تحاول هذه الدراسة أن تزيل بعض الغموض المحيط بمصطلح "العلمانية" الذي أصبح واحدًا من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي، وأن تصل إلى تعريف مركب له يتسم بمقدرة تفسيرية عالية.
إذ يفرّق المؤلف بين ما يسميه "العلمانية الجزئية" (فصل الدين عن الدولة مع التزام الصمت بخصوص القضايا النهائية) وبين "العلمانية الشاملة" (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص، ونزع القداسة عن الإنسان والطبيعة بحيث يتحول العالم بأسره إلى مادة استعمالية يوظفها الأقوى لحسابه).ـ
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي وأستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس. وُلد في دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور).
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988)، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). ثم عضوا بمجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
ومن أهم أعمال الدكتور المسيري موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات) وكتاب رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية- في البذور والجذور والثمار. وللدكتور المسيري مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزأين)، إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (سبعة أجزاء). كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضي، و الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، و الحداثة وما بعد الحداثة، و دراسات معرفية في الحداثة الغربية. والدكتور المسيري له أيضاً دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، و دراسات في الشعر، و في الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية. وقد نشر الدكتور المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال
قدم الدكتور المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان رحلتي الفكرية – في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (2001) حيث يعطي القارئ صورة مفصلة عن كيف ولدت أفكاره وتكونت والمنهج التفسيري الذي يستخدمه، خاصة مفهوم النموذج المعرفي التفسيري. وفي نهاية "الرحلة" يعطي عرضًا لأهم أفكاره
بعد كارثة قراءة كتاب العلمانية لسفر الحوالي قررت ألا أجازف بقراءة كتب أعلم مسبقًا آراء كاتبيها، آراء العرب المعلبة والجاهزة عن شيء ربما لا يفهمون أبعاده الكاملة بشكل صحيح ولكنهم مع ذلك ينتقدوه! لكن بما إن الدراسات العربية التي تتناول العلمانية قليلة على كل حال، فلم يكن أمامي سوى دراسة المسيري التي كنت أثق بها كثيرًا قبل قرائتها من كثرة الآراء المحفزة عنها إلى جانب قرائتي لرحلة المسيري الفكرية والتي استمتعت بها للغاية. لكن هذه الدراسة كارثة أخرى تمامًا ككارثة سفر الحوالي مع اختلاف أن المسيري هنا يتناول الدراسة وكأنها ذات خلفية فكرية فلسفية فقط، وهو ما يصوّر للبعض أنها دراسة في غاية الحيادية. مبدئيًا سيكون جلّ نقدي على منهج المسيري وأسلوبه في الطرح، أما عن نقدي لنقد المسيري للغرب (ولن أقول للعلمانية) وفلسفاته واقتصاده..إلخ فأعتقد أنه يحتاج أحد أقدر منيّ على فعل ذلك لذا سأكتفي فقط بذكر ما رأيته –في نظري- متناقضًا أو به خلل. حسنًا، لنبدأ بالعنوان (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة:النظرية) إذن من المفترض أن الكاتب سيبدأ بتعريف العلمانية السائد ثم أسس (النظرية)، مبادئها، أهدافها، تاريخ تبلورها، ثم بعد ذلك يقوم بنحت بتعريفه ومفهومه الخاص عن العلمانية ويبدأ في نقدها إذا كان يريد ذلك. لكن بخلاف تقسيم المسيري للعلمانية إلى جزئية وشاملة، وشرحه لمعنى المصطلح عند كل من العرب والغرب لن يعود للحديث عن العلمانية كنظرية إلى آخر الكتاب، فالكتاب بأكمله نقد! في البداية سيقوم بنقد مفهوم العلمانية في كتابات المفكرين العرب، ورغم اعتراف المسيري باضطراب مصطلح العلمانية سواء الجزئي أو الشامل وسواء من المنظور الغربي أو العربي، ورغم اعتراضه على استيرادنا للمصطلحات من الغرب كما هي بما لا يتوافق مع ظروفنا ومعتقداتنا كعرب لن يبذل جهد في محاولة صياغة تعريف محدد للعلمانية من وجهة نظره والتي ستكون بالتالي من وجهة نظر عربية. وهو في رأيي أول وأهم ما كان على الكاتب أن يفعله فأنت لا تبدأ بدراسة شيء بل ونقده قبل أن حتى تضع للقارئ مفهومك ورأيك عنه، وهو ما لن يعدم القارئ معرفته فحين يبدأ المسيري في نقد المصطلح العلماني عند المفكرين العرب ستجد أنه ينقد المصطلحات العلمانية جميعها سواء جزئية أو شاملة وهو ما ستكتشف من خلاله أن المسيري يرفض العلمانية بأكملها وبجميع أشكالها سواء الجزئية أو الشاملة وحين يبدأ في الفصل الثاني من الكتاب بنقد الغرب (هو يعتقد أن كل ما ذكره في الفصلين الثاني والثالث إما أسباب للعلمانية أو نتائج لها، لكنه في الحقيقة نقد للغرب ولا شيء آخر) ستجد أنه لم يرفض العلمانية فقط بل ربطها بكل ما هو سيء وبشع –في رأيه- بالصهيونية والنازية والإمبريالية والعدمية والفاشية والداروينية والنيتشوية والإباحية وحتى بحركة النسوية التي يسميها التمركز حول الأنثى! وبالتالي فهو سيقوم بشرح وتفكيك كل ظاهرة (فلسفية) من هذه الظواهر وتوضيح مآلها الكارثي الذي يتضمن أحدى نتيجتين؛ تآليه الإنسان أو تآليه الطبيعة. وشرح المسيري لهذه النتائج شرح يدفع بالمرء للانتحار، أولاً من كثرة التكرار فهو طوال الكتاب لا يشرح سوى أن الإنسان قد فقد إنسانيته وتحول إلى كائن يخضع الطبيعة لمصلحته واستهلاكاته، وتارة أخرى يفقد إنسانيته ليذوب في الطبيعة وتصبح هي سيدته وسيدة الكون. وثانيًا من تصويره للإنسان وكأنه مادة صلبة يُدفع بها إلى آلة تسحقها وتحولها إلى مادة لزجة لا شكل لها ولا معالم، وهو بالطبع شكل الإنسان الغربي في رأي المسيري وبالتالي شكل الإنسان العربي إذا استمر في محاولة تقليد الغرب واستيراد أفكاره منه. وهذا في رأيي إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن العرب بخلاف أنهم ينقدون دون محاولة فهم وبخلاف أنهم لا يتقبلون النقد من الأساس، فهم حتى لا يعرفون كيف ينقدون! فمثلاً المسيري حين كان يقوم بنقد آراء المفكرين العرب، كان يذكر أفكارهم بكلماته الخاصة حسب فهمه الخاص لمشروع كل منهم ثم يضع مقولة أو كلمة من المفكر بين قوسين مع الكثير من علامات التعجب وعلامات الاستفهام وهو ما لا يمكنك أن تطلق عليه نقد من الأساس فإذا أردت أن تنقد فكرة لدى مفكر ما تذكر فكرته كما ذكرها هو في فقرة خاصة، ثم تعلق عليها في فقرة أخرى موضحًا ما تتفق معه وما تختلف معه ولمَ؟ ليس لديّ فكرة عن المنهج العلمي في البحث لكن أعتقد أن هذا هو النقد كما أتقبله وكما يستطيع أي قارئ أن يتقبله، لكن ما كان يفعله المسيري هو في رأيي "تسفيه" للأفكار وليس نقدها. ثانيًا: النماذج التحليلية التي ذكر المسيري في رحلته الفكرية أنه يعتمد عليها في صياغة نموذج يستطيع من خلاله أن يفسر عدة ظواهر معًا وهو فكرة ستتفق مع المسيري حين كان يذكرها في سيرته الذاتية بسرعة وإيجاز، لكن حين تجده هنا يقوم بتطبيقها ستشعر بخلل ما وشيء غير مفهوم فمثلاً كانت أحدى نتائج هذه النماذج التحليلية عنوان توصل إليه المسيري في آخر الكتاب لم أستطع منع نفسي من الضحك حين قرأته! (التمركز حول الأنثى والصهيونية) وإذا تقبلت تحويل المسيري لمصطلح حركة تحرير المرأة إلى التمركز حول الأنثى بسبب وجود بعض التطرف في أفكار الحركة الغربية، وإذا كنت حسنة النية بشكل لا يجعلني أخمن أن العنوان يهدف إلى ترهيب القارئ العربي من حركة تحرير المرأة وأنها ليست وصفًا للحركة النسوية أنها أحدى المؤامرات على غرار التهم التي يطلقها بعض الإسلامويين على العلمانيين والليبرالين (أمه يهودية، أمه أمريكية..إلخ) فأنا أرى أن فكرة النموذج التحليلي لدى المسيري تشطح نتائجها بعيدًا جدًا. هذا كتاب لا يمت بصلة من قريب أو من بعيد للعلمانية، فهو لا يقدم طرح جديد ولا محاولة بحث عن مصطلح جديد للعلمانية ذات المصطلح المضطرب والمشوش ولا حتى يلتزم بأدني جهد وضعه لنفسه من الأساس حين اختار عنوان كتابه وهو شرح النظرية. وإذا حاولت إقناع نفسي بأن الكتاب ليس نقدًا للغرب وإنما نقدًا للعلمانية ولتطبيقها، فماذا بقى للمسيري كي يقوم بطرحه في المجلد الثاني الخاص بالتطبيق! أعتقد أنه سيستمر في شرح ثنائيات الإنسان/الطبيعة فهو لا يملّ من تكرارها وتطبيقها على كافة الظواهر والفلسفات الغربية. إذا كان المسيري يرى أن تقدم الاقتصاد يحول الإنسان إلى كائن استهلاكي كل ما يهمه هو الحصول على مزيد من السلع، فنحن نوافق طالما أن هذا سيطعم لدينا ملايين الأفواه الجائعة (هذه الأفواه التي لم تعد منتشرة حين تقوم المجاعات فقط بل في كل مكان من حولنا)، وإذا كان تغيير الغربي لمنزله كل خمس سنوات يحوله لكائن استهلاكي فنحن نوافق طالما أن هذا سيقضي على العشوائيات التي تملأ واقعنا. إذا كانت الحركة النسوية (أو التمركز حول الأنثى كما يحب المسيري أن يسميها) سيجعل المرأة (كما يرى المسيري المرأة الغربية) بلا ملامح واضحة، شخصيتها متماهية ومذابة تمامًا في الطبيعة، تحاول محاكاة شخصية الرجل وإثبات أنها لا تنقص عنه شيئًا، سيجعلها عدائية تجاه الرجل، فنحن نوافق طالما أن هذا باختيارها يا عزيزي. أن تكون بلا شخصية باختيارها، أفضل من أن تكون بلا شخصية ولكن باختيار وليّها، باختيار القمع! وإذا كان العلم والتكنولوجيا الذي يهدف لتيسير الحياة، وإذا كان علم النفس والاجتماع الذي يهدف إلى فهم الإنسان لنفسه بشكل أعمق وواعيّ يحول الإنسان إلى مجرد كائن ماديّ فنحن نوافق. قبل أن تنقد الغرب لأن فكره وفلسفته (نتيجة الحرية الزائدة) شطح بعيدًا في رأيك، وانقلب السحر على الساحر قمّ بنقد واقعك الذي لا يتيح أدنى قدر من الحرية، أدني قدر من الحقوق. إذا كنت تنقد الغرب لأنه حوّل الإنسان لكائن استهلاكي ماديّ، قمّ بنقد واقعك الذي لا يستطيع فيه الإنسان حتى أن يكون مجرد كائن، كائن حتى كالحيوانات يجد الطعام والشراب والمأوى! إن كنت عربيًا أو إسلاميًا أو مجرد معاديّ للغرب وللعلمانية اقرأ الكتاب، فالكاتب سيضمد جراحك، سيطمئنك، ويؤكد لك أن الغرب الذي يظنه البعض الجنة الموعودة هو الجحيم وأنك أنت –رغم كل هذا الخراب- تعيش في الفردوس الأرضي. وإذا كنت علمانيًا فاقرأ الكاتب، كمسرحية هزلية واحضر معك تسالي واستمتع وبعد كل سطر ردد؛ كم أنا محق!
شيء مؤسف أنني وضعت هذا الكتاب في مرحلة ما في فترة القراءات التي سأقرأها حين يكبر عقلي، حين وصلتني رسالة كتعليق على اسم الرف (هذا اجحاف في حق عقلك) شعرت أنها مجاملة ومجرد اطراء اليوم فقط وأنا أكتب هذه المراجعة، شعرت بصدى الجملة مرة أخرى إذا كان لديّ صبر لقراءة المجلد الثاني، لن أكرر غلطة الثقة المبالغ فيها واقرأ فارغة الأيدي بلا ورقة ولا قلم ساقرأ بحرص شديد كي لا أنسى كثير مما كنت أود الحديث عنه كما حدث في هذه المراجعة، ورغم ذلك جاءت مليئة بالثرثرة! اقرأ ما يمكنك قرأته.
و كأنه خرج من حدود البشر ليحكي عن البشر من رصيف خارجي ثابت ، يصف فيه المتحرك بنسبته إليه،
و كأنه ليس ذكرا في التاريخ ، فيحكي عن التاريخ من موقع ثابت تسرد أمامه فصول القرون ، و صفحات العقود في تاريخ البشر.
و كأنه ما أتى إلا ليضيف جديدا في الكتابة ، بعدا ثالثا للسطور...العمق ، يجعلك تقرأ السطر مرتين أو ثلاث لتحيط بتلك الأعماق الضاربة في البعد ، و لتجعلك في نهاية " الدراسة " تقف على أطراف طرق " الحيرة " المتوازية تواز المعارف الإنسانية ، " الحيرة " التي لا يصلح سواها عنوانا لرؤيتي عن الكتاب .
