بمحض فضلٍ ومَنٍّ ونعمةٍ من الله، ثم بفضل دعاء الوالدين أُزجي كتابنا الثالث عن دار أمجد في عمَّان، بعد روايتنا الأولى التي هي بعنوان "ماتريوشكا خبايا إسطنبول"، والموسوعة التي هي بعنوان: "موسوعة اللآلي من شعر الحكمة في العصر الجاهلي"، هذا الكتاب المسمى بـ"موسوعة الدر الثمين من شعر الحكمة في عصر الشعرااء المخضرمين" وأما عن الحكمة وفضلها ومعناها فقد قال الله تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" سورة الجمعة، الآية:2 وروي عن رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلم: "الحكمةُ ضَالَّةُ المؤمن، أينَ وجدَها أخذَها"، والضّالّةُ هي الشيءُ المفقود، فكما أنَّ الذي فقد شيئًا ثمينًا فإنَّه يبحث عنه ولا يهنأ له بالٌ حتى يجدَه، فكذلك المؤمن يحرِصُ على نيل الحكمة وطلبها وعلى النَّهل من مَعينِها، وقال الرّسول صلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا" وقال ابن الأثير مفسِّرًا هذا الحديث: أي إنَّ من الشِّعر كلامًا نافعًا يمنع من الجَهْل والسَّفَه. بناءً على هذا بدأت بكتابة هذا البحث وهو جمعُ كلّ الأشعار التي تتعلّق بشعر الحكمة في عصر المخضرمين واستغرقت هذه الموسوعة ثلاث سنوات تقريبًا. وأزعم أنّني استقصيت كلَّ شعر الحكمة في عصر المخضرمين، وأرى أنَّ هذا الكتاب يصلُح للعرب وللأعاجم على حدٍّ سواء وذلك لبساطة العبارةَ وسهولة المأخذ. أما عن المنهج في اختيار وانتقاء الأبيات التي تحتوي على حكمة فهو اختيار الأبيات التي تحوي (مَن) الشرطية، فهي تفيد الحِكَمَ والأحكامَ العامة والقوانين المطّردة، فمن يدرسْ ينجحْ، وأيضًا الأبيات التي تحتوي على الكلمات التالية: ككلمة (امرؤ) وككلمة (فتى) وككلمة (الدّهر)، والوصايا التي تكون عادةً من المعمَّرين، وأبيات الحكمة هي التي تكون مَصوغة على الطَّريقة الخبرية، أي تحتمل الصدق والكذب، والأبيات التي تنبئ عن تجرِبةٍ حياتيّةٍ والتي تتضمّن الكلمات: (أرى) أو (أظنُّ) علمًا أنَّ هذه مؤشراتٌ لاستخراج أبيات الحكمة، ولا تُغني عن قراءة دواوين الشعراء كاملةً. فما كان من هدًى ورشَدً فمن الله، وما كان من سهوٍ أو خطأٍ أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان. فاللهَ أسأل لي التوفيقَ والأجرَ والغفرانَ، وللأمّة المسلمة النفعَ والسدادَ والعُمران، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.