"كلما نظر أحدهم نحو بيت " الدهبي" تساءَل؛ خلف أي جدار رقدتْ أجساد السجناء، وخُنِقَت صرخات العذارى، وتوارى المعدن الثمين؟! رحلة غرائبيّة بين خيام البدو، وأهازيج الغجر ونافخي النار، ومنجم صهر كل الأعراق والعقائد والحكايات في بوتقة صراع أزليّ، وقلبٌ فُطر على التمرّد، يسكن صدر امرأة تبحث عن هويّتها الحائرة بين أطلال عائلة تطاردها لعنة تاريخيّة، ومرويّات دامية تلطّخ بعارها تيجان الـمُلْك المترنّح والمجد الزائف. بجموح بريّ لا يسيّجه عرف ولا عقيدة؛ تحلق الشيهانة فوق جبال الذهب باحثة عن إيمان يقرّ في قلبها، وعن مخلوق تأمن إلى جواره، فلا تجد سوى بومة ألوف تمزّق بهُنادها أستار الصمت والشك. فهل تقدر كاثرين على النجاة من اللعنة؟ وهل تعكس مرآتها الحقيقة المطوية بين عروق الذهب قبل أن تنزع الأقنعة عن كل الوجوه؟ حكاية تخطّها الكاتبة متحرّرة من نمطيّة المكان، ومن سطوة زمان سالت أيامه بين أوراقها كاشفة عن صورٍ انتُزعت من تاريخ مصر خلال مائة عام"
"أسفل سقف الدهبي؛ نحن مجرد حفنة من البؤساء." قلم مايا الطرابيلي من الأقلام القريبة جدا جدا من قلبي انتظر أعمالها بشغف دائم. و رغم فترات الانتظار الطويلة إلا أنها لم تخذلني على الاطلاق. أثق دائما أن أي عمل يحمل اسمها سيكون تجربة مثيرة لن أندم معها لا على الوقت أو المال. هي كاتبة شجاعة و جريئة سواء في اختيار الموضوع أو الشخصيات و بالطبع لا تخشى عرض أفكارها و آرائها بالطريقة المناسبة لها حتى و ان كانت لا تتمشى مع السائد أو المألوف. و من يقرأ الشيهانة أو أي عمل آخر من أعمالها يلاحظ كم المجهود المبذول و البحث ليخرج العمل بصورته المثالية. هنا في الشيهانة اعتقد أني وجدت كقارئة كل ما قد أبحث عنه في عمل ليكون مثالي و ضمن قائمتي المفضلة. #القصة و الحبكة: قصة عائلة الدهبي المثيرة و الغريبة هي أقرب للملحمة.. تدور أحداثها في المرتفعات و هو مكان ذو طبيعة قاسية مظلمة أثرت في كل سكانه. ثم تأخذنا القصة بعد ذلك في رحلات قصيرة لعالم البدو القاسي تارة و عالم الغجر السحري تارة أخرى. هذا بالإضافة الي التنقل السلس و بكل حرفية و تمكن بين الفترات الزمنية المختلفة بداية من فترة محمد علي باشا. # الشخصيات: اختيارها كان عبقري. شخصيات انسانية و واقعية بالدرجة الأولى. فلا هي ملائكية بصورة مبتذلة و لا هي شريرة شر مطلق. كل شخصية لها مبرراتها و ماضيها الذي يجعلك تتفهم داوفعها و اختياراتها. و لعل أصدق تعبير هو اقتباس جاء على لسان احد هذه الشخصيات "ما من متعة لا تحمل بين طياتها أذى، و ما من شر يُقترَف إلا و كان باعثه ألمًا ما؛ الشر و الأذى أمر حتمي في الحياة يا دكتور، نحن إما متلقون أو فاعلون، و الأرواح القوية تعيش متفرجًا ساخرًا."