حيرة ، بين ابتدائك بالكتاب قبل قراءاتك في عالم فكر البشر ، لتحصن نفسك ،أو بين الانتهاء بالكتاب بعد معرفة مجمل فكر البشر لتداوي نفسك . حيرة، بين " نسبية دراسته " ، و " تجريد محاولته" التي بدأ بها د. المسيري وصف كتابه ، و بين " عموم المطلقات " التي يدفعك دفعا للإيمان بها دون تدخل توجيهي إطلاقا لتؤمن أن المحاولة ليست مجردة ، و إنما ذات " خلفية لطيفة رقيقة خفية " تسيطر روحها عليك في قطرات الحبر الأخيرة في الكتاب . حيرة بين العودة للسطور للتزود و الاستزادة و طلب الزيادة ، و بين استئناف المسير استعجالا لفهم العالم و تفاعلاته ، فكما أزعم ، هذا الكتاب بابا من أبواب النظر في كيمياء تاريخ البشر . إن فكر د. المسيري تماما كالنور الذي يسلط على أشياء في حجرة مظلمة ، فتكتشف لأول مرة وجودها ، و يأخذك الكتاب كالطفل في رحلة تبدأ بتسميتها ، ثم شرحها ، و تفكيكها ، و إعادة تركيبها ، في هندسة بنائية حقيقية راقية تسمو بفكر قارئها فوق بنايات آخرى قميئة تصدح بلوثة الصارخين فيها ، و الخائفين من وضع لبنات الفكر بسواعد مفكر يرجو حقا نهضة لأمة .
رحم الله المسيري فهذا الكتاب من الكتب النادرة التي لا أستطيع أن أحصي كم استفدت منه ، و لكم سيغير في نظرتي للعالم الخارجي بأسره ، و لمنظومة القيم الداخلية بمجملها . .
احقاقا للحق فأنا قد تصفحت هذا الكتاب فى مرحلة سابقه ولا أدرى ما السبب الذى دفعنى إلى معاودة الاطلاع عليه . ***ما وقر فى القلب فهو فى القلب وصاحب المبدأ الصادق من الصعب أن يتزحزح من عليه لمجرد الاعجاب بكتاب ما , وهنا (وانت تطالع هذا الكتاب ) لابد لك من أن تفرق بين شيئين وهما : وجهة نظرك كصاحب مبدأ ما , ووجهة نظرك كقارئ ومطلع على عمل ثقافى مهم, واعتقد ان الكتاب قد يتخذه الكثيرين كأساس لمنهجهم ليس لبراعة الكتاب وعظمته بقدر ان هؤلاء فى بداية تكوينهم الثقافى . قد تكون العلمانيه هى الموضوع الأكثر تعرضاً للظلم فى المجتمع العربى , فلطالما كانت النظرة الى أتباع ذلك المنهج نظرة قاصرة فيها كثيراً من الظلم , وهنا ينبرى د\المسيرى وهو من هو فى الحياة الثقافيه العربيه فى أن يخرج لنا مشروع ثقافى مهم . المجلد الأول تناول التنظير وأنا من عشاق التنظير وفيه يقدم لنا المسيرى عمل احترافى بامتياز وفيه كثير من الحياديه. قُسم هذا المجلد على بابين اثنين : الباب الأول وهو عبارة عن 7 فصول وهو ما نستطيع أن نقول عليه تأصيل أو بمعنى أدق محاولة تأصيل تاريخى ومجتمعى لمصطلح العلمانيه والباب الثانى وعنونه الكاتب : تبديات النموذج العلمانى وفيه محاولة ربط العلمانيه ببعض الأمور الأخرى كالتمركز حو الذات والاستنارة والأنثويه. فى المجمل من المؤكد أن الكتاب اضافه مهمه الى المكتبه العربيه حتى وان لم توافق على بعض ما ذُكر فيه. الكتاب من نوعية الكتب التى يرى فيها القارئ ما يوافق هواه , فالعلمانى قد يتخذه ذريعة ويوجه له سهام النقد ويتخذه وسيله للثبات أكثر على منهجه , ومن يعارض العلمانيه قد يتخذه سبب لمهاجمة العلمانيه والتشكيك فيها. وكعادتنا العربيه الأصيله فى التشويه والخداع فقد تعرضت بعض نصوص الكتاب للنقل الناقص والاجتزاء الظالم منه ليس لشئ الا لتوهم صواب السبيل فى المجمل لا تقدر أن تنكر الجهد المبذول فيه والعرض السلس للموضوع , حتى وان كان فيه بعض التعقيد فتكفل السياق العام فى توضيحه
بعد القراءة: - طبعاً لا علاقة للعلمانية التي أعرفها بما في الكتاب. فالمسيري يعرف ما خبرته عن العلمانية بالجزئية وهي مجرد أصل قديم للعلمانية الآن"الشاملة" - ينسب للعلمانية الشاملة كل ما هو قبيح في العالم (ثقافة الاستهلاك- الامبريالية- الرأسمالية- الاشتراكية- النازية-الصهيونية- الفاشية- تجارة الجنس- البغاء- المادية -العولمة- الشذوذ- الإدمان- الداروينية- البرجماتية- النيتشاوية) العلمانية هي الشيطان كما يصورها المسيري. ولا اعتراض لي بل إن الموضوع أثار إعجابي في الثلث الأول لتوافقه مع بعض الأفكار الخاصة بالتحول الأخلاقي الذي نسبه لموجات العلمنة. - أول مؤشر يشعرني بوجود خطأ ما كان مقارنة بين إيران وتركيا. نعم تركيا علمانية مفروضة بالقوة. لكن هل إيران صورة للكهنوت الذي ليس لديه مشكلة في أن يتولى الحكم ليبرالي؟ هل وجود سلطة دينية هي الآمر الناهي والمرجع الأول والأخير هو شيء يتم تجاهله لمجرد وجود رئيس مدني إصلاحي لا يملك من الأمر شيئاً؟ - ثم يسهب المسيري في الحديث عن دعاة العلمانية العرب ويفند فكرهم الذي إما علماني جزئي - وهو ما يسخر منه باعتباره شيء غير موجود- أو علمانية شاملة مستترة. ولم تكن لدي مشكلة إلا عندما ذكر نصر حامد أبو زيد وحديثه أن العقل هو المرجع الأول والأخير فيما يخص النقل والعقل وتفسير النصوص . فإذا بالمسيري يتمسك بها كدليل على العلمانية الشاملة. وهو ما تأكد لي فيما بعد عندما بدأ في الحديث عن التطور التاريخي لما يراه العلمانية. - على الجانب الآخر يسهب في مدح أفكار جلال أمين الشهيرة عن الاستلاب والخضوع للعولمة وثقافة الاستهلاك. ويطال مدحه من يسميهم بالمفكرين الإسلاميين مثل هويدي و أبو العلا ماضي والعوا ومجدي حسين وهم من ثبت أثناء حكم مرسي أنهم أعجز من أي قدرة على الابتكار أو حتى القول إلا ترديد أن الحضارة الغربية عفنة بينما الدولة الإسلامية هي الحل. - يتحول المسيري فجأة لأبي حامد الغزالي فهو لا يكتفي بتصوير غرور الإنسان بالعلم لدرجة تأليهه. بل إنه يرى أن العلوم ذاتها هي أحد أسباب المادية والعولمة . فكوبرنيكس أول من همش الإنسان بأن قال أن الأرض ليست مركز الكون!!! ونيوتن حول العالم لحركة ميكانيكية مثل بندوله. وأينشتين أثبت نسبية كل شيء!!. حتى هارفي أثبت أن جسم الإنسان يخضع لحركة ميكانيكية داخل الدورة الدموية!!! هل يلام العالم لاكتشافه؟ هل كان الحال أفضل في حياة الإنسان الأول أو حياته في ظل الإقطاع كما يقول أو حتى حياة المسلمين عصر المماليك والعثمانيين؟ - التساؤل الذي يطرح نفسه وأنا أقرأ. هل يرى المسيري الحل في غيبيات المسلمين بدون أي وجود للعقل ؟ ثم الإسلام عندما حلل الزواج بأربع أو سبي الحروب وما ملكت الأيمان ألا يعتبر بأنه كان يعلمن الإنسان ويتيح له المتعة؟ هل غزو الأمويين للبلدان و اضطهاد الموالي كان عولمة؟ ما هي الصورة التي يريدها المسيري. أعلم أنه باحث ويعرض نتيجة بحثة وليس مضطراً لاقتراح حل. ولكنه انحاز لفكر على حساب فكر دون أن يعتبر ان انحراف الفكرة لا ينفي نقاءها وإلا كان حال المسلمين دليلاً على عدم جدوى الإسلام.
- ريما أنا أظلم المسيري ولكنه لم يدع مجالًا للهروب ولا يعطيني فرصة لأقول أنه محايد فعلاُ. ورغم ما أكده لي بعض الأصدقاء عن أنه يريد العقل والقلب معاً ولا ينكر الحضارة لكن يريد الجذور و ألا ينسلخ الإنسان من ثقافته. وهو رأيي أيضاً. لكن حتى نهاية هذا الجزء لم يكن هذا هو اتجاهه. - مازلت عند رأيي. العلمانية لا مكان لها في ظل وجود الإسلام الصحيح. لأن العلمانية - الجزئية كما يراها المسيري - أتت بما أتى به الإسلام الدين اللاكهنوتي الذي حول الإنسان لرجل دين لذاته دون وسيط كهنوتي أو علم لاهوتي يختص به البعض. قواعد عامة كالعدل والإحسان والرحمة والتكافل تكفي لو صدق العزم أن تقيم مجتمعاً صحيحاً يشرع ويقنن لذاته في إطارهم دون الحديث عن شريعة مصدر للتشريع. الإسلام الحق دين وإنسان لا دين ودولة.
قبل القراءة: الآن قبل الولوج في كتاب د/ عبد الوهاب المسيري عن #العلمانية_الجزئية_والعلمانية_الكلية. أحب أسجل رأيي عن العلمانية قبل ما يدمره أو يعضده المسيري: - العلمانية مثلها مثل الاشتراكية. مجموعة مبادئ الغرض الأساسي من وجودها مقاومة سلطة ما تغولت حتى طحنت الإنسان البسيط : الكهنة ياسم الدين "العلمانية" و المال "الاشتراكية" - جملة فصل الدين عن الدولة ليست دقيقة. الأدق هي عدم استغلال الدين للسياسة ولا السياسة للدين. وأيضاً عدم تدخل الدين في السياسة ولا تدخل السياسة في الدين. لأن في مثال تركيا مثلاً تدخلت السياسة في الدين محاولة القضاء عليه أو تقزيمه. ظناً ان ما قدمته الخلافة العثمانية هو الدين. - ما حدث من الإخوان والسلفيين هو استغلال الدين"من وجهة نظرهم" للسياسة : أحزاب ومقاعد نيابية ووزارية ورئاسة. ثم استغلال السياسة للدين " مشروع إسلامي- النهضة الإسلامية- كل من هو ضده ضد الإسلام- آيات تعضد حكمه- تشبيه بالصحابة والأنبياء" - قد نقول في مواجهة ما سلف من الإخوان والسلفيين أن #العلمانية_هي_الحل. ولكن العلمانية ليست خطة فريق كرة يضعها المدرب في جيبه ليطبفها على أي فريق. العلمانية في وسط مستنقع الجهل الذي نعيشه. دروشة وغيبيات وسلفية ووهابية من ناحية و من الأخرى إدعاء للعلمانية غرضه الأساسي إقصاء الدين ذاته. العلمانية هي الحل مثل الإسلام هو الحل مجرد شعار لو حاولت تطبيقه مثل وصفة كتاب أبلة نطيرة ستخربها. ورافعو لافتة أنا علماني فيهم من يمارس الإقصاء والعصبية القبلية ولو تمكن من الحكم سيكون وجه العملة الآخر للإسلام السياسي. و فيهم من يرى الدين عائق. وفيهم من يحب اللقب. وأظرفهم من يعتنقه لأنه يتماشى مع رغبته في التحرر. - قيل أيام عبد الناصر من الشيوخ أن الإسلام دين اشتراكي. وطبعا هي حلقة كوميدية من حلقات الشيخ شيخة. فالإسلام دين لا يجوز إدخاله في معادلات سياسية أو علمية . كما أنه الإصح أن الاشتراكية من الإسلام. ولو أن هذا غير دقيق. الأدق أن الاشتراكية موجودة في الإسلام كمبدا . حتى أن بعض شعاراتها مشابهة لمبادئ إنتهجها عمر بن الخطاب لكن باختلاف بسيط ناتج عن المرحلة والإيدولوجيا. - بنفس الطريقة يردد البعض أن الإسلام دين علماني. وهو كلام مضحك خاصة مع إشاعة أن العلمانية غرضها هدم الدين. ولكن شخصياً أؤمن بأن الإسلام هو الدين الذي لاحاجة معه للعلمانية. و هو كلام يردده بعض الشيوخ من يريدون محاربة العلمانية بسيف الحوار. لكني أؤمن بأن الإسلام الذي أعتنقه ينادي بنفس الشعارات التي تنادي بها العلمانية- نفس فكرة الاشتراكية- وطبعا هو غير فكر الإسلام الذي يعتنقه الكثيرون.يعني ببساطة : لست علمانياً ولكني مسلماً ويالتالي #أنا_علماني!! -الإسلام الذي أعنيه هو آخر الرسالات. آخر ما تقوله لنا السماء وتتركنا بعدها لذاتنا وضمائرنا. دين مثل هذا هو دين "مرن" يحتمل التغيير داخله دون تغيير مضمونه. تستطيع أن تفكر وتقرر فيه دون حاجة لشيخ ما دمت لن تخرج عن العدل والإحسان و تقوى الله. دين ليس به تشريع إلا وقتي. دين لا حاجة لك فيه أن تقطع دائما يد السارق فهو حكم تستطيع تجاوزه مادمت ستحقق الردع المطلوب. ولكن ياللعجب. حولوه إلى نصوص ولا اجتهاد فيها و زندقوا الباحثون عن المنطق فيه و حاربوا أن يتحول لعقل فصار مجرد نقل. وليتهم نحجوا إذا أن المسلمين رغم أكثريتهم إلا أنهم أضعف أمم الأرض الآن. - فلسفة ابن رشد التي أخرجت أوروبا من الظلمات إلى النور لو لم يحاربها "حجة الإسلام" أبو حامد الغزالي لكان العرب الآن هم أورويا ولما أسمت أوروبا فكرها بالعلمانية بل بالعربية.
