ليست المسألة إذاً بالنسبة إلى صاحب «النّدم الفكري» هي أن يكتب عن الأوروبيِّيْن أو عن الأدب العربي، وإنّما أن يواجه، كما يقول رهاناً صعباً: ألَّا يكتُبَ كالأوروبيِّيْن، وأن يَختلف في الآن نفسه عن المؤلِّفين العرب. المسألة إذاً هي أن يكتب عن أولئك وأن يكتب عن هؤلاء، لكنْ، شريطة ألَّا يكتب لا كأولئك ولا كهؤلاء
كاتب ومفكر مغربي حاصل على الدكتوراه في الفلسفة، وهو أستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط، له كثير من المقالات والدراسات العلمية، وقد نشرت له مجموعة من الكتب من بينها: (الفلسفة السياسية عند الفارابي). (الميتافيزيقا، العلم والأيديولوجيا) (أسس الفكر الفلسفي المعاصر) (ثقافة العين و ثقافة الأذن). (ميتولوجيا الواقع). (الفكر في عصر التقنية) (بين الاتصال والانفصال). (منطق الخلل).
ينجح عبد الفتاح كيليطو دائمًا بجعلي متحمسة للاطّلاع على تراثي اﻷدبي، والتَّعرف على السَّرد العربي، والتَّقرب من أعلام هذا التَّراث والسَّرْد مثل الجاحظ والمعري وكذلك التّوحيدي وغيرهم.. وفي هذا هذا الكتاب حاول بنعبد العالي تقريب القارئ لعالم عبدالفتاح، حينما بين له بعض رؤى وأفكار عبدالفتاح، وتقديم كتبه وما هي الفكرة الرئيسة لبعض كتبه، وماهي المسألة التَّي يحاول كيليوط معالجتها في بعض كتبه. عرفني الكتاب على دراسات جديدة لعبدالفتاح لم أكن أعرف عنها، وكذلك جعلني ابحث عن قضايا لها مكانتها في الدَّرس اﻷدبي مثل قضية الجاحظ وابن قتيبة، وقضية ألف ليلة وليلة مشكلات ترجمتها، وقضية ترابط الامتاع والمؤانسة للتوحيدي بألف ليلة وليلة.. وبين الكتاب مخاوف كيليوط من الكتابة والمشكلات التي يوجهها هو وكلّ منتج للكتابة. من المآخذ عبارة فرنسية وسط فقرة عربية مع ترجمتها تعيق فهم الفكرة، ولكن في نهاية المطاف يعد هذا الكتاب مرجع غني للتعرف على عبدالفتاح كيليوط...
سوف اكون كاذباً لو قلت اني فهمت الكتاب بالكامل ، بعد الفصول فهمتها وكانت في غاية الروعة و أخري كانت مُبهمة ، و تفاصيل الفصل الأخير وشرح رواية كيليطو الأخيرة اتي مُبهراً ، هذا الكتاب يُقرأ مرات كثيرة ، كي تستفيد من المواضيع المهمة التي يُناقشها .حتماً في وقت أخر سوف اقوم بالقراءة وهذه المرة بتركيز أكبر __ يميِّز عبد الفتَّاح كيليطو ، بين صنفَيْن من القرَّاء: «قرَّاء لا يرون في الكتاب إلَّا عرْضاً موافقاً ومطابقاً للآراء الشائعة»، وقرَّاء «يلْمحون فيه شي مختلفاً، لأن لهم طريقة في القراءة لا يمتلكها الآخرون. فهم مثلاً يتنبَّهون لتناقضات المؤلِّف، ويتجنَّبون عزوها إلى نقص أو خلل في نمط استدلاله، خصوصاً عندما يشير المؤلِّف نفسُه إلى احتمال وجودها […] كما أنّهم يبذلون جهداً لفهم مقاطعه الغامضة وتعابيره الملتوية دون نسبتها إلى ضعف في أسلوبه أو فنِّه ___
❞ في عالم يحكمه " الكيتش " ومعناها " الابتذال" ، النصُّ وحده لا يكفي للنجاح: «هناك الشخصية، الصوت، الأناقة، الهيئة»، وكلّ ما يُؤثِّث المظهر، وما يُسهِّل الانخداع والخداع .