# و بالطبع لا يكتمل روعة العمل الا باسلوب أدبي أنيق و سلس تعشقه بسهولة فهو ليس بالمعقد المستفز حيث يسترض الكاتب عضلاته و لا هو اسلوب ركيك بسيط و باهت. متزن تماما مع شيء من النثرية و الشاعرية في أغلب المقاطع و الحوارات ليخرج في النهاية مذهل تماما.. بالكاد استطعت منع نفسي من اقتباس صفحات بكاملها ففي النهاية يعتبر حرق للرواية. # الجانب الفلسفي في الرواية هو أكثر ما عشقته و الطريقة في عرضه من خلال افكار الشخصيات و معتنقاتها و اختيارتها حتى و ان تعارضت و تناقدت مع بعضها مما يتيح فرصة ممتازة للجدال العقلي بين القارئ و نفسه. و تحدي لما يؤمن به من مبادئ و اخلاقيات عندما يضع نفسه مكان الشخصيات. و هذا ما تجبرك مايا على فعله لانك تعيش شخصياتها تماما تتفهم دوافعهم و اختيارتهم و ربما تختار ان تسلك سلوكهم لو عشت ما عاشوه حتى و ان كان ضد مبادئ و اخلاقيات ظننت انها ثوابت لايمكن المساس بها. # تعتمد هذه الرواية بشكل كبير على التشويق و الغموض لتظل تتلقى كقارئ مفاجأة بعد الأخرى حتى آخر فصل في الرواية. # بالطبع لتكتمل الرواية المثالية كان لابد من ذكر انواع أخرى من الفنون. ما بين بطل رئيسي رسام و اخرى راقصة مرورًا بشاعر القبيلة الذي كان لكلماته سطوة اكبر من سطوة النفوذ و الثراء. الراية رائعة بمعنى الكلمة عشقت و استمتعت بكل دقيقة قضيتها معها. حزينة عليها كأنها صديق عزيز انتظرته طويلا ليرحل بعد مدة قصيرة.
- وُلدتُ بيدين تود القبض على كل شيء تطاله، وسأموت بهما مبسوطتين ينسل منهما كل شيء، دون أن أعرف إجابة سؤالك. (سوزيت)
- تراه على الدوام كتلةً من زهد مشجون، انتصاراته صغيرة مثل ومضات ضوء في العتمة، لم يتوان عن رتق ما تمزق من روحه، انبعاث مستمر؛ احتراق يليه رماد فبدء تخلُّق من جديد، يعي في أثنائه بكل أنَّة لتشكل خلاياه، بوخزات الحياة في أنسجته الوليده، وطغيان خياله مبرح الألم. (عن مختار)
- نابهة، عقلها شعلة لا تنطفيء، تتوهج عيناها وتغزو الابتسامة شفتيها حين تتوصل إلى حل معضلة أو تستجمع أطراف إجابة.. - لكنها -في النهاية- تبقى مجرد فتاة تعجز عن تصويب بولها في قلب الإطار. (عن كاثرين)
- أتعلمين أكثر ما أكرهه يا سمية؟ البطء.. أوقن أن التفاحة ستسقط، لكنه الوقت الذي يستغرقها للتخلي عن الغصن؛ يفقدني صوابي. (نديم لسوزيت)
- خيالك يعمل بلا هوادة وبكل طاقته، فيفشل في إنتاج اللذة. الحاجة الجسدية سهلة، أما التوق إلى الإمتزاج ولو للحظات عسير؛ فبتحققه يقيك وحشة الوحدة وتطورها إلى الانعزال.. (الطبيب النفسي لكاثرين)
- حيث للقمم سفوح أكثر اتساعًا تحمل حقيقتها بعيدًا عن ضوضاء الريح وإزعاج الضوء، فتتلاقى..
