السعادة والسلام كلمات تظهر لنا، نحن البشر، في صورة أماني أكثر مما تظهر لنا كواقع يمكن تحقيقه. فمن منا لا يريد أن يصل إلى السعادة الفردية والسلام الذاتي؟ الإجابة عادة تكون: لا أحد. مما يتفرد به الإنسان عن الحيوان، العقل والإحساس بالسعادة والسلام لا اللذة فقط، فكيف يكون الوصول للسعادة والسلام بهذه الصعوبة التي نواجهها جميعا؟ إجابة هذا السؤال هو محور هذا الكتاب المتميز الذي يحتوي على العديد من المفاجآت، فعلى عكس الاعتقاد السائد أن عليك العمل والاجتهاد لأجل السعادة، فالخلو من العمل والسعي للفراغ قد يكون مهما كذلك للوصول للسعادة. لا يترك هذا الكتاب عاملا من عوامل الحياة بدون مناقشة حقيقية للوصول لدور كل عامل في الوصول للسعادة والسلام: المال، الصحة، العمل، اللذة، الكسل، الحب، الطبيعة، الطعام، النوم، الأحلام، الأمل، الصداقة والعداء وغيرهم من العوامل المتوقعة وغير المتوقعة. يناقش هذا الكتاب أيضا نقطة مصيرية وهي الانقياد للآخرين، وتأثير ذلك على حياة الإنسان الفرد بكاملها وليس فقط على الوصول للسعادة والسلام، بل قد تكون نتيجة هذا الانقياد مأساوية تسبب المصائب وكلها بسبب الحمق والغباوة الممكن تلافيهما بسهولة ويسر.
اللودر أفبري أنظم إلى قائمة المؤلفين المفضلين لدي...
أحد الكتب القديمة كتبه المؤلف الإنجليزي اللورد أفبري في عام 1909 م. كتاب هو شبيه بكثير من الكتب في تلك الفترة التي تحث على الالتزام بالأخلاق وحب العمل والاهتمام بالوقت والصبر على مر الدنيا وحلوها. وجدت الكتاب كثير الحكمة لا تمر على سطر إلا وتجد فيه فكرة عميقة. ملئت صفحات الكتاب بعلامات أعلم بها الكلمات التي أعجبتني حتى كدت أضع خط تحت كل سطر.
الكاتب يرى أن السعادة ليست بالمال وليست بالجاه إنما السعادة تكون بإسعاد الإنسان لنفسه:" والذي يشقى المرء إنما هو العالم الذي في صدره، وليس العالم الذي يعيش فيه". وتحدث عن الهم والمصائب في هذه الدنيا وأن السعادة والراحة كلها لا تكون إلا في داخل الإنسان ومن بحث عنها خارج نفسه لن يجدها. وقد تحدث عن أن بعض المصائب قد تكن سعدا متخفيا وعلى الإنسان ألا يجزع من مصائب هذه الدنيا بل عليه الصبر. وقد رأى المؤلف بأن العمل هو جزء من السعادة وأن البطالة هي من تعاسة المرء. وكان يرى أن الرخاء يُهلك البشر أكثر من الشدة. وهذه النظرة كانت سائدة لدى الإنجليز في تلك الفترة ووجدتها منتشرة في كتبهم التي قرأتها والتي نشرت بين 1700 م إلى 1900 م. ويقول مؤلفنا: "إنه الخطأ المميت أن نحسب أن الخلو من الأعمال والبطالة في عداد الامتيازات، والكدح والاجتهاد من نوع العقوبات". وحث المؤلف على طلب العلم وقلة الأكل والبعد عن الملاذ الجسدية ذاكرا بأنها ملاذ وقتية لا تدوم. ولم يهمل المؤلف أن يتكلم عن أهمية الوقت وعدم تضييعه وأن الحسرة تكون في ضياع الأوقات والأيام. لكنه أيضا حث على عدم التسرع في الأمور وحذر من العجلة التي هي مهلكة ومجلبة للإحزان. يقول المؤلف: " ولنذكر أن سر النجاح إنما هو في التأني والسكينة".
تحدث أيضا عن العقل في الرجل والمرأة وتحدث عن أن جمال المرأة هو في فضيلتها وحسن خلقها وليس في جسدها. يقول المؤلف: " قد قيل إنه ليس للفتاة أن تختار أن تكون جميلة في الربيع العشرين من عمرها، ولكنها هي الملومة إذا كانت غير جميلة وقد وصلت إلى خريف الخمسين". وتحدث أيضا عن علاقة الأب وابنائه وعن البيت والعيشة العائلية وأن السعادة في هذا كله هي بالمحبة. وقد ذكر المؤلف أن السرور هو أن نجتمع بمن نحب. وتحدث الكاتب عن الصداقة والعداوة وبعد حديث طويل يعود لاستنتاجه الأول بأن: " أعدى أعدائك وأصدق أصدقائك إنما هو (نفسك)" . وتحدث المؤلف عن الشباب وصفاته والشيخوخة ومنافعها وتحدث عن الموت والدين والعقل والعلم وأمور كثير أخرى.
و لا يسعني هنا أن أذكر جميع الأمور التي ذكرها المؤلف، إلا أنني أرى بأن الكتاب رائع وممتع وسيجد القارئ فيه ما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته !
بعض الاقتباسات: عدم الطاعة لأحد خير من الإمرة على كل أحد
الأكل مجلبة للحزن والموت منذ كانت حواء في فردوسها. قال المثل: (الحلق أقتل من السيف).
وما الكسل إلا الصدأ اللاحق بالإناء المتروك.
ليلة قلق واضطراب أسوأ على المرأ تأثيرا من نهار شغل شاق.
يؤكد لنا لورد بيكنسفيلد: إن الشباب غرور، والرجولية جهاد، والشيخوخة حسرات.
كم من الكتب العظيمة كُتبت في أعماق السجون !
الخوف من الخطر قد يولّده وكم من رجل جرب أن يهرب من الموت فوقع فيه.
سُئل ثايلس عن أصعب الأشياء وأسهلها فعلا، فأجاب: إن أصعبها معرفة الإنسان نفسه، وأسهلها انتقاد الآخرين.
تكلم جوبرت عن رقة الطبع فقال: (هي التساهل)
(التعليم) يقول فوللر: أعظم صدقة يجود بها المحسنون إذا أرادوا مد اليد البيضاء إلى المعوزين والفقراء.
أي سرور في الحياة يفوق لذة الاجتماع بمن نحب؟
شر ما في الدنيا، الألم والاضطراب والهم والخطيئة...
ولا تنس في أيام النعمة والتوفيق أن أيام البؤس قادمة إليك. وإذا أحل النحس بأيامه فذكرى أيام السعد خير عزاء، وانتظار عودتها خير رجاء.