الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي، أحد أعلام الفكر الإسلامي والفقه والأصول في عصرنا، وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وعدد من الجامعات العربية والإسلامية، وعضو المجامع العلمية.
ولد الأستاذ الدكتور/ محمد السيد علي الدسوقي في 16 رجب سنة 1353ﻫ الموافق لـ 25/10/1934م بقرية صغيرة تعرف بعِزْبَة العَرِيض بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية.
ونشأ في أسرة ريفية، وكان والده رجلا أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، منصرفًا إلى الزراعة، لكنه كان حريصًا على تعليم ولده.
التحق الصبي الصغير- آنذاك- بالكُتَّاب، وقبل بلوغ العاشرة من عمره كان قد أتم حفظ القرآن الكريم، ثم أنهى دراسة أهم قواعد علم التجويد، مع الإلمام بقدر من علم الحساب الذي يتيح له أن يجتاز امتحان القبول بالسنة الأولى الابتدائية بالأزهر الشريف.
والتحق الفتى بالأزهر الشريف، وأقبل على دروسه بجد ونشاط لا يضيع وقتًا في لهو أو لعب، وإنما يذاكر ما يتلقاه عن شيوخه في حرص ومتابعة.
وشغف بالقراءة؛ فكان يعكف في الإجازات الصيفية على قراءة كتب اللغة والأدب، وبدأ وهو في السنة الثانية الابتدائية يطالع بعض المجلات الثقافية والدينية والأدبية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كمجلة الرسالة والهلال والأزهر، ومن خلال تلك المجلات عرف بعض الكتب وقرأها، وأصبح الوقت الذي يقضيه في القراءة في غير المواد المقررة أكثر من الوقت الذي يذاكر فيه هذه المواد.
ولم يكد الفتى يمضي المرحلة الابتدائية بالأزهر حتى قرأ عددًا من مؤلفات المنفلوطي والزيات وأحمد أمين وطه حسين والعقاد والرافعي وغيرهم، بالإضافة لقراءات في التراث القديم في العقد الفريد وزهر الآداب.
وأثمرت هذه القراءة ثمرتها الطيبة؛ فقد عرف وهو في مستهل المرحلة الثانوية بالأزهر سبيله إلى الكتابة والنشر؛ حيث بدأ في كتابة المقالات.
كما نشر كتابًا وهو في السنة الثانية الثانوية بعنوان «عصارة خاطر»، وكان ذلك سنة 1952م.
وكان يكتب في جريدة كانت تصدر في طنطا تسمى «سفينة الأخبار»، وكان يشاركه في الكتابة فيها رفيق دراسته محمود حمدي زقزوق، الذي صار وزيرًا للأوقاف فيما بعد.
كما كان يكتب في باب البريد الأدبي بمجلة الرسالة، ثم نشر مقالًا بمجلة الأزهر بعنوان «لا إصلاح إلا بالإسلام»، ونشر أيضًا مقالات عديدة بمجلة الوسيلة التي كانت تصدر بالقاهرة، وكان أولها سنة 1952م، وبمجلة الثقافة التي كان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد أمين، وذلك سنة 1952م أيضًا، كما نشر بمجلة الإسلام سنة 1954م. وكتب في مجلة الهلال، ومجلة منبر الشرق، ومجلة العربي.
وتنوعت مقالاته بين موضوعات ثقافية، وأخرى إسلامية، فكتب عن الرحمة، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كتب عن العديد من المشكلات الاجتماعية.
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية التحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وأتمَّ الدراسة بها وحصل على الليسانس سنة 1959م بتقدير جيد جدًّا، وكان ترتيبه في السنة النهائية- والتي قبلها- الثاني على دفعته، بعدما كان الأول في السنتين الأوليين؛ فلم يُقَدَّر له أن يعين معيدًا حيث اكتفت الكلية بتعيين الأول فقط.
لكن عدم تعيينه معيدًا بدار العلوم لم يكن مانعًا له عن مواصلة الدراسات العليا، فالتحق بقسم الشريعة الإسلامية، وحصل على الماجستير سنة 1965م، في موضوع «التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه»، ثم الدكتوراه سنة 1972م في موضوع «الإمام محمد بن الحسن الشيباني وأثره في الفقه الإسلامي».
وأفاد مما وفره له عملُهُ محررًا علميًّا بمجمع اللغة العربية من وقت ومراجع نفيسة. كما كان لاتصاله بعميد الأدب العربي الدكتور/ طه حسين الذي كان يرأس المجمع وقتها أثر واضح في مطالعاته وقراءاته، وكان قد اختير سكرتيرًا خاصًّا وقارئًا له لعدة سنوات قبل أن يحصل على الدكتوراه.
كما أنه ابتدأ مرحلة التأليف الحقيقي في تلك الفترة؛ حيث نشر أُوليات مؤلفاته، كالإسلام والمستشرقون، وحديث الإفك، والهجرة في القرآن، وغيرها.
انتقاله إلى التدريس الجامعي:
انتقل الدكتور محمد الدسوقي بعد حصوله على الدكتوراه سنة 1972م للعمل بالتدريس الجامعي، فعمل محاضرًا بجامعة الفاتح (طرابلس حاليًا) في ليبيا من سنة 1972م حتى سنة 1975م، ثم أستاذًا مساعدًا بنفس الجامعة منذ سنة 1975م حتى سنة 1980م، ثم أستاذًا مشاركًا بنفس الجامعة أيضًا من سنة 1980م حتى 1984م.
وعمل بجامعتي المنصورة والمنوفية في خريف سنة 1984م.
ثم انتقل للعمل بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر منذ فبراير سنة 1985م بدرجة «أستاذ مشارك»، ثم حصل على الأستاذية سنة 1987م.
واستمر أستاذًا بكلية الشريعة بقطر حتى بلغ سن التقاعد سنة 2003م. وكان قد عُيِّن أثناء تلك الفترة رئيسًا لقسم الفقه والأصول بالكلية.
ولما بلغ سن التقاعد عاد إلى القاهرة فعمل بكليته كلية دار العلو