What do you think?
Rate this book


207 pages, Paperback
First published January 1, 1997
لقد أكرمتني هذه المرأة. مجرد وجودها على مقربة مني و في هذه البقعة المعزولة و في وحدتي و قلقي كان فضلا. و السمك لا قيمة له. لا أتعب به و لا أنتفع. و عملية الصيد لا يمكنني إيقافها. أنا لا يمكن إلا أن أصطاد. حتى لو أعدت السمك ثانية إلى البحر. و هذه الصرة من خبز و تبغ. أثمن منه كثيرا. و هذه المرأة المجهولة أعز علي من كل النساء و كل الناس الأن.
يا بحر يا صاحبي. أنت تعرف محنتي. ساعدني. لا تكن بخيلا. الصديق وقت الضيق. و أنت صديقي. لم يبق لي صديق إلاك. أهل مدينتي نسوني. ربطت لهم الحوت و نسوني. و غدا .. إذا جاء حوت أخر يذكرونني .. يكفي. سأنساهم كما نسوني. و أبقى معك أنت يا حبيبي و يا رفيق عمري.
قلت في نفسي: صارت المرأة تمن عليك. و صرت تتقبل منة المرأة. خطوة أخرى على طريق الذل. كل خطاك صارت ذليلة. تلك السمكة التي أرمحتك وراءها و ذاك الكلب الذي أخافك. و هذه المرأة التي تأبى كرمك و تتكرم عليك. و عودتك صاغرا لتقبل كرمها. لتأخذ اللقمة التي وضعتها لك على العتبة كشحاذ ثم أغلقت الباب.
كان حزني غريبا و مضحكا. قد لا يكون حزنا بل أسفا. مثل الخوف و النذالة. في ذلك اليوم حزنت. صرت مسكينا مثل الدراويش. و خجلت من كل حالتي. و ندمت على الأيام التي فاتت. لا لأنني كنت فيها مجنونا و وحشا. بل لأنني كنت مقصرا في كل ذلك. و سمحت لنفسي بعد حادث زخريادس أن أصير رقيقا و رخوا مثل العجين. تبدلت يا زكريا .. مفتاح الشر كلمة و مفتاح النذالة خطوة. العنب يري بعضه و يسود. الهرب جلب الخوف. و الخوف جلب الحزن. و الحزن جر الرخاوة. و ماذا بقي من زكريا القديم؟ امرأة؟ يا إله الكون. صيرتني امرأة؟
كانت ساكتة. ضاحكة. هازئة. مثيرة. بغيضة. قام في ذهني عداء لها. رغبت في أن أقهرها و أغتصبها ثم أقتلها. ترددت في المضي إلى الأمام أو العودة إلى وراء. دب حنق عليها في صدري. فلم تعد شكيبتي و لا حبيبتي. بل قاهرتي. و الشاهدة الوحيدة على جبني و ذلي و عريي. و كل ما يجعلني أخجل لو تذكرته.و كل ما يدفعني إلى حذفه كيلا أتذكره.
اضطجعت في مكاني على الصخرة. لو غار الصخر في البحر و غرت معه.لو عام كلوح و عمت معه. لو خرج حوت و ابتلعني. لم يعد ثمة ما آسف عليه. و ما عشته يكفي. لقد شخت. صرت زائدا ما دام أحدا ليس بحاجة إلي. و ما دمت أعيش مطاردا. منبوذا. لعينا.![]()