340 صفحة تفسر احدى العلاقات الغامضة بين الانسان والكون بين الروحانية والمادية بين تخبط المفكرين وجهل المتكلمين .............. تقرأ كل سطر فيه مرة وتعيده مرارا........كل كلمة هي فكرة وكل صفحة قد تُفسر في كتاب اخر......طوبى لمن قرأه ......قراءة ممتعة لمن يقرأه ودعوة لمن لم يقرأه باقتنائه ومطالعته
الكتاب سلبي جدا ولا يتكلم ع نالعلمانية فيما يزيد عن 50 صفحة غالب الذي يتكلم عنه هو اشياء اخرى يربطها بالعلمانية بشكل غريب جدا في حين انها من نتاج الامبريالية والحداثة والمشكلة الاكبر هي الخروج عن الموضوع بشكل كبير جدا هل العلمانية هي ما دفع تايلاند لان يكون احد مقومات اقتصادها الدعارة؟ ام انها الامبريالية ؟ هناك كتب افضل بكثير لفهم العلمانية
٤.٥ أغلب ما حواه هذا الكتاب سبق لي الوقوف عليه في متفرقات مؤلفات المسيري. يكتفى به عن كثير من مؤلفاته، أو يكتفى بكثير عن مؤلفاته عنه. جمع هنا -رحمه الله- شتات أطروحته المركزية وبسطها بسطًا لا مزيد عليه، وكأنه أراد أن يضع بين يدي القارئ خلاصة مشروعه الفكري في كتاب.
الأطروحة المركزية تدور حول حضور العلمانية في بنية المجتمعات الحديثة حضورًا كامنًا لا يرتبط بالشعارات المعلنة ولا بالدعاية الدينية الظاهرة، بل بالتحققات البنيوية العميقة التي تصوغ وعي الإنسان ووجدانه. وهنا تبرز النقلة المعرفية التي أحدثها، إذ لم يعد السؤال: هل يوجد فصل رسمي بين الدين والدولة؟ بل صار: ما البنى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تُنتج إنسانًا علمانيًّا في رؤيته للواقع؟ ويضرب مثالًا بالغ الدلالة حين يقارن بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة؛ فالأول، على الرغم من علمانيته الشاملة الإلحادية ذات الطابع الهجومي، يظل أقلَّ تحققًا للعلمانية من الولايات المتحدة التي تكثر فيها الكنائس وتتحرر فيها -نسبيًّا- العقائد. السر في التغيرات البنيوية التي تراكمت في المجتمع الأمريكي: التصنيع المتسارع، تفكك الأسرة، سيطرة المصنع والسوق، تهميش القيم، سيادة أخلاق السوق، تسارع الحياة والمدينية المفرطة. هذه التحولات تولّد استعدادًا ذهنيًا ونفسيًا للتعامل مع الواقع تعاملاً آليًا كمّيًا ماديًا، وتبث في النفوس الإيمان بأن الواقع مادة نسبية، وأن القيم الأخلاقية نسبية، وأن البقاء للأصلح، وأن اللذة والمنفعة هما المعيار. فينشأ عن ذلك كله إنسانٌ يتشكل وعيه داخل رؤية علمانية شاملة بصرف النظر عن غياب الدعاية الإلحادية المعلنة. يمضي المسيري ليكشف خدعة «الأفكار المحايدة» التي تُظهر الحياد وتُضمر الواحدية المادية، مثل مفهوم “الإنسان الطبيعي”، والعودة إلى البساطة، ووحدة العلوم، والتمركز حول الأنثى، وما يختلط من مفاهيم الفطرة بما هو في الحقيقة استبطان للطبيعة المادية. أما التحقق الوجودي فيتمثل في: الإنسان الوظيفي المصلي، الذي يؤدي الشعائر، غير أن البيئة المحيطة به تسلبه القدرة على إدراك قيمة المعايير المتجاوزة، فلا يبقى للإيمان أثر عملي، بل شكلي لا يتجاوز سطح التجربة. يكشف المسيري عن مفارقة ساخرة، العلمانية التي تفضي إلى النسبية وترفض المطلقية في كثير من الأشياء، هي نفسها والعلموية التي ولدت من رحمها ترتكن إلى ادعاءات مطلقة لا يساندها العلم. فالعلمانية في حقيقتها دين علماني له مطلقاته وإيمانه وجهاديته.
من العلمانية الجزئية إلى الشاملة: ثم ينتقل إلى الحديث عن الانتقال من العلمانية الجزئية إلى الشاملة، فيرى أن الإنسان الغربي كان يعيش حياته المادية داخل مرجعية مادية كامنة، ولكنه كان يحب ويحلم ويقرأ ويتزوج داخل إطار مرجعية متجاوزة ذات مسحة مسيحية. ومع تعاقب حلقات المتتالية الحديثة تغيّر كل شيء، فتمددت الدولة حتى صارت «تنين» هوبز، وأحكمت قبضتها بأجهزتها الأمنية والتربوية، وتغول قطاع الإعلام واللذة على نحو يفوق تغوّل الدولة، وازدادت حركات العلمنة البنيوية حتى غزت كل مجالات الحياة العامة والخاصة، فرُشِّد الإنسان وتشيَّء من الداخل والخارج، واختفت المرجعية المتجاوزة والمعيارية.
إشكالية مصطلح "العلمانية" بين الدال والمدلول: ورغم هذه التحولات الجذرية بقي مصطلح “العلمانية” أسير تعريفه القديم الذي نشأ في مراحل مبكرة قبل أن تكتمل حلقات العلمنة، فظل التركيز على الفصل بين الدين والدولة واحترام الدين، وهي سمات العلمانية الجزئية، في حين تجاوز الواقع ذلك بأشواط بعيدة، مما جعل الدال “علمانية” قاصرًا عن الإحاطة بمدلوله. وقد ساهم في استمرار هذا القصور المفاهيمي عاملان: الأول أن علم الاجتماع الغربي أصبح جزءًا من المنظومة فلا توجد مسافة نقدية تفصل بين الباحث والظاهرة، فبدأ يدرك الواقع كأجزاء متناثرة. والثاني التفاؤل التحديثي المفرط، إذ كان الإنسان الغربي حين بدأ مشروعه التحديثي ممتلئًا بالتفاؤل، متوقعًا أن يحقق له السعادة الكاملة والفردوس الأرضي، فلما ظهرت الجوانب المظلمة صنفها على أنها ظواهر هامشية وجانبية وثمن معقول للتقدم، فاستمر في التركيز على المتتالية المثالية السعيدة، واستمر في تهميش الجوانب المذمومة، وظلت هذه المصطلحات بمدلولها السيء خارج نطاق عملية التعريف أو إعادة التعريف للعلمانية. ثم يصل إلى سؤال جوهري: هل ثمة علاقة بين كل هذا وبين قصيدة “الأرض الخراب” لإليوت، وتحول الإنسان في روايات كافكا إلى حشرة، وتطور الفلسفة الغربية؟ الجواب: نعم، ثمة علاقة عضوية تربط بينها وبين المجريات الفلسفية التي بدأت بإنسان عصر النهضة ثم سبينوزا فنيتشه فدريدا والتفكيكيين. فالإنسان الذي كان في مركز الكون ذُوِّب شيئًا فشيئًا في الواحدية المادية الصماء حتى وصل إلى عالم ما بعد الحداثة الذي لا هدف له ولا مرجعية ولا معيار.
الحاجة إلى مصطلح شامل: يتعرّف المسيري على العلمانية عبر صورها وتحققها الواقعي، ونشأتها وتطورها التاريخي، أكثر من التسليم للمصطلحات الأكاديمية التي تحاول وضع حد ماهوي لها. حيث أن هذا أقرب لطبيعة العلمانية وتعدد صورها وطبيعتها المتحولة. وبعد هذا الاستطراد يرى أننا نحتاج مصطلحًا شاملًا يفسر الأنماط المتكررة، والظواهر المترابطة المتشابهة، والوحدة الكامنة خلف التنوع، فيقترح استعمال «نزع القداسة» و«الواحدية المادية» بدل «العلمانية»، لأنها أكثر قدرة على الإمساك بجوهر الظاهرة، ويقابل -وأتفق معه في طرحه- “نزع القداسة عن العالم” بـ“الكفر بالغيب” في الاصطلاح الإسلامي.
يعالج المسيري في الفصلين الثاني والثالث مفهوم العلمانية في العالم الغربي والعربي، والمراجعات التي تمت فيهما، وإشكالية اختلاط الحقل الدلالي لهذا المصطلح. وكعادته، يأخذ بيدك في رحلة البحث، يوقفك عند بعض الاستدراكات، يبين لك بعض المبهم، يشاركك هواجسه. لديه قدرة على خلق حميمية بينه وبين القارئ ساهمت في إضفاء الصدق على كتاباته، لأنها تضع القارئ في ذهن المسيري. وهذا عكس ما يفعله بعض المتفيهقين ممن يغطي سوأته بمعقد الألفاظ، وغريب المعاني، وشاذ القول، ليوهمك باستعلائه العقلي.
في الفصل الرابع يفكك ويركب بعض المصطلحات والظواهر قريبة الصلة بالعلمانية مثل: التسليع، والترشيد، واللامعيارية. ويلاحظ أن النزعة التجزيئية تتزايد فيما نسميه الأفعال التفكيكية. والنموذج الكامن في هذه المصطلحات ينطوي على ملامح العلمانية الشاملة. ثم يذكر الأسباب التي أدت إلى الثورة التجريبية التفكيكية في الحضارة الغربية: النظام الاقتصادي الجديد، حركة الاكتشافات الجغرافية، التحكم في عملية الإنتاج، الهجرة إلى المدن، استقلال القطاع السياسي عن المرجعية الدينية، الإصلاح الديني البروتستانتي، والثورة في العلوم الإنسانية.
الباب الثاني: تجليات النموذج العلماني: الدولة الحديثة: المطلق العلماني: يرى بشير نافع، كما ينقل المسيري، أن الدولة أكثر المؤسسات التي صنعتها يد الإنسان قربًا من حالة الطبيعة، لأنها تتبع قانونًا شاملًا مطردًا ميكانيكيًا وآليًا، ولا تكترث بالفرد أو الإنسان، وهي واجبة الوجود في النظم الحديثة، وهي التحقق الكامل والأمثل للمطلق العلماني. وبعد ذلك يناقش تجليات النموذج العلماني في الدولة الحديثة التي تُعد –في نظر بعض الباحثين– أقرب المؤسسات البشرية إلى حالة الطبيعة، لأنها تعمل وفق قانون آلي لا يكترث بالفرد وتندرج في منظومة تعتبر الدولة مطلقًا علمانيًا. ويصف الدورة الثلاثية للإنسان الحديث بين المصنع والسوق والملهى، حيث يُفرغ الإنسان من بعده الروحي وتُختزل ماهيته في الإنتاج والاستهلاك واللذة. و"بعد أن كانت الحاجة أم الاختراع، أصبح الاختراع هو الذي يولِّد الحاجة".
متتالية المطلقات: من الإنسان إلى الإجراء: يتتبع مراحل المطلقات في المتتالية الحديثة: مركزية الإنسان، ثم تراجعه أمام الدولة والمؤسسة، ثم صعود الإجراءات بوصفها المرجعية النهائية التي لا تُناقش، وهي مرحلة الواحدية السائلة، أي: قوانين اللعبة، أما نوع اللعبة وهدفها فهي أمور يمكن مناقشتها والتفاوض بشأنها.
اللحظات النموذجية لتحقق العلمانية الشاملة: يستدل المسيري بثلاث لحظات نموذجية تُظهر العلمانية في أقصى صورها: اللحظة السنغافورية حيث يظهر الإنسان الاقتصادي وحدة إنتاجية، لا قيمة له إلا بقدر إنتاجيته، واللحظة التايلاندية حيث يظهر الإنسان الجسماني جسدًا في سياحة الجنس واللذة، غايةً نهائية، واللحظة النازية والصهيونية حيث يظهر الإنسان الطبيعي المادي عنصرًا بيولوجيًا، والعرق مرجعيته النهائية، في داروينية اجتماعية متطرفة، البقاء فيها للأقوى.
