ثوب زمن الرواية الطويل أمر يدعو للتقدير . بها من الجمال ، البلاغة ، القرب ، التمعن ، التساؤل والإشادة الكثير ، ونصيب قليل من الاستياء لبعض القصص وبعض الألفاظ التي لا تليق بمجتمع القصص المكتوبة بالذات.
" شعرت بأني فقدتُ زمانًا بأكمله ، لا شخصًا بحدّ ذاته . فقلت في نفسي : هذه هي أهمية القصص ؛ الحفاظ على العالم من النسيان "
Oh how inspiring this book was, this magnificent use of words to capture the most wonderous feelings and events, however small and insignificant. No other book made me run to make a vision board out of a few words in the very first chapter. Thank goodness I found it, or else.. I might not give Arabic books that've never heard of before any chance.
تسير القصص القصيرة بهذا الكتاب على ذات النمط .. الأفكار ذاتها متركزه في عدة روايات .. عودة الروح بعد الموت لجسد آخر .. علاقة سيئة بين أب وابنه .. كما أن هناك قصة شعرت انها مشابهة لرواية لكاتب تركي ، ( لا تقل لهم أنه قلمي) ولربما لم تكن كذلك لا أعلم .. وقصة ذات معلومات خاطئة (مأساة الدكتور أسامة الراس).. لا أعلم ماذا أقول الصراحة سوى اني شعرت أني اقرأ ذات الشيء بصيغ مختلفة ..
غير مثير للإهتمام ..ربما هناك من سيقرأ هذا الكتاب بمتعة أكثر منا فعلت