يسرد محمد سامي الكيّال في روايته الأولى صورة متخيلة لبرلين متخذًا من حي فيها اسمه "شام" نموذجًا لنوعية الصراعات التي تدور في المدينة التي باتت متعددة الأعراق بسبب ازدياد عدد المهاجرين فيها.
يسيطر محمود الأسود على "شام" ويسعى لأن يمدّ سيطرته على برلين من خلال حزب سياسي هو "حزب الشعب الجديد". يدخل الانتخابات ويفوز بغالبية المقاعد، لكن تظهر حركة تتبنى شعار "ألماني على أرض ألمانية" في مواجهة حزب مامو.
نرى هذا الصراع يدور بين عدة جهات: مامو وحزبه، وغريمه المحقق الألماني بيتر كلوكنير، وعائلة الشيخ إسماعيل الذي يسيطر على تجارة المخدرات، وشخصيات أخرى عديدة: زوجات مامو، اللواتي اختلف الناس في عددهن. الجوليارديون الجدد، الذين لا نعرف إن كانوا شعراء أم إرهابيين.
وصلتني الرواية عن طريق البريد كهدية من أحد أصدقائي المقيمين في إيطاليا. أخبرني عن التكاليف التي تكبدها جراء طلبه للرواية من إحدى مكتبات برلين والمبلغ الباهظ الذي دفعه لشركة البريد الحكومي الإيطالي لكي يصلني الكتاب وعلبة الشوكولاطة الإيطالية الفاخرة لمحل إقامتي البائس. كل هذا جعلني مجبرا على قراءة الرواية وإتمامها، فلم أكن أملك الوقاحة الكافية لأخبر صديقي بأني كنت أهم بإلقاء الكتاب من النافذة حتى قبل الانتهاء من الفصل الأول. عندما سألت صديقي عن سبب اختيار هذه الرواية بالذات أخبرني بأنه معجب بمقالات الكاتب على أحد المواقع الالكترونية كما أنه يعلم شغفي بمدينة برلين، فشعر أنه من الحتمي أن يرسلها لي.
لا أخفي شعوري بالحماس وأنا أقلب الرواية بين يدي للمرة الأولى، فمن هذا الذي يجرؤ على تسمية روايته الأولى باسم مدينة بحجم برلين مالم يكن من طينة أمين معلوف ومحمد المنسي قنديل وعلاء الأسواني ... إلا أنه بعد إنهائي للرواية أعتقد بأن بلدية برلين ستقاضي الكاتب وتطالبه بنزع اسم المدينة عن غلاف روايته وربما تطالب أيضا بتعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق باسم المدينة.
أسلوب الكاتب رصين ويدل على ثقافة عالية وسعة اطلاع، والفكرة بحد ذاتها مهمة (برلين يجتاحها اللاجئون ويحولونها لنسخة طبق الأصل وربما أسوء من البلاد التي هربوا منها). ولكن كل هذا لا يشفع للرواية، وسألخص في النقاط التالية أهم انتقاداتي لها :
١) كثرة عدد الشخصيات الرئيسية لدرجة يصبح فيها من الصعب على القارئ أن يفهم أو يتذكر قصة صاحب الاسم وماذا يفعل هنا في هذه الصفحة.
٢) ضعف البناء الروائي لدرجة لم أجد نفسي متعلقا أو متعاطفا او ناقما أو كارها لأي أحد من شخوص الرواية. استمتعت ببعض الجمل والفقرات الجميلة المبعثرة بين فصول الرواية، ولكن لم أجد نفسي متحمسا لإنهائها أو لمعرفة ماذا سيحدث في الفصول اللاحقة.
٣) الحبكة خليط من أفلام هوليوود عن المافيا الإيطالية ومسلسل الهيبة بأجزائه الخمسة.
٤) حدثنا العم صنع الله ابراهيم مرة عن الفرق بين الروائي المخضرم والروائي المبتدئ .. فالأول لا بجد غضاضة بحذف ١٠٠ او ٢٠٠ صفحة أخذت منه أشهرا لكتابتها. وأعتقد ان الكاتب لم يجد الشجاعة لحذف بعض هذه الفصول، ربما لم يشأ أن يكون عدد صفحات روايته الأولى يقل عن ال٢٠٠ صفحة.
٥) أعتقد ان أكثر فصل مكتوب بمزاج عالي هو (عودة الجوليارديين) والذي تمنيت وأنا أقرئه أن تستمر الرواية على نفس المستوى ولكن سرعان ماخيب الكاتب أملي وعاد ليحدثنا عن عصابات العالم السفلي وأقراص الكبة (من تحت ديات أم الخير) وكؤوس العرق البلدي وحديث رؤساء العصابات المبتذل باللهجة السورية.
٦) بداية الرواية كانت مربكة وغير مفهومة، وحبذا لو أنه بدأ الرواية بالفصل الثاني المعنون ب(قصة العشرينيات السوداء) .. وهي بداية موفقة كانت ستشبه البدايات الكلاسيكية لروايات علاء الأسواني، إلا أن الكاتب أراد إثارة فضولنا على طريقة الفلاش باك المستهلكة بالأفلام الأمريكية.
٧) ربما من الشخصيات القليلة التي أستطعت أن أشعر بحيويتها وواقعيتها وأصالتها هي أم الخير. وقصص بعض الجوليارديين الجدد الذين نسيت أسمائهم في خضم خليط الأسماء العربية والألمانية الموجود على طول الرواية. بالإضافة لصاحب مقولة (ألماني على أرض ألمانية).
٣ نجمات : النجمة الأولى للأسلوب والجهد المبذول. النجمة الثانية لأم الخير. النجمة الثالثة لتفاؤلي بقدرة الكاتب على تقديم الأفضل مستقبلا عن برلين وقصص أبنائها من المهاجرين، بعيدا عن أجواء مسلسل الهيبة وأفلام المافيا الإيطالية.
رواية منعشة بعيدة عن النمطية التي تسود الرواية العربية مؤخرا. فيها سرد ممتع وحكاية وهذا ما أفتقده كثيرا في الروايات الحديثة. أتمنى أن أرى أعمال أخرى للكاتب.