من الثنائية الصلبة إلى الواحدية السائلة: عندما فُصل الإنسان عن الطبيعة، وهو ما يعني وجود مركزين متزامنين متعارضين، أدى ذلك إلى الواحدية الذاتية الإنسانية في التمركز حول الذات، والواحدية الموضوعية المادية في التمركز حول الموضوع، وكان الصراع بين هذين المركزين. لكن حدث انحلال للثنائية: التمركز حول الذات تحول تدريجيًا إلى فلسفة إمبريالية متعجرفة، ومن رحم التمركز حول الموضوع المادي ظهر ما يسمى بـ”الاستنارة المظلمة” وهي عملية تفكيك الإنسان وإزاحته من مركز الكون. فالوهم القديم بأن العلم سيضيء المجهول تبخر بعد أربعة قرون من التجربة، وتبيّن الجانب المظلم للمشروع التحديثي. "إن النظام الذي يكفل له الحياة المادية الهانئة من ناحية اقتصادية، هو أيضا النظام الآلي الذي يتحكم فيه وفي حياته، وهو النظام الذي أخرج الأشياء من عالم الإنسان إلى عالم الأشياء، ثم أخرج الإنسان نفسه من عالم الإنسان ووضعه في عالم الأشياء." وما يثير السخرية على الجانب الآخر، أن الفكر العربي المتأثر، لا يزال يستحضر صورة الاستنارة الوهمية وكأن التاريخ توقف عند تلك اللحظة. ومع نهاية القرن التاسع عشر بدأت تظهر مرحلة السيولة: بدأ الإنسان الغربي يدرك استحالة تنفيذ مشروعه التحديثي، تفككت مقولات الذات الإنسانية المستقلة، ضُربت فكرة الواقع الموضوعي نفسها، فالواقع من منظور تحديثي في حالة حركة مستمرة وتغير دائم، والتغير هو الصفة الثابتة الوحيدة لعالمنا. النتيجة الكارثية: سقطت الطبيعة نفسها في قبضة السيرورة، اكتشف الإنسان أن الطبيعة المتحركة لا تصلح مصدرًا للقيمة، اختفت المعيارية، تشظى الكون وتحول إلى ذرات صغيرة مستقلة. وتغير السؤال الجوهري من “ما هو مركز الكون: الإنسان أم الطبيعة؟” إلى “هل يمكن الإيمان بوجود ثابت متجاوز له معنى؟”
التمركز حول الأنثى: يختم المسيري مجلده الأول بفصل التمركز حول الأنثى بصفته أهم تجليات العلمانية الشاملة في مرحلتها السائلة. والفكرة الجوهرية أن القضية ليست تحرير المرأة أو المساواة بالمعنى الإنساني العادل، بل تفكيك المنظومة القيمية كلها، وإلغاء الفوارق الطبيعية والفطرية، والذوبان في السيولة والتسليع الشامل. "إذ تمّ التحكم في كل شيء، وتم توظيف كل شيء وأدخِل كل شيء في شبكة السببية الصلبة والنفعية المادية.. نقطة الصفر العلمانية الحقيقية ونهاية التاريخ".
يغني المجلد الأول عن الثاني -في ظني-، لمن أراد إدراك الهيكل النظري العام، أما الثاني فتطبيق للنموذج لا تأسيس له، والطرح المسيري، حتى في باب التنظير، قريب من الواقع، حاضر الأمثلة. أما من أراد تتبع ملامح النموذج في الواقع، فالمجلد التطبيقي بمنزلة المختبر، وقد كان توسعياً تحليلياً، هدفه إثبات الأطروحة النظرية من خلال التطبيق على الواقع التاريخي والمعاصر، مع ملحق للتعريف بأهم المصطلحات.
أخيراً: الكتاب يتميز بالشمولية والعمق والقرب -على عادة المسيري في سهولته الممتنعة، اللذيذة المحببة-، يغني عن أغلب مؤلفاته، ويجمع شتات أطروحته المركزية. يتميز -على عادته- بعدم التسليم للتعريف الأكاديمي، بل بتتبع النشأة والتطور والكشف عن الجذور. كما يربط بين المستويات المختلفة، الفلسفة والأدب والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والنفس البشرية. أما تواضعه المعرفي، ففي أخذه بيد القارئ في رحلته البحثية، وتعريفه على طرق استنطاق الواقع فكرياً، وتتبع النماذج عملياً، وسعة الرؤية أفقياً، فيشارك القارئ هواجسه وأساليبه وأفكاره، ولا يتعالى عليه. كما يُقرّ بأنه "لا يوجد مجتمع علماني نماذجي (بلغ نقطة الصفر العلمانية) ولا مجتمع إيماني نماذجي (وصل إلى نقطة النهاية الدينية)، وأن المجتمع الإيماني لابد أن يحوي عناصر زمنية، وأن المجتمع العلماني يحوي بدوره عناصر إيمانية.. فالاختلاف بينهما يكمن في النموذج الحاكم والمرجعية النهائية". أما عن العيوب: فالإفراط في التعميم، أحيانًا، والخلط بين الوصف والتقييم، فبعض ما يصفه المسيري على أنه علمانية شاملة قد يوضع تحت باب التطورات الطبيعية للمجتمعات الإنسانية -بالمعنى الشرعي السنني لا الطبيعي المادي كي لا نقع في الفخ :)-. كما يعيبه إدخال صور التغير البشري المبرر، والذي له سلف في المفهوم مع اختلاف الصور تحت باب العلمانية. ومن أكثر العيوب تقليلًا من بركة أطروحاته وتهوينًا من شأن متانتها العلمية: قلة الاستشهاد بالنصوص الشرعية، وهو ما يُضعف من صلابة الطرح؛ لغياب نور الوحي استدلالاً واستنطاقاً، مصاحبةً ومنطلقاً، وإن كان متلبساً بكثير من معانيه.
بعد الانتهاء من القراءة، ناقشت صديقي الـ"AI” عن سر المسيري: ما هو السر الكامن خلف منهجه البحثي؟ قبل الدخول في التفاصيل، لا بد من فهم السياق المعرفي الذي دفع المسيري لبناء منهجه. فالمشكلة الأصل أن المصطلحات الغربية تُستورد بحمولاتها المعرفية دون وعي، والتفسيرات الجزئية عاجزة عن الإحاطة بالظواهر المركبة، والنماذج التفسيرية الشاملة غائبة في الفكر العربي المعاصر، والانبهار بالأفكار حاضر دون إدراك المنظومة الكامنة خلفها. والحل المسيري هو بناء نموذج تفسيري شامل يربط بين الجزئيات المتناثرة ويكشف عن الوحدة الكامنة خلف التنوع الظاهر. البنية الأساسية للمنهج المسيري: ١- المفهوم المركزي: النموذج التفسيري: النموذج التفسيري هو بنية تصورية شاملة تربط بين الظواهر المختلفة وتفسرها في إطار كلي، تتجاوز التفسيرات الجزئية إلى إدراك المنظومة الكامنة. وعناصره عند المسيري تشمل: المرجعية النهائية وهي ما يُرد إليه كل شيء كالله أو الطبيعة أو الإنسان، والمنظومة المعرفية وهي كيف تنظر للعالم توحيدية أم حلولية، والبنية الاجتماعية وكيف تنتظم المؤسسات، والقيم والأخلاق وما المعيار مطلقة متجاوزة أم نسبية مادية، والممارسات كالتجليات العملية. والفرق بين النموذج التفسيري والفكرة المجردة أن النموذج شامل، يفسر ظواهر متعددة، وله بنية معرفية، ويربط المستويات، وتاريخي متطور، بينما الفكرة جزئية تفسر ظاهرة واحدة وقد تكون عفوية وتبقى في مستوى واحد وثابتة. ٢- المنهج التركيبي: الفكرة الجوهرية أنه لا يكتفي بتحليل الظواهر إلى عناصرها، بل يعيد تركيبها في كل متماسك لفهم العلاقات والوحدة الكامنة. والخطوات العملية تبدأ بالتفكيك: تحليل الظاهرة إلى عناصرها الأولية، كشف الطبقات المتراكمة، إزالة الحمولات الأيديولوجية. ثم الكشف عن المرجعية: ما المرجعية النهائية التي تُرد إليها هذه العناصر؟ ما المنظومة المعرفية الكامنة؟ ثم إعادة التركيب: ربط العناصر في كل متماسك، إدراك الوحدة الكامنة خلف التنوع الظاهر، بناء النموذج التفسيري. ومن ذلك تساؤلاته في هذا الباب: "والسؤال الآن هو: هل علينا أن نقبل بمثل هذه القرارات (ابتداءً من الإبادة النازية وانتهاءً بقبول المخدرات والإباحية) باعتبار أنها تعبير عن إرادة الشعب وصوت الجماهير طالما أنها اتبعت الإجراءات الديمقراطية السليمة، أم ينبغي علينا أن نرفض مثل هذه القرارات الديمقراطية، استنادًا إلى مرجعية أخلاقية متجاوزة للإجراءات الديمقراطية؟ ولكن هل يحق لنا أن نسأل أي سؤال يقع خارج نطاق أخلاقيات الإجراءات والصيرورة؟ ألا يُشكِّل هذا سقوطًا في الميتافيزيقا والماهوية والمطلقية؟" ٣- المنهج التاريخي التطوري: الظواهر لا تُفهم إلا في سياقها التاريخي، والنماذج التفسيرية تتطور عبر مراحل متتاليات يمكن رصدها. ومفهوم المتتالية هو سلسلة من التحولات المتتابعة التي تبدأ من نقطة وتنتهي بنقطة أخرى، وكل مرحلة تُمهد للمرحلة التالية. فمتتالية العلمانية مثلًا بدأت بالإنسان المطلق في عصر النهضة، ثم الثنائية الصلبة بين الإنسان والطبيعة، ثم الطبيعة المطلقة في المادية، ثم الدولة المطلقة في اللفياثان، ثم الإجراء المطلق في البيروقراطية، وأخيرًا الواحدية السائلة في ما بعد الحداثة. ٤- المنهج المقارن التبايني: فهم الظاهرة يتعمق بمقارنتها بنقيضها أو بديلها، لا بدراستها منفردة. فالمقارنة الثنائية تكشف الفروق بين التوحيد والحلول، المتجاوز والكامن، الإنسان والطبيعة، الثابت والمتغير. والمقارنة التطورية تقارن مراحل النموذج ببعضها كالعلمانية الجزئية مقابل الشاملة. والمقارنة الجغرافية الحضارية تقارن الولايات المتحدة بالاتحاد السوفييتي، الغرب بالشرق، النموذج الغربي بالنموذج الإسلامي. ٥- المنهج الطبقي: الظواهر متعددة الطبقات: ظاهر وباطن، سطح وعمق، معلن وكامن، فلا بد من اختراق الطبقات السطحية للوصول للبنية العميقة. والطبقات الثلاث هي: المستوى الظاهري، وهو ما يُعلن ويُصرح به من شعارات ودعاية ومصطلحات وتعريفات رسمية، والمستوى البنيوي، وهو البنى الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية والتحولات العميقة في بنية المجتمع وآليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، والمستوى المعرفي، وهو المرجعية النهائية والمنظومة المعرفية والرؤية للكون والإنسان والحياة والمطلقات الظاهرة والخفية. ٦- منهج الكشف عن التحيز: الفكرة الجوهرية أن كل معرفة متحيزة، لا توجد معرفة محايدة تمامًا، والمهم هو كشف التحيز ووضعه في سياقه. وأنواع التحيز تشمل التحيز المعرفي في النموذج المعرفي الكامن خلف البحث والمسلمات غير المعلنة والمرجعية النهائية للباحث، والتحيز الثقافي في القيم والعادات للمجتمع الذي ينتمي إليه الباحث واللغة وحمولاتها، والتحيز الأيديولوجي في الموقف السياسي والمصالح الطبقية. ٧-منهج الكشف عن المضمر: الكثير من الأفكار التي تبدو محايدة وبريئة تُضمر منظومات معرفية كاملة، فلا بد من كشف المضمر. فمثلًا “الإنسان الطبيعي” يضمر أن الطبيعي يساوي المادي، والإنسان جزء من الطبيعة المادية، والمرجعية هي الطبيعة والمادة وليس الوحي. وكذلك “وحدة العلوم” تضمر اختزال الإنسان في الطبيعة، و”الموضوعية” تضمر نفي المتجاوز والقيمة، و”التقدم” يضمر التاريخ الخطي الحتمي، و”التنوير” يضمر العقل المادي المطلق…وهكذا.
ملاحظة ختامية مهمة: يعترف المسيري في نهاية الفصل السابع باعتراف بالغ الأهمية: “ولكن على الرغم من كل هذا، فنحن نذهب إلى أن تفسير جاذبية النموذج التحديثي العلماني الشامل على أساس تراكمي لا يكفي لتفسير ظاهرة الاكتساح هذه. ونرى أن أحد أهم أسباب نجاحه على المستوى العالمي هو أن جذوره كامنة في النفس البشرية نفسها .” هذا الاعتراف الشجاع، يكشف عن صعوبة المعركة، وصدق التتبع، فهو لا يكتفي بالتفسير الاجتماعي والتاريخي، بل يعود إلى الطبيعة البشرية ذاتها، ويعترف لها ببالغ الأثر.
للتنبيه: ثمّة تحامل صريح على وجبة "البرغر"، وفي موضعين مختلفين. إذ حُمّلت -ظلماً وبهتاناً- أوزار بني قومها، وأُخذت بجرائرهم، وهي وجبة كريمة المكوّن، شريفة المنشأ. وحسب العولمة منقبةً أن جادت بها علينا، وهو ما قلّل من قيمة الكتاب، الذي أظهر أثر تعصّب المسيري الجائر لمطبخه المحلي!
مخرج: "إن انتصار أوبنهايمر العلمي المادي، ثم تقيؤه في تلك اللحظة يشبه الأدب الحداثي. فهو أدب حضارة، لا يحتفي أدباؤها بالانتصار.. وإنما يتقيؤون!".
أكثر ما أحبه في المسيري طريقة طرحه للأفكار وأسلوبه العلمي جدا ،لكل شيئ تعريف ولكل شيء مرجع .. كلامه دقيق وواضح لا يمكنك الا أن تفهمه ولا يمكنك الا أن تعمل عقلك لتفهمه ،متعة وراحة كبيرة تنتابك حين تجد بعض المنطق في هذا العالم مصطلح العلمانية الكثير الجدل أصبح بعد هذا الكتاب سهلا وواضحا ،الكتاب شامل لكل ما يخص العلمانية من فكر وفعل ولغة ،الكتاب ذو فائدة كبيرة ومهم جدا رحم الله المسيري وجازاه بخير الجزاء
ربما كتابة مراجعة لهذا السفر العظيم من أسفار الفكر قد تعوض كل تلك الوعود بمراجعات لم ولن تكتب في الغالب. هذا الكتاب يفسر عالمنا، ولكنه ليس تفسير متجاوز فمرحجعيته بشرية فهو ليس وحي وهذا ما يجعله متميز. قدرته علي وضع اطار شامل للعلمانية التي نعيش في ظل منجزاتها، بخيرها وشرها، باباداتها وتجاربها القاسية وبتقدمها العلمي.