- رأى الفن وسيلة للخروج من جسده، ممارسة نشوة التعالي على جمود الواقع، واختلاسه نظر على رحابة الأبدية المزعوم
كتابة قوية وموجعة ومشوقة جدًا، عصية على التصنيف، فيها من جرأة كتابة إريكا يونج ومش من وقاحتها -مش ضد الوقاحة- الإيروتيكا في الشيهانة عظيمة بتقول كل حاجة بدون ابتذال وبنفس تأثير وقوة الوقاحة. فيها من علم النفس والفلسفة مع بعض المزيج الساحر اللي بيشدني وصعب يتكتب بطريقة أدبية حلوة مقريتهوش غير في كتابات آرفين يالوم. فيها جانب نسوي قوي مكتوب بكبرياء وأصالة موجعين. من الحاجات اللي حبيتها -حبيت تفاصيل كتير- الشخصيات حقيقية وأرضية مفيش ملايكة ولا شياطين كل شخصية مليانه خير وشر بطريقة مربكة، شخصيات قليلة كان الشر غالب وكذلك الطيبين كانوا قليلين وغالبا الشخصيات الطيبة كانت سلبية تجاه نفسها مش هقول مضحية ولا منسحقة لكن رتيبة. حبيت الصحراء والمرتفعات والجوارح والبوم والخيل والتراب والكحل والحرية اللي ظاهرة من بعيد مغرقة المكان وفي كل تفصيلة تكتشف ان كل حاجة ليها تمن ودايما في وجه آخر مستتر وصادم. تفاصيل في الشخصيات تعبيرات الوجه والأصوات وطريقة الكلام وحركات الجسم كلها شوفتها واندمجت تماما في اللحظات وانفعلت وبكيت كتير وفرحت وانتشيت واتوجعت وغنيت. ممتنة وفرحانة لوجود كتابة متفردة مش مترجمة وانها من امرأة وكمان مصرية حاجة تشرف حقيقي. ( كنت بحب كتابات واسيني الأعرج عن مشاعر وسلوك النساء وشايفاه عارف يكتب ده ببراعة لكن مايا الطرابيلي صعبتها على الكل) كان بودي ومكونتش هتعب اني انقل كل مشاهد الحب في الريفيو بس حرام احرق الجمال ده واحرم غيري انه يستقبله بنفس التدريج والارتباك.
الغلاف وكمان مرة الغلاف وتفاصيله أشكال وألوان وكل حته مظبوطة ومحسوبة صح، اني اقرا فاكتشف معنى في التفصيلة المرسومة وارجع اقرا فاكتشف الرمز ده اترسم ليه والبورتريه ولون البورتريه وهكذا طول ما الفرح شغال.
قراءة نقدية (انطباعية) للناقد مجدي نصار– في رواية "الشّيْهانة" للكاتبة مايا الطرابيلي
في روايتها "الشَيْهانة"، الصادرة عن دار تنمية أوائل العام الجاري، تقدم الروائية مايا الطرابيلي ما يمكن تسميته بـ "الخلطة العجيبة" التي يتراوح فيها الحكي بين ماضوي وحاضر، تتقلب فيها السردية فوق جمر الرغبة في التنويع، تبرز الشخصيات بتناقضاتها؛ تتألق وتتوهج، وتغزل فيها الكاتبة الحكايات بقلم شاعري ناضج ومتألق على مستوى السرد، آسِر على مستوى الوصف، وهادف على مستوى الحوار.
- غزل الحكايا وتنويع الأساليب: للطرابيلي قدرة على تضفير الحكايات، فهي تصنع حكاية إطارية "اللعنة التي تصيب بيت الدهبي" لكنها محض ستار يواري خلفه رسالاتها (حكاياتها) الرئيسية التي استطاعت الموازاة بين الماضي منها والحاضر مستغلة الاستباق والاسترجاع، ومسلطة عدستها على ذاكرة الأبطال في استدعاء يجترون فيه الماضي الذي شكل حاضرهم القاسي في أغلبه. تنوع الطرابيلي أساليب السرد، طرق رسم المشهد، بيئات الحكي المكانية "مصر، لبنان، فرنسا" والزمانية "عهد محمد علي، حقبة الخمسينيات، العهد الناصري". كأنها أعدت ورقات منفصلة لكل حكاية قبل الشروع في الكتابة ثم بعثرت التفاصيل داخل ثنايا العمل رغبة في التشويق وصبغ الرواية بصبغة درامية أخرجتها في صورتها المشرقة.
- اتساع المعرفة وخلق الأساطير: تستغل الطرابيلي معرفتها بالتاريخ والفنون والأديان والأساطير القديمة في استدعاء العبرة التاريخية المماثلة وإضفاء الرمزية على السرد. تحدثنا عن جنيَّات المرتفعات اللاتي "لا يمنحن موضع قدم فوق قممهن إلا لمن يستحق"، تستفيض في الحديث عن طقوس الأديان، السماوية منها والبشرية، تُفَسَّر الشعائر والطلاسم والمفردات الدينية بشكل روائي ودون تقرير معتمدة على الحوار بين الشخصيات، تحيلنا إلى حوادث تاريخية ولوحات فنية ومقطوعات موسيقية، تقدم لنا كم هائل من المفردات اللغوية والثقافية والطبيعية للبيئة البدوية، تمنحنا معلومات عن زراعة اللؤلؤ في فقرة حوارية خفيفة ومتنوعة، تفتح لنا بابا للتعرف على طبيعة العمل بملغم الذهب وكيفية استخراجه وصهره.
