يحتوي هذا الكتاب على مقالات الإمام أبي إسحاق الشاطبي (ت790هـ) في منزلة علم العربية من الشريعة؛ من جهة بيان الحاجة إليه فيها، وتأثيره في فهم كلام صاحبها وتقرير الأحكام واستنباطها منه، وإظهار موقعه من منصب الشريعة الأكبر منصبِ الاجتهاد، وتغلغُلهِ في مباحث علم الأصول، وذِكر بعض الأحكام الشرعية المتعلِّقة به، وبعض الآداب المرعية للمشتغلين به وأربابه، ودفع ما قد يُوهِم الغضَّ منه والصَّدَّ عنه. وقد كانت هذه المقالات مخبَّأةً في ثنايا كتبه وكُتب مَن نقل عنه منثورةً فيها، ولمَّا كانت مع هذه الحال مستوعِبةً لما يُبحث فيه في هذا الباب، مع ما فيها من التحرير والتدقيق، ونزوعه في تناولها إلى التأصيل والتحقيق -كما هي عادته فيما يكتب- فكانت حقيقةً بأن تُجمع وتُفرد بالتصنيف، بما يُكشَف معه عن رؤية أبي إسحاق لهذا المبحث الشريف.
مميز واستقراء الكاتب رائع وصهره النصوص في بعضها رغم اختلاف الكتب وتعدد السياقات يدل على جمع وذكاء وحسن تصرّف من الجامع.. على أني أرى ألا يغفل القارئ عن فكرة أن الكتاب انتزاعات لنصوص من سياقات متعددة لجمعها في نص واحد؛ وهذا يعني أنك تقرأ الشاطبي بعين جامعه وفهم جامعه وعقل جامعه، ولا يلزم أن يكون هذا مراد الشاطبي نفسه؛ وهذا يذهب بي لفكرة الغزالي لما قال في نصوص الصفات إن جمعها في موضع واحد يفيد معنى زائدًا عن المعنى الذي يفيده كل نص لو كان لوحده.. على أني أيضًا لم ألحظ سياقًا منتزَعًا لغير محله أو خلطًا في النصوص، لكنه تنبيه حاولت أن ألتفت إليه أثناء القراءة وأفترضه للاحتياط :) والكاتب في كل ما قرأت له من المجيدين المبدعين الأذكياء، باحث واسع الاطلاع وتتعب يدك في جمع فوائد كتبه :) أفاده الله ورضي عنه، وكل كتاب أرى اسمه عليه لا أتركه، وهو مشتغد بالشاطبي من قديم، وكذا منشغل بالنحو وعلاقته بالشريعة وعلومها.
أنصح به جدًا، ويكفي أنه يدلّ النظر إلى جانبٍ للشاطبي يجمع فيه بين شاطبي اللغة وشاطبي الشريعة، وهو -الشاطبي- الذي يردد في كل مكان أن اللغة والشريعة لا ينفكان..