كتاب "خزامى أم لافندر؟ رحلة زوجات غربيات وحياتهن في المجتمع السعودي" للكاتبة الهنوف صالح الدغيشم، يضم سبع حكايات لنساء أجنبيات غربيات تزوجن رجالاً سعوديين، وبقين في كنف أزواجهن مدة تتفاوت ما بين خمس سنوات إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وهذه القصص أدنى إلى أن تكون سيراً غيرية، كما لا ينطوي هذا الكتاب على شغب الاعترافات ولا يحمل طابع الصدام بين ثقافة وأخرى. بل هو يمثل حكايات سردت بأصوات هادئة فيها الكثير من التأمل في هذه التجربة المفعمة بمفارقات الحياة، وسعي لقراءة عوالم النساء وتجاربهن في خوض مغامرة حياتية، وربما محاولة لفهم أثر الاقتراب والغوص في ثقافة مختلفة، وكيف تتكون هوية الأبناء. الخُزامى واللافندر هما اسمان لنبة واحدة، وهنا تساؤل للكاتبة يبين لنا المغزى منهما: "هل هُنَّ خُزامى أم لافِندَر؟ وماذا تسمّى رائحة ذاكرتهنّ؟ إنَّني أهجس بمثل هذه الخواطر لأستبين الفرق ما بين لغة ولغة في تسمية تلك النبتة العطرية، ثم أُسائل نفسي على إثر ذلك: هل يُحدث فرقُ اللغة أثرًا عميقًا في رؤيتهنّ للأشياء؟ كيف تأتَّى لهُنَّ أن يحتفظْن بالمكوّن النفسي ذاته الذي ينتمي إلى الجذور؟ وكيف كانت لهُنَّ قدرةٌ على التوازن ما بين إرث ثقافة الجذور وما بين ثقافة الحياة التي تعاش هنا بكل تفاصيلها ومرجعياتها؟ أحسب أنهنَّ قد بلغْن ما بلغْن من العيش المتزّن؛ لأنَّهنَّ تصالحْن مع من يقول: خُزامى ومع من يقول: لافندر، لقد كن يعزفْن مقامًا عربيًا على آلةٍ غربيَّة". كتاب جميل يستعرض مختلف العادات والتقاليد للمجتمع السعودي، وأن عادات الفرد هي مجرد صدى لعادات المجتمع ككل، كما يتميز هذا الكتاب بأنه يتناول موضوع المرأة السعودية والعادات والتقاليد بصورة غير مألوفة، وذلك لأن السرد جاء من خلال نساء مغتربات، حياتهن السابقة مختلفة عن ما تدرجت عليه الأدبيات الاجتماعية السعودية السائدة في ذلك الوقت، كما يلفت هذا الكتاب النظر إلى الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية الثى تعيشها المرأة السعودية آنذاك، إذ كانت تعانى قهراً اجتماعياً نابعاً من العادات والتقاليد الموروثة المرتبطة في أحيان كثيرة بالفهم الخاطئ للأمور الديني والقواعد الأخلاقية السليمة، تلك العادات الثى فرضت قيوداً على حركة المرأة داخل مجتمعها ووطنها، ومنعتها من تأدية دورها النهضوي في بناء الوطن. وبأسلوب الهنوف السلس والممتع، استعرض الكتاب حكايات تلك النساء المغتربات من قلب التجربة، منهم من عاشوا سنوات الاغتراب بحثا عن الأمان، ولكنهم فقدوا الحب والدفء، ومنهم من حافظ على العلاقة الزوجية دون أن يتأثر بعوامل الغربة.
هنا حيث تتضارب الثقافات وتختلف سبع زوجات من جنسيات مختلفة يتزوجن رجالًا سعوديين وينتقلن للعيش في السعودية ليكتشفن واقعًا مغايرًا عما اعتدن عليه وعمّا تصورنه. مثل هذه القصص تجعلنا نتفكر في التقاليد المتعددة والعادات المتنوعة، فالعادي عندنا مخالفٌ للذوق لدى غيرنا، والواجب عندهم جائزٌ لدينا، ومهما ظننا أننا مُلمون بثقافة الآخرين، نجد أنفسنا في موقف يبين لنا خلاف ذلك تمامًا.
کتاب خفيف لطيف أنهيته في جلسة واحدة، القصص الواردة فيه مثيرة للاهتمام خصوصًا أني أحب أن أتعمق في الثقافات المختلفة وأيضًا الفضول دائمًا ما يدفعني لأرى وجهة نظر الغرب والأجانب تجاه تقاليدنا وعاداتنا، ما الذي تخيلوه وما الذي سمعوه وما الذي شهدوه وعاشوه، فلامسني هذا الكتاب بقصصه. ما شدني أكثر أن الكاتبة بنفسها اجتهدت بنشر الاستبيانات لمعرفة إذا كانت فكرة كتابها ستنجح أم لا قبل أن تشرع بتنفيذها، ثم بعد الجهد المستمر والعمل الدؤوب قابلت العديد من النساء وعرضت عليهن الفكرة وسمعت منهن ما سمعت حتى خرجت لنا بهذا الكتاب بسبع قصص مختارة ومنتقاة.