"’في البدء كان الخطأ‘. هنا تغدو كل معرفة تقويماً لاعوجاج، وتصحيحاً لأخطاء. كل تفكير هو ’تخطي ما يعرقل في الفكر ذاته عملية التفكير‘. ستصبح الكتابة، والحال هذه، ’نشأة مستأنفة‘ بعبارة ابن خلدون. نقرأ في الكتاب: الخطأ ليس شيئاً يحدث أو لا يحدث، إنه، على العكس، المكوِّن الأساسي للكتابة، معدنها وطبعها. أن تكتب معناه أن تُخطئ. الكتابة هي دوماً إعادة للنظر"
عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانَين – عبد السلام بنعبد العالي
مجموعة من المقالات تتناول جوانب من فكر كيليطو، وتقدمها بطريقة موجزة للغاية، تمحورت حول مواضيع فلسفية هامة وجديرة، جعلت من هذا الكتاب القصير مُحبباً للغاية إلى قرائه، أو على الأقل مُحبباً لي.
تحدث الكاتب مثلاً عن رؤية كيليطو في الانتقال من الألفة إلى الغرابة في النقد والقراءة، والتوجه نحو خلخلة المركزية التي يؤمن بها أصحاب الفكر المغلق على نفسه، وعن رفض الثقافة العربي للجمل دون الفاعل، والأحداث دون خالق، والمؤلفات دون مؤلف تُنسب له فتُقيم استناداً إلى مكانته وأهميته، وعن التكرار الأصل في الأدب، والذي يمثل العود الأبدي في كل عصر، متسائلاً عن جدوى الملكية الفكرية للأعمال إن كانت في مجملها إعادة كتابة مستمرة لما قيل سابقاً بشتى الطرق.
وتناول غياب المؤلف واختبائه خلف شخوص أعماله، وسرِّه الذي يداريه ويخفيه بالكتابة المستمرة عنه، ومفهوم النسيان الذي يتعلم الكاتب بناءه في ذاته لحفظ قدسية السر وطرحه في مقامه، وتناول رؤية العرب اليوم لأنفسهم في مرآة الآخر، وعلاقة القارئ بالكاتب التي تنتهي لأن تكون بلا حدود تحد بينهما، خاصة عندما يسمو القارئ بعقله فيكتب كل ما يقرأه في ذهنه.
وتحدث عن عالم الكيتش، أو الزيف، الذي يُعلي من شأن العمل الأدبي مدعوماً بصورة مؤلفه وجهوده ومكانته وهيأته، بعيداً عن مضمونه، وعن حق مُكتشف الاقتباس في أن يُذكر اسمه مع صاحب المقولة المقتبسة، كمُكتشف لعمقها بعد أن مرَّ عليها العديدون مرور الكرام، وعن الاستطراد في الكتابة الذي قد يكون مللاً من الكتابة نفسها، والتي تقف على الفكر مرصاداً تدون حركته بروية.
ثم تناول الكتابة وسط التعدد اللغوي، ومحاولتها الخروج من الإطار الثقافي والتوجه نحو عملٍ يترجم نفسه مراراً بين اللغات، وعبَّر عن الندم الفكري الذي يساور كيليطو، والمتعلق بما لم يُكتب من قبل، وما لن يُكتب مستقبلاً، وينتهي بفكرة اختفاء "لعنة" الكتاب عند ترجمته بين لغتين، لسقوط العامل الثقافي المُحدد لتلك اللعنة واختفائه من الثقافات الأخرى.
ببساطة، فإن الكتاب ثري بالأفكار العديدة، وبالتساؤلات الوفيرة التي تُمتع القارئ وتستثير ذهنه وقدراته الفكرية للتفلسف مع نفسه، وربما عيبه الوحيد أنه شديد الإيجاز والقصر، إنه حتى لا يتعدى المائة صفحة.
كأنما سلسلة مقالات مجموعة تتناول أعمال كيليطو، وتدور معها اقتباسا، تعقيبا، وتوسيعا. ممتع. فيّ عطش للتحليلات التي تتناول الأدب العربي. أجد أن أسلوب كيليطو مزيجٌ من التحليل للأدب، وتحليل فعل القراءة، وتحليل القارئ. لا أدري إن كنت قرأت هذا الوصف في هذا الكتاب، أو في مقال آخر عن كيليطو -ذاكرتي بهذا السوء!-: أنه يكتب مذكرات قارئ.