سأكتب مراجعة لهذا الكتاب، مراجعة ذاتية وغير موضوعية وغير شاملة هذا نذر ووعد لنفسي. لكن حياتي الان فيها أشياء أهم لأخاف منها.
تعريف الكتاب للعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة:
العلمانية الجزئية رؤية جزئية للواقع -براجماتية- لا تتعامل مع أبعاده الكلية والنهائية -المعرفية- ومن ثَمّ لا تّتسم بالشمول، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة وربما الاقتصاد وهو ما يُعبَّر عنه بعبارة فصل الدين عن الدولة، وهذه الرؤية الجزئية تَلزَم الصمت بشأن المجالات الأخرى من الحياة كما أنها لا تُنكِر بالضرورة وجود مُطلقات وكليات أخلاقية وإنسانية وربما دينية أو وجود ما ورائيات وميتافيزيقا، ولذا لا تتفرع عنها منظومات معرفية أو أخلاقية، كما أنها رؤية محددة للإنسان فهي قد تراه إنساناً طبيعياً/مادياً في بعض جوانب حياته -رقعة الحياة العامة- ولكنها تَلزَم الصمت فيما يتصل بالجوانب الأخرى من حياته.
أما العلمانية الشاملة فهي رؤية شاملة للعالم ذات بُعد معرفي كلي ونهائي تحاول بكل صرامة تحديد علاقة الدين والمطلقات بكل مجالات الحياة، وهي رؤية عقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحدية المادية التي ترى أن مركز الكون كامن فيه وأن العالم بأسره مكوَّن أساساً من مادة واحدة لا قداسة لها ولا تحوي أية أسرار وبحالة حركة دائمة وبلا غاية ولا تكترث بالخصوصيات أو التفرد أو المطلقات أو الثوابت! وتتفرع عن هذه الرؤية منظومات معرفية -الحواس والواقع المادي مصدر المعرفة- كما تتفرع عنها رؤية أخلاقية -المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق- ورؤية للإنسان -الإنسان كجزء لا يتجزأ من الطبيعة/المادة ليست له حدود مستقلة تفصله عنها- ولذا يمكن القول بأن العلمانية الشاملة تعبير عن النزعة الحلولية في الإنسان، وفي نهاية الأمر هذا يعني أن كل الأمور تاريخانية زمنية نسبية لا قداسة لها، مجرد مادة استعمالية.
والعلمانية الشاملة بهذا المعنى ليست مجرد فصل الدين أو القيمة عن الدولة أو الحياة العامة، بل فصل كل القيم عن العالم والإنسان بحيث يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها يوظفها الإنسان الأقوى لصالحه ولذا نذهب أن العلمانية الشاملة هي الإمبريالية التي قامت بترشيد الإنسان الغربي في إطار النموذج المادي وجيَّشت الجيوش ثم غزت العالم و حوّلته إلى مادة استعمالية يوظفها الإنسان الغربي -بوصفه الأقوى- لصالحه.
.....
مما ورد في الكتاب:
1- "يوجد في تصوّرنا علمانيتان لا علمانية واحدة، الأولى جزئية ونعني بها العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة، والثانية شاملة ولا تعني فصل الدين عن الدولة فحسب وإنما فصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية لا عن الدولة وحسب وإنما عن الطبيعة وحياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، بحيث تُنزَع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى ".
2- "مما زاد مصطلح -علمانية- قصوراً أن كثيراً من الناس يظن أن العلمانية فكرة ثابتة أو مخطط واضح المعالم وأنها ليس لها تاريخ، بينما هي واقعياً نموذج إدراكي كامن تفرعت عنه متتالية تتحقق تدريجياً في الزمان، ومن خلال عمليات علمنة متصاعدة آخذة في الإتساع، ومن ثَمَّ، نجد أن معدلات العلمنة في المراحل الأولى من المتتالية تختلف عن نظيرتها في المراحل الأخيرة، فبعض ما كان ممجوجاً وغير مقبول في أوائل الستينات أصبح مقبولاً ومباحاً بل محل فخر أحياناً"
أظن الدكتور يقصد ظاهرة قوم لوط وما شابه لدرجة أنهم خصصوا يوماً في السنة وسمّوه بشهر الفخر "pride-moth" .. والعياذ بالله
3- "إذا نظرنا إلى الأدب الغربي منذ شكسبير حتى عصر النهضة سنجد في شخصيتها أبعاداً إنسانية وبطوليّة، قد ينتابها الشك وقد ترتكب أفعالاً مأساوية لكنها مع ذلك تظل ذات مرجعية إنسانية وتؤمن بمسؤولية الإنسان عن أفعاله وتدور في إطار منظومات قِيَمية، ويستمر هذا في أدب القرنين ال18 و ال19 مع دكنز و هوجو و دوستويفيسكي، إلى أن ندخل القرن ال20 حيث يختفي الأبطال تماماً ويختفي الإنسان، ويكتب كافكا قصصه حيث يخضع الإنسان تماماً إلى حتميات لا يُفهَم كنهها فيتحول إلى صرصار ويُحاكم ويُعدم لسببٍ لا يعرفه !
لماذا تموت الأشياء الجميلة في الأدب و الشعر الحداثي !؟ إن عالم الشعر الحديث في جوهره عالمٌ انسحب منه الإله و نُزِعَت منه القداسة وتفكك فيه الإنسان فأصبح خالياً من المركز والمرجعية الإنسانية".
4- تجربة العرب والمسلمين مع متتالية العلمنة مختلفة فعمليات العلمنة لم تنبع من واقعهم التاريخي والاجتماعي وإنما أتى بها الاستعمار الغربي.
5- معظم التعريفات العربية للعلمانية أهملت قضية المرجعية النهائية للمصطلح، كما أنها تجاهلت الظواهر المصاحِبة لظهور العلمانية كالإمبريالية والاستهلاكية والحروب العالمية والحركات الشمولية .. بالإضافة إلى أنها لم تُناقِش بعض المسلّمَات النظرية الأساسية التي تُعدّ ترجمة مباشرة للرؤية العلمانية كالماكيفيلة والهوبزية والداروينية والفرويدية والنفعية المادية.
6- مراجعات مفهوم العلمانية والحداثة في العالم الغربي بلغت أبعاداً ربما لم تصلها بين العلمانيين العرب.
7- يجب أن نربط بين التكنوقراطية واتجاهات أخرى في المجتمع الحديث مثل ظهور علوم جديدة كالهندسة الوراثية والاستنساخ فهي اتجاهات نحو مزيد من التحكم في العالم، ونحو مزيد من تطبيق اكتشافات العلم والتكنولوجيا على الإنسان.
8- عملية الانتقال من العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة هي في جوهرها عملية تفكيك للإنسان، إذ يُرَدّ الإنسان -الذي يتحرك داخل حيّزه الإنساني و الحيّز الطبيعي- إلى المادة و قوانينها، فيُلغى الحيّز الإنساني ولا يبقى سوى الحيز الطبيعي/المادي.
9- رغم أن المجتمعات الغربية الحديثة حققت انتصارات مادية مذهلة في القارة الأوروبية وخارجها، ورغم أنها توفر أعلى مستوى استهلاكي للإنسان في التاريخ، إلا أن الأدب الغربي الحديث ليس أدب انتصار أو احتفاء بالانتصار وإنما هو أدب سوداوي يعبّر عن الخوف والهزيمة، ويمكن القول بأن ظهور العدمية الفلسفية والسياسية هو الآخر تعبير عن أزمة المعنى.
10- ما يُطرَح عادةً هو مفهوم العلمانية الجزئية، أما الممارسة الفعلية في معظم مجالات الحياة اليومية في تتم على أساس العلمانية الشاملة.
11- الفرق بين العلمانية الجزئية والشاملة هو الفرق بين مراحل تاريخية لنموذج واحد، فالعلمانية ليست مجرد تعريف ثابت وإنما ظاهرة لها تاريخ.
12- يمكن القول بأن العلمنة هي -الترشيد المادي-، أي إعادة صياغة الواقع المادي والإنساني في إطار نموذج الطبيعة/المادة بالشكل الذي يُحقِّق التقدم المادي (وحسب) مع استبعاد كل الاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية
13- تحدث المؤلِّف عن ظاهرة التحوّل والنسبية والميوعة في مجتمع مابعد الحداثة العلماني، وسمّاها بظاهرة الترانسفير وهي ذوبان المطلقات وسرعة التحوّل من مركز لآخر إيماناً بعقيدة التقدم في تفكير الإنسان الغربي العلماني، وضرب على ذلك مثالاً بتغيًّر الأسر الكبيرة إلى أسر نووية ثم أسر شاذة بحيث قد يكون الأب والأم من نفس الجنس، وفي الميول الجنسي، ومن ثَمَّ يقول المسيري :"ويصل الترانسفير إلى قمته عندما يختفي مفهوم الطبيعة البشرية في العلوم الإنسانية الغربية ويصبح من الرجعية الاهتمام بأية مُطلقات أو ثوابت إنسانية أو مرجعية، فالإنسان مجموعة من العلاقات المادية المتغيرة التي يمكن تعريفها إجرائياً وحسب".
وهذا الاقتباس مهم ويدلّ على بُعد نظره رحمه الله فالكتاب نُشِر في تاريخ (2002م) ونحن الآن في عام 2022م وتمرّ علي الكثير من الأخبار عن المجتمع العلمي -الغربي- بالذات في العلوم الاجتماعية تُشِي بذوبان الهويات الأصلية تماماً وضياعهم في النسبية!
أذكر من هذا، هذا المقال الذي قرأته عن دور علم النفس الحالي في ترويج أن الشذوذ أمر عادي وطبيعي، طبعاً كاتبة المقال تنقل هذا وبنظرها أنه أمر ممدوح لكن أنا أنقله لتبيان دور العلوم الاجتماعية في تمييع الهوية الجنسية للإنسان الحديث: https://legal-agenda.com/no-human-bei...
وبالمقابل هذا خبر آخر عن بروفيسور في تخصص الأعصاب اُستُبعِد لأنه ذكر بأن الجنسين اثنين فقط ذكر وأنثى، فالأمر كما تنبأ المسيري ذوبان لكل المُطلقات ومُحاربة من يتمسّك بها!:
لذلك عند القراءة في العلوم الاجتماعية الغربية يجب عليك كقارئ أن تستحضر معتقداتهم الباطلة، ولا تظن -كما يُروَّج- أنهم محايدون في العلم إلخ إلخ بالعكس جمعية علم النفس الأمريكية رسمياً أزالت الشذوذ نتيجة ضغوط سياسية، قرأت هذا قديماً في مقال بصحيفة أمريكية لكن للأسف لم أحصل على الرابط إذ نسيت العنوان..
14- أي مشروع قومي علماني ينطلق عادةً من الإيمان بخصوصية الذات القومية وأهميتها، لذا نجد أن الدولة القومية تحدد حدودها بصرامة و توحّد السوق و تُعيد كتابة التاريخ القومي و تشيّد المتاحف وترعى الفنون الشعبية، ولكن من خلال التطورات الثقافية والاقتصادية في الحضارات العلمانية المستنيرة بدأت رقعة العام والحياة العامة تتسع، وبالتالي بدأت آليات السوق تكتسح كل الجيوب الخاصة.. وقد انعكس هذا على الفكر القومي العلماني، لذا بدأ كثير من القوميين العلمانيين يشيرون إلى أن الحديث عن الخصوصية هو أمر رومنسي يتنافى مع التقدم.
