بأسلوبها المتفرد وجرأتها المعتادة تغوص فاتحة مرشيد في العوالم المعتمة للمجتمع الأمريكي لتقدم لنا من خلال شخصية مهاجر مغربي، مسلطة الضوء على العمق المأساوي لظاهرة المشردين.
رواية انسانية عن اللحظة التي يفقد فيها السخص بوصلته و يبدأ في الانحدار . حكاية "الغالي" عبقري الرياضيات الذي تحول إلى "هوملس" انسان بدون مأوى في أمريكا و التي نتعرف عليها من خلال رحلة بحث صديقه عنه . العمل قائم على ثيمات الصداقة و الإنسانية و التصالح مع الذات.
تطرق الكاتبة باب الحلم الأمريكي، لتحكي واقعا غير ما صوره الإعلام الغربي. قصة صديقي طفولة، فرقت بينهما الحياة وظروفها، فيما جمعهم في وقت سابق فصل دراسي والتميز. فيما يهاجر الغالي لدراسة الرياضيات في فرنسا، يرضى حميد بواقعه، ويتشبث بحلمه كأستاذ. الغالي، المولوع بالنجاحات المتتالية، تصر الحياة إلا أن تديقه مرارة الفشل والتردي. لينتهي به المطاف، هوملس كغيره ممن وحدتهم المصائر. فيما يسافر حميد صوب أمريكا بحثا عن غائب، نعيش مع الراوية بعضا ممن معاناة الهوملس، فيمن يفترض أنها من أوائل الدول في الرفع بالإنسان إلى أعلى. "ولكن لم أشك في أن لها الصدارة في الرمي به إلى الأسفل كذلك"... إلى جانب كل هذا تعود من ماضي سحيق قصة حب عذري بين حليمة وحميد، لتستأنف شوق زمن ولى. كالحب في زمن الكوليرا توثق مرشيد حبا في زمن الكورونا. مالم أستسغه هو الشاعرية المفرطة، التي بقدر ما تجذبك هذه الكلمات للمواصلة، تماما بقدر ما تثير ضجرك في إسهاب الكاتبة. وكأنها لجئت من عالم الشعر، نحو عالم الرواية الرحب، لكن لم تتخلى عن الشاعرة بداخلها.
بلغة أدبية بليغة وسلسة تحكي لنا فاتحة مرشيد في نقطة الانحدار عن قصة "الغالي" الذي هاجر من أجل الجري وراء الحلم الأمريكي.. الحلم الذي سيتحول لكابوس حالك بعد أن ينتهي به الأمر إلى(هوملس) متشرد في شوارع أمريكا.
تبتغي الروائية من خلال هذه القصة التي تتشابك فيها أحداث مغامرة (حميد) في أمريكا للقبض على خيوط قصة صديقه الغالي أن تكشف لنا الوجه البشع للحداثة ..لا كما تروجه وسائل الميديا والجرائد بل كما يعيشه الإنسان المقهور المكبل بقيودها. فالحياة التي كان يعيشها الغالي في بداياته في أمريكا لاهثا وراء النجاحات المادية البحتة لا تختلف معنويا عن حياة الشوارع التي أصبح يعيشها بعد انحداره .. إذ أن اغترابه عن ذاته ظل لصيقا به إن لم نقل أنه خف في حياته الثانية بعدما واجهه بشكل بشع.. فالتشرد وإن بدا ظاهريا كظاهرة مأساوية للغاية إلا أنه كان محطة حياتية جوهرية عند شخصيات الرواية التي استلخصت منه دروسا بليغة.
فترة كورونا التي أثث لزمن الرواية في نهايتها وإن بدت بشكل جلي للقارئ أنها مقحمة قسرا من طرف الروائية .. تبقى تعبيرا معززا لرسالة الرواية الفاضحة لمدى هشاشة الكائن البشري وعجزه اللامتناهي أمام بشاعة هذا العالم.
رواية واقعية تتحدث الجانب الثقافي و رواسب الثقافة الشرقية و نتائجها في الضفة الاخرى ..كما انه هنا نقطة انحدار فقد سبقها نقاط اصطدام ..النهاية غير مقنعة اقحام كرونا كان فقط للتخلص من الأحداث و الشخصيات ...