What do you think?
Rate this book


112 pages, Unknown Binding
First published January 1, 1997
01
إنني ميت كفاية و معي الوقت كي أنسج الأحلام. ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها.
ليس جميلا يا وديع أن تستلقي هكذا في الأبدية دون أن تحلم.
ليس جميلا في الموت أيضا. ألا تعيش الحياة التي كنت تشتهيها.
الموت فسيح. يتسع لكل شيء. انسَ الأرض الكوكب الضيق.
و تهاد في فضائك الواسع. في عدمك. و اضحك طويلا.
العدم فسيح. و تستطيع أن تمد فيه ضحكتك إلى الأبد.
02
ليس للنسيان محطات على هذه الطريق
اليد التي لمست عابرين منذ أجيال
تلمسهم الآن مرة أخرى
و غبارهم ينزل من جديد
تحت أقدامهم.
كانوا يريدون فارسا و جاء
عبر سريعا تاركا
نسيما على قمصانهم
من ظله سقط شيء على الطريق
و مذذاك
يدور الماشون في مكانهم على الإسفلت
و الجالسون مسمّرون
في مقاعدهم.
مع ذلك لا بدَّ من أن أعيد شخصًا كنت أحبّه. على الأحبَّاء أن يعودوا إذا ناديتهم. عليهم أن يعودوا ولو كانوا ماء. لو كانوا أمواتًا. لو كانوا طحلبًا… على الطحلب أن يصير إنسانًا حين تستدعيه. ويأتي لو مبلَّلاً، لو مترهّلاً، لو عفنًا. عليه أن يعود صديقًا ولو مات منذ ألف عام.
لذلك لا أتحدَّث الآن عن حياة. لا أصف ولادةً بل عدمَها. لا أكتب عن ضوء بل عن عتمة. لا أتذكَّر ما كان، بل ما كان يُفترض أن يكون… الافتراض، هذا ربما، على الأرجح، ما نسمّيه حياتنا.
. أخذونا في صندوق، محمولَين بثماني أيد وبنظرات كثيرة. كنتَ تنظر إليَّ أنا الحيُّ فيك، وأنظر إليك أنت الميت فيَّ. تريد أن تبتسم لي، وأريد أن أبكيك. لكننا صمتنا، وتركناهم يدفنوننا هناك
الكلمات أصوات. أصواتٌ لا غير. هكذا هي الآن، هكذا كانت دائمًا. أصواتٌ لا نوجّهها إلى أحد. نحن لا نكلّم الآخرين. نكلّم فقط أنفسنا. الآخرون شيء بعيد وغريب، لا نراه ولا نعرفه، وتقريبًا ليس موجودًا.
في البدء كان الوهم. والوهم صار أرضًا حَلَلْنا فيها.
وَهْمُ الأرض وَلَدَ وهمَ الرغبة. ووهمُ الرغبة وَلَد وهمَ الحبّ. ووهمُ الحبّ وَلَدَ وهمَ الولادة.
ووهمُ الولادة وَلَدَ وهمَ الحياة. ووهمُ الحياة وَلَدَ وهمَ النسيان. ووهمُ النسيان وَلَدَ العزلة...
في البدء كان الوهم. والوهم صار جسدًا وحلَّ فينا.
الموت فسيح، يتَّسع لكل شيء. انسَ الأرضَ الكوكبَ الضيّق. وتَهادَ في فضائك الواسع، في عدمك. واضحكْ طويلاً.
العدم فسيح. وتستطيع أن تمدَّ فيه ضحكتك إلى الأبد.
إنني ميت كفاية، ومعي الوقت كي أنسج الأحلام. ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها.
ليس جميلاً يا وديع أن تستلقي هكذا في الأبدية من دون أن تحلم. ليس جميلاً، في الموت أيضًا، ألاَّ تعيش الحياةَ التي كنت تشتهيها