يشرح د.عبد الوهاب المسيري في هذا الكتاب الرائع مصطلح العلمانية بطريق غير إعتيادية وبتحليل عميق لمواطن الضعف والقوة من الناحية النظرية ومن ناحية التطبيق وكل كلمة في هذا الكتاب هي فكرة في حد ذاتها. كما انه صاغ مصطلحين جديدين وهم العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة لوصف الظاهرة بشكل دقيق وموضوعي بلا إفراط ولا تفريط. بإختصار كتاب إن لم تقراءه فقد فاتك الكثيييييير
تنويه: هذه المراجعة طويلة جدا مما يجعلها تبدو بشكل غبي كما هي الآن ولكني أرصد لنفسي أولا ولمن يهتم ثانيا أفكار مجلد النظرية هذا لأستطيع استرجاعها عند البدء في مجلد التطبيق
اعتدت منح نفسي فسحة من السرحان العبثي أثناء (نشر الغسيل) لتصير المهمة أدفأ شتاءاً وألطف صيفاً ..وكانت (العلمانية ) هي محور سرحاني الأخير فتقافزت ببالي عدة أفكار لا أدري والله إن كانت منطقية ومترابطة ام لا ..الفكرة الأولى : كانت حالتي الذهنيةعند كل جدالٍ بين داعي للعلمانية ورافض لها ..حيث يبدو عقلي أشبه ما يكون برؤوس مشاهدي مباريات (التنس) يتأرجح مابين هنا وهناك ولا يستقر إلا بعد انتهائها...الفكرة الثانية: هي إصرا�� البعض في هذا الجدال على إقحام حديث( تأبير النخيل الشهير )والذي قال في ختامه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) فإن تركنا جانباً التناقض في أن تؤكد على أهمية فصل الدين عن شئون الحياة بالاستشهاد بدليل ديني ..وان وقفت محايداً لبرهة مع الحديث الشريف ستجد دعوة صريحة لدولة المؤسسات فإن كانوا هم أعلم بأمور دنياهم فلا شك هناك من هو أعلم بأمور دينهم والخلط سيؤدي حتما إلى الإفساد ...فهل يعد ذلك علمانية ؟؟....الفكرة الثالثة : صوت الإمام الشعراوي رحمه الله وهو يفسر إحدى آيات الرزق والسعي التي لا أذكرها فضرب مثلا بتلميذ ملحد وآخر مؤمن وذاكر الأول ولم يفعل الثاني ...فلم يضر الأول إلحاده بشئ كما لم ينفع الآخر إيمانه ..ثم مثلا آخر في إحدى كتابات الإمام الغزالي رحمه الله حيث قال شئ كمثل أنه حين يسقط الكافر والمؤمن في البحر فإن ناموس الكون يقول أن الناجي هو من يحسن العوم إلا إن كتب الله سبحانه غير ذلك ....فهل يعني هذا أن ناموس الكون علماني؟؟...الفكرة الرابعة :أني تذكرت فجأة ترديد أبي لحديث رسول الله (ص) : ((الخلق كلهم عيال الله)) وكيف كنت لا أحب البحث في سند هذا الحديث بالذات مخافة ان أجد ما يشوب تصديقي له ..فأنا أحبه جدا ...يشعرني بأننا جميعا بكل من فينا من مؤمنين وملحدين ومجرمين ومسالمين وقتلة ومقتولين ..ما نحن إلا أطفال نلهو بساحة هذا الكون الفسيح وتحت عباءة رحمة الله العطوف اللطيف ,,وان أخطأ أحدنا أو حتى كفر البعض فلن يحرم ذلك أحداً كفالة الله برزقه في هذه الدنيا أبدا ...أيعني ذلك أن العلمانية صفة (......)؟؟ ثم نفضت الفكرة تلقائيا مع قطع الملابس المتبقية خوفاً من أن يجرني جهلي إلى ما لايحمد عقباه؟؟ كنت فقط أريد نسجاً محكما لفكرة العلمانية فتشابكت خيوطي حتى استحالت عقداً وكان لابد لي من ترك غزلي جانبا والبدء بنسج غزل جديد وهذا الكتاب أول خيوطه . أولا ً عليّ الاعتراف بأني تعثرت بالكثير من المصطلحات حتى كدت أنكفأ على وجهي في بعض الصفحات كمثل (الكونفوشية،المعنى الأنطولوجي، المبادئ الهيجلية، الرؤية الماهوية ، الأنومي او اللا معيارية، المشكلة الهوبزية، العلمانية الواحدية والتعددية، التشيؤ والتسلع، العقل التفكيكي والأداتي، التجربة الإمبريقية، السيسيولوجيا، النظام السيميائي) ......(لأ خلاص أنا عايزة أروح!!) هكذا حدثت نفسي في البدء ولكن حقيقة سيبقيك أسلوب الدكتور المسيري..سيصلك بلا شك انحناءته الجاهدة لإيصال المعنى من خلال السياق بأبسط أسلوب ..,وأنا أجدها أستاذية متمكنة جدا في العرض ...ولكن لا يغريك ذلك باصطحاب الكتاب للمشاوير الطويلة او أماكن الانتظار ...فهذا الكتاب مثالي جدا للقراءة من تحت البطاطين وحدك ..بشرط أن تكون في كامل اليقظة لأنه أيضا كُتب في تمام يقظة ..وهذا أقل ما يستحقه
بالرغم من إنهائي لمئة صفحة فقط من مجلد النظرية الاول هذا إلا أني أود القول بأن الدكتور المسيري رحمه الله غني عن التعريف ..ليس فقط لأنه هو من هو...ولكن لأن سيرته بل واهتماماته أيضا ستبدو جلية في النص..سيكون في بعض الأجزاء الأستاذ في الأدب الإنجليزي فيأتي لك بتطور الأدب وتأثره بالعلمانية على مدار العصور ثم يكون المتخصص في الدراسات اليهودية والصهيونية فيحدثك قليلا عن الإمبريالية والإستعمار ثم يصبح المتذوق للفن التشكيلي وتأثره بالحداثة المدنية ..ولا أنكر أني شعرت به في بعض الأسطر يتحدث كالمحلل النفسي وكانت الأجزاء الأكثر تشويقا بالنسبة لي.
فكرت في أن ارصد لنفسي ما استوعبته من أفكار بعد كل مئة صفحة...وهذه هي أفكار المئة الأولى : أولا: هناك فرق بين العلمانية الجزئية((فصل الدين عن الدولة )) والعلمانية الشاملة وهي : ((فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها الخاص والعام)) وأن الخلط ما بين الإثنين في الخطاب المستخدم في تناول الظاهرة العلمانية هو ما دعا الدكتور لتبني هذه الدراسة ((بروح استكشافية)) كما قال... لذا فهي حيادية بحتة وأشبه بالبحث العلمي وليست يقين عقائدي تناولها بمجلدين الأول( النظرية) والثاني( التطبيق )
ثانيا : عدة أسباب كانت وراء تسطيح القضية وتعميق الخلاف حول العلمانية منها مثلا : ((تصور أن العلمانية مجموعة أفكار وممارسات واضحة )) أو اعتبارها ((فكرة ثابتة لا متتالية آخذة في التحقق))ويقول رحمه الله : (( فالعلمانية لها تاريخ الامر الذي يعني أن الدارسين درسوا ما هو قائم دون أن يدرسوا حلقات المتتالية كلها ))كما أن الدائرة الضيقة للجزئية تتشابك مع الكامنة الشاملة وأورد العديد من أمثلة المفكرين المنادين والمناهضين والذين أخذو بالتأرجح بين هذا وذاك مما أدى كما قال إلى : ((أن الحوار حول العلمانية أصبح مشوشا بل مستحيلا إذ يستخدم المتحاورون المصطلح نفسه ولكن كل واحد منهم يسقط عليه معنى مختلفا ويراه في إطار مرجعية مختلفة ))
ثالثا : أن اعتبار العلمانية الجزئية هي نوع من أنواع التمايز المؤسسي ولا علاقة لها بالمرجعية النهائية للدولة حيث تجعل العلم والمقدرة الدنيوية هي الحكم في تسيير الشؤن ..هو اعتبار لا خلاف عليه وموجود منذ زمن الرسول (ص) وأورد حديث النخيل وكذلك قصة من قصص خدع الحرب وآليات إدارة المعركة العسكرية.. وإنما العلمانية الشاملة كانت هي دوما رأس الخلاف.
رابعاً: ان التصور الإختزالي لفكرة العلمانية في عبارة (ما لقيصر لقيصر وما لله لله) والتي نشأت مع الثورة الفرنسية جعلت البعض يظنون أنها ظاهرة مسيحية غربية ولا علاقة للاسلام بها بل ظن البعض كما قال : ((أنها مؤامرة عالمية يهودية أو صليبية غربية وإن الباحث الذي يؤمن بمثل هذه الرؤية يتناول عمليات العلمنة الواضحة ومؤشراتها الظاهرة فإن وجدها صنف المجتمع على أنه علماني وإن لم يجدها فهو ببساطة مجتمع إيماني )). خامسا : تجاهل البعض المعادي للعلمانية للكثير من الحقائق البديهية اخترت منها هذه الأجزاء يقول المسيري رحمه الله : ((اية جماعة إنسانية وضمن ذلك الأمة الإسلامية مهما بلغ تدينها لابد أن تتعامل في كثير من الأحيان مع الزمان والمكان والطبيعة والجسد من خلال إجراءات زمنية صارمة )) ثم أورد مثالا ببناء دور للعبادة والذي يتطلب عمال يتسمون بالكفاءة دون النظر إلى معتقداتهم أو أخلاقهم ..وكذلك الجزء المسهب الذي تحدث فيه عن أن ((كل الأشياء المحيطة بنا المهم منها والتافه تجسد نموذجا حضاريا متكاملا )) وأن هذا النموذج سيقوم بإعادة صياغة وجدان الناس وأحلامهم الخاصة ورغباتهم دون أن يشعروا.
سادسا : لتوضيح النقطة الخامسة تلك أحب أن أكتب عن مثالين أوردهما متفرقين في الموضع لكني أجدهما متقابلين جدا تحدث المسيري عن أن الحياة الحديثة التي نحياها بما فيها من نمط سريع في الملبس والمأكل ونوعية اللإعلانات التي تحدد مشتهياتنا بل وتعدى ذلك إلى ما يسميه ((قطاع اللذه)) والذي يحوي مواد الترفيه كلها والأفلام السينمائية الغربية وأضاف إلى ذلك ما إذا كنت تسعى عامدا وراء الأفكار الإباحية في ما تشاهده أو تقرأه أو حتى كنت مجبرا على تلقيها من خلال نمط الحياة الرأسمالي الذي لا يبيع لك الشئ إلا إن تحدث إلى الحيوان فيك ..كل هذا وغيره يخلق لك وجدانا علمانيا شموليا وأنت ما تزال تصلي وتؤدي الزكاة وربما كنت أيضا أحد المناهضين للعلمانية !!..و.المثال الثاني هو قوله ((من المعروف أن الاتحاد السوفيتي كان دولة تسيرها عقيدة علمانية شاملة ذات طابع الحادي مادي هجومي اما الولايات المتحدة فهي تسمح بحرية العقيدة والتبشير كما أن عدد الكنائس بها كبير جدا بل إن الدولار الأمريكي متوج بعبارة (نحن نثق بالإله ) وحسب هذا الإنطباع الأولي كان لابد أن يكون الإتحاد السوفيتي أكثر علمانية من الولايات المتحدة)) ولكن العكس هو الصحيح فالولايات المتحدة هي أكثر البلدان علمنة بلا منازع ...وبذلك يصبح تصنيف المجتمعات بعيدا تماما عن الشعارات التي تتبناها بل يعود إلى عدة أسباب متراكمة وومركبة لخصها المسيري بلفظة (urbanization) (( أي أن عمليات التمدن والتصنيع والهجرة من القرى للمدن وانتشار السوق وظهور أنماط مختلفة من التضامن بين البشر لا تقوم على أساس الروابط الأسرية أو القبلية وغير ذلك من العوامل ... ثم أضاف بعد شرح طويل ((وعلى هذا فقد يصنف بلد باعتباره إسلاميا مثلا لأن دستوره هو الشريعة الإسلامية مع أن معدلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد دستوره ليس بالضرورة إسلاميا ولكن معظم سكانه لا يزالون بمنأى عن آليات العلمنة البنيوية الكامنة التي أشرنا إليها )) بدأ بعد ذلك في تفصيل ( العلمانية ) مصطلحا ومفهوما وتعريفا وجال في كل شئ ذكرت به اللفظة حتى أصابني الدوران فتحدث عن أصل اشتقاقها اللفظي في المعاجم واختلاط التعريف عند المفكرين الغربين تماما كأمثالهم العرب وأورد العديد من النظريات الفكرية القديمة والحديثة في محاولة إيجاد تعريف لائق للعلمانية كنت أعلم جهلي بالعلمانية ولكن هذا الكتاب جعل علمي بهذا الجهل يقينا ..وشعرت بأن لي عقلا صدأ حينما كنت أحتاج إلى إعادة بعض الأسطر لاستيعابها ..ولكني لا أدري ماذا أطلق على نفسي وأنا أقوم من هذه المئة متجهة إلى علبة (حلاوة المولد) لأنقب عن أنواعي المفضلة منها وأنا أدندن أغنية (حوار ثقافي ) لسميح شقير ...حينها شعرت باليأس من نفسي ولا أدري حقا كم من الوقت أحتاج لإنهاء هذا الكتاب.
أفكاري عن المئة الثانية :
رحلة أكاديمية بحتة في مراجعات العلمانية كمفهوم عند المفكرين والباحثين في الغرب والشرق ..وهي عديدة ولكل منها مزايا وعيوب أحب أن أورد منها مثلا مراجعة (ارفنج كريستول ) والذي يرى أن ((العلمانية هي رؤية دينية حققت انتصارا على كل من اليهودية والمسيحية )) ورغم رفض العلمانيين ذلك يشدة إلا أن نظرة كريستول الراديكالية جعلته يحتج بأنه ((في هذا الدين العلماني يصنع الانسان نفسه وبوسعه أن يفهم الظواهر الطبيعية وأن يتحكم فيها وأن يوظفها بشكل رشيد لتحسين الوضع الانساني )) ويرى في موضع آخر أن : ((العلمنة ارتفعت لأقصى حد في الولايات المتحدة بل إن العقائد الدينية ذاتها تمت علمنتها وأصبحت نوعا من المهدئات النفسية))...والنظرية الأخرى للألماني (فيبر) والذي يرى أنها ((نزع الغشاوة عن العالم وهو معنى ايجابي بمعنى أن يرى الإنسان الأمور على ما هي عليه ..ولكنه يعني أيضا خيبة الأمل والظن وهو معنى سلبي ))حيث تسقط القداسة والصورة المضيئة عن العالم والأشخاص لتحل محلها صورة واقعية مظلمة وسيصبح ((كل إنسان ترسا صغيرا في الآلة ولأنه يدرك ذلك سيكون همه الأوحد أن يصبح ترسا أكبر)) حتى لو جعله ذلك يطأ بعض القيم المعنوية وهو ما سماه (سقوط المعنى ) او كما أطلق عليه (تشيؤ العالم )أي ماديته البحته أو( تسلع الإنسان) أي تحوله إلى سلعة تعلو قيمتها وتهبط تبعا لما ينتجه.