- الحضور الحيواني المعادل للوجود الإنساني: ثم حضور كبير للحيوانات والطيور وهي ظلال تعكس شخصيات الأبطال وتصاحبهم، تتحدث باسمهم تارة ويتحدثون عنها مرَّات. تُعَنْوِّن الرواية بالشيهانة "أنثى الصقر" وهي المعادل للبطلة الجذابة جدا والمرسومة ببراعة "كاثرين/كاتي"، تبدأ الرواية بالصقر (مثال لرفض الانصياع في الجو) وهو ظل "ظافر" الراغب في الحرية، ثم البومة "أنوش" (مثال لرفض الانصياع في الجو أيضا) وهي المعادل للشخصية التي ترتديها كاثرين في البدء في محاولة منها لأن تبدو شرسة حتى تستعيد حقوقها المغتصبة من أبيها والجميع، وأما الذئب (مثال لرفض الانصياع على الأرض) هو المعادل لأكمل، لكن أكمل ضعيف ولم يفلح في أن يصير ذئبا.
- اللغة؛ أولى أسلحة السرد وأقواها: للكاتبة قدرات لغوية بديعة، لديها بناء محكم للجملة في الوصف والسرد. لغتها رصينة أصلية تتنوع بين المتناصة مع المقدس، الشاعرية الحساسة، الفلسفية العميقة، والملائمة بشدة للموقف السردي. تفتعل الاستزادة بقصدية رغبة في توكيد المعنى ومنح اللغة نبرة موسيقية؛ تقول مثلا: "انتصاب وخشونة" "شحاذون جربى". تختزل الفقرات السردية في جمل قصيرة "معزوفة" ومتوازنة. تُبَسِط اللغة أحيانا وبقصد استغلال كل ما في الجعبة اللغوية كأن تقول "ضرب الدنيا بألف صرمة قديمة"، ما يجعل لها خلطتها اللغوية الفريدة.
- التشويق: تُخفي الكاتبة كثير من التفاصيل على طول السرد، تمنحك المعلومات التأسيسية الخاصة بخلفية الشخصيات قطرة بقطرة، تحدثنا في الصفحة 14 عن لعنة تصيب بيت الدهبي ولا نعرف أصل اللعنة حتى نقترب من النهاية وتتضح الخيوط. تنهي الفصول بطريقة درامية؛ في الفصل الذي تحكي فيه عن "موريس" مثلا، تخبرنا عن ألمٍ كبير ألمَّ به ولا تفسر هذا الألم إلا في فصل قادم. لا تقول أن"كاثرين" باحثة في الأديان إلا في الصفحة 69، لن تعرف كيف حصلت كاثرين على البومة "أنوش" إلا بالصفحة "269" كما ستعرف حينها دلالة الإسم "أنوش" وأنه نابع من الديانة المندائية.
- براعة الوصف وقوة المجاز: إن اللغة الشاعرية التي لدى الكاتبة وقدرتها على رسم الصور الروائية المتميزة ساعداها على إخراج عدد كبير من الصور الوصفية البديعة التي تستحق أن توصف بأنها تخاطب كل حواس القارىء في آن فيستطيع أن يرى ما يحدث ويلمس الأشياء ويشتم رائحة المكان ويشارك الشخوص مشاعرهم. تتحرك في مفتتح الرواية مع الصقر في السماء ثم تنزل خلفه إلى الأرض حاملة كاميرا راصدة تسجل كل شىء حولها. تبدع في وصف مدخل بيت الدهبي "صفحة 15"، تصف "دهب" بأنها "هشَّة كورقة خريف"، تقول عن تخلي أم "دهب" عن الوقوف جوار ابنتها حين رفضت الزواج من عثمان الدهبي: "رقصت أمها على جثتها في مأتم اقترانها بعثمان"!، تصف ذكريات سوزيت بأنها "عدو محتل، تغتصب بقعة في دماغها لا أمل في تحررها"، تصف تأوهات كاثرين المصطنعة بأنها "عواء ريح يخرج من مغارة جوفاء". تغزل الطرابيلي سردها من خامة الموقف الروائي فمثلا تجعل حاتم وهو يعزف العود يقول لابنه "والآن الأوتار بين يديك، دوزنها كيفما تشاء". تصف حال موريس وهو يهاجر من مصر إلى فرنسا بأن "فوق ظهره جعبة مترعة بمرار ومهانة وخذلان"، الطبيب النفسي"يسير مع كاثرين فوق شعرة بالغة الوهن من الحرص". تربط بين شخصية كاثى وروحها وبين عدد من الآلات الموسيقية. تقول عن كاثرين "تبجل نورها وظلمتها .. تُحَلِّق إلى أعلى وتضل بأجمل الطرق". تصف الرسام بأنه "كان اعتناقا بهيا لديانة الوجع في أبهى صورة".