ضرب المسيري عدة أمثلة ليثبت نظرية فيبر عن تشيؤ العالم منها قوله : ((والنازية حينما أبادت اليهود والعجزة كانت تفعل ذلك لأنهم (غير نافعين ) وموضوع تحويل اليهود إلى شعب منتج كان مطروحا في أوروبا )) ولأنهم رأوا هذه الفئة ((فائضا بشريا)) قاموا بأرسالهم في قطارات إلى بولندا وأميركا ودول أخرى والتي رفضت جميعها منحهم حق الهجرة لأراضيها من نفس المنطلق العلماني المادي ثم يضيف : ((إن العالم الغربي برفضه هؤلاء اليهود أيد ضمنيا الجريمة النازية ووافق على منطلقاتها الفلسفية حتى وان لم يوافق على الشكل المتطرف الذي اتخذته)) ....تذكرت هنا وأنا أقرأ سخرية زملائي في العمل على أقوال (البرادعي) بشأن الهولوكوست ..ما العلة حقا في أن أؤكد على حقيقة تاريخية لا تقرها كتب التاريخ فحسب بل كتب علوم الجينات أيضا؟؟؟.ما شأن الإقرار بالحقيقة بما فعله الكيان الصهيوني بعد ذلك بابتزاز العالم بها ؟؟؟. والغريب أن بعضا منهم كان بجانبي حين كنا ندرس أن الفكرة العلمية (الإيوجين)كانت تطمح بالحصول على سلالة بشرية نقية أكثر قوة وذكاء وهو ما دفعها إلى هذا التخلص الممنهج لبعض الأفراد الزائدين عن الحاجة بنظرهم وكان المثال حينها هو (الهولوكوست)....ولكن على مايبدو لم يكن خطأ البرادعي في مضمون ما صرح به بل في فعل التصريح عينه ...فبعض اليقين لا يقال.. وخطاب الجموع فن ..تذكرت فجأة خطاب شاهدته لعبد الناصر .يحدث الشعب فيه عن أزمة اقتصادية فيقول لهم بأسلوب كهذا (الامريكان عايزين يلووا دراعي وبيقولولي هانحرمك من المعونات قلتلهم وايه يعني الشعب المصري راجل وهيقف جنبي للاخر )...ويهتف الناس بحماسة ثم يضيف (وإيه يعني لما تاكل انت وعيلتك فرخة واحدة بدل اتنين او تشرب كوباية الشاي بمعلقتين سكر بدل تلاتة ) شعرت بأنه وسط كل هذه الجموع قد ينحني على أحدهم قائلا(معاك ولعة وحياة والدك )!! وقد يكون لتوه أنهى حديثا دوبلوماسيا مع كل من ذكرهم في خطابه ..ما أنا متأكدة منه أن خطاب هؤلاء المفكرين والمثقفين أمثال البرادعي او حتى المسيري نفسه هو خطاب من منبر عاجي بعيد عن أذن الجموع والعامة ..وهذا كافيا لوأده
أضاف المسيري شرحا مطولا لرأي الانجليزي (باومان): ((بأن غياب المطلق الديني يؤدي إلى التمحور حول الجسد فتغيب فكرة الجماعة والمجتمع والهوية وحين يصير الجسد هو المحور يكون هو ايضا الهدف عند النزاع ويكون الحل هو الإبادة )).
قد تدفعك هذه النظريات للظن بأن المجتمع الغربي أصبح ماديا للدرجة التي إن جاع فيها أحدهم لقضم كتف الجالس بجواره!!....ولكن توضيح المسيري رحمه الله في البداية سينأى بك عن ذلك حيث أطلق سؤالا مجازيا قائلا : لما لم ينقرض الدين المسيحي في الغرب إذن ؟؟ وأجاب بأن السبب في ذلك هو ما سماه (أنسنة التعاليم المسيحية ) أو ما يطلق عليه (هيومانيزم) بحيث أصبحت مظلة القيم والأخلاق أكثر امتدادا لتسع العالم بأسره بدلا من مظلة الأديان الضيقة التي قد تؤدي إلى ما يعانيه العالم من عصبية وصراع ..أو كما قال (جون كين ) وهو أحد منظري العلمانية ((بأن الدعوة الربوبية أخفقت في خلق جو متسامح يستطيع البشر فيه أن يتعايشوا على الرغم من اختلاف معتقداتهم))
ولج بعد ذلك إلى مراجعات المفكرين الشرقيين عن العلمانية ....راقني منها بشدة رأي المفكر (جلال أمين ) والذي رأى أنه حتى المجتمعات المتدينة بدأت تصبغ قيمها صبغة مادية مبنية على دراسة احتمالات الربح والخسارة حتى فكرة (القومية العربية) ذاتها على اعتبار المزايا الاقتصادية التي تحققها السوق المشتركة .. او حتى (الحرب ضد اسرائيل ) فلم تعد معيارية القيم الانسانية بمعناها المجرد بل بقدر المنفعة المادية منها فيقول ((فقضية إسرائيل كانت دائما بالنسبة لنا قضية قومية وليست قضية اقتصادية أو فنية ..كانت قضية طرد شعب لشعب آخر من أرضه كما بينت حروب 48 و56و 67 ثم تحولت باتلتدريج إلى قضية استرداد الارض المحتلة حديثا ثم تحولت في السبعينات غلى استعادة بترول سيناء وامكانية فتح قناة السويس ثم صارت قضية تحديد سعر البترول الذي يمكن أن يباع لإسرائيل وأصبح من الممكن أن تعطى مشكلات التنمية أولوية حتى على قضية استرداد الفلسطينين لأرضهم ))فأصبحت المسألة كلهات خاضعة لحساب النفع والخسارة .
يعني من الآخر كدة وبعد 200 صفحة من الكتاب ....سترى العالم العربي على وجه التحديد يدعو إلى العلمانية الجزئية المؤسسية وهو أبعد ما يكون عنها .....ويهجو العلمانية الشاملة المادية وهو حتى الإذنين غارقاً فيها.. فكم غريبا أمر هذا العالم.!!!
كتاب ثقيل ومُجهِد ومٌتعِب وحُلّ له أن يكون كذلك، فهو - كما قيل - كتاب يفسّر العالم. اعترف أنني لم أستوعب كل ما في الكتاب إلا أن الأجزاء التي استوعبتها كانت مزلزلة! العلمانية، كلمة نرددها ليل نهار ونسمعها عبر شاشات التلفاز على لسان مؤيديها ومعارضيها دون أن ندرك المعنى المتأصل وراء هذه الكلمة. المسيري يغوص في أعماق الفلسفة والتاريخ والاقتصاد والسياسة وغيرها من العلوم كي يكشف عن حقيقة هذ المصطلح.
يقسّم المسيري العلمانية إلى قسمين: جزئية وشاملة، أغلب الناس تنظر إلى العلمانية في صورتها الجزئية (فصل الدين عن الدولة) وتغفل عن صورتها الشاملة (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الإنسان، بحيث تزال عنه القداسة ويصبح مجرّد أداة استعمالية يمكن توظيفها للأقوى). يبيّن المسيري أن العلمانية مرّت بمراحل عدة وأننا الآن في مرحلة العلمانية الشاملة حيث يختزل الإنسان في جانبه المادي ويعدّد ظواهر هذه المرحلة كالتشيّؤ والتسلّع والتكنوقراط والعقل الأداتي والتعامل التعاقدي. العلمانية الشاملة تحوّل الإنسان إلى مجرّد آلة، وتنظر إليه من بعد واحد فقط، وتلغي أي مرجعية أخلاقية ثابتة. يعني العالم يتحّول إلى غابة لا يحكمها إلا القوي. عالم لا تحكمه إلا المصالح والمنافع والمكاسب ولا مكان فيه للتعاملات الإنسانية التي لا يُنظر فيها إلى المكسب والخسارة. الأسرة هي آخر حصن في مواجهتنا للعلمانية والمرأة - أو الأم بشكل أخص - هي آخر باب في هذا الحصن.
أدعو كلّ المتحمسين إلى العلمانية إلى قراءة هذا الكتاب كي يتسنّى لهم إدراك الصورة الكاملة وفهم تبعاتها على الوجود الإنساني.
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا المادية اتسني كونطرا مع الشيطان يعطيك القوة السلطة المتعة المال الحياة تعيش وتربي الريش وياخذليك الروح الاخلاق الضمير المبادئ المسيحية تسني كونطرا مع المسيح تربح الروح وتخلص من الذنوب والخطايا في المقابل تزهد فالدنيا والمال والمتعة الاسلام مكيحرمكش تعيش ومكيحرمكش من المال والسلطة والمتعة ولايني راسملك الطريق لي تمشي عليه وطريق الحلال صعيبة حيت الجنة غالية
يمكن أن أعتبر هذا الكتاب(بجزأيه)هو بدايتي الحقيقية مع الراحل المسيري رحمه الله إذ كنت عرفته قبل ذلك صاحب قلم يكتب عدة مقالات تحليلية في الصهيونية والحضارة الغربية وبعض الشخصيات البارزة والمفكرة مثل المفكر الراحل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله وكان ذلك قبل أن تتسع شهرته بشكل ملحوظ وبارز رحمه الله. ورغم أني استمريت في قراءة الكتاب ما يقرب السنة لأني كنت أعود إلى عدة مراجع وكتب أخرى محاولا فهم ما يريد أو إدراك جميع العناصر التي يعرضها للبحث والتحليل.
د.المسيري في بحثه عن العلمانية بشقيها النظري والتطبيقي يسعى إلى تكوين صورة عن قداسة الإنسان وعن أسبقيته على الطبيعية/المادة وفي سبيل ذلك يسعى إلى تعزيز هذه القداسة و(إنسانيتنا المشتركة) مجلياً حقيقة الإنسان في البعد المادي والرباني وفي عدة جوانب أخرى. ورغم انه وفق على صعيد التأسيس لهذه الرؤية إلا أنه لم يجل رؤيته بخصوص (العلمانية الجزئية) وبالذات السؤال الجوهري: هل يمكن ان تؤدي العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة؟ وماذا نفعل حينها؟. الكتاب كثيف بدون شك وهو من النوع الذي يتعبك ويجعلك تستمتع مع هذا التعب في القراءة والتحليل والرجوع إلى عدة مصادر. إلا أن أبرز ما يمكن أن يخرج به القارئ لكتاب المسيري هذا وغيره هو روعة تحليله وتفكيكه للإنسان وللحضارة الغربية إضافة إلى سبكه لعدة مصطلحات(فحتى المصطلحات ليست محايدة وتحمل في أعماقها تحيزات الحضارة التي ولًّدتها وقد أطنب الدكتور في بيان ذلك في كتابه الرائع المدهش الذي أعتبره أحد أهم الكتب التي أخرجها العرب خلال القرن العشرين كتابه: "إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للإجتهاد" بالفعل إنه كتاب متعب وممتع ويستحق القراءة عدة مرات وهكذا هي الكتب العظيمة التي تستمتع بها على قدر تعبك منها !!
مجتمع الحداثة مجتمع مادي، يُرجع كل شيء للمادة، يجرد الإنسان من خصائصة الإنسانية، بالتالي انسان الحداثة انسان بلا نسق أخلاقى، انسان دروانى "البقاء للأفضل"، ومعتنقي الفلسفة المادية والرؤية الدراونية لا يجب أن يتخذوا مواقف أخلاقية ضد الإمبريالية الأمريكية أو الصهيونية، "انطلاقا من مبدأ البقاء للأقوى"، ومع ذلك فشل مجتمع الحداثة فى اشباع العالم الداخلى للانسان، لأن حياته بلا هدف أو معنى، اللامعيارية فى مجتمع الحداثة جعلته مجتمع فارغ من المضمون، يردنا لنفس النقطة "المعنى" !! ما الهدف؟ الله يكمن فى المعنى.. والحياة بلا إله حياة بلا معنى
تم بحمد الله منذ قرائتي لكتاب "رحلتي الفكريه : الجذور البذور الثمار" وأنا أدركت أنني احتاج لقراءه كل ما انتجه المسيري - باستثناء الموسوعه فلا اعتقد إني أقدر - لأني اريد ان افهمه وافهم كيف يفهم، ومن اين تنبع عبقريته،واستقراءه للمستقبل ؟ مع كل كتاب اقرٱه أكون فهما جديدا حتي وصلت للتالي : يعمل عقل المسيري عن طريق : تفنيد حقيقي للفكره... فهمها.. وهضمها جيدا... فكها... و فهم كل جزء.. ثم ربطهم معا بعنوان أو نموذج مشترك ثم التطبيق عليها من بعيد أو قريب و رؤيتها حيث لا يراها الاخرون ثم التأكد من النوذج،وطرحه للاخر ليتمكن من استخدامه بعد ذلك! تلك هي عبقريه المسيري باختصار! قرأت مهاجمات كثيره موجهه له انه ليس صاحب أفكار اصيله وأنه ينقل و يجمع المعلومات فقط وأقول : إن هذا جزء أصيل في نفسيه و عقليه الباحث النهم إما انتقاله لللجزء التطبيقي فلا تفسير له إلا عبقريته الفذه. ربمي لا أستطيع أن أكون في عبقريته لكني أحاول.. ينقسم المجلد الأول الذي حاول فيه المسيري جمع عصاره خبرتهم بطريقه منظمه عن العلمانيه إلي أبواب :
الباب الأول العلمانية الشاملة محاولة للتعريف الفصل الأول : إشكالية تعريف العلمانية وفيه يستعرض المألوف والمعروف عن العلمانيه كمصطلح.
الفصل الثاني: إشكالية اختلاط الحقل الدلالي. وفيه بيبن كيف اختلفت،دلاله اللفظه بين ثقافه وأخري وبين وقت واخر. وهما ملييئين بالمعلومات،الصماء والاقتباسات لأن هذا،ما بتطلبه الفصل. الفصل الثالث: مراجعة مفهوم العلمانية وفيه يفند المفهوم لا اللفظ و تبدأ قدرته العبقريه علي الفهم بالتبلور الفصل الرابع: تفكيك وتركيب بعض المصطلحات يتميز المسيري بالفك والتركيب في رأيي كما أسلفت والفصول من أمتع الفصول اسهلها للفهم نظرا لاعتماده علي التطبيق بالامثله
الفصل الخامس: مصطلحات تفكيكية واحتجاجية الفصل السادس: الجذور والخلفية الحضارية والتاريخية للعلمانية في الغرب الفصل السابع: تعريف العلمانية ومتتاليتها النماذجية
فصول مليئه بالكلام التخصصي في نظري و لم استطع،الاستفاده منها كونها تحتاج دراسه مطوله لاستيعابها
الباب الثاني وهو أمتع من الأول في نظري
بعض تبديات النموذج العلماني الفصل الأول : المطلق العلماني وفيه معظم ما اقتبست،اثناء قرائتي فهو كأنه بلوره لفكر المسيري كله فيما يخص العلمانيه و يتحدث فيه - بعبقريته - عن مصطلحي الشامله و الجزئيه فتتضح الصوره و يبدأ الاستمتاع بالأفكار :) الفصل الثاني: التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع من اروع الفصول لإنك تطبقه علي حياتك. الفصل الثالث: فكر حركة الاستنارة جميل و مهم و تغيب فكرته عن اذهاننا أحيانا الفصل الرابع: التمركز حول الأنثى جميل و هو كأختصار لكتابه الرائع قضيه المرأه بين التحرير التمركز حول ألأنثي ومهم لكل الفتيات في عصرنا في رأيي.
الكتاب متعب في رأيي ولا يصلح مدخلا لفكر المسيري.
رحم الله العبقري المسيري و غفر له واسكنه فسيح جناته. وافادنا بعلمه آمين
هذا الجزء من الكتاب يؤسس لإطار نظري جديد لفهم العلمانية، لا يقتصر على السياسة بل يمتد إلى البنية المعرفية والفكرية التي تقوم عليها. فالعلمانية ليست مجرد قرار قانوني، بل هي تغيير جذري في طريقة فهم الإنسان للعالم ولذاته، وهي ليست ظاهرة ثابتة بل عملية متطورة، تختلف أشكالها بحسب الظروف التاريخية والثقافية.
وهكذا، من خلال هذا التحليل العميق، لا يقدم المسيري مجرد نقد للعلمانية، بل يفتح الباب أمام إعادة التفكير في النموذج الحضاري كله، متسائلًا عما إذا كان من الممكن بناء نموذج بديل يجمع بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين الحفاظ على القيم الروحية والإنسانية.
عبقري! مشروع وجهد عظيم محتاج يتبني عليه، وغريب إن تلامذته وأنجبهم -د. هبة رؤوف- كلهم وقفوا عنده ومحدش كمّل المشروع وسبر أغواره. رحم الله دكتور عبد الوهاب وأجزل مثوبته.
هناك الكثير مما يجب أن يقال عن هذا الكتاب، وقد داومت على نشر اقتباسات منه طوال فترة قراءتي له.
في المجمل يمكن القول أن المسيري خذلني كثيرا، فقد توقعت منه أكثر بكثير من مجرد سجال فارغ لا يعتمد في تحليله على لحظات ومشاهد، أو بمعنى آخر (polemics) ليس لها أي أساس منطقي خلف المصطلحات الكبيرة البراقة.
المسيري في هذا الكتاب وضع العربة أمام الحصان، فهو يكره العلمانية بل ويحتقرها، ورغم تقسيمه لها إلى جزئية يمكنها أن تسع المعتقدات المختلفة وشاملة هي بمثابة معتقد في حد ذاته، إلا أنه يرى أن هذه تؤدي إلى تلك، لذا فالاستعاضة عنها أفضل وأكثر أمنا، خاصة أن ديننا علماني بطبيعته (على حد قوله).
فكر المسيري تجسيد للخوف من الوحدة والاغتراب ممزوجا باحتقار للآخر المختلف ثقافيا وتعاليا عليه، فكل ما ينتقده في الغرب منطبق تماما على عالمه الإسلامي العربي حتى ليكاد المرء يحار عن أيهما يتحدث.
طبعا لا يخلو الكتاب من تشبيه وربط كل ما هو شرير وفاسد ولا يعجب المسيري في هذا العالم بالصهيونية، فالنازية والإمبريالية واللبرالية والعلمانية، بل والفيمينزم أو ما سماه التمركز حول المرأة، هي صور تعبر بشكل أو آخر عن الصهيونية. ما العلاقة بين الصهيونية والفيمينزم؟ طبعا العلاقة واضحة، وهي أن الكتاب يكره الاثنين، وهذا في حد ذاته يكفي لجعلهما وجهان لعملة واحدة أطلق عليها المؤلف النظام الدولي الجديد. هما ليسا إلا مؤامرة موجهة إلينا (فكل العالم يتأمر علينا طبعا) وكلاهما أصابع خارجية تلعب في الذات الثقافية العربية الإسلامية!
طبعا لا يجب أن أنسى الخلط الفاضح بين ما هو علمي (مثل الداروينية والنسبية ودوران الأرض حول الشمس) وما هو فلسفي أو ميتافيزيقي، فكلاهما عند المسيري يأتيان في سياق واحد هو انتزاع قداسة الإنسان وزحزحته عن مركز الكون، وهذا طبعا لا يجوز عند المسيري فالإنسان مقدس مقدس مقدس وهو طبعا مركز الكون الذي لم يخلق إلا لتسليته!
كما علق أحد أصدقائي، هذا كتاب لا تقبله أية جامعة تحترم نفسها إن تقدم المسيري لها به على أنه بحث، فهو خلو من المنهج العلمي في الاستدلال ويعتمد بشكل شبه أساسي على السجال المنطقي (polemics). هذا كتاب للنسيان، ولتذكر أن الأمة العربية ما تزال بعيدة كل البعد عن العلم والتقدم الفكري، ما دام مفكريها يحاولون نفاقها أو مداعنتها أو شدها إلى أمجاد الماضي المتوهمة.
في الحقيقة هذا الكتاب يحاول أن يفصل ويشرح مكامن الخلل في الفكر العلماني من الناحية النظرية وهو كتاب مهم في هذا المجال وذلك للآتي :
1- أن الكتاب قد تميز في فصل الجانب النظري عن الجانب العملي وهو بذلك يأخذ بعين الاعتبار أن نظريات العلمانية لا تطبق بحذافيرها بل وقد تصل إلى نماذج متطرفة غير مرضية
2- كون العلمانية هي قضية العصر، وهي الأسلوب الفكري الشائع في مختلف العالم، وكون هنالك من ينادي بها ، وفي دول الثورات هنالك من يطالب بها نظاما للحكم
3- طرح الكتاب لنظرية العلمانية مقسم إلى علمانية شاملة وعلمانية جزئية ، وفي هذا الطرح أهمية كبرى وإشارة لمن يفهم العلمانية أو يطبقها بشكل جزئي ويغفل المعنى الشامل ، فالعلمانية ليست فقط فصل الدين عن الدولة ، وإنما هذا جزء منها وهذا المعنى السياسي لها، فهي فصل الدين عن مختلف جوانب الحياة، فمثلا لا يتم إدخال الدين في العلوم الأخرى وتطبيق الدين قد يكون محصورا بكنيسة أو بمنزل ولكن مظاهره لا تنطلق إلى الخارج وغير ذلك من حصر سلطات الدين وجعل القوامة للعقل والمنطق فقط
4- ورود نماذج العلمانية المختلفة مثل الفرنسي والبريطاني والأمريكي وغيرها ووضح التفاوت في النماذج
5- تحدث عن النماذج المتطرفة مثل الفاشية والنازية وغيرها التي قامت على مبادئ علمانية
* ملاحظة هذه النقاط موجودة بين الجزئين النظري والعملي
في رأيي درة أعمال عبد الوهاب المسيري و اهم اختراق فكري له لطالما تحدث الناس في العالم العربي و الاسلامي عن العلمانية و اثارت الفكرة جدلا الرأي الشعبي انها (كفر) و (الحاد) و الكثير من (المفكرين الاسلاميين) و (المشايخ) يروجون لنفس المنطق بدون اي اساس تحليلي للفكرة نفسها الكثير من المفكرين عموما لم يستطيعوا ان يقدموا موقفا مقنعا يوفق بين العلمانية الغربية و اسقاط ذلك في مصر او العالم العربي عموما و يقع الاسلامييون دائما في خطأ وضع العلمانية في مقابل الاسلام كند!
هذا العمل هو العلاج لتلك المشكلة يتصالح عبد الوهاب المسيري مع فكرة الدين و السياسة و فصل الدين عن الدولة فيما يسميه العلمانية الجزئية (و هو يعتبر العلمانيين العرب ليسوا علمانيين في الحقيقة بالمعني الشامل للكلمة)
بينما يوجه نقدا لاذعا لما وصلت له الحضارة المادية الحديثة من تحويل البشر الي عبيد التقدم رغم انهم في الظاهر مخيريين و يسمي هذا العلمانية الشاملة
كتاب اساسي لاي شخص يحتار في الدخول في تفاصيل العلاقة الشائكة بين الدين و الدولة و توضيح لفكرة العولمة او ما تذهب اله حضارة البشر المادية
فكرة شاملة ليس عن العلمانية فقط بل عن المادية و و ما يحوم حول فلكها .. تمنيت ان د.عبد الوهاب رحمه الله لا يزال حياً ليكتب مختصرا لهذا الكتاب, و لو وجد هذا المختصر لقرأته كل سنة مرتين او ثلاث على الاقل .. أتمنى ان يكون المجلد الثاني أكثر متعة
عبد الوهاب المسيري العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. تأملات في المنهج والمقصد عبد الوهاب المسيري العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. تأملات في المنهج والمقصد يعتبر الكتاب حلقة ضمن مشروع أوسع رام من خلاله المفكر العربي البارز عبد الوهاب المسيري تناول موضوع العلمانية بالدرس والتحليل من جوانبها المختلفة التاريخية والمعرفية والإنسانية، والحلقات الثلاث المقصودة هي: -الحلولية ووحدة الوجود باعتبارها مقدمات العلمانية. -العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وهو الكتاب الذي بين أيدينا وهو أهم حلقة دراسية في المشروع، حسب الكاتب نفسه. -ما بعد الحداثة باعتبارها ثمرة العلمانية الشاملة. والكتاب عبارة عن مرافعة فكرية وعلمية ثاقبة، استطاع من خلالها الرجل أن ينافح عن أطروحته ويثبت صدقيتها بكل جدارة واستحقاق، والأطروحة تتمثل في تأكيد وجود علمانيتين اثنتين متكاملتين غير منفصلتين وهما: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وهو يرى أن الخلط بينهما وعدم تبيُّن الفروق الفاصلة أحد الأسباب الرئيسة للمعارك الوهمية التي خاضها ويخوضها "الفكرانيون" تحت يافطات المحافظة أو التحديث كليهما. يقول: "يوجد في تصورنا علمانيتين لا علمانية واحدة، الأولى جزئية ونعني بها العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة، والثانية شاملة ولا تعني فصل الدين الدولة وحسب وإنما عن الطبيعة وعن حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، بحيث تنزع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى"[1]. وإذا كان تطور العلمانية في الغرب قد انطلق من الأولى التي تتميز بسمات إجرائية وذات رؤية جزئية للواقع، فإنه آل في نهاية المطاف إلى الأخيرة التي تعبر عن رؤية شاملة للعالم ذات بعد معرفي كلي، لكن هذا التطور ليس عبارة عن طفرة بقدر ما هو تراكم أخذ شكل متتالية: بدأت جزئية مقصورة على المجالين السياسي والاقتصادي مع وجود بقايا لمطلقات مسيحية ومعيارية إنسانية ومع ضعف وعجز قطاعي اللذة والإعلام عن اقتحام كل مجالات الحياة، وانتهت في المراحل الأخيرة إلى تغول الدولة ووسائل الإعلام مع تهميش للإنسان وسيادة النسبية الأخلاقية وهي سمات العلمانية الشاملة[2]. وقد وظف صاحبنا أدوات منهاجية متعددة تنم عن جهد كبير واطلاع واسع ومعرفة خابرة بالمسألة موضوع النقاش، وأُجمل شواهد هذا المنهج في السمات التالية: -الاستقصاء والتتبع: فالكتاب يكشف عن التبحر الواسع للرجل في علوم متعددة واطلاع على كتابات شتى تجعل وسم عمله بالموسوعة مكافأة يسيرة. -القراءة والعرض:يظهر مقدرة الرجل عظيما على استعراض الآراء المختلفة للفلاسفة والمفكرين الغربيين والعرب على حد سواء من خلال مكتوباتهم المتعددة. -التفكيك والنقد: لا يكتفي باستعراض الأقوال والمذاهب المختلفة، بل يُعمل فيها معول التشريح والتحليل، كاشفا عن أغوارها ومفسرا لعويصها ومقربا لبعيدها. -الاستنتاج والتركيب: بحيث يسعى إلى تركيب خلاصات المقاربات المتعددة لبناء نموذج تحليلي مرجعي لقضية العلمانية يتأسس على متتالية آخذة في التحقق وليس مجرد فكرة سكونية ثابتة. وقد جهد د.المسيري أيضا في استحداث جهازي مفهومي خاص به ساعده كثيرا في مسك تلابيب الموضوع والتحكم في تمفصلاته الشديدة التعقيد، كما أظهر براعة نادرة في نحت المفاهيم واستحداثها، ومن بين أهم تلك المفاهيم: "العلمنة البنيوية الكامنة" و"الإنسان الوظيفي" و"الحوسلة" وغيرها. وبالرغم من كل هذه العُدة المعرفية والمنهجية المتميزة فإن الكاتب قد سقط في فخ التعميمات النمطية والمبالغات غير حميدة، وأخص بالذكر سعيه الحثيث لإدانة الحضارة الغربية عن بكرة أبيها بحيث كدَّ في إظهارها حضارة وثنية كمونية من خلال اختزال فلسفاتها في مقولات جامدة، واختصار أراء مفكريها في كلمات محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك ليتسنى له الحكم عليها وإدانتها ونعتها بالسطحية في التحليل والضحالة في التفكير. لكن الكتاب لا غنى لكل من أراد الإحاطة بمسألة العلمانية في الوطن العربي وتفاعلاتها المختلفة وكذا التبصر بجذورها التاريخية والفلسفية.