- الدلالات والمضامين الفلسفية والتوصيفات الجديدة للأشياء: هذا النص يؤسس لنوع مختلف من التعايش بين الناس، بلا نزاع أو صراع، كُتِبَ عنه كثيرًا لكن الطرابيلي تقدمه دون ابتذال أو توجيه أو مباشرة، فهي تريد "أن يسكن الذئب مع الخروف" لكنها تعبر عن ذلك بطريقتها. تُوَقِع مايا توقيعاتها الفلسفية في بعض الفقرات: تقول، "للحقيقة وجوه عدة، يظن الناس أنهم يعرفون شكل القمر، لكنهم لم يروا سوى وجه وحيد له، فرضته زاوية رؤيتهم الضيقة" وتقول، "مأساة البشرية الأقسى عدم امتلاك أزرار للمشاعر، متى نحبسها؟ متى نسمح لها بالتنفس كي لا تؤذينا؟" تُقَدِم تفسيرا جديدا لعشق البعض للوحدة بالصفحة 79، ترسم صورة جديدة للإله على لسان كاثرين بالصفحة "92": الإله وسيلة الحصول على المستحيل ......."، تحاكم التاريخ وتتسائل "أين تعويض البشرية للغجر عن الإقصاء بعد كل محاولات ترضية المقهورين"، توجه إصبع التوبيخ لمن يحتكرون الله لأنفسهم "صفحة 244"، تقول في محاولة لإعادة توصيف الخطايا البشرية "ليست الكبائر زنى وقتل، بل إنجاب طفل نسهم به في استمرار البؤس". تنتقد الفصل العنصري بين البدوي والنوري "الغجري".
- المشهديات المغايرة: تمتزج قدرة الكاتبة على الوصف البديع برغبتها في تقديم جديد طوال الوقت فينتج عن هذا المزيج عددًا من المشهديات الجميلة: كمال بيك الدهبي الذي كان يمارس الحب دون أن يلمس محبوبته، كاثرين التي طالبت القسّ بأن يجلس هو أمامها وتتلقى هي منه اعترافه، مشهد موت الرسام "مختار" المرسوم بحرفية، كما أن مشهد ممارسة الحب بين أكمل وكاثرين "أصحاب الهم الواحد والملفوظان خارج بيت الدهبي لأصولهما المختلطة" في الجبل يقول أننا أمام قلم روائي مدهش.
- رسم الشخصيات الثرية؛ كاثرين مثالا: كاثرين شخصية في قمة الثراء الإنساني، يدور داخلها صراع نفسي رهيب، هي مزيج من كل الأحزان والأديان والمعتقدات والرغبات الإنسانية وتناقضات النفس البشرية، غرفتها مجمع أديان، في روحها ألف أنثى، قوية كأنثى الصقر وفي ذات الوقت هشة ومرهفة كنسمة ريح، تجابه الجميع بشراسة وتجلس أمام الطبيب النفسي منكسرة تطلب العون، تكره أغلب الرجال وتخر راكعة أمام حبيب واحد لكنها في النهاية تنساه وتلتفت لحياتها. كاثرين التي "يتجلى فيها الرب بكل نقائه وعظمته ويتجلى فيها الشيطان بكل حرارته وغضبه وعتمته، وأحيانا تحس أنها لا تمت لأي منهما بصلة". أبدعت الطرابيلي في رسم شخصية كاثرين طفلة ومراهقة وناضجة شرسة تفوح بالأنوثة الطاغية. تصف جسد كاثرين بأنه يغري الشيطان والقديس، وأن لها ""شعر أحمر وجسد قشدي، نمش كنثار الذهب، ملبن بطعم الشطة" وبتفكيك هذا العبارات الوصفية المختزلة تتجلى قدرتها الآسرة على الوصف. كاثرين هي كل نساء العالم وهي أكبر من مجرد أنثى واحدة. لدينا شخصيات تعترف بآثامها وتتقبل نقصها البشري، ما يجعل من السهل على القارىء التماهي معها وقبول الضعف فيها. كمال، زير النساء، يقول لابنته كاثرين: "ربع سكان الكوكب من فصيلة دمي"، سوزيت طوال الوقت تصدح بذنوبها وما اقترفته بحق القبائل المجاورة لبيت الدهبي. رسمت مايا ببراعة وخفة شخصيتي "مختار" وأبانوب" اللذان جمعهما هم واحد وعدو واحد ودرب واحد، كما قدمت لنا جمعا من المهزومين الملعونين: سوزيت ومختار وحاتم وكمال وأكمل ودهب وإيلينا وموريس وجميعهم في عصور متفاوتة وأجيال مختلفة وكأن الهزيمة هي مصير الجميع. شخصية دهب المنصاعة "التي تلعن الدنيا إذعانها المقيت" والتي تتناقض مع شخصية أختها كاثرين، تظل طوال الرواية ظل وليس لها حضور حقيقي أو فعال، إلى أن تقرر الاعتراض بالقول فتظهرها الطرابيلي على مسرح السرد وتمنحها مساحة كبيرة وكأنها تكافئها على تمردها. الحق أن كل الشخصيات جاءت منطقية وتحمل تناقضات طبيعية بلا شر مطلق أو خير مطلق فالجميع ضحايا والجميع مذنبون.
- الحوار: بين بديع ومتوسط يتأرجح الحوار، إذ جاءت كثير من الفقرات الحوارية هادفة ومكتوبة بحرفية والقليل جدا جاء زائدًا وعاديًا. أقل مناطق الحوار براعة هي بدايات الرواية لكنه سرعان ما تماسك وأصبح مكثفا وهادفا، كما جاءت المفردات التي يستخدمها الشخوص متسقة مع طبائعهم ومهنهم، فكاثرين لها نظرة كوزموبوليتانية تنبع منها مفرداتها وأحكامها على الأمور، الطبيب النفسي هادىء ويتحمل كل تقلبات مزاج مريضته ويستخدمم في حواره ألفاظا تتلائم وطبيعة مهنته. تتناص لغة سوزيت "اليهودية" مع لغة العهد القديم، كما أن النص ملآن بالاقتباسات من الكتب المقدسة؛ كل في موقعه وحسب معتقد الشخصية التي تنطق به.
مع الطرابيلي تقرأ بسلاسة ويجذبك الوصف بشدة، كما تحصل على المعلومات السردية بطريقة مشوقة لكنك لما تنتهي ترغب بالتأكيد في قراءة أخرى تستجمع فيها الخيوط الحكائية بوعي أكبر وتمنح نفسك فرصة للوقوف أكثر على الجماليات التي يعج بها النص
عادة تعيدنا إلى القراءة الكتب "الخفيفة" ذات الصفحات القليلة.. لكن تعيدني رواية أكثر من 400 صفحة وذات لغة وأفكار غير عاديين على الإطلاق! هذا ما لم أتوقعه. أنهيتها منذ أيام، ومن وقتها وأنا هناك، أعيش في القصر بالمرتفعات.. أشاهد كاثرين وبومتها التي لا تفارقها، وأكمل بوسامته وصراعه الذي لا ينتهي بين ما يشتهيه حقًّا وما يُقدِم على فعله.. سوزيت وخطاياها التي لم تغفرها لنفسها لكنها تتمنى أن يغفرها الله.. ومختار بلوحاته وألوانه ونظرته المختلفة للمشاهد.. وغيرهم.. عالَم آخر ساحر من عوالم مايا الطرابيلي.. والحقيقة أن السحر هنا لا يكمن في شاعرية الأحداث أو الشخصيات، بل على العكس.. الشخصيات جميعها لا تحيا في سلام على الإطلاق.. لكن يكمن في كل التفاصيل الشاقة؛ الحارة القذرة التي عاشت بها كاثرين وأحداث طفولتها، القسوة التي توفى بها والد سوزيت مضطهدًا كونه يهوديًّا، تحوُّل سوزيت من مجرد امرأة عادية أحبت رجلًا وقررت تفضيله على الجميع، إلى امرأة جبارة لا ترحم، قسوة الدهبي الكبير والأرواح التي بُنيت عليها أسطورة آل الدهبي! شخصيات حية، تم تخليقها بعناية وحرفة نادرة.. أفكار جريئة وقد تكون صادمة للبعض، لكنها حقيقة بقدر جرأتها! رواية من النوع الذي سيضعك بعد الانتهاء منها في مأزق؛ لقد انتهت فماذا سأفعل الآن؟ وأين أذهب؟! وكيف سأعثر على رواية مثلها؟ ما كتبته لا يمثل ولو قدرا بسيطا مما شعرته تجاه هذه الرواية، ولا يوفيها ولو قدرًا بسيطا من حقها كعمل إبداعي خالص. وكل ما أتمناه أن تكتب مايا الطرابيلي دائمًا.. وكثيرًا.. فلم تخذلني بأي عمل من قبل.. وأكيدة أنها لن تفعل. #الشيهانة #مايا_الطرابيلي
تتركين سفينة عظيمة وتتعلقين بحطام!؟ - سيتكئ الحطام على الحطام إلى النهاية يا حسن. هيا لتعد لي شاياً عظيمًا كما عودتني، سنشربه فوق سطحنا الجميل.
اشتهر بيت الدهبي بالغموض والجبروت نظرًا للدهبي الظالم الذي ��ان يتعدى على النساء بالتعذيب، وعلى الأرض بالسلب وعلى الأرواح بذهقها، ويستمر الألم إلا أن يُلعن نسل الذهبي بموت بكر العائلة.
فيموت كل مولود يولد في المرتفاعات إما وقت الولادة وإما موتة شنعية في الكبر، كموتة عثمان الذي لم يحزن علية إلا أمة هالة.
وكما لعنوا بالموت، لعنوا بالحب أيضا.. فلا أحد في عائلة الذهبي نال من يحبه.
حبيت شخصية كاثرين القوية عكس أمها إلينا الضعيف والحنونة. أحببت حب حسن لإلينا وشخصيته العطوفة أيضا.
أما عائلة الذهبي فلا سلام ولا كلام ولا صباح ولا مسى ولا كلمة كويسة
للرواية نصيب من الجغرافىا المحيطة بها , فهي مليئة بالتعرجات و الكهوف و المغارات و المتاهات . الاسلوب و السرد غير سوي أو ناعم , وأزدحام الشخصيات يؤدي الى التوهان و التشتت. القفز بالزمان أفقد الرواية التسلسل المنطقئ للأحداث . بشكل عام الرواية و الشخصيات غامضة: الغموض غير المحبب, الغموض الذي يفقد القارئ متعة القراءة , أفقدني التعاطف مع أي من الشخصيات . و الأهم: what is the theme ? what is the writer trying to say?
أبهرتني من جديد المُبدعة مايا الطرابيلي في روايتها الشيهانة فتنتني بسحر أسلوبها وسلاسة وصفها وبراعتها في استخدام الألفاظ وذبت عشقًا في جمال لغتها العربية وقدرتها على رسم المشاهد والحوار بفن وإبداع متقن لكن لن توفيها الكلمات حق جميل تشبيهاتها وثقل معرفتها وثقافتها وروحها الحرة التي يسبح معها القارئ في بحار الخيال… عزيزتي مايا شكرًا على إبداعك وإلهامك لي من جديد🙏❤️
كتابة مبدعة، لقلم مذهل، من صديقة عذبة. أعتقد أن هذه أول رواية مصرية أتمنى تحويلها لمسلسل قصير عالمي، لأن اسم مايا هو اسم عالمي لا مراء. وأتمنى أن يعود الحق لصاحبته بعد التعدي على النص، وسرقته، والفوز بالجوائز باسم آخر عليه وتحت عنوان مختلف، في سرقة أدبية فاضحة ومخلة بالشرف، قامت بها كاتبة لا تستحق حتى الترويج